على شرفة من شرفات الماضي ، التقيا .....بل ، التقته...
لم تستطع ان تقاوم دهشتها و هي تتطلع اليه تحت ضوء القمر الخجول المنبعث وسط الليل البارد ، بل حاولت جاهدة ان تتذكر سبباً يبدو ذا قيمة الان يجعل امرأة اخرى تحتل مكانها هي على طاولته ، لكنها لم تجد ....
احست ان احدى نبضاتها طعنتها الماً و هي تصير خفقة ....عجباً للقلب حين يوجع نفسه !
تجاوزت طاولتهما ، و هي تجر خطواتها ، احست برغبة مجنونة لمسّ كتفه ، هذا الكتف الذي كان يوماً اهنأ ممتلكاتها ، اغمضت عينيها و هي تكور اصابعها بباطن كفها لئلا تستجيب لجنونها ، فيما انتفضت اطراف فستانها الحريري و هي ترتطم بقدمه الممدودة بلا مبالاة الى جانب الطاولة ، كان يدخن محدقاً ببرود الى الجانب الاخر من مدى الشرفة المفتوح على الافق الحالك ...تنشقت نسيم سيجارته الكينت الازلية ، الموغلة جذورها في كل مشاهدهما معاً ، احست بالتفاصيل تنغرس ككف متوحش يحاول انتزاع صراخ قلبها ...
ما اطول عمر لحظات سفرها عبر طاولته ...
ما اشأمها من ليلة ، بل ما اجملها ....بل ....
هي لم تعد تفهم شيئا من مشاعرها الآن ...اذ الماضي يفترس كل آن .
لفح الليل بوحشته وحشة طاولتها ...كانت تواجه امرأته ...و ظهر سترته المرمية على المقعد ، محتضنة بدفئها ظهره ...
ازعجها النادل ، فطلبت قهوة لتسكته ...قهوة غبية ستتآمر علي نعاسها الليلة ...لتتركها معجونة بذكريات كل شيء ....مُعذبة به .
نهضت امرأته تاركة اغراضها على طاولته...فعاودها الجنون ، هل يمكن ان تكسر هذي المسافة ، لتسلم على وجهه ، لتذكره بوجهها...خافت ان كسرتها ان تجرحها ...هل يمكن الا يتذكرها فتموت ، هل يمكن ان يطالعها ببرود فيزرقّ وجهها قبالته ... هل يمكن الا تصل اليه رغم قصر المسافة ...
قطعت رائحة القهوة عنق حماقاتها ...فبكت لأن الليل كان ابرد مما توقعت و لأن القهوة لم تكن كافية لتشيع الدفء فيه ..
غضبت من القدر الذي ساق كل هذه الاعاصير اليها في ليلة واحدة ....في ساعة واحدة ...على طاولتين.
عادت غريمتها ...مليئة بزينة جديدة و عطر كريه امتد ليخنقها ، كانت تسمع همهماتهما على الطاولة الجارة دون ان تفهم ..
قررت ان تعيد تجربة المرور به مرة اخيرة ربما ...
وضعت ثمن القهوة تحت الفنجان الفارغ ...
حملت حقيبتها الصغيرة ، و كل اناقتها ، حاضرها ، ماضيها ...جنونها ...غضبها منه و منها ...و نهضت ..مرت قربه ، تنشقت سيجارته التي تقاوم الانطفاء ، لامست كتف سترته المتهالكة على المقعد ...و داست طرف فستان غريمتها بكل ما اوتيت من حقد ...ثم التفتت اليه حين ابتعدت ، فزرعت عينيها وسط حدقتيه الفزعتين ، و غادرت.