================================================== =======================بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين , والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين وعلى اله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين
وبعد
موضوع مهم غاية في الاهمية قد يكون البعض غير ملتفت اليه الا وهو
(( التقليد في المسائل العقدية ))
انا سأطرح الموضوع وللأخوة الافاضل ان شاءوا ان يزيدوه او ينقحوه .
اعتمد في طرح الموضوع على راي سماحة السيد كمال الحيدري حفظه الله وادام بركاته لأنه اشهر من قال بهذه المسألة , وتقريبا هو الاشهر من بين جمهور العلماء المتصدي للمسائل العقدية ومناقشتها بحثا وتحقيقا ونقاشا
بسم الله وعلى بركة رسول الله ابداء بنقل بعض كلام سماحته مع تعليقات بسيطة لي في الهوامش على كلامه رعاه الله
هل يجوز التقليد في المسائل العقائدية ؟ (1)
في الوقت الذي اوجبت الشريعة التقليد بالمعنى الذي اشرنا اليه في مسائل الحلال والحرام , حرمت ذلك في المسائل العقائدية الاساسية , فلم تسمح للمكلف بان يقلد فيها , وذلك لان المطلوب فيها ان يحصل العلم واليقين للمكلف بربه ونبيه ومعاده وامامه , بخلاف المطلوب في مسائل الحلال والحرام (2) , ومن هنا دعت الشريعة كل انسان مسلم الى ان يتحمل مسؤولية عقائده الدينية الاساسية والمحورية , بدلا من ان يرجع فيها الى المتخصص ويحمله مسؤوليتها ومن غير تحقيق ودليل .
ولكن قد يقال : ان الانسان المتعارف قد لا يمكنه – غالبا – الاجتهاد والتحقيق في جميع المسائل العقائدية التي يجب عليه الايمان وعقد القلب عليها .
والجواب : ان المسائل العقائدية تنقسم الى قسمين :
الاول : العقائد الاساسية : كأثبات وجود الله تعالى وتوحيده , ونبوة الانبياء واصل عصمتهم , والامامة , والمعاد ونحوها . فانه لا يجوز فيها التقليد , كما هو المشهور بين الفقهاء , بل يجب فيها تحصيل العلم واليقين من خلال البحث والنظر , ولا يلزم منه أي محذور , وذلك لان مثل هذه المسائل لما كانت محدودة عددا من ناحية , ومنسجمة مع فطرة الناس عموما من ناحية اخرى على نحوٍ تكون الرؤية المباشرة الواضحة ميسورة فيها غالبا , وذات اهمية قصوى في حياة الانسان من ناحية ثالثة , كان تكليف الشريعة لكل مكلف بان يبذل جهدا مباشرا في البحث عنها واكتشافها وحقائقها , امرا طبيعيا , ولا يواجه غالبا صعوبة كبيرة , ولا يؤثر على المجرى العملي لحياته , ولئن واجه احيانا صعوبات كذلك فانه جدير ببذل هذا الجهد لتذليل تلك الصعوبات , لان عقيدة الانسان هي اهم واغلى وانفس ما فيه ; ان صحت صح ما سواها , وان بطلت بطل ما سواها . (3)
وهنا لابد من الالتفات الى ان هذا التكليف الديني , انما هو بحسب اختلاف مستويات الناس الفكرية والعقائدية فلم يكلف كل انسان النظر والبحث في هذه المسائل العقائدية الا بقدر الذي يتناسب مع مستواه , ويصل به الى قناعة كاملة بالحقيقة تطمئن بها نفسه ويعمر بها قلبه , ويتحمل مسؤوليتها المباشرة امام ربه .
الثاني : العقائد الفرعية : كمعرفة حقيقة الصراط المستقيم يوم القيامة وتطاير الكتب , وكذا معرفة حقيقة العصمة ومراتبها , وان النبي والائمة ولايتهم تكوينية ام لا ؟ وهكذا عشرات , بل مئات المسائل العقائدية الاخرى فانه لا يشترط فيها النظر والاجتهاد , وانما يكفي فيها الرجوع الى المختصين والمجتهدين في مثل هذه المجالات, ولكن بشرط الاطمئنان – أي العلم العادي – من كلامهم .
ومن هنا اعرج قليلا على راي سماحته في الاجتهاد اذ يقول : (4)
الاجتهاد واجب كفائي على من كان قادرا عليه , أي : اذا قام به البعض , وبلغوا درجة الاجتهاد , سقط الوجوب عن الاخرين . واذا اهمل من كان قادرا عليه , كانوا جميعا اثمين .
وليس للبعض عدد محد شرعا , بل يتحدد وفقا للحاجة .
للاجتهاد نوعان :
الاول : ان يكون الاستنباط في جميع المعارف الدينية , العقائدية (5) منها والعملية , وبتعبير القران الكريم ان يكون متفقها في الدين , قال تعالى ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ) (6)
فان الظاهر منها هو التفقه والاجتهاد في جميع المعارف الدينية من اصول وفروع , وهذا ما نصطلح عليه ب ( المجتهد المطلق ). (7)
الثاني : ان يكون قادر على استخراج الحكم الشرعي الفقهي فقط , وهذا على نحوين :
- تارة يكون كذلك في مختلف ابواب الفقه وجميع مسائله .
- واخرى يكون قادر على ذلك في بعض الابواب او المسائل الفقهية دون بعض ,
وهذا النوع من الثاني بكلا نحويه وهو الذي نصطلح عليه ب (المجتهد المتجزئ ).
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1) الفتاوى الفقهية للسيد الحيدري الطبعة الثالثة دار المرتضى ص 16
(2) حتى في مسائل الحلال والحرام والفروع هناك بعض المسائل لا يجوز فيها التقليد , مثل وجوب الصوم والزكاة والحج والصلاة وعدد ركعات كل فرض .
(3) مراجع الفديو المرفق المعارف الدينية واهميتها وخصوصا جزئه 2 .
(4) الفتوى الفقهية ص 18 .
(5) وهنا يشترط على من يكون مجتهدا في العقائد ان تكون له رؤيا تفسيرية للقران , لان اغلب العقائد والمسائل العقدية تؤخذ من الكتاب الكريم فمن لا يملك رؤيا تفسيرية للقران الكريم لا يستطيع ان يكون مجتهدا بالعقائد , وان ادعى ذلك فما هو الا مستنسخ لآراء غيره وليس مستنبط للحكام العقدية .
(6) التوبة 122 .
(7) حدث نقاش هنا في المنتدى من فترة حول التقليد بصورة عامة , وانا قلت حينها انا لا استطيع ان افهم الآية 122 من سورة التوبة بانها دليل على الاجتهاد والتقليد بالمفهوم الشائع بانه مختص بمسائل الحلال والحرام لان الآية الكريمة تتحدث عن الانذار بعد التفقه في الدين وطبيعة الانذار حقيقة لا تكون في مسائل الحلال والحرام فمن غير المنسجم مع معنى المفردة مثلا ان يقال اني انذرك بان تقرأ التسبيحات 3 في الركعة الثالثة والرابعة , ومن غير المنسجم مع معنى الانذار بان يقال انذرك بان تتوضأ هكذا ... الخ من مسائل الحلال والحرام . ولو اجرينا احصاء لجميع الآيات الكريمة التي ورد فيها مفردة الانذار في القران الكريم لوجدتها جميعا تتحدث عن الانذار في العقائد , فجميع الآيات الكريمة التي ورد فيها الانذار كانت تتحدث اما عن التوحيد والشرك او الايمان بالأنبياء والرسل وتكذيبهم او اليوم الاخر والعذاب والميعاد , او في مواضيع تدور في فلكها . ولا توجد اية واحدة مرتبطة بحكم فقهي من الفقه الاصغر الحلال والحرام فيها مفردة انذار . وهذا يدل ويصح ان كان مفهوم الاجتهاد يكون في المعارف الدينية عامة ومنها العقائد .
معالم انفتاح في مفهوم التقليد عند السيد الحيدري ( 1 )في شروط التقليد بالتحديد في شرط الحياة يقول سماحتهالثامن : الحياة , الاقوى ان الحياة ليست – بعنوانها – شرطا في جواز التقليد ولكن حيث ان الأعلمية – الشرط المرجح عند الاختلاف بين الفقهاء – لا تدوم عادة اكثر من جيل او جيلين ( 2 ) , اشترطت الحياة في مرجع التقليد , ولذا يجوز تقليد الميت ابتداء في الاحكام الشرعية , بشرط ان تكون مبانيه واقعة ضمن القواعد والاسس العامة التي اوصل اليها علم الفقه المعاصر . نعم , يجب الرجوع الى الحي في الامور العامة المتعلقة بالولاية .
ومن الشروط الاخرى للمرجع
التاسع : الأعلمية , اذا تعدد المجتهدون الذين تتوفر فيهم الشروط السابقة (3), فهنا حالتان :
الاولى : ان يكونوا متفقين في آرائهم وفتاواهم , وهنا يجوز للمقلّد ان يرجع الى أي واحد منهم , الا ان هذا مجرد افتراض نظري وليس واقعي في الحياة العملية عادة , لأن الاجتهاد مثار الاختلاف بين الفقهاء .الثانية : اذا اختلفوا وعلم المقلد بانهم مختلفون في آرائهم , فهنا يجب الرجوع الى الاعلم ونعني به كما ذكرنا سابقا : الاعرف والاقدر على الاستنباط في جميع المعارف الدينية , خصوص مسائل الحلال والحرام , على ان يكون الفاصل بينه وبين غيره معتد به , وكبير , ومؤثر في عملية الاستنباط (4).
في سؤال حول ماهي طرق معرفة الأعلمية ؟في جوابه خامسا : يجوز الاعتماد على كل سبب يؤدي الى يقين المقلد وايمانه بان فلان هو الاعلم - مهما كان ذلك السبب – فان ذلك يحتم عليه ان يقلده دون سواه (5).
