لقد كان إسلام عمر نصرًا عظيمًا للدعوة الوليدة التي مرَّت بمحن وشدائد عديدة وقوية في مكة منذ بدايتها، وكان إسلام حمزة وعمر بمثابة الانفراجة النسبيَّة وقتها، وقد تعرَّضنا لقصَّة إسلام عمر مع كثرة رواياتها وفنَّدنا تلك الروايات، ثُمَّ ذكرنا القصَّة الأرجح لإسلام الفاروق ووضحنا بعض الدروس الدعويَّة والتربويَّة الهامَّة من خلالها، والآن لنا بعض التعليقات الهامَّة على مسألة إسلام عمر رضي الله عنه:

أولًا: عادةً الذي يدخل مجالًا جديدًا أو يلتحق بمجموعة عملٍ أو صحبةٍ جديدة، فإنَّه يدخل إليها متوجِّسًا، يتلمَّس خطواته برفق، ويبحث عن وسائل اتصال تُقَوِّي علاقاته بمَنْ حوله، ويبدأ في تفهُّم العمل الجديد حتى يصل إلى درجة الإتقان تدريجيًّا، أمَّا الذي رأيناه في قصَّة إسلام عمر رضي الله عنه فمختلف تمامًا عن هذا الذي يحدث مع كلِّ الناس!

فهو يقترح على المسلمين الإعلان وتغيير المرحلة بكاملها من أولى لحظات إسلامه، وهو يتقدَّم الصفَّ -إلى جوار حمزة- ولا يقف وسط الناس ويترك المقدِّمة للأوَّلين؛ أمثال: الصديق وسعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة وكبار الصحابة، وهو يذهب لأبي جهل شخصيًّا يُعلمه بإسلامه، ثم يُطَوِّر إعلانه، ويتحدَّث إلى أكثر الناس نقلًا للأخبار فينشر الخبر في مكة كلِّها في لحظات، ثم هو يُقَاوِم ويضرب ويُجادل ويُنظِّر للمراحل القادمة، ويُحَدِّد أرقامًا عندما يصل إليها المسلمون سيتركون مكة، أو يُجبرون أهل مكة على تركها!

إنَّ كلَّ ما ذكرناه لا يُفَسَّر إلا بكلمةٍ واحدة هي: هذا هو عمر!

ليس من فراغٍ أن حاز عمر رضي الله عنه هذه المكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من السهل أن يُصبح الرجل مبشَّرًا بالجنَّة وهو يسير على الأرض، وليس معتادًا، أن يُوزَن رجل بالأُمَّة كلِّها فيرجح بها[1].

عمر رضي الله عنه رجل لم يتكرَّر في التاريخ كثيرًا، ولن يتكرَّر بعد وفاته، ولقد كان من سعادة المسلمين الذين عاصروه أنهم رأوه وجلسوا معه وناقشوه وحاوروه، فهو بحقٍّ علامة في تاريخ الإنسانية كلِّها.

ثانيًا: كان ردُّ فعل الناس عند إسلام عمر رضي الله عنه غريبًا على أهل مكة؛ فالمعتاد عندما يكتشفون إسلام إنسان أن يقف له أهل قبيلته فيزجرونه أو يقهرونه بالقوَّة أو يُعَذِّبونه؛ لكن أن تقف مكة بكل قبائلها هكذا في حربٍ مباشرةٍ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهذا موقفٌ له دلالته.

