تعود ثلث الوفيَّات بين مرضى السرطان إلى متلازمة الهزال وليس بسبب السرطان ذاته. وتصيب متلازمة الهزال 80% من مرضى السرطان. تؤدّي متلازمة الهزال إلى ضمور العضلات، وترتبط بنقص الاستجابة لعلاج السرطان وتدنّي جودة الحياة والوفاة المبكّرة. ولا يوجد حتَّى الآن علاج ناجح لها، ولم يفهم العلماء سببها حتَّى الآن.
أشارت دراسة أجراها مركز إرفنج الطبّي في جامعة كولومبيا إلى أنَّ زيادة تركيز الزنك في العضلات قد يكون أحد أسباب المتلازمة. وقد تسهم هذه الدراسة التي نُشِرت في مجلَّة نيتشر للطب في تمهيد الطريق لتطوير أدوية تعالج ضمور العضلات أو تقي منه بين مرضى السرطان.
يحدث الهزال نتيجة أنواع عديدة من السرطان، مثل: سرطانات البنكرياس والجهاز الهضمي والرئة وسرطان الرأس والعنق. لكنَّ آليَّة حدوث هذه المتلازمة ما زالت غير مفهومة بسبب نقص الدعم المالي للدراسات التي تبحثها وعدم وجود علامات حيوية تساعد على تشخيص الهزال مبكِّرًا ومراقبته أثناء العلاج. وقالت سوارنالي أشاريا أستاذة علوم الأمراض والخلية في في كلّية الأطباء والجراحين في جامعة كولومبيا «يوجد فهم خاطئ يقول أنَّ الهزال سببه نقص الشهية الذي يحدثه السرطان أو علاجاته. يتناول مرضى الهزال كثيرًا من فاتحات الشهية، لكنَّ هذه الأدوية تساعد مؤقَّتًا فحسب. وعندما يتفاقم الهزال وتضمر العضلات، تنقص قدرة المرضى على تحمُّل أدوية السرطان بجرعاته الاعتيادية لذا يلجأ الأطبَّاء إلى تعديل الجرعات باستمرار. ويصيب الهزال عضلات القلب والحجاب الحاجز، ما قد يؤدّي إلى موت المرضى بسبب قصور القلب أو فشل تنفّسي. ولإيجاد علاج للهزال لا بُدَّ من دراسة أسبابه وآليَّة حدوثه على المستوى الجزيئي.»
درس فريق أشاريا عضلات فئران مصابة بالهزال وقارنتها بعضلات فئران سليمة. أظهر التحليل نشاطًا كبيرًا لبروتين يُسمَّى زيب14 ZIP14 الذي يُنتج في الكبد عادةً لتسريع نقل المعادن، ولكنَّ الدراسة أظهرت نشاطه في النسيج العضلي للفئران المصابة بالسرطان. وعثر الفريق أيضًا على مستويات عالية من بروتين زيب14 في عينات من النسج العضلية لمرضى السرطان المصابين بالهزال، ما يشير إلى علاقة بين البروتين والمتلازمة.
اكتشفت الدراسة أنَّ إدخال الزنك إلى الخلايا العضلية يؤدِّي إلى ضمورها من خلال تخريب الخلايا البالغة ومنع الخلايا الجذعية من إنتاج ألياف عضلية جديدة. ويبدو أنَّ سبب نشاط بروتين زيب14 الملاحَظ لدى مرضى الهزال يعود إلى آثار السرطان الجهازية. إذ وجد الباحثون أنَّ عامل التنخُّر الورمي ألفا وعامل النمو بيتا المترافقَيْن بنسب عالية لدى مرضى السرطان يزيدان التعبيرية الجينية لجينات بروتين زيب14 في العضلات.
وقالت أشاريا «يشيع بين الناس أنَّ السرطان يقتل المرضى بالانتشار وغزو الأعضاء الحيوية، لكنَّ السرطان يؤذي الجسم أيضًا من خلال إفراز مواد تؤثِّر على المناطق السليمة. تُغفِل الأبحاث الطبية هذا الأمر كثيرًا، لكنَّ مراقبته أثناء علاج السرطان قد يسهم في تحسين جودة حياة المرضى وإطالة أعمارهم.»
قد يؤدّي اكتشاف العلاقة بين الزنك وبروتين زيب14 إلى اكتشاف طرائق لتخفيف آثار الهزال على المرضى. وأدَّى إنقاص بروتين زيب14 في الخلايا العضلية إلى تخفيف الهزال، ما يعني أنَّ الأدوية التي تثبِّط البروتين قد تحسِّن صحة المرضى.
وقالت أشاريا أيضًا «يلعب الزنك دورًا مهمًّا في وظائف عديدة في الجسم، ويؤخذ عادةً ضمن المكمّلات الغذائية. لكنَّ زيادة تناول الزنك قد لا يكون أمرًا حميدًا دائمًا، إذ أظهرت الدراسة أنَّ إعطاء الزنك للفئران أدَّى إلى مفاقمة الهزال وضمور العضلات. وعلى الأطبَّاء والمرضى إعادة النظر في تناول الزنك ضمن المكمّلات، خصوصًا لدى المصابين بسرطانات مترافقة بالهزال.»
وتعمل أشاريا في الوقت الحالي على تطوير طريقة لإلغاء تفعيل بروتين زيب14 بمساعدة الأستاذ الجامعي أنوب بزواس المشارك معها في تأليف الدراسة. وقد تسهم هذه الجهود في تطوير علاجات لمكافحة الهزال المرافق للسرطان في المستقبل.
المصدر/المستقبل