النتائج 1 إلى 9 من 9
الموضوع:

الامام محمد الجواد عليه السلام ولادتة ونشأته وعلومه ومعارفه

الزوار من محركات البحث: 747 المشاهدات : 2822 الردود: 8
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    في ذمة الخلود
    ابو مصطفى
    تاريخ التسجيل: August-2012
    الدولة: العراق
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 8,028 المواضيع: 865
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 3679
    مزاجي: الحمد لله
    مقالات المدونة: 7

    الامام محمد الجواد عليه السلام ولادتة ونشأته وعلومه ومعارفه

    ولادته ونشأته
    وقبل أن أخوض في ميدان البحث عن معالم شخصيّة الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) وأتحدث عن سيرته، وسائر شؤونه، أعرض إلى حسبه الوضاح، وما رافقه من بيان ولادته وملامح شخصيّته، وغير ذلك ممّا يعتبر مفتاحاً للحديث عن شخصيته، وفيما يلي ذلك:
    نسبه الوضاح:
    وليس في دنيا الأنساب نسب أسمى، ولا أرفع من نسب الإمام أبي جعفر (عليه السلام) فهو من صميم الأسرة النبوية التي هي من أجلّ الأسر التي عرفتها الإنسانية في جميع أدوارها، تلك الأسرة التي أمدّت العالم بعناصر الفضيلة والكمال، وأضاءت جوانب الحياة بالعلم والإيمان.. أما الأصول الكريمة، والأرحام المطهرة التي تفرع منها فهي:
    الأب:
    أما أبوه فهو الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى بن جعفر ابن الإمام محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وهذه هي السلسلة الذهبية التي لو قرأت على الصمّ البكم لبرئوا بإذن الله عز وجل - كما يقول المأمون العباسي(1) - ويقول الإمام أحمد بن حنبل: (لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جُنّته)(2) وفي بعض أعلام هذه الأسرة الكريمة يقول أبو العلاء المعري الذي كان يسيء الظن بأكثر الناس:
    والشخـــوص التي أضاء سناها قبل خلـــــق المــريخ والميزان
    قــــــبل أن تخــــلق السمــاوات وتؤمــــر أفلاكـــــهن بالدوران
    من هذه الشجرة الطيبة الكريمة على الله، والعزيزة على كلّ مسلم تفرّع الإمام محمد الجواد (عليه السلام).
    الأمّ:
    أما السيدة الفاضلة الكريمة أم الإمام محمد الجواد (عليه السلام) فقد كانت من سيدات نساء المسلمين عفّة وطهارة، وفضلاً ويكفيها فخراً وشرفاً أنها ولدت علماً من أعلام العقيدة الإسلامية، وإماماً من أئمة المسلمين، ولا يحطّ من شأنها أو يُوهن كرامتها أنها أمة، فقد حارب الإسلام هذه الظاهرة واعتبرها من عناصر الحياة الجاهلية التي دمرها، وقضى على معالمها فقد اعتبر الفضل والتفوّق إنّما هو بالتقوى، وطاعة الله ولا اعتبار بغير ذلك من الأمور التي تؤوّل إلى التراب.
    إن الإسلام - بكلّ اعتزاز وفخر - ألغى جميع ألوان التمايز العنصري واعتبره من أهمّ عوامل التأخّر والانحطاط في المجتمع لأنّه يفرّق، ولا يوحد ويشتّت ولا يجمع، ولذلك فقد سارع أئمة أهل البيت إلى الزواج بالإماء للقضاء على هذه النعرات الخبيثة وإزالة أسباب التفرقة بين المسلمين فقد تزوج الإمام زين العابدين، وسيد الساجدين، بأمة أولدت له الشهيد الخالد، والثائر العظيم زيداً. وتزوّج الإمام الرضا (عليه السلام) أمة فأولدت له إماماً من أئمة المسلمين وهو الإمام الجواد (عليه السلام).. لقد كان موقف الأئمة (عليهم السلام) من زواجهم بالإماء هو الردّ الحاسم على أعداء الإسلام الذين جهدوا على التفرقة بين المسلمين.