والذي يبدو لي أنَّ مكة قد وصلت في هذه المرحلة إلى حالةٍ من الاحتقان والتوتُّر فقدت فيها عقلها وحكمتها؛ فهم لم يفيقوا بعدُ من مشكلة إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه الفارس الشريف القوي، فإذا بهم يُفْجَعون بإسلام عمر، وهم قد علموا بهجرة بعض الأصحاب إلى الحبشة، ولا يدرون ما تحمله الأيام بهذه الهجرة، ولقد صاحب إسلام عمر رضي الله عنه خروج أربعين رجلًا من المسلمين يُعلنون إسلامهم، ولئن كان أهل مكة يعرفون بإسلام الصديق وعليٍّ وبلال وعمار وبعض الصحابة، فإنَّهم لا يعرفون الأسماء الجديدة الكبيرة التي ظهرت، وما يحمله هذا الظهور من احتمال التأثير على شباب مكة الذي لم يُسلم بعدُ؛ كل هذا دفع أهل مكة إلى انتهاج هذا السبيل الجديد مع عمر، وأعتقد أنَّ هذا الصدام حَدَثَ دون تفكير، أو سابق إعداد؛ خاصَّة أن عمر استثارهم واستفزَّهم بطريقته الإعلانيَّة الخاصَّة التي حملت تحدِّيًا صارخًا لكبريائهم وكرامتهم.

ثالثًا: استفاد المسلمون من إجارة الكافرين لهم ما دام هذا لا يحمل أيَّ نوع من التنازل في الدين أو العقيدة، ولا يفرض عليهم شروطًا تُخِلُّ بإسلامهم، ولقد رأينا في هذا الموقف العجيب أن الذي جاء ليُجير عمر بن الخطاب ويُنقذه من الناس هو العاص بن وائل السهمي؛ وذلك لأن بني سهم كانت متحالفة مع بني عدي قوم عمر[2]، والعاص بن وائل من كبار المشركين، ومن أشدِّ العتاة من الكفر، وهو من المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم والدين، وله مواقف شرسة مع الدعوة؛ ومع ذلك فقد جاء مسرعًا محترِمًا لقواعد الجوار التي أقرَّتها مكة قبل ذلك، ومستغِلاًّ سطوته وعزَّه في حماية مسلمٍ داخلٍ في حلفه.

والجميل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبوله بهذه الإجارة، وهو يُعطينا صورة عن واقعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبوله بتطبيق بعض قوانين المجتمع المشرك، ما دام أنها لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، ولا تنقص من دين المسلمين.

رابعًا: لم يكن الدافع عند العاص بن وائل في مثل هذا الموقف في دفاعه عن عمر بن الخطاب أنَّه رجل نبيل يُمارس حرية الاعتقاد، أو يرفض الظلم الواقع على المظلومين؛ إنما كان الدافع في الحقيقة هو خوفه على سمعته وشرفه، واهتمامه بمظهره ومكانته، حتى لا يُقال: إنَّ عمر بن الخطاب قد أُوذي وحلفاؤه ينظرون. أو يُقال: إنَّ الناس لم تُعْطِ العاص بن وائل قيمةً أو أهميَّة..

هذا هو الذي دفعه وليس مكارم الأخلاق؛ لأنَّ الرجل كان متدنِّيًا جدًّا في هذا المجال، ولقد نقلت لنا الآثار الصحيحة موقفًا في الفترة نفسها تقريبًا يُعَبِّر عن مدى خِسَّة هذا الرجل ونذالته، وينقل الموقف لنا خباب رضي الله عنه فيقول: كُنْتُ قَيْنًا[3] فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلَ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، قَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: لَا أَكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللهُ، ثمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالًا وَوَلَدًا، فَأَقْضِيَكَ. فَنَزَلَتْ: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: 77، 78][4].

وخباب الذي حدث معه الموقف هو أحد الصحابة الكرام، وقد اختلف العلماء في تحديده؛ فمنهم مَنْ يقول: إنَّه خباب بن الأرت رضي الله عنه المشهور، ومنهم من يقول: إنَّه خبابٌ آخر، وهو مولى لعتبة بن غزوان رضي الله عنه[5]، والذي يهمُّنَا في الموقف أن العاص بن وائل هنا قَبِلَ بأكل مال حدَّاد بسيط، وأوقع الظلم الفادح عليه، لا لشيء إلَّا لإسلامه، وهنا مع عمر يقف هذا الموقف النبيل لا لشيءٍ إلَّا للحفاظ على مكانته وسلطانه، وهكذا تكون طبائع أهل الدنيا!

