تُعدُّ مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت بالمدينة المنوَّرة من أهمِّ مكتبات تواجد المخطوطات في العالم، ومن أقدم المكتبات الوقفيَّة بالجزيرة العربيَّة بوجهٍ عام، وفي المملكة العربيَّة السعوديَّة بوجهٍ خاص.

شيخ الإسلام عارف حكمت

ويرجع تاريخ إنشائها إلى عام (1270هـ=1852م)، وعُرِفَت من ذلك الحين باسم مؤسِّسها عارف حكمت (1200-1275هـ= 1785-1858م)، وترجم له الزركلي في أعلامه، فقال عنه:

"أحمد عارف حكمت بن إبراهيم بن عصمت بن إسماعيل رائف باشا، ينتهي نسبه إلى بيت النبوَّة، من نسل الحسين: قاضٍ، تركيِّ المنشأ، مستعرب، اشتهر بخزانة كتب عظيمة له في المدينة المنورة، تُعرف إلى اليوم بمكتبة عارف حكمت، تقلَّد قضاء القدس، ثم قضاء مصر، فقضاء المدينة المنورة.
وانتهى به الصعود إلى أن وَلِي مشيخة الإسلام في الأستانة سنة 1262هـ، فاستمرَّ سبعة أعوام ونصف عام، وأُقيل سنة 1270هـ، فانكبَّ على العبادة والمطالعة إلى أن تُوفِّي بالأستانة، له نظمٌ باللغات العربيَّة والفارسيَّة والتركيَّة، وكتابٌ بالعربيَّة سمَّاه (الأحكام المرعيَّة في الأراضي الأميريَّة)، ومجموعة تراجم لعلماء القرن الثالث عشر، لعلَّها بالعربيَّة، اقتبس منها صاحب (هديَّة العارفين)، وللشهاب محمود الألوسي كتاب في ترجمته سمَّاه (شهى النغم، في ترجمة عارف الحِكَم)" ا.هـ.

موقعها بالمدينة المنورة

وكان مقرُّ هذه المكتبة الشهيرة منذ تأسيسها هي إحدى الدور الأثريَّة بالمدينة النبويَّة وهي دار الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم، قريبًا من باب جبريل على جهة القبلة جنوب المسجد النبوي.

محتويات ومخطوطات مكتبة عارف حكمت

وكانت هذه الدار التي أصبحت مكانًا لمكتبة عارف حكمت عبارة عن حجرة متوسِّطة الحجم، تعلوها قبَّة حجريَّة كبيرة، وهذه الدار أُزيلت ضمن التوسعة المباركة للمسجد النبوي الشريف، ونُقلت محتوياتها إلى مكتبة الملك عبد العزيز بالمدنية المنوَّرة التابعة لوزارة الشئون الإسلاميَّة والأوقاف والدعوة والإرشاد، وضُمَّت إلى جانب المكتبات الوقفيَّة الأخرى، التي تُعدُّ مكتبة عارف حكمت من أكبرها.

إذ يصل عدد المخطوطات بها إلى 4373 مخطوطة، والمجاميع الخطِّيَّة (مجموعة رسائل في مجلَّد واحد) إلى 632 مجموعة خطِّيَّة، أمَّا عدد الكتب المطبوعة فهو 7097 مجلَّدًا مطبوعًا.

فمن نفائس المخطوطات الموجودة بها ما يلي: (الأوائل لابن هلال العسكري نُسِخ عام 395هـ)، (طبقات الشافعيَّة للسبكي نُسِخ عام 895هـ)، (تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري)، (نسخة نادرة لكتاب الخوارزمي في الجبر نُسِخت عام 619هـ)، (تاج العروس شرح جواهر القاموس للزبيدي) في تسعة مجلدات.
أمَّا المطبوعات التي توجد في هذه المكتبة فلا تقلُّ أهميَّتها عن المخطوطات؛ ففيها نوادر من الكتب المطبوعة القديمة والحديثة، فمنها على سبيل المثال مطبوعات (إبراهيم متفرِّقة) التي يُباع العنوان الواحد منها بآلاف الريالات، فلا يستغرب من أنَّ مكتبة عارف حكمت قد طبقت شهرتها الآفاق وزارها العديد من العلماء والأمراء والقضاة والمشاهير وطلبة العلم من جميع أرجاء العالم الإسلامي؛ لِمَا تضمُّه من نفائس ونوادر المخطوطات والمطبوعات التي هي مطلب كلِّ باحثٍ وطالب علم.

ومكتبة الملك عبد العزيز بـالمدينة المنورة لها سمةٌ خاصَّةٌ من بين المكتبات؛ فقد جمعت بين خصائص المكتبة العامَّة ومركز البحث العلمي والمتحف، وتهتمُّ المكتبة بتهيئة المناخ المناسب لمرتاديها من طلَّاب العلم والباحثين على مختلف مستوياتهم ونوعيَّاتهم، ويتوافر في المكتبة جميع الخدمات الإداريَّة والفنِّيَّة التي تخدم جميع مجموعات المكتبات الوقفيَّة التي تحويها، ومن بينها مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت التي خُصِّص لها جناحٌ مستقلٌّ في أحد طوابقها.

_____________________
المصدر: جريدة الرياض، العدد (14151)، ربيع الأول 1428هـ= مارس 2007م.