    أما اسم السيدة أم الإمام الجواد (عليه السلام) فقد اختلف الرواة فيه، وهذه بعض الأقوال:
    1 - اسمها الخيزران، سماها به الإمام الرضا (عليه السلام) وكانت تسمى درّة(3).
    2 - اسمها سكينة النوبية، وقيل المريســـية(4)، وقـــــيل: إنها ممن تنتمي إلى ماريـــة القبطـــية زوجـــة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)(5).
    3 - اسمها ريحانة(6).
    4 - اسمها سبيكة(7).
    وأهملت بعض المصادر اسمها، واكتفت بالقول إنها أمّ ولد(8) وعلى أي حال فإنه ليس من المهم في شيء الوقوف على اسمها، ومن المؤسف أنّ المصادر التي بأيدينا لم تشر إلى أي جانب من جوانب حياتها.
    الوليد العظيم:
    وأحاط الإمام الرضا (عليه السلام) السيدة الكريمة جاريته بكثير من الرعاية والتكريم، فقد استشف من وراء الغيب أنها ستلد له ولداً قد اختاره الله للإمامة وللنيابة العامة عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) فهو أحد أوصيائه الاثني عشر، وقد اخبر الإمام الرضا بذلك أعلام أصحابه.
    وعهد الإمام الرضا (عليه السلام) إلى شقيقته السيدة الجليلة حكيمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بأن تقوم برعاية جاريته، وتلازمها حتى تلد(9) وقامت السيدة حكيمة بما طلب منها الإمام الرضا، ولما شعرت الجارية بالولادة أمر (عليه السلام) شقيقته بأن تحضر مع القابلة لولادتها، وقام (عليه السلام) فوضع مصباحاً في البيت(10) وظلّ (عليه السلام) يرقب الوليد العظيم.. ولم تمض إلاّ لحظات حتى ولدت جاريته علماً من أعلام الفكر والجهاد في الإسلام.
    سرور الإمام الرضا:
    وغمرت الإمام الرضا (عليه السلام) موجات من الأفراح والسرور بوليده المبارك، وطفق يقول:
    (قد وُلِد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قُدست أمّ ولدته...)(11).
    والتفت (عليه السلام) إلى أصحابه فبشّرهم بمولوده قائلاً:
    (إنّ الله قد وهب لي من يرثني، ويرث آل داود...)(12).
    وقد عرفهم بأنه الإمام من بعده.. وقد استقبل الإمام الرضا الوليد العظيم بمزيد من الغبطة؛ لأنه المنتظر للقيادة الروحية والزمنية لهذه الأمة وكان في المجلس شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي(13) وقد شارك أهل البيت في أفراحهم ومسراتهم بولادة الإمام أبي جعفر (عليه السلام).
    مراسيم الولادة:
    وأسرع الإمام الرضا (عليه السلام) إلى وليده المبارك فأخذه وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية، فأذّن في إذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في المهد(14).
    كنيته:
    وكنّى الإمام الرضا (عليه السلام) ولده الإمام محمد الجواد بأبي جعفر، وهي ككنية جدّه الإمام محمد الباقر (عليه السلام) ويفرق بينهما فيقال: للإمام الباقر أبو جعفر الأول، وللإمام الجواد أبو جعفر الثاني.
    ألقابه:
    أما ألقابه الكريمة فهي تدل على معالم شخصيته العظيمة، وسمو ذاته وهي:
    1 - الجواد: لُقِّب بذلك لكثرة ما أسداه من الخير والبر والإحسان إلى الناس.
    2 - التقي: لقب بذلك لأنه اتقى الله وأناب إليه، واعتصم به، فلم يستجب لأي داع من دواعي الهوى، فقد امتحنه المأمون بشتّى ألوان المغريات فلم ينخدع، فأناب إلى الله وآثر طاعته على كل شيء.
    3 - القانع.
    4 - المرتضى(15).
    5 - الرضي.
    6 - المختار.
    7 - المتوكل.
    8 - الزكي(16).
