بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
هل يشمت المؤمن؟ هل تعتمل في داخله تلك المشاعر السّلبيَّة الّتي تحمل البغض للآخر، والفرح لوجعه وألمه وانتكاسته وسقوطه؟
إنَّ الحياة لتغرقنا في الكثير من الأحيان بهوامش وتفاصيل ومشاكل تقودنا إلى أن نشعر بالسّوء تجاه أشخاص معيَّنين، فتمتلئ نفوسنا بالألم والرّغبة في أن ننتصر عليهم، ونتمنّى أن نراهم يتألّمون ويسقطون لنشفي غليلنا منهم.
والشَّماتة قد تكون لموتٍ أو مرضٍ أو رسوبٍ أو انتكاسةٍ أو ضياع مالٍ أو رزقٍ... أو لأيِّ مصابٍ يصيب هذا الإنسان. وعلى الرّغم من أنَّ الشَّماتة قد تغري الإنسان بالشّعور بنشوة الانتصار، وبالفرح لمصاب الآخر، إلّا أنّه شعور يترك الكثير من سواده في طيّات النّفس، ويخلّف أثرًا سلبيًّا فيها، ويسحب الإنسان من مساحة الإنسانيّة ونقاوتها، ولو بمقدار.
ولكن، هل يشمت المؤمن؟ ألا تتعارض مشاعر الشّماتة مع الحسّ الإيمانيّ الّذي يجعل المؤمن قريبًا من قيم التّسامح والعفو والغفران والتّجاوز؟
إنَّ الشَّماتة تعني أنّنا نسمح للكره بأن يستوطن مشاعرنا، وللحقد بأن يلوِّن قلوبنا، وللغضب بأن يستولي علينا ويحاصرنا. والمؤمن لا يكون مؤمنًا، إلّا إذا أحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، وكره له ما يكره لها، وعلى الأقلّ، أن يضبط مشاعره، ولا يبدي الفرح لسوءٍ أصاب الآخر.
وحتَّى إنَّ المؤمن لا يشمت بالآخرين من غير المسلمين إذا أصابتهم مصيبة، إلّا إذا كانوا من الأعداء الكفَّار المحاربين ، وبغير ذلك، فإنَّ الحسَّ الإنسانيَّ ينبغي أن يكون هو الطّاغي على مشاعره، لأنَّ ذلك هو ما يميّز أخلاق المسلم، ولأنَّ الشّماتة من الطّباع اللّئيمة الّتي لا تليق به وبأخلاقه.
ثمّ، مَن الّذي يأمن على نفسه أن لا يحدث له ما حدث للآخرين؟ فإذا سمح لنفسه بالشَّماتة بهم، فسيأتي من يشمت به إذا أصابه مصابٌ ما، والإنسان معرَّض في كلّ حياته للمصائب والابتلاءات، بنفسه أو أهله أو أولاده، وقد قالها رسول الله(ص)، وهو يحثّ على الابتعاد عن مشاعر الشَّماتة: "لا تظهر الشّماتة بأخيك، فيرحمه الله ويبتليك" . وقيل أيضًا: "لا تفرح بسقوط غيرك، فإنّك لا تدري ما تضمر لك الأيّام".
ولأنَّ شعور الشَّماتة قاس شديد، ورد في دعاء الإمام زين العابدين(ع) وهو يدعو الله تعالى، قوله: "ولا تشمت بي عدوّي".
وقال الشّاعر:
كُلُّ الْمَصَائِبِ قَدْ تَمُـرُّ عَلَى الْفَتَـى فَتَهُـونُ غَيْـرَ شَمَـاتَةِ الْحُسَّادِ
حمانا الله من هذه المشاعر، ووقانا من آثارها ونتائجها، وعساه يوفّقنا للابتعاد عن كلّ ما يخدش إنسانيّتنا، ويؤذي روحيّة الإيمان فينا