الحائِرُ الحُسينيُ مُصطلحٌ يُطلَقُ على البقعة الطاهرة التي تحتضن قبر الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) و شيئاً من أطرافه في كربلاء [1] ، و تُطلقُ نسبة الحائري على المنسوب إلى الحائر الحسيني و المجاور له .
و لقد تكرر ذِكرُ لفظة " حائر " و " حَير " في الروايات و الأحاديث خاصة تلك التي تطرَّقت لزيارة الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) ، أو تلك التي تحدثت عن أحكام التخيير بين التمام و القصر في الصلاة بالنسبة إلى المسافر الذي يكون في الحائر الحُسيني .
تاريخ التسمية بالحائر :
لعل تسمية قبر الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و البقعة المُحيطة به بالحائر أطلقت لأول مرة من قِبل الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) ، حيث أن هذه التسمية نجدها في أحاديثه التي تطرقت لزيارة الحسين ( عليه السَّلام ) ، و لم نجد هذه التسمية في أحاديثه غيره من الأئمة السابقين له ( عليهم السلام ) .
فعن الحسن بن عطية عن أبي عبد الله ( عليه السَّلام ) أنه قال : " إذا دخلت الحير ـ و في بعض النسخ الحائر ـ فقل : ... " [2] .
و عن ثوير بن أبي فاختة عن أبي عبد الله ( عليه السَّلام ) في وصف زيارته : " حتى تصير إلى باب الحائر أو الحير ... " [3] .
و عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله ( عليه السَّلام ) في وصف زيارة الحسين ( عليه السَّلام ) : " ثم ادخل الحير أو الحائر و قل : ... " [4] .
سبب التسمية بالحائر :
لعل السبب في تسمية الروضة الحسينية الشريفة بالحائر أو الحَير يعود لأكثر من سبب ، و لم يتَّضح لنا سبب إطلاق الإمام الصادق هذه التسمية على القبر الشريف و ما أحاط به .
لكن يبدو أن هذه التسمية تجددت في وقت لاحق لسبب آخر و لحادثة تاريخية ، و قبل الإشارة إلى هذه الحادثة لا بد و أن نُشير إلى المعنى اللغوي للفظة " الحائر " و كذلك " الحَير " .
قال العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) : الحائر و هو في الأصل مجمع الماء ، و يراد به حائر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و هو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرفه السلام .
و قال ( رحمه الله ) أيضاً : و الحَير بالفتح مُخفف حائر ، و هو الحظيرة و الموضع الذي يتحيَّرُ فيه الماء [5] .
تجدد التسمية بالحائر :
يبدو أن تجدد تسمية هذه البقعة المباركة بالحائر يعود إلى حادثة تاريخية تجَلَّت فيها كرامة الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) للصديق و العدو ، و مُلخَّصُ تلك الحادثة أن المتوكل العباسي [6]كان شديد الحقد و البغض بالنسبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بصورة خاصة ، و البيت العلوي بصورة عامة ، لذلك فقد عَمَدَ في محاولات متكررة [7] إلى هدم ضريح الحسين ( عليه السَّلام ) و نبش قبره الشريف و حرث تلك البقعة الطاهرة و إجراء الماء عليها في محاولة يائسة و جبانة منه لمحو معالم هذا القبر الشريف و الحيلولة دون زيارة الموالين لأهل البيت ( عليهم السلام ) لقبر مولاهم الحسين ( عليه السَّلام ) ، خاصة لمَّا رأى أن تأثير قضية الحسين ( عليه السَّلام ) و نهضته المباركة اتَّسعت رقعته و إمتدَّ تأثيره حتى وصل إلى بلاط حكمه ، فقد اكتشف أن عدداً من المُحيطين به يزورون قبر الحسين ( عليه السَّلام ) سراً رغم المنع الشديد و العقاب الأليم الذي كان يفرضه على من يزور هذا القبر الطاهر .
قال الحافظ جلال الدين السيوطي [8] : و في سنة ست و ثلاثين [9] أمر بهدْم قبر الحسين ، و هدْمِ ما حوله من الدور ، و أن يعمل مزارع ، و منع الناس من زيارته ، و خُرِّب ، و بقي صحراء .
و كان المتوكل معروفا بالتعصب ، فتألم المسلون من ذلك ، و كتب أهل بغداد شَتمهُ على الحيطان و المساجد ، و هجاه الشعراء ، فمما قيل في ذلك :
بالله إن كانت أمية قد أتت *** قتل ابن بنت نبيها مظلوماً
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله *** هذا لعمري قبره مهدوماً
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا *** في قتله ، فتتبّعوه رميماً [10]
ظهور الكرامة الحسينية :
يقول إبراهيم الديزج [11] الذي أمره المتوكل بهدم قبر الحسين ( عليه السَّلام ) :
بعثني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و كتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمَّار القاضي : أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لينبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فَعَلَ أو لم يفعل .