    9 - باب المراد: وقد عُرِف بهذا اللقب عند عامة المسلمين التي آمنت بأنه باب من أبواب الرحمة الإلهيّة التي يلجأ إليها الملهوفون وذوو الحاجة لدفع ما ألّم بهم من مكاره الدهر وفجائع الأيام.
    هذه بعض ألقابه الكريمة، وكلّ لقب منها يشير إلى إحدى صفاته الرفيعة، ونزعاته الشريفة التي هي من مواضع الاعتزاز والفخر لهذه الأمة.
    ملامحه:
    أما ملامحه فكانت كملامح آبائه التي تحكي ملامح الأنبياء (عليهم السلام) فكانت أسارير التقوى بادية على وجه الكريم، وقد وصفته بعض المصادر بأنه (كان أبيض معتدل القامة)(17)ونص بعض المؤرخين على أنه كان شديد السمرة، وأثبتت ذلك رواية شاذة(18) إلاّ أن الأستاذ الإمام الخوئي دلل على أنها من الموضوعات(19) وقد أعرضنا عن ذكرها لشذوذها وعدم صحّتها.
    سنة ولادته:
    والمشهور بين المؤرّخين أنّ ولادة الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) كانت في 19 من شهر رمضان سنة 195 هـ(20)، وقيل: إنّ ولادته كانت في الخامس من رمضان سنة 175 هـ وهو اشتباه محض فإنّه من المقطوع به أنّه لم يولد في تلك السنة، وإنّما ولد في سنة 195 هـ حسبما أجمع عليه الرواة والمؤرّخون.
    نقش خاتمه:
    أمّا نقش خاتمه فيدلّ على مدى انقطاعه إلى الله، فقد كتب عليه (العزّة لله)(21)، لقد آمن بأن العزّة إنما هي لله تعالى وحده خالق الكون وواهب الحياة.
    نشأته:
    نشأ الإمام محمد الجواد (عليه السلام) في بيت النبوة والإمامة ذلك البيت الذي أعزّ الله به المسلمين وقد ترعرع (عليه السلام) في ظلاله وهو يتلقّى المثُل العليا من أبيه، وقد أفاض عليه أشعة من روحه العظيمة، وقد تولى بذاته تربيته، فكان يصحبه في حلّه وسفره، ويطعمه بنفسه، وقد روى يحيى الصنعاني قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وهو بمكة، وكان يقشّر موزاً، ويطعم أبا جعفر، فقلت له: جعلت فداك، هذا المولود المبارك؟ قال (عليه السلام): نعم يا يحيى هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مولود أعظم بركة على شيعتنا منه(22).
    إن هذا اللون من التربية المطعّم بالحبّ والتكريم له أثره البالغ في التكوين النفسي وازدهار الشخصية حسبما قرّره علماء التربية والنفس.
    ذكاؤه وعبقريته:
    وملك الإمام محمد الجواد (عليه السلام) في سنه المبكر من الذكاء والعبقرية ما يثير الدهشة ويملك النفس إكباراً وإعجاباً وقد ذكر المؤرّخون بوادر كثيرة من ذكائه كان من بينها ما يلي:
    1 - ما رواه أميّة بن علي قال: كنت مع أبي الحسن الرضا بمكة في السنة التي حجّ فيها مودّعاً البيت الحرام عندما أراد السفر إلى خراسان وكان معه ولده أبو جعفر الجواد، فودّع أبو الحسن البيت، وعدل إلى المقام فصلّى عنده، وكان أبو جعفر قد حمله أحد غلمان الإمام يطوف به وحينما انتهى إلى حجر إبراهيم جلس فيه وأطال الجلوس، فانبرى إليه موفق الخادم، وطلب منه القيام معه فأبى عليه، وهو حزين، قد بان عليه الجزع، فأسرع موفق إلى الإمام الرضا (عليه السلام) وأخبره بشأن ولده، فأسرع إليه، وطلب منه القيام فأجابه بنبرات مشفوعة بالبكاء والحسرات قائلاً:
    (كيف أقوم؟ وقد ودّعت يا أبتي البيت وداعاً لا رجوع بعده..). وسرت موجة من الألم في نفس الإمام الرضا (عليه السلام) فالتمس منه القيام معه فأجابه إلى ذلك(23) ودلت هذه البادرة على مدى ذكائه، فقد أدرك من وداع أبيه للبيت الحرام أنه الوداع الأخير له، لأنّه رأى ما عليه من الوجل والأسى مما أوحى إليه أنّه النهاية الأخيرة من حياته، وفعلاً قد تحقق ذلك فإنّ الإمام الرضا (عليه السلام) بعد سفره إلى خراسان لم يعد إلى الديار المقدسة، وقضى شهيداً مسموماً على يد المأمون العباسي.
