لوحة ( الفتاة ذات القُرط اللؤلؤي ) لـ الفنان الهولندي جوهانس فيرمير ؛ جداً تأسرني وخصوصاً تفاصيل عيونها وأحب قصتها لذلك وجبّ علي أني انزل لكم حكايتها :
في القرن السابع عشر في هولندا حيث يتجلى الفن الباروكي المستلهم من الديانة المسيحية. ويحكي العمل عن فتاة فقيرة ريفية تجبرها الظروف بعد مرض والدها على العمل كخادمة لدى إحدى العائلات من الطبقة الوسطى. وكانت أوروبا آنذاك تواجه الكثير من الاضطرابات والحروب الأهلية بسبب النزاعات الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت.
تلتحق الفتاة الفقيرة غريت بطلة القصه بالخدمة في بيت العائلة فيرميير المتوسطة الحال، وبالتدريج تتحول من شيء لا مرئي إلى موضوع مستقل ثم كائن له خصوصيته.
إلا أن دقتها وإتقانها لعملها أتاحت لها الفرصة لدخول أستوديو أو مرسم رب العائلة الفنان جوهانس فيرميير الذي كان ممنوعا على الجميع. ومن الطبيعي أن هذا الاستثناء أثار حفيظة العائلة تجاه تلك الخادمة الشابة والجميلة، لاسيما من قبل كاثرينا زوجة جوهانس.
لم يكن فيرميير باستطاعته الرسم منذ مدة على الرغم من أن فنه يشكل المورد الوحيد للعائلة. وكان الجميع يعيش حالة من القلق والتوتر. وفي أحد الأيام استوقف فيرميير لدى دخوله الصالة، مشهد انعكاس أشعة الشمس على وجه غريت التي كانت تقوم بعملها المنزلي قرب النافذة. ساهم هذا المشهد في استعادة الفنان لإلهامه وحماسه وعودته لفنه.
وسرعان ما تبين لفيرميير أن غريت تملك موهبة الرسم، ولم يتردد في تسليمها بعض المهام مثل طحن الألوان وتركيبها وشرائها إلى إعداد وتلوين خلفيات بعض اللوحات. أثار هذا التحول غيرة العائلة، وإن التزمت والدة كاثرينيا التي يعيشون في بيتها بالموضوعية.
وتسرد غريت مراحل تحول حياتها من كائن لا مرئي إلى إنسان له وجوده، وكيف أحبت حياتها الجديدة وإعجابها بسيدها الفنان الذي كان يهيمن حضوره عليها، وإن لم يتجاوز التواصل الحدود التي تفرضها الفروقات الطبقية على كلا الطرفين. وكانت تتغاضى عن إساءة معاملة السيدة لها التي كانت حاملا بالطفل الخامس أو السادس وكذلك الابنة الكبرى كورنيليا التي كانت غريت هاجسها الدائم.
وتصل الأحداث إلى الذروة حينما يكلفه وكيل أعماله برسم لوحة بورتريه له وأخرى للخادمة غريت التي أعجب بملامحها وهدوئها. وهكذا تبدأ غريت بالجلوس أمام سيدها لساعات طويله وبصورة سرية، وإن كانت الجدة تعلم بالأمر ولا تعارض لكونه تكليف من صاحب المال.
تصف غريت مشاعرها في تلك الساعات والسعادة التي كانت تعيشها، والمواقف المربكة بينهما، إذ طلب منها أن تظهر بعضا من شعرها، فكان رفضها قاطعا نظرا لكون شعرها يمثل خصوصيتها وكيف شعرت بالعار حينما تمكن من لمحه خلال تبديلها للمنديل الذي كانت تضعه، وحيرتها وخجلها حينما كان يطلب منها أن تدع فمها مفتوحا قليلا.
وبعد جلسات عديدة سرعان ما أدركت أن لوحته غير مكتملة وبحاجة لما يخرجها من جمودها. ولم يخف هذا الأمر على جوهانس الذي أدرك أن قرط اللؤلؤ الخاص بزوجته كفيل وحده بمد اللوحة بالحياة. ساعدت الجدة جوهانس في الحصول على القرط سرا أيضا، كما وافقت غريت على ثقب أذنها قبل زواجها وتحمل الألم لإنجاز اللوحة كما تراها في مخيلتها.
ووافقت على طلبه الأخير ذاك، وهي تدرك أن في هذا الأمر نهايتها المتمثلة بطردها من قبل سيدة المنزل. وسرعان ما اكتشفت الزوجة الأمر وأصيبت بهستيريا من غيرتها وكانت تلوم زوجها على رسمه خادمة بدلا من رسم زوجته. ينجز فيرميير اللوحة وترحل غريت لتتزوج ابن اللحام الذي أحبها منذ البداية، وكان من الواضح أن قلبها بقي مع جوهانس واللوحة. وبعد مضي عشر سنوات تطلب زوجته رؤية غريت وتعطيها قرط اللؤلؤ تبعا لوصية جوهانس الذي توفي .