قال الديزج : فعرفني جعفر بن محمد بن عمَّار ما كتب به إليه ، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمَّار ثم أتيته .
فقال لي : ما صنعت ؟
فقلت : قد فعلت ما أمرت به فلم أر شيئا و لم أجد شيئا .
فقال لي : أ فَلا عمقته ؟
قلت : قد فعلت فما رأيت .
فكتب إلى السلطان أن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا ، و أمرته فمخره بالماء و كربه بالبقر .
قال أبو علي العماري [12] : فحدثني إبراهيم الديزج و سألته عن صورة الأمر فقال لي :
أتيت في خاصة غلماني فقط و إني نبشت فوجدت بارية جديدة و عليها بدن الحسين بن علي و وجدت منه رائحة المسك فتركت البارية على حالها و بدن الحسين على البارية و أمرت بطرح التراب عليه و أطلقت عليه الماء و أمرت بالبَقَر لتمخره [13] و تحرثه فلم تطأه البقر ، و كانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه ، فحلفت لغلماني بالله و بالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه [14] .
و هكذا لم يتحقق ما أراده المتوكل من محو معالم القبر الشريف بإجراء الماء عليه و توقف الماء و أحاط بتلك البقعة المباركة دون أن يغمرها ، فسُميت تلك البقعة بالحائر ، أو الحائر الحُسيني .
و قال العلامة المُحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي ( حفظه الله ) : و لعله لهذا السبب تجدد تسميته بالحائر لإرتفاع الماء حوله ، و إن كانت التسمية قد أطلقها الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ـ سنة ـ ( 148 هجرية ) من قبل [15] .
و شاء الله عَزَّ و جَلَّ أن يبقى ذكرُ الحسين ( عليه السَّلام ) خالداً و نوره مُضيئاً رغم محاولات أعداء الدين الإسلامي ، فكان كما وعد الله جَلَّ جَلالُه و قال : ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [16] ، الأمر الذي يبدو واضحاً و جلياً للجميع في عصرنا الحاضر ، فهذه الملايين تتوافد اليوم بلهفة من أنحاء العالم لزيارة هذا المرقد الطاهر .
حدود الحائر الحسيني :
يبدو كما أسلفنا أن الحائر ـ كما قال العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) ـ : هو في الأصل مجمع الماء ، و يراد به حائر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و هو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرِّفه السلام .
كما يبدو من كلام العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) أن سُوراً كان قد بُني في الموضع الذي تجمَّع عنده الماء ( الحائر ) ، و عليه فإن حدود ذلك السُور و الحائر متحدتان .
وَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُهُ [17] يَقُولُ : " لِمَوْضِعِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) حُرْمَةٌ مَعْلُومَةٌ مَنْ عَرَفَهَا وَ اسْتَجَارَ بِهَا أُجِيرَ " .
قُلْتُ : صِفْ لِي مَوْضِعَهَا .
قَالَ : " امْسَحْ مِنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ الْيَوْمَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ قُدَّامِهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ خَلْفِهِ ... " [18] .
هذا و قد توصَّل العلامة المُحقق الكرباسي ( حفظه الله ) بعد الجمع بين الروايات إلى أن ذلك السُور كان محيطاً بمرقد الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و الصحن [19] المُحيط بالمرقد الشريف .
و يقول سماحته ( حفظه الله ) أيضاً : و بقي الحائر على شكله حتى عهد الإمام موسى بن جعفر ( عليه السَّلام ) ( 148 – 183 هـ ) حيث وَرَدَ في رواية الحسن بن راشد عنه ( عليه السَّلام ) قال : " حتى يَرِد الحائر ، فإذا دخل باب الحائر وضع كفه ... " .
ثم قال : و يتبيَّن أن مساحة الحائر كانت حوالي ( 25 في 25 ذراعاً ) من الخارج ، كما يُفهم من روايتي الصادق ( عليه السَّلام ) بعد الجمع بينهما ، حيث وردَ في أحداهما : " قبر الحسين عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسَّراً روضة من رياض الجنة " [20] ، و في ثانيهما قال : " إمسح من موضع قبره اليوم ، فامسح خمسة و عشرين ذراعاً مما يلي وجهه ، و خمسة و عشرين ذراعاً من خلفه ، و خمسة و عشرين ذراعاً من ناحية رأسه " [21] .
و الظاهر أن الحائر الذي سُمي فيما بعد بالصحن كان قطر سوره الخارجي خمسين ذراعاً ، و إلى هذا يُشير ابن إدريس [22] في قوله : " و المراد بالحائر ما دار سور المشهد و المسجد عليه " [23] ، و يقول المفيد : " و الحائر محيط بهم إلا العباس فإنه قتل على المسناة [24] " [25] .
و من المعلوم أن الذراع الواحد يعادل 45.83 سنتيمتراً تقريباً ، و بذلك يكون قطر الحائر 45.83 في 50 = 22.915 متراً ... [26] .
[1] كربلاء مدينة إسلامية مقدسة ، و هي مشهورة في التاريخ الإسلامي و كذلك قبل الإسلام بزمن بعيد ، و قد شهدت تربتها حادثة عظيمة و فريدة و واحدة من أنبل ملامح الشهادة و التضحية و الفداء ألا و هي حادثة الطف الخالدة في العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61 هجرية ، حيث ضحى الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) بنفسه و أبنائه و خاصة أصحابه من أجل الحفاظ على الدين الإسلامي و قابل مخططات طاغية عصره يزيد بن معاوية و أفشلها .
و تقع مدينة كربلاء على بعد 105 كم إلى الجنوب الغربي من العاصمة العراقية بغداد ، على حافة الصحراء في غربي الفرات و على الجهة اليسرى لجدول الحسينية .
و تقع المدينة على خط طول 44 درجة و 40 دقيقة ، و على خط عرض 33 درجة و 31 دقيقة ، و يحدّها من الشمال محافظة الأنبار ، و من الجنوب محافظة النجف ، و من الشرق محافظة الحلة و قسم من محافظة بغداد ، و من الغرب بادية الشام و أراضي المملكة العربية السعودية .
[2] بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 86 / 90 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
[3] بحار الأنوار : 86 / 90 .
[4] بحار الأنوار : 86 / 90 .
[5] مجمع البحرين : 3 / 280 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
[6] المتوكل العباسي : هو جعفر بن محمد المعتصم ، و هو عاشر حُكام بني العباس ، وُلد سنة : 206 و قتله ابنه المنتصر سنة : 247 هجرية بمعاونة الأتراك .
[7] عمدَ المتوكل إلى هدم قبر أبي عبد الله الحسين ( عليه السَّلام ) أربع مرات : المرة الأولى في سنة 232 ، و المرة الثانية في سنة : 236 ، و المرة الثالثة في سنة : 237 ، و المرة الرابعة في سنة : 247 هجرية ، لمزيد من التفصيل راجع : دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 269 – 277 ، لأية الله المُحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي ( حفظه الله ) .
[8] الحافظ جلال الدين بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة : 911 هجرية .
[9] أي سنة 236 هجرية .
[10] تاريخ الخلفاء : 347 ، للحافظ جلال الدين السيوطي ، تحقيق محمد مُحي الدين عبد الحميد ، طبعة منشورات الشريف الرضي .
[11] إبراهيم الديزج : هو ابن سهل ، سكن سامراء و بغداد ، و كان من المقربين لدى العباسيين ، تولَّى قيادة الشرطة لأكثر من مرة ، كان حياً حتى سنة : 251 هجرية ، و الصحيح أنه توفى سنة : 247 هجرية ، أي بعد يومين من هلاك المتوكل ، و الديزج كلمة فارسية تعني الحمار الأدغم .
لمزيد من التفصيل يراجع : دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 273 الهامش .
[12] قال العلامة المُحقق آية الله الكرباسي ( حفظه الله ) : و جاء في بعض المصادر القماري ن لم تتضح لنا شخصيته ، و لعله كنية القاضي جعفر بن محمد بن عمَّار المُتقدم الذكر ، و الله العالم . دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 273 ، الهامش .
[13] قال العلامة المجلسي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) : يُقال مخرت الأرض أي أرسلت فيه الماء ، و السفينة إذا جرت تشق الماء مع صوت .
[14] بحار الأنوار : 45 / 395 ، نقلاً عن كتاب الأمالي للشيخ الطوسي .
[15] دائرة المعارف الحسينية : تاريخ المراقد : 1 / 278 .
[16] القران الكريم : سورة الصف ( 61 ) ، الآية : 8 ، الصفحة : 552 .
[17] أي الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
[18] الكافي : 4 / 588 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
[19] الصحن : هو المكان الرحب المحيط أو المتصل بالمرقد .
[20] كامل الزيارات : 272 ، حديث : 5 .
[21] كامل الزيارات : 272 ، حديث : 4 .
[22] ابن إدريس : هو محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس العجلي الحلِّي ( 543 – 598 هـ ) من أعلام الإمامية ، فقيه محقق ، توفي في الحلة و مرقده معروف يُزار ، و له كتاب السرائر ، و مختصر التبيان للطوسي .
[23] السرائر : 78 .
[24] المسناة ما يُبنى في وجه السيل .
[25] الإرشاد : 126 .
[26] لمزيد من التفصيل راجع : دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 260 – 261 .