اذا كان لكل شاعر سمه مميزه لحياته ولشعره ، فأن سمه السياب المميزه هي تعبيرة عن الألم الذي قاساه في مراحل حياته المختلفة والذي ترك أثرا بالغا في شعره ، فمراحل الألم عند السياب بدأت منذ طفولته حيث عانى من اليتم وتلك اولى محطات الالم ، فتجسدت فيها معاناه الحرمان من اولى حاجاته الانسانية وهي حنان الام .
يقول السياب تعبيرا عن حاله اليتم وما تتركه في نفس الطفل من تساؤلات تبحث عن اجابه ...
كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام :
بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ
فلم يجدها ، ثمَّ حين لجّ في السؤال
قالوا له : "بعد غدٍ تعودْ .. "
لا بدَّ أن تعودْ
وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ
في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ
تسفّ من ترابها وتشرب المطر ؛
ويبدوا ان السياب الهادئ قد نشأ وهو يحمل عاطفة كبيره تركت اثرها البالغ على شعره ، إذ تذكر احدى الروايات أن السياب قد بكى في صغره حينما شاهد اهله ينثرون الرز الذي سرقته خادمتهم الصغيره وخبأته لكي تذهب به لاهلها ...فالسياب لم يتحمل هذا المنظر القاسي وانفجر تعاطفا مع الخادمه الصغيرة وان كان لم يستطيع فعل شيئ لها حينها لصغر سنه ...
ويكبر السياب وتكبر معه عاطفته وتنمو موهبته ويرافقها صديقه الدائم الألم ...
فتشاء الاقدار ان يصاب السياب بالمرض ... ويضطر للهجره الى الكويت ثم لندن بحثا عن علاج ، فيجتمع في نفسه ألم المرض مع ألم الهجره وفراق الوطن والاحبه ...
وهنا يبدء السياب بتقمص شخصية النبي أيوب "عليه السلام " فيكتب رائعته "صبر أيوب " التي عبر فيها عن رضاه بما قدره الله له ... ولكنه يلتمس الشفاء ويناجي ربه بأن يلبسه حله العافية ... وبنفس ايماني اسلامي يعبر السياب عن حمده لله -تعالى- على المصائب ضمن المورورث الاسلامي بحمد الله في السراء والضراء فيقول ...
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم،
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وان المصيبات بعض الكرم.
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
شهور طوال وهذي الجراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أو جاعه بالردى.
وفي ذات الوقت الذي يصارع فيه السياب ألم المرض ويقاسي مراره الغربه ،في ذات الوقت لا ينسى الشاعر وطنه "العراق " فبقي يكتب عن ما يعانية الوطن ... واصبح شعر السياب سيفا مسلطا على الجور والظلم ... يقول السياب واصفا حال العراق وما يعانيه الكاحدين فيه ...
ومنذ أنْ كنَّا صغاراً ، كانت السماء
تغيمُ في الشتاء
ويهطل المطر ،
وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ .
مطر ...
مطر ...
لقد كانت حياة السياب القصيرة نسبيا تمثل سلسله متصله من الألام والمعاناه بدءا من اليتم مرورا بالمرض فالهجره والتغرب ... وكان السياب يبث همومه واوجاعه بتفعيلات واوزان تتناغم مع ما يعانية وتروي خلجات نفسه ... ولهذا فقد اصبح السياب ايقونه للوجع والألم العراقي ...