وصف نعيم الجنة
عَنْ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً﴾ ؟
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ الْوَفْدَ لَا يَكُونُونَ إِلَّا رُكْبَاناً ، أُولَئِكَ رِجَالٌ اتَّقَوُا اللَّهَ فَأَحَبَّهُمُ اللَّهُ وَاخْتَصَّهُمْ وَرَضِيَ أَعْمَالَهُمْ فَسَمَّاهُمُ الْمُتَّقِينَ .
ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا عَلِيُّ ، أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُمْ لَيَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَسْتَقْبِلُهُمْ بِنُوقٍ مِنْ نُوقِ الْعِزِّ ، عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَجَلَائِلُهَا الْإِسْتَبْرَقُ وَالسُّنْدُسُ وَخُطُمُهَا جَدْلُ الْأُرْجُوَانِ ، تَطِيرُ بِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ ، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَلْفُ مَلَكٍ مِنْ قُدَّامِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ، يَزُفُّونَهُمْ زَفّاً حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِمْ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ ، وَعَلَى بَابِ الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِنَّ الْوَرَقَةَ مِنْهَا لَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا أَلْفُ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ ، وَعَنْ يَمِينِ الشَّجَرَةِ عَيْنٌ مُطَهِّرَةٌ مُزَكِّيَةٌ . فَيُسْقَوْنَ مِنْهَا شَرْبَةً فَيُطَهِّرُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا قُلُوبَهُمْ مِنَ الْحَسَدِ وَيُسْقِطُ مِنْ أَبْشَارِهِمُ الشَّعْرَ . وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً﴾ . مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ الْمُطَهِّرَةِ . ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى عَيْنٍ أُخْرَى عَنْ يَسَارِ الشَّجَرَةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهَا وَهِيَ عَيْنُ الْحَيَاةِ ، فَلَا يَمُوتُونَ أَبَداً . ثُمَّ يُوقَفُ بِهِمْ قُدَّامَ الْعَرْشِ وَقَدْ سَلِمُوا مِنَ الْآفَاتِ وَالْأَسْقَامِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ أَبَداً ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ جَلَّ ذِكْرُهُ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمْ : ﴿احْشُرُوا أَوْلِيَائِي إِلَى الْجَنَّةِ وَلَا تُوقِفُوهُمْ مَعَ الْخَلَائِقِ ، فَقَدْ سَبَقَ رِضَايَ عَنْهُمْ وَوَجَبَتْ رَحْمَتِي لَهُمْ ، وَكَيْفَ أُرِيدُ أَنْ أُوقِفَهُمْ مَعَ أَصْحَابِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾ . فَتَسُوقُهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْجَنَّةِ ، فَإِذَا انْتَهَوْا بِهِمْ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ ضَرَبَ الْمَلَائِكَةُ الْحَلْقَةَ ضَرْبَةً فَتَصِرُّ صَرِيراً يَبْلُغُ صَوْتُ صَرِيرِهَا كُلَّ حَوْرَاءَ أَعَدَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْجِنَانِ . فَيَتَبَاشَرْنَ بِهِمْ إِذَا سَمِعْنَ صَرِيرَ الْحَلْقَةِ فَيَقُولُ بَعْضُهُنَّ لِبَعْضٍ : ﴿قَدْ جَاءَنَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ﴾ . فَيُفْتَحُ لَهُمُ الْبَابُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَتُشْرِفُ عَلَيْهِمْ أَزْوَاجُهُمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَالْآدَمِيِّينَ فَيَقُلْنَ : ﴿مَرْحَباً بِكُمْ ، فَمَا كَانَ أَشَدَّ شَوْقَنَا إِلَيْكُمْ﴾ . وَيَقُولُ لَهُنَّ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ .
فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ﴾ . بِمَاذَا بُنِيَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : يَا عَلِيُّ ، تِلْكَ غُرَفٌ بَنَاهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَوْلِيَائِهِ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ ، سُقُوفُهَا الذَّهَبُ مَحْبُوكَةٌ بِالْفِضَّةِ لِكُلِّ غُرْفَةٍ مِنْهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ ذَهَبٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ ، فِيهَا فُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَحَشْوُهَا الْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَالْعَنْبَرُ . وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ . إِذَا أُدْخِلَ الْمُؤْمِنُ إِلَى مَنَازِلِهِ فِي الْجَنَّةِ وَوُضِعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْمُلْكِ وَالْكَرَامَةِ أُلْبِسَ حُلَلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْيَاقُوتِ وَالدُّرِّ الْمَنْظُومِ فِي الْإِكْلِيلِ تَحْتَ التَّاجِ . وَأُلْبِسَ سَبْعِينَ حُلَّةَ حَرِيرٍ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَضُرُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ . فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ .
فَإِذَا جَلَسَ الْمُؤْمِنُ عَلَى سَرِيرِهِ اهْتَزَّ سَرِيرُهُ فَرَحاً فَإِذَا اسْتَقَرَّ لِوَلِيِّ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَنَازِلُهُ فِي الْجِنَانِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِجِنَانِهِ لِيُهَنِّئَهُ بِكَرَامَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُ . فَيَقُولُ لَهُ خُدَّامُ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْوُصَفَاءِ وَالْوَصَائِفِ : ﴿مَكَانَكَ فَإِنَّ وَلِيَّ اللَّهِ قَدِ اتَّكَأَ عَلَى أَرِيكَتِهِ وَزَوْجَتُهُ الْحَوْرَاءُ تَهَيَّأُ لَهُ ، فَاصْبِرْ لِوَلِيِّ اللَّهِ﴾ . فَتَخْرُجُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْحَوْرَاءُ مِنْ خَيْمَةٍ لَهَا تَمْشِي مُقْبِلَةً وَحَوْلَهَا وَصَائِفُهَا وَعَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً ، مَنْسُوجَةً بِالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالزَّبَرْجَدِ وَهِيَ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ ، وَعَلَى رَأْسِهَا تَاجُ الْكَرَامَةِ وَعَلَيْهَا نَعْلَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَتَانِ بِالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ شِرَاكُهُمَا يَاقُوتٌ أَحْمَرُ . فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وَلِيِّ اللَّهِ فَهَمَّ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهَا شَوْقاً فَتَقُولُ لَهُ : ﴿يَا وَلِيَّ اللَّهِ ، لَيْسَ هَذَا يَوْمَ تَعَبٍ وَلَا نَصَبٍ ، فَلَا تَقُمْ أَنَا لَكَ وَأَنْتَ لِي﴾ . فَيَعْتَنِقَانِ مِقْدَارَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ مِنْ أَعْوَامِ الدُّنْيَا ، لَا يُمِلُّهَا وَلَا تُمِلُّهُ . فَإِذَا فَتَرَ بَعْضَ الْفُتُورِ مِنْ غَيْرِ مَلَالَةٍ نَظَرَ إِلَى عُنُقِهَا فَإِذَا عَلَيْهَا قَلَائِدُ مِنْ قَصَبٍ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ ، وَسَطُهَا لَوْحٌ صَفْحَتُهُ دُرَّةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا : ﴿أَنْتَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ حَبِيبِي وَأَنَا الْحَوْرَاءُ حَبِيبَتُكَ ، إِلَيْكَ تَنَاهَتْ نَفْسِي وَإِلَيَّ تَنَاهَتْ نَفْسُكَ﴾ . ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ أَلْفَ مَلَكٍ يُهَنِّئُونَهُ بِالْجَنَّةِ وَيُزَوِّجُونَهُ بِالْحَوْرَاءِ ، فَيَنْتَهُونَ إِلَى أَوَّلِ بَابٍ مِنْ جِنَانِهِ فَيَقُولُونَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِأَبْوَابِ جِنَانِهِ : ﴿اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَنَا إِلَيْهِ نُهَنِّئُهُ﴾ . فَيَقُولُ لَهُمُ الْمَلَكُ : ﴿حَتَّى أَقُولَ لِلْحَاجِبِ فَيُعْلِمَهُ بِمَكَانِكُمْ﴾ . فَيَدْخُلُ الْمَلَكُ إِلَى الْحَاجِبِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاجِبِ ثَلَاثُ جِنَانٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَوَّلِ بَابٍ ، فَيَقُولُ لِلْحَاجِبِ : ﴿إِنَّ عَلَى بَابِ الْعَرْصَةِ أَلْفَ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِيُهَنِّئُوا وَلِيَّ اللَّهِ ، وَقَدْ سَأَلُونِي أَنْ آذَنَ لَهُمْ عَلَيْهِ﴾ . فَيَقُولُ الْحَاجِبُ : ﴿إِنَّهُ لَيَعْظُمُ عَلَيَّ أَنْ أَسْتَأْذِنَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَهُوَ مَعَ زَوْجَتِهِ الْحَوْرَاءِ﴾ . وَبَيْنَ الْحَاجِبِ وَبَيْنَ وَلِيِّ اللَّهِ جَنَّتَانِ ، فَيَدْخُلُ الْحَاجِبُ إِلَى الْقَيِّمِ فَيَقُولُ لَهُ : ﴿إِنَّ عَلَى بَابِ الْعَرْصَةِ أَلْفَ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمْ رَبُّ الْعِزَّةِ يُهَنِّئُونَ وَلِيَّ اللَّهِ فَاسْتَأْذِنْ لَهُمْ﴾ . فَيَتَقَدَّمُ الْقَيِّمُ إِلَى الْخُدَّامِ فَيَقُولُ لَهُمْ : ﴿إِنَّ رُسُلَ الْجَبَّارِ عَلَى بَابِ الْعَرْصَةِ ، وَهُمْ أَلْفُ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ يُهَنِّئُونَ وَلِيَّ اللَّهِ فَأَعْلِمُوهُ بِمَكَانِهِمْ﴾ . فَيُعْلِمُونَهُ فَيُؤْذَنُ لِلْمَلَائِكَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَهُوَ فِي الْغُرْفَةِ ، وَلَهَا أَلْفُ بَابٍ وَعَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ . فَإِذَا أُذِنَ لِلْمَلَائِكَةِ بِالدُّخُولِ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ فَتَحَ كُلُّ مَلَكٍ بَابَهُ الْمُوَكَّلَ بِهِ ، فَيُدْخِلُ الْقَيِّمُ كُلَّ مَلَكٍ مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْغُرْفَةِ فَيُبَلِّغُونَهُ رِسَالَةَ الْجَبَّارِ جَلَّ وَعَزَّ ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ﴾ ، مِنْ أَبْوَابِ الْغُرْفَةِ . ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ . وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً﴾ . يَعْنِي بِذَلِكَ وَلِيَّ اللَّهِ وَمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ وَالْمُلْكِ الْعَظِيمِ الْكَبِيرِ ، إِنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ يَسْتَأْذِنُونَ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، فَلِذَلِكَ الْمُلْكُ الْعَظِيمُ الْكَبِيرُ وَالْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ مَسَاكِنِهِمْ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ﴾ ، وَالثِّمَارُ دَانِيَةٌ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا﴾ ، مِنْ قُرْبِهَا مِنْهُمْ يَتَنَاوَلُ الْمُؤْمِنُ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي يَشْتَهِيهِ مِنَ الثِّمَارِ بِفِيهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ ، وَإِنَّ الْأَنْوَاعَ مِنَ الْفَاكِهَةِ لَيَقُلْنَ لِوَلِيِّ اللَّهِ يَا وَلِيَّ اللَّهِ : ﴿كُلْنِي قَبْلَ أَنْ تَأْكُلَ هَذَا قَبْلِي﴾ .
وَلَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا وَلَهُ جِنَانٌ كَثِيرَةٌ مَعْرُوشَاتٌ وَغَيْرُ مَعْرُوشَاتٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ ، فَإِذَا دَعَا وَلِيُّ اللَّهِ بِغِذَائِهِ أُتِيَ بِمَا تَشْتَهِي نَفْسُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ الْغِذَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَ شَهْوَتَهُ ، ثُمَّ يَتَخَلَّى مَعَ إِخْوَانِهِ وَيَزُورُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيَتَنَعَّمُونَ فِي جَنَّاتِهِمْ فِي ظِلٍّ مَمْدُودٍ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَأَطْيَبُ مِنْ ذَلِكَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً حَوْرَاءَ وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ . وَالْمُؤْمِنُ سَاعَةً مَعَ الْحَوْرَاءِ وَسَاعَةً مَعَ الْآدَمِيَّةِ وَسَاعَةً يَخْلُو بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئاً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَغْشَاهُ شُعَاعُ نُورٍ وَهُوَ عَلَى أَرِيكَتِهِ وَيَقُولُ لِخُدَّامِهِ : ﴿مَا هَذَا الشُّعَاعُ اللَّامِعُ لَعَلَّ الْجَبَّارَ لَحَظَنِي﴾ . فَيَقُولُ لَهُ خُدَّامُهُ : ﴿قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ جَلَّ جَلَالُ اللَّهِ ، بَلْ هَذِهِ حَوْرَاءُ مِنْ نِسَائِكَ مِمَّنْ لَمْ تَدْخُلْ بِهَا بَعْدُ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَيْكَ مِنْ خَيْمَتِهَا شَوْقاً إِلَيْكَ ، وَقَدْ تَعَرَّضَتْ لَكَ وَأَحَبَّتْ لِقَاءَكَ ، فَلَمَّا أَنْ رَأَتْكَ مُتَّكِئاً عَلَى سَرِيرِكَ تَبَسَّمَتْ نَحْوَكَ شَوْقاً إِلَيْكَ ، فَالشُّعَاعُ الَّذِي رَأَيْتَ وَالنُّورُ الَّذِي غَشِيَكَ هُوَ مِنْ بَيَاضِ ثَغْرِهَا وَصَفَائِهِ وَنَقَائِهِ وَرِقَّتِهِ﴾ . فَيَقُولُ وَلِيُّ اللَّهِ : ﴿ائْذَنُوا لَهَا فَتَنْزِلَ إِلَيَّ﴾ . فَيَبْتَدِرُ إِلَيْهَا أَلْفُ وَصِيفٍ وَأَلْفُ وَصِيفَةٍ يُبَشِّرُونَهَا بِذَلِكَ ، فَتَنْزِلُ إِلَيْهِ مِنْ خَيْمَتِهَا وَعَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ ، صِبْغُهُنَّ الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً ، طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً وَعَرْضُ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ . فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وَلِيِّ اللَّهِ أَقْبَلَ الْخُدَّامُ بِصَحَائِفِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيهَا الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ وَالزَّبَرْجَدُ فَيَنْثُرُونَهَا عَلَيْهَا ثُمَّ يُعَانِقُهَا وَتُعَانِقُهُ فَلَا يَمَلُّ وَلَا تَمَلُّ .
ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَمَّا الْجِنَانُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُنَّ جَنَّةُ عَدْنٍ وَجَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَجَنَّةُ الْمَأْوَى . وَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جِنَاناً مَحْفُوفَةً بِهَذِهِ الْجِنَانِ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْجِنَانِ مَا أَحَبَّ وَاشْتَهَى يَتَنَعَّمُ فِيهِنَّ كَيْفَ يَشَاءُ ، وَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ شَيْئاً أَوْ اشْتَهَى إِنَّمَا دَعْوَاهُ فِيهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ : ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ . فَإِذَا قَالَهَا تَبَادَرَتْ إِلَيْهِ الْخَدَمُ بِمَا اشْتَهَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ طَلَبَهُ مِنْهُمْ أَوْ أَمَرَ بِهِ ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ﴾ ، يَعْنِي الْخُدَّامَ . ﴿وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ ، يَعْنِي بِذَلِكَ عِنْدَ مَا يَقْضُونَ مِنْ لَذَّاتِهِمْ مِنَ الْجِمَاعِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ فَرَاغَتِهِمْ . وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ ، يَعْلَمُهُ الْخُدَّامُ فَيَأْتُونَ بِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلُوهُمْ إِيَّاهُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَشْتَهُونَ شَيْئاً فِي الْجَنَّةِ إِلَّا أُكْرِمُوا بِهِ .
المصدر : (الكافي : ج8, ص95.)