خامسًا: لم يخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الموقف عن كونه بشرًا يشعر بكلِّ مشاعر البشر، وهذا يزيد من قيمته وقدره؛ فقد نقلت كتب السُّنَّة موقفًا يظهر فيه خوف عمر من اجتماع الناس عليه، واحتمال قتله، وهذا في رأيي يرفع من درجة عمر رضي الله عنه، ويُثبت أنه مُقَدِّر تمامًا لخطورة الموقف، ولم يفعل هذا الإعلان الكبير تهوُّرًا ولا اندفاعًا؛ إنَّما فعله تضحية وإيمانًا، وهو كعامَّة الناس يخاف على حياته وأولاده..

يروي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ عمر بينما كان فِي الدَّارِ خَائِفًا إِذْ جَاءَهُ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ[6] بِحَرِيرٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ. قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ[7]. بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ، فَخَرَجَ الْعَاصُ فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الْوَادِي[8]، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَا. قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ. فَكَرَّ النَّاسُ[9].

فهذه إجارة ثانية من العاص بن وائل، وفيها التصريح بخوف عمر؛ بل أكثر من ذلك أنه بعد أن سمع كلمة العاص بن وائل: لا سبيل إليك. قال: بعد أن قالها أمنتُ! فهذه مشاعر طبيعية؛ خاصَّة ونحن نرى في تصوير الرواية أن الوادي سال بالناس! فكأنَّ أهل مكة جميعًا جاءوا ليقتلوا عمر، وسيُفرَّق دمه بين القبائل؛ لكن الله عز وجل عصمه بكافر، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: 31].

سادسًا: لا أعرف أحدًا في السيرة النبوية تعرَّض لما تعرَّض له عمر رضي الله عنه في أول أيام إسلامه، اللهم ما حدث مع أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وسيأتي الحديث عنه لاحقًا، فعادةً ما يُسْلِم الرجل فترة، ثم إذا اكتُشف إسلامه بعد عام أو اثنين أو أكثر يتعرَّض عندها للإيذاء، وكأنَّ هذا إعداد تربوي لتحمُّل الإيذاء، أمَّا العملاق عمر فقد رأى هذا الإيذاء بالضرب واللعن، والتعرُّض للقتل؛ وذلك من أول أيام إسلامه، ويبدو أنه على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ! وقد عَلِمَ عمر من بداية قصته في الإسلام طبيعة الطريق، فصار جاهزًا لأي شيء بعد ذلك، فما عاد للمشركين جميعًا أي وزن في عينيه، وما عاد للعرب أو العجم رهبة، وما عاد للفرس أو الروم أو غيرهما أي مقدار في قلب الفاروق عمر، ومَنْ أشرقت بدايته، سعدت نهايته!

سابعًا: اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر عمر لم يكن أمرًا عابرًا؛ فهو يُقَدِّر لكلِّ شخصيَّةٍ قدرها، ويعرف موازين الرجال؛ ولذلك أولاه اهتمامًا خاصًّا، ودعا له ولأبي جهل، ثُمَّ دعا له منفردًا كما شرحنا قبل ذلك، ثُمَّ بعد إسلامه اهتمَّ بأمره جدًّا، فدعا له دعاءً خاصًّا، لا يُعَبِّر فقط عن حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن يُعَبِّر كذلك عن مدى الأسى الذي كان يُصيب المسلمين من عمر قبل إسلامه، ومدى العداوة التي كانت بينهم وبينه؛ حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا برفع الغلِّ الذي كان في قلب عمر على المسلمين..

روى ابن عمر رضي الله عنهما، عن أبيه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ صَدْرَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ بِيَدِهِ حِينَ أَسْلَمَ ثَلاثَ مِرَارٍ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَخْرِجْ مَا فِي صَدْرِهِ مِنْ غِلٍّ، وَأَبْدِلْهُ إيمانًا». يقول ذلك ثلاثًا[10].

