واحة حضارة ومشعل ثقافة وأدب، عكس الهوية الحضارية والإرث التاريخي للسعودية، عبر منصات تفاعلية وتجسيد لمشاهد عربية لحياة الشعراء لتناثر القصائد بين الأسواق التاريخية ومزادات العرب، وقوافل التجارة (الشام، اليمن).
هكذا ظهر عنوان "سوق عكاظ" في نسخته الـ12، ليحقق أهداف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، وتقيمه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وشركاؤها، ليصبح وجهة سنوية ينتظرها رواد الفكر والإبداع والتميز من داخل السعودية وخارجها.
وتعتبر "جادة عكاظ" العنصر الأهم في سوق عكاظ، حيث تقام فيها معظم الفعاليات والعروض، وتشهد هذا العام تطوراً من خلال التجديد في طريقة العرض، كما تتضمن عدداً من الفعاليات التراثية والثقافية والعروض المسرحية، إضافة إلى فعاليات الحِرَف والصناعات اليدوية، في حين تتضمن الفعاليات الجديدة في نسخة السوق الحالية عروضاً لقصص من حياة الشعراء بالسوق، منهم عمرو بن كلثوم، وعنترة بن شداد، وزهير بن أبي سلمى، وامرؤ القيس، وطرفة بن العبد، والأعشى، وقس بن ساعدة، فضلاً عن عروض للأسواق التاريخية ومزادات العرب.
سبب التسمية
كانت القبائل تجتمع فيه كل عام يتفاخرون فيه، ويحضره الشعراء، فيتناشدون ما أحدثوا من الشعر، ثم يتفرقون باعتباره أعظم أسواق العرب وفخرها، إلى جانب سوق "مجنة" الذي كانت تقيم فيه العرب 20 يوماً من ذي القعدة، ثم تنتقل إلى سوق ذي المجاز حتى بداية موسم الحج، وقد سمي سوق عكاظ بهذا الاسم، لأن العرب كانت تجتمع فيه فيعكظ بعضهم بعضاً بالمفاخرة (أي يتفاخرون فيما بينهم)، كما كان السوق بمعناه العصري معرضاً يعرض كل صاحب بضاعة بضاعته، فهو المكان الأكبر للبيع والشراء واجتماع القوافل في الجزيرة العربية.
كما كان سوق عكاظ بيئة للشعر والمبارزة بالفصاحة واللغة منذ بدايته، وجمع السوق على منصته عادات العرب والتعرف على أحوالهم السياسية والاجتماعية، وحتى عرض أفكارهم ومعتقداتهم حيث كانت تتوافد عليه العرب والعجم.
ماذا يقدم سوق عكاظ؟
أصبح سوق عكاظ اليوم مقصداً للكثير من السياح من شتى أنحاء العالم، لمشاهدة السوق كمعلم تاريخي ضارب في جذور الماضي، ولا يزال يحتفظ بعبق التاريخ وبريق الحاضر، حيث لا يشكل السوق أهمية للمملكة فحسب، بل إنه رمز لكل العرب والناطقين بلغة القرآن.
وتتجلى في "سوق عكاظ" مع الزمان مكانة المكان، وقيمة الإنسان، والشعر العربي قديمه وحديثه، لينقل بصدق وأمانة هذه الصورة الباعثة على الحنين إلى ماضي السوق، والدافعة إلى استحضار العهد الجميل لعكاظ في الزمن الذي يعيشه الجميع، حيث كان السوق في زمنه مدرسة نقدية متقدمة في دنيا العرب، تعرض عليها أشعار الناس، وآدابهم وحتى أخلاقهم ومفاخرهم وسلوكهم في السلم والحرب، يعرف من خلالها جيد الشعر من رديئه، وكريم الناس من بخيلهم، وشجاعهم من جبانهم، إلى غير ذلك مما كان يعكظ في سوق عكاظ، ويعرفه داني الناس وقاصيهم من عرب وعجم.
ومثل سوق عكاظ عند شعرائه الأقدمين واقعاً معيشاً يستحق التسجيل والتبجيل، لكنه تحول فيما بعد إلى قيثارة حب شجية على أفواه الشعراء الذين لم يشهدوا هذا السوق، قيثارة شجية باعثة على الوجد والحنين والشكوى، وهم لا يخفون محاولاتهم استرجاع صور متخيلة من ماضٍ بعيد لعكاظ، ليصبح فيما بعد أثراً، وتحول الأثر فيما بعد إلى رمز ثقافي وتاريخي وشعار يرفع في المناسبات والمحافل الشعرية والأدبية، ثم يتمحور عند البعض إلى أمنية حبذا لو تحققت في ظل شتات العرب وفرقتهم، وفي زمن خفوت صوتهم الأدبي والشعري الذي كان يجمعهم ويوحدهم في سوق عكاظ الذي يملك بعداً تراثياً ضارباً بجذوره في الوجدان العربي منذ مئات السنين.