    2 - ومن بوادر ذكائه ما حدّث به المؤرخون أن المأمون قد اجتاز في موكبه الرسمي في بعض شوارع بغداد على صبيان يلعبون، وكان الإمام الجواد واقفاً معهم فلما بصروا بموكب المأمون فرّوا خوفاً منه سوى الإمام الجواد فإنه بقي واقفاً فبهر منه المأمون، وكان لا يعرفه، فقال له:
    (هلا فررت مع الصبيان...؟).
    فأجابه الإمام بمنطقه الرائع الذي ملك به عواطف المأمون قائلاً:
    (يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك، وليس لي جرم فأخشاك والظنّ بك حسن أنّك لا تضرّ من لا ذنب له..).
    وعجب منه المأمون وسأله عن نسبه فأخبره به فترحّم على أبيه(24) وسنعرض لهذه الجهة في البحوث الآتية.
    3 - ومن آياته نبوغه المذهل انّه في سنه المبكر قد سأله العلماء والفقهاء عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عنها.. ولا مجال لتعليل هذه الظاهرة إلاّ بالقول إنّ الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت (عليهم السلام) طاقات مشرقة من العلم لم يمنحها إلاّ إلى أولي العزم من أنبيائه ورسله.
    إشادة الإمام الرضا بالجواد:
    وكان الإمام الرضا (عليه السلام) يشيد دوماً بولده الإمام الجواد، ويدلّل على فضله ومواهبه وقد بعث الفضل بن سهل إلى محمد بن أبي عباد كاتب الإمام الرضا (عليه السلام) يسأله عن مدى علاقة الإمام الرضا (عليه السلام) بولده الجواد (عليه السلام)، فأجابه: ما كان الرضا يذكر محمداً إلا بكنيته، يقول: كتب لي أبو جعفر، وكنت أكتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) وكان آنذاك بالمدينة، وهو صبي، وكانت كتب أبي جعفر ترد إلى أبيه وهي في منتهى البلاغة والفصاحة(25).
    وحدّث الرواة عن مدى تعظيم الإمام الرضا لولده الجواد، فقالوا: إنّ عباد بن إسماعيل، وابن أسباط كانا عند الإمام الرضا بمنى إذ جيء بأبي جعفر فقالا له:
    (هذا المولود المبارك..؟).
    فاستبشر الإمام وقال:
    (نعم هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام أعظم بركة منه..)(26).
    وهناك طائفة كثيرة من الأخبار قد أثرت عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وهي تشيد بفضائل الإمام الجواد (عليه السلام) وتدلّل على عظيم مواهبه وملكاته.
    إكبار وتعظيم:
    وأحيط الإمام الجواد منذ نعومة أظفاره بهالة من التكريم والتعظيم من قبل الأخيار والمتحرّجين في دينهم فقد اعتقدوا أنّه من أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي فرض الله مودّتهم على جميع المسلمين، وقد ذكر الرواة أنّ علي بن جعفر الفقيه الكبير، وشقيق الإمام موسى بن جعفر، وأحد أعلام الأسرة العلوية في عصره، كان ممّن يقدّس الإمام الجواد (عليه السلام) ويعترف له بالفضل والإمامة، فقد روى محمد بن الحسن بن عمارة قال: كنت عند عليّ بن جعفر جالساً بالمدينة وكنت أقمت عنده سنتين أكتب ما سمع من أخيه - يعني الإمام أبا الحسن موسى - إذ دخل أبو جعفر محمد بن عليّ الرضا (عليه السلام) مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبّل يده وعظّمه، والتفت إليه الإمام الجواد قائلاً:
    (اجلس يا عمّ رحمك الله..).