وقد استُجيب لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فخرج كلُّ غلٍّ من قلب عمر رضي الله عنه حتى صار أحرص الناس على كلِّ مسلم، يعرفه أو لا يعرفه، وهذا في سيرته كلِّها.

ثامنًا: انتهت بإسلام عمر رضي الله عنه مرحلة البطش والتعذيب الجماعي المعلَن، وصار الأمر فرديًّا ومحدودًا جدًّا، وما حدث مع عمر في أوَّل يوم من ضرب وتهديد كان أمرًا استثنائيًّا لم يتكرَّر معه مرَّة ثانية، وظهر أثر ذلك العملاق على حياة المسلمين جميعًا، خاصَّة الضعفاء منهم؛ ولذلك يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ»[11].

ورُوِيَ بسند ضعيف أن صهيبًا الرومي رضي الله عنه قال: «لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ ظَهَرَ الإِسْلَامُ، وَدُعِيَ إِلَيْهِ عَلَانِيَةً، وَجَلَسْنَا حَوْلَ الْبَيْتِ حِلَقًا، وَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَانْتَصَفْنَا مِمَّنْ غَلُظَ عَلَيْنَا، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ بَعْضَ مَا يَأْتِي بِهِ»[12].

لقد كانت نقلة للإسلام والمسلمين، ولا شكَّ أن هذا سيدعو مكة وزعماءها إلى تغيير استراتيجية التعامل مع المسلمين، فلم تَعُدِ الوسائل القديمة قادرة على مقاومة المسلمين، وبات واضحًا أن المسألة مسألة وقت، وأن الإسلام يكتسب في كل يوم أعوانًا جددًا.

تاسعًا: على الرغم من هذا الكلام المبشِّر، وعلى الرغم من ارتفاع معنويات المسلمين بإسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما فإنَّ المسلمين ما زالوا يكفُّون أيديهم عن المشركين، فلا قتال ولا حرب، ولا سيف ولا رمح؛ إنَّما الكلمة الطيبة، والدعوة بالتي هي أحسن، حتى مع أولئك الذين يتعرَّضون للمسلمين بالأذى في أجسادهم وأموالهم، وهذا يدلُّنا على واقعيَّة المنهج الإسلامي وعقلانيَّته، فالمرحلة تغيَّرت نسبيًّا ولم تتغير كلِّيًّا، فالآن يمكن أن يقوم المسلمون بالإعلان العامِّ للإسلام؛ لكن لا يُمكن لهم المقاومة المسلحة للمعتدين، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُفَرِّق بين كونه جماعة مؤمنة في دولة كافرة وظالمة، وبين كونه مستقبَلًا دولة مستقلَّة -كما سيحدث في المدينة- لها رأيها وجيشها وحكومتها وشعبها، والفارق بين الجماعة والدولة هو الفارق بين قرار الرسول صلى الله عليه وسلم هنا بالإعراض عن المشركين، وهناك في المدينة بالجهاد لهم.

عاشرًا: وقفة أخيرة مع سِنِّ عمر بن الخطاب يوم أسلم، ويوم حدثت كلُّ هذه التغييرات الجذريَّة في حياة الدعوة، ويوم انتصف المسلمون ممَّن غلظ عليهم، ويوم تغيَّرت المرحلة من السرِّيَّة إلى العلنيَّة، ويوم ظهرت عزَّة الإسلام والمسلمين..

لقد كان عمر رضي الله عنه عند إسلامه يبلغ من العمر الثانية والثلاثين أو الثالثة والثلاثين[13]! وإنه لمن الواضح أنَّ المسألة ليست بالسنِّ؛ فها هو الشاب عمر رضي الله عنه يقف في مواجهة أشياخ مكة الكبار، وها هي هيبته تهزُّ قلوبهم، وها هي كلمته تصل إلى آذانهم وعقولهم..

