بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وقد اختلف أصحابنا فيمن ينعم ويعذب بعد موته، فقال بعضهم المنعم والمعذب هو الروح التي توجه إليها الأمر والنهي والتكليف وسموها جوهرا، وقال آخرون بل الروح الحياة جعلت في جسد كجسده في دار الدنيا.
وكلا الأمرين يجوزان في العقل، والأظهرعندي قول من قال إنها الجوهر المخاطب وهو الذي تسميه الفلاسفة البسيط. وقد جاء في الحديث أن الأنبياء خاصة والأئمة من بعدهم ينقلون بأجسادهم وأرواحهم من الأرض إلىالسماء، فيتنعمون في أجسادهم التي كانوا فيها عند مقامهم في الدنيا ، وهذا خاص بحجج اللّه دون من سواهم من الناس.
وقد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي من بعد أبلغته، وقال صلّى اللّه عليه و آله وسلّم: من صلى علي مرة صليت عليه عشرا ومن صلى علي عشرا صليت عليه مائة، فليكثر امرؤ منكم الصلاة علي أو فليقل آمين.
فبيّن أنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بعد خروجه من الدنيا يسمع الصلوات عليه ولا يكون كذلك إلا وهو حي عند اللّه تعالى، وكذلك أئمة الهدى عليهم السّلام يسمعون سلام المسلم عليهم من قرب ويبلغهم من بعد.
وبذلك جاءت الآثار الصادقة عنهم عليهم السّلام و قد قال اللّه تعالى : {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].
وروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه وقف على قليب بدر فقال للمشركين الذين قتلوا يومئذ وقد ألقوا في القليب لقد كنتم جيران سوء لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أخرجتموه من منزله وطردتموه ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه فقد وجدت ما وعدني ربي حقا، فقال له عمر يارسول اللّه ما خطابك لهام قد صديت فقال له يا بن الخطاب فو اللّه ما أنت بأسمع منهم، ومابينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع من حديد إلا أن أعرض بوجهي هكذا عنهم.
وعن أمير المؤمنين عليه السّلام انه ركب بعد انفصال الأمر من حرب البصرة فصار يتخلل الصفوف حتى مر على كعب بن سور، وكان هذا قاضي البصرة ولاه إياها عمر بن الخطاب، فأقام بها قاضيا بين أهلها زمان عمر و عثمان، فلما وقعت الفتنة بالبصرة علق في عنقه مصحفا وخرج بأهله وولده يقاتل أمير المؤمنين عليه السّلام فقتلوا بأجمعهم، فوقف أمير المؤمنينعليه السّلام عليه وهو صريع بين القتلى، فقال أجلسوا كعب بن سور فأجلس بين نفسين، فقال يا كعب بن سور قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا، ثم قال أضجعوا كعبا وسار قليلا فمر بطلحة بن عبد اللّه صريعا، فقال أجلسوا طلحة فأجلسوه، فقال يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا، ثم قال أضجعوا طلحة فقال له رجل من أصحابه يا أمير المؤمنين ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك، فقال يا رجل فو اللّه لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وهذا من الأخبار الدالة على أن بعض من يموت ترد إليه روحه لتنعيمه أو لتعذيبه، وليس ذلك بعام في كل من يموت بل هو على ما بيناه. انتهى المقصود من كلام المفيد رحمه اللّه.