قصة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) مع الأسد
بالإسناد عن منقذ بن الأبقع وهو من خواص مولانا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال (رحمه الله) :
كُنْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، وَهُوَ يُرِيدُ مَوْضِعاً لَهُ كَانَ يَأْوِي فِيهِ بِاللَّيْلِ ، وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى الْمَوْضِعَ فَنَزَلَ عَنْ بَغْلَتِهِ وَرَفَعَتْ عَنْ أُذُنَيْهَا وَجَذَبَتْنِي .
فَحَسَّ بِذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ : مَا وَرَاءَكَ ؟
فَقُلْتُ : فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ، الْبَغْلَةُ تَنْظُرُ شَيْئاً وَقَدْ شَخَصَتْ إِلَيْهِ ، وَتُحَمْحِمُ وَلَا أَدْرِي مَا ذَا دَهَاهَا ؟!
فَنَظَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى سَوَادٍ ، فَقَالَ : سَبُعٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ .
فَقَامَ مِنْ مِحْرَابِهِ مُتَقَلِّداً سَيْفَهُ فَجَعَلَ يَخْطُو . ثُمَّ قَالَ صَائِحاً بِهِ : قِفْ .
فَخَفَّ السَّبُعُ وَوَقَفَ ، فَعِنْدَهَا اسْتَقَرَّتِ الْبَغْلَةُ .
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : يَا لَيْثُ ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنِّي اللَّيْثُ وَأَنِّي الضِّرْغَامُ ، وَالْقَسْوَرُ وَالْحَيْدَرُ ؟! مَا جَاءَ بِكَ أَيُّهَا اللَّيْثُ ؟
ثُمَّ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : اللَّهُمَّ أَنْطِقْ لِسَانَهُ .
فَقَالَ السَّبُعُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيَا خَيْرَ الْوَصِيِّينَ ، وَيَا وَارِثَ عِلْمِ النَّبِيِّينَ ، وَيَا مُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، مَا افْتَرَسْتُ مُنْذُ سَبْعٍ شَيْئاً ، وَقَدْ أَضَرَّ بِيَ الْجُوعُ وَرَأَيْتُكُمْ مِنْ مَسَافَةِ فَرْسَخَيْنِ ، فَدَنَوْتُ مِنْكُمْ وَقُلْتُ أَذْهَبُ وَأَنْظُرُ مَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ ، وَمَنْ هُمْ ، فَإِنْ كَانَ بِهِمْ لِي مَقْدُرَةٌ وَيَكُونُ لِي فِيهِمْ فَرِيسَةٌ .
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مُجِيباً لَهُ أَيُّهَا اللَّيْثُ ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنِّي عَلِيٌّ أَبُو الْأَشْبَالِ ، الْأَحَدَ الْعَشَرَ بَرَاثِنِي ، أَمْثَلُ مِنْ مَخَالِبِكَ ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَرَيْتُكَ .
ثُمَّ امْتَدَّ السَّبُعُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ يَدَهُ عَلَى هَامَتِهِ ، وَيَقُولُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مَا جَاءَ بِكَ يَا لَيْثُ ؟ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، الْجُوعُ الْجُوعُ ...
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ بِرِزْقِ بِقَدْرِ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ .
فَالْتَفَتُّ ، فَإِذَا بِالْأَسَدِ يَأْكُلُ شَيْئاً كَهَيْئَةِ الْجَمَلِ ، حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاللَّهِ مَا نَأْكُلُ نَحْنُ مَعَاشِرَ السِّبَاعِ رَجُلًا يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ عِتْرَتَكَ ، فَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ نَتَّخِذُ بِحُبِ الْهَاشِمِيّينِ وَعِتْرَتِهِمِ .
ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَيُّهَا السَّبُعُ ، أَيْنَ تَأْوِي وَأَيْنَ تَكُونُ ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي مُسَلَّطٌ عَلَى كِلَابِ أَهْلِ الشَّامِ ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ بَيْتِي وَهُمْ فَرِيسَتُنَا وَنَحْنُ نَأْوِي النِّيلَ .
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : فَمَا جَاءَ بِكَ إِلَى الْكُوفَةِ ؟ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَتَيْتُ الْحِجَازَ فَلَمْ أُصَادِفْ شَيْئاً ، وَأَنَا فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ وَالْفَيَافِي الَّتِي لَا مَاءٌ فِيهَا وَلَا خَيْرٌ مَوْضِعِي هَذَا ، وَإِنِّي لَمُنْصَرِفٌ مِنْ لَيْلَتِي هَذِهِ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ سِنَانُ بْنُ وَائِلٍ فِيمَنْ أَفْلَتَ مِنْ حَرْبِ صِفِّينَ يَنْزِلُ الْقَادِسِيَّةَ ، وَهُوَ رِزْقِي فِي لَيْلَتِي هَذِهِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَنَا إِلَيْهِ مُتَوَجِّهٌ .ثُمَّ قَامَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
فَقَالَ لِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مِمَّ تَعَجَّبْتَ ؟! هَذَا أَعْجَبُ أَمِ الشَّمْسُ أَمِ الْعَيْنُ أَمِ الْكَوَاكِبُ أَمْ سَائِرُ ذَلِكَ ؟! فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَ النَّاسَ مِمَّا عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مِنَ الْآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ لَكَانُوا يَرْجِعُونَ كُفَّاراً .
ثُمَّ رَجَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى مُسْتَقَرِّهِ وَوَجَّهَنِي إِلَى الْقَادِسِيَّةِ ، فَرَكِبْتُ مِنْ لَيْلَتِي فَوَافَيْتُ الْقَادِسِيَّةَ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْمُؤَذِّنُ الْإِقَامَةَ ، فَسَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ افْتَرَسَ سِنَاناً السَّبُعُ ... افْتَرَسَ سِنَاناً السَّبُعُ ...
فَأَتَيْتُهُ فِيمَنْ أَتَاهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَمَا تَرَكَ الْأَسَدُ إِلَّا رَأْسَهُ وَبَعْضَ أَعْضَائِهِ مِثْلَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ ، وَإِنِّي عَلَى بَابِهِ تُحْمَلُ رَأْسُهُ إِلَى الْكُوفَةِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
فَبَقِيتُ مُتَعَجِّباً فَحَدَّثْتُ النَّاسَ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَالسَّبُعِ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَبَرَّكُونَ بِتُرَابِ تَحْتِ قَدَمَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَسْتَشْفُونَ بِهِ .
ثُمَّ قَامَ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مَعَاشِرَ النَّاسِ ، مَا أَحَبَّنَا رَجُلٌ فَدَخَلَ النَّارَ ، وَمَا أَبْغَضَنَا رَجُلٌ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَأَنَا قَسِيمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، أَقْسِمُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ هَذِهِ إِلَى الْجَنَّةِ يَمِيناً ، وَهَذِهِ إِلَى النَّارِ شِمَالًا ، أَقُولُ لِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَا لِي وَهَذَا لَكِ ، حَتَّى تَجُوزَ شِيعَتِي عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ وَالرَّاعِدِ الْعَاصِفِ وَكَالطَّيْرِ الْمُسْرِعِ وَكَالْجَوَادِ السَّابِقِ .
فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْهِ بِأَجْمَعِهِمْ عُنُقاً وَاحِداً وَهُمْ يَقُولُونَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ .
ثُمَّ تَلَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هَذِهِ الْآيَةَ : ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ .
المصادر : (الفضائل لشاذان : ص 170. | بحار الأنوار : ج41، ص232. | اليقين في إمرة أمير المؤمنين عليه السلام : ص65.)