    وانحنى عليّ بن جعفر بكل خضوع قائلاً:
    (يا سيدي، كيف أجلس وأنت قائم..؟).
    وانصرف الإمام الجواد (عليه السلام) ورجع عليّ بن جعفر إلى أصحابه فأقبلوا عليه يوبخونه على تعظيمه للإمام مع حداثة سنّه قائلين له:
    أنت عمّ أبيه، وأنت تفعل به هذا الفعل..؟).
    فأجابهم عليّ بن جعفر جواب المؤمن بربّه ودينه، والعارف بمنزلة الإمامة قائلاً:
    (اسكتوا إذا كان الله - وقبض على لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة - يعني الإمامة - وأهّل هذا الفتى، ووضعه حيث وضعه، نعوذ بالله ممّا تقولون. بل أنا عبد له..)(27).
    ودلّل علي بن جعفر على أن الإمامة لا تخضع لمشيئة الإنسان وإرادته ولا تنالها يد الجعل الإنساني، وإنما أمرها بيد الله تعالى فهو الذي يختار لها من يشاء من عباده من دون فرق بين أن يكون الإمام صغيراً أو كبيراً.
    انطباعات عن شخصيّته:
    وملكت مواهب الإمام محمد الجواد (عليه السلام) عواطف العلماء فسجّلوا إعجابهم وإكبارهم له في مؤلّفاتهم، وفيما يلي بعض ما قالوه:
    1 - الذهبي:
    قال الذهبي: (كان محمد يلقّب بالجواد، وبالقانع، والمرتضى، وكان من سروات آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله).. وكان أحد الموصوفين بالسخاء فلذلك لقّب بالجواد..)(28).
    2 - ابن تيميّة:
    قال ابن تيمية: (محمد بن علي الجواد كان من أعيان بني هاشم، وهو معروف بالسخاء، ولهذا سمّي بالجواد)(29).
    3 - الصفدي:
    قال الصفدي: (كان محمد يلقّب بالجواد، وبالقانع، وبالمرتضى، وكان من سروات آل بيت النبوة.. وكان من الموصوفين بالسخاء، ولذلك لقّب بالجواد..)(30).
    4 - ابن الجوزي:
    قال السبط بن الجوزي: (محمد الجواد كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والجود)(31).
    5 - محمود بن وهيب:
    قال الشيخ محمود بن وهيب: (محمد الجواد هو الوارث لأبيه علماً وفضلاً وأجلّ اخوته قدراً وكمالاً..)(32).
    6 - الزركلي:
    قال خير الدين الزركلي: (محمد بن الرضي بن موسى الكاظم، الطالبي، الهاشمي، القرشي، أبو جعفر، الملقّب بالجواد، تاسع الأئمة الاثني عشر عند الإمامية كان رفيع القدر كأسلافه ذكياً، طليق اللسان، قويّ البديهة..)(33).
    7 - كمال الدين:
    قال الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة: (أما مناقب أبي جعفر الجواد فما اتّسعت حلبات مجالها، ولا امتدّت أوقات آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهيّة بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وأسجالها فقلّ في الدنيا مقامه، وعجّل القدوم عليه كزيارة حمامه فلم تطل بها مدّته ولا امتدّت فيها أيامه)(34).
    8 - عليّ بن عيسى الأربلي:
    وأدلى علي بن عيسى الأربلي بكلمات أعرب فيها عن عميق إيمانه وولائه للإمام الجواد قال: (الجواد في كلّ أحواله جواد، وفيه يصدق قول اللغوي جواد من الجودة.. فاق الناس بطهارة العنصر، وزكاء الميلاد، وافترع قلّة العلاء فما قاربه أحد ولا كاد مجده، عالي المراتب، ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب، ومنصبه يشرف على المناصب، إذا أنس الوفد ناراً قالوا: ليتها ناره، لا نار غالب له إلى المعالي سمو، وإلى الشرف رواح وغدو، وفي السيادة إغراق وعلوّ وعلى هام السماك ارتفاع وعلوّ، وعن كلّ رذيلة بