هذه المرأة تعجز عن رؤية أي شيءٍ ما لم يتحرك
بالنسبة لميلينا كانينج فإن الأشياء غير قابلةٍ للرؤية إلا إذا تحركت!
تنحدر هذه المرأة الخمسينية من اسكتلندا حيث ولدت وترعرعت ولم تكن تعاني أي مشاكل في الرؤية حتى الثلاثين من عمرها، حين أُصيبت بعدوى تنفسية إضافةً لعدة سكتاتٍ دماغيةٍ تبعها الدخول بغيبوبةٍ تركتها طريحة الفراش لمدة ثمانية أشهر، وجرّاء كل ذلك فقدت ميلينا بصرها.
بعد مرور ستة أشهرٍ على خروجها من الغيبوبة اشتكت ميلينا لأول مرةٍ أنها ترى أشياء غريبةً تشبه الألعاب النارية، وانعكاسات أكياس الهدايا اللامعة.
راجعت ميلينا أحد أطباء العيون في غلاسكو (غوردون دوتون) بعد مرور سنتين على العدوى الأولية وفقدانها لبصرها، وقد لاحظ الطبيب شيئًا غريبًا، فقد كانت ميلينا قادرةً على تمييز يده عندما يحركها ويلوح بها إضافةً إلى أنها استطاعت معرفة ألوان الأشياء الكبيرة عندما تتحرك أمامها.
وحسب ما قاله دوتون، فقد كانت قادرةً على رؤية المطر المنهمر من السماء، لكنها لا تستطيع رؤية أي شيءٍ من خلاله.
وكمثالٍ آخر، كانت تستطيع رؤية ذيل اللعبة -التي تحملها ابنتها وهي تمشي بعيدًا عنها- يتأرجح ويتراقص لكنها تعجز عن رؤية ابنتها.
اقترح عليها الطبيب استخدام الكرسي الهزاز ليساعدها على تحسين الرؤية، واعتادت ميلينا بدورها على تحريك رأسها من جهة لأخرى لتستطيع تمييز ما يوجد أمامها.
لكنَّ حالتها هذه بقيت لغزًا عصيًا على الفهم، لذلك أشار عليها طبيبها بالذهاب إلى أونتاريو- كندا، وبالتحديد إلى معهد جامعة ويسترن لعلوم الدماغ والذاكرة.
وهناك، أجرت أخصائية وظائف الأعصاب (جودي كولهام)، ومعها فريقٌ من الباحثين سلسلةً من الاختبارات والتحاليل، من ضمنها تصوير وظيفي بـ (الرنين المغناطيسيّ – FMRI) لدماغ ميلينا.
وكانت النتائج تشير إلى أن ميلينا تعاني من حالةٍ تُدعى متلازمة (ريدوك – riddoch)، وتُسمى أيضًا «تفارق التوازن الحركيّ»، إذ يكون الشخص الذي يعاني من العمى قادرًا على رؤية الأشياء المتحركة فقط.
والسبب وراء هذه الظاهرة هو حدوث آفةٍ أو ضررٍ في الفص القفويّ (الفص المسؤول عن معالجة الرؤية).
تقول كولهام: «لقد فقدت جزءًا من نسيج الدماغ بحجم التفاحة تقريبًا في الجزء الخلفيّ من دماغها (كامل الفص القفوي تقريبًا)».
يعتقد الباحثون أن الطريق السريع للنظام البصري قد وصل لنهايته في حالة ميلينا، لكن بدل إغلاق الطريق نهائيًا وخسارة البصر، فقد تطورت لديها بعض الطرق الخلفية أو الفرعية التي تصل لأجزاء أخرى من الدماغ لتعويض الطريق الأساسي والمساعدة في الرؤية (للأشياء المتحركة خاصة).
لاحظ الفريق أن ميلينا قادرةٌ على رؤية الكرة وهي تتدحرج باتجاهها وتستطيع إمساكها بدقة، وباستطاعتها أيضًا التنقل بين عدة مقاعد، لكنَّ قدرتها على تحديد الألوان والتعرف عليها لم تكن سليمةً أبدًا، واستطاعت -نصف المرات فقط- التحديد بدقةٍ إذا ما كانت إبهام اليد التي تلوح أمامها تشيرُ إلى الأعلى أم الأسفل.
يبدو أن دماغها قام بإعادة ضبط عملية الرؤية -إن صح التعبير- محافظًا بذلك على القدرة على إدراك الحركة.
شكّلت هذه الحالة لبنةً تُضاف للجدار في سبيل فهمنا الآليات التي يتّبعها الدماغ البشريّ، أو حتى دماغ بقية الحيوانات في تصحيح الضرر الحاصل فيه.
تضيف كولهام: «ربما يكون هذا العمل هو الأكثر دقةً في توصيف نظام الرؤية عند أحد المرضى، و قد أبدت ميلينا تحسنًا كبيرًا في البصر بناءً على إدراكها لما يتحرك أمامها».
إن مثل هذه الحالات تعطينا فكرةً عما هو ممكن، وربما أكثر من ذلك، فهي تقدم لنا فهمًا أكبر عن كيفية عمل نظاميّ الرؤية والإدراك معًا