إنَّها رسالة إلى كلِّ شباب الأُمَّة.. أن اصنع لنفسك قيمةً وهيبة، وعِش حياة الجديَّة، وكن رمزًا لأُمَّتِكَ ودينك، وألقِ في قلوب الناس الحبَّ لهذا الدين، والاحترام له، والتقدير لأهله، فهذه رسالةٌ في يديك عليك أن تُقَدِّمها، فلا تنتظرنَّ أن يأتي المشيب حتى تُحقِّق هذا المطلب، فقد حقَّق عمر أضعافه وهو في مقتبل العمر، ولنا في هؤلاء سُنَّة حسنة.

د.راغب السرجاني
[1] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة بعد طلوع الشمس، فقال: «رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ: فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ: فَهَذِهِ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ فَوُزِنَ بِهِمْ فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُمَرَ فَوُزِنَ فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُثْمَانَ فَوُزِنَ بِهِمْ ثُمَّ رُفِعَتْ». أحمد (5469)، واللفظ له، والطبراني: المعجم الكبير (7880)، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، إلا أنه قال: «فرجح بهم». في الجميع. وقال: «ثم جيء بعثمان فوضع في كفة ووضعت أمتي في كفة، فرجح بهم، ثم رفعت»، ورجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9/58، 59.

[2] تحالفت بنو عبد الدار مع بني مخزوم، وبني سهم، وبني جمح، وبني عدي، وسمُّوا الأحلاف، عقدوا حلفًا مؤكدًا على أن لا يتخاذلوا، ولا يُسلم بعضهم بعضًا. وذكرنا سبب تحالف المطيبين والأحلاف، ص66.

[3] قينًا؛ أي: حدَّادًا.

[4] البخاري: كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقًّا فليطلبه في عفاف، (1985)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: 85] الآية، (2795).

[5] قال ابن منده في معرفة الصحابة (ص485-487): خباب بن الأرت أبو عبد الله مولى بني زهرة، مهاجري بدري، ويقال: مولى لبني أنمار. وقيل: لبني سعد، ويقال: مولى عتبة بن غزوان. ثم قال ابن منده بعده: خباب مولى عتبة بن غزوان شهد بدرًا، لا يعرف له رواية. وقال ابن الأثير: خباب مولى عتبة بن غزوان... ليست له رواية. انظر: أسد الغابة 2/151، ولكنه قال في موضع آخر: قال بعض العلماء: إن خباب بن الأرت لم يكن قينًا، وَإِنما القين خباب مولى عتبة بن غزوان، والله أعلم. انظر: أسد الغابة 2/147.

[6] مكفوف: مخطط.

[7] لا سبيل إليك: لا يستطيع أحد أن يصل إليك بمكروه.

[8] سال بهم الوادي؛ أي: ملئوا الوادي بكثرتهم.

[9] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3651).

[10] الحاكم (4492)، وقال: حديث صحيح مستقيم الإسناد ولم يخرجاه. والطبراني: المعجم الكبير (13225)، والمعجم الأوسط (1096)، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد 9/65.

[11] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه (3481).

[12] ابن سعد: الطبقات الكبرى 3/269، وابن شبة: تاريخ المدينة 2/660، والبلاذري: أنساب الأشراف 10/293، وابن عساكر: تاريخ دمشق 44/44.

[13] وُلد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وقيل غير ذلك، وقُتل سنة ثلاث وعشرين من ذي الحجة. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3/1144، 1145، وابن الأثير: أسد الغابة 4/138، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 4/484، وقال عبد السلام بن محسن آل عيسى: هو الراجح لموافقته ما في الصحيح والله أعلم. انظر: عبد السلام بن محسن: دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه 1/86، فهو بذلك أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة سنة، وفي العام السادس من البعثة يكون سن عمر رضي الله عنه تقريبًا 33 عامًا، ويؤكد ذلك ما رواه مسلم عَنْ جَرِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه، يَخْطُبُ فَقَالَ: «مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ». مسلم: كتاب الفضائل، باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة (2352).