في سؤال : ما هو تكليف من قلد مجتهدا , ثم شك – لسبب من الاسباب – في كونه واجدا لشروط المرجعية او لا ؟الجواب طويل شوية بس انقل منه على فرض انه فحص وتثبت ان شكه كان في محله – أي اصبح يقين - ففيما يخص اعماله السابقة هناك عدة صور منهاالاولى : وهي فيما اذا كان الشرط المفقود في المرجع السابق هو الأعلمية , دون سائر شروط التقليد , فهنا يحكم بصحة جميع اعماله السابقة واجزائها , و لا حاجة الى الاعادة او القضاء ( 6 ) .
سؤال : اذا مات المرجع , فما هو تكليف من كان مقلدا له ؟في الصورة الثالثة : ان يكون الميت والحي على مستوى واحد علما وفضلا وكفاءة , أي انهما في طبقة علمية واحدة , فهنا يتخير المكلف بين البقاء على الميت , او العدول الى الحي , وكذا يجوز له التبعيض بان يأخذ بعض المسائل من احدهما والبقية من الاخر ( 7 ) .
اعود لشروط التقليدالرابع : الذكورة , الاقوى هو التفصيل ما بين مقام الافتاء – فانه يشترط فيه ذلك , فيجوز تقليد المرأة ايضا اذا اجتمعت فيها باقي الشروط ( 8 ) – ومقام الولاية وزعامة الطائفة , فانه يشترط فيه ذلكـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـالهوامش :(1)الفتاوى الواضحة للسيد الحيدري , دار المرتضى 1433 هـ من ص 22 الى ص 28 .(2)اذا يجوز التقليد بين الحي والميت ويجوز الرجوع لفتوى الميت في جميع المعارف الدينية ولجيلين حسب الفرض .(3)هنا يأتي شرط الأعلمية في حالات خاصة وليس دوما – يعني شرط تفضيلي بعد تحقق الشروط الاخرى – وليس شرط اصيل .(4)في تحقيق الأعلمية ان يكون الفاصل بينهما كبير ومعتد به , وليس طفيف , فالسيد يحدد مستوى أعلمية وليست أعلمية فردية – فالمدار عن المستوى الواقع فيه المجتهد .(5)تبسيط جميل جدا للتطبيق – بحيث يستطيع ان يشخص الأعلمية باي طريقة – فيصبح تطبيقها وتشخيصها مستساغ للعوام وهم مسؤولون امام الله عن طريقهم الخاص بتشخيص الأعلم , لان في تشخيص الأعلمية مشكلة حقيقية في التقليد اذا ما اعتبرناها شرط اصيل ومحصورة بسبل معينة – اغلبها اكل وشرب عليها الزمن –(6)تأكيد على ان شرط الأعلمية ليس اصيل بذاته .(7)اذا اذا كانوا بمستوى علمي واحد يجوز التبعيض يأخذ الفتوى حتى من الاموات .(8)هنا انفتح اكثر .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــتعليق :هنا اذا كان شرط الأعلمية ليس اصيل كما هي سائر شروط المرجعية كما جاء في (2) و (3 ) فهي مبنية على قول معظم العلماء و التفضيل في حال تعدد المجتهدون الجامعين للشرائط , وبالاعتماد على النقطة (4) و (6) ايضا , انا في رايي السيد ترك تطبيق ذلك للمكلف ويكون من وجهة نظري المتواضعة حسب النقطة (5) ان جميع الاعلام ومنهم المتوفين في عصر قريب بالاعتماد على نقطة (2) – من دون ذكر اسماء – جميعهم في مستوى علمي واحد تقريبا – وان تباينوا فتباينهم يكون طفيف وغير معتد به بدرجة كبير ( فيكون التبعيض هو سيد الموقف تطبيقا ) كما في نقطة (7) , وكما قال بذلك فقهاء معاصرين اخرين – وكأنه الفقه الحديث يتجه نحو التبعيض - .فيكون عمليا باستطاعة المكلف ان يأخذ الفتوى الفقهية سواء بالفقه الاصغر الحلال والحرام او الفقه الاكبر المسائل الفرعية في العقائد من أي فقيه واقع في دائرة الأعلمية ومستوى الاعلم – وما اكثرهم – تقريبا معظم اعلامنا حتى المتوفين .تبقى ملاحظة بسيطة ان البعض ليس لديه تراث في الفقه الاكبر او تراثه العلمي في الفقه الاكبر والتفسير قليل بما قد يوحي انه غير مصطحب لملكة الاستنباط فيه وهنا يكون مجتهد متجزئ حسب راي سماحته ويجوز له حتى الافتاء لكن لا يجوز له نصب نفسه مرجعا او القيام ببعض المهام الولائية والقضاء واقامة الحدود ( وهذا عمليا ان طبقناه على مجتهدينا فهم قلة قليلة من ينطبق عليهم وصف متجزئ كما جاء بيانه سابقا )فيكون لك جواز التبعيض بين فتاوى الاعلام الواقعون في دائرة الاجتهاد المطلق و الأعلمية , بمفهوم هو ابسط مفهوم للتقليد ( رجوع الجاهل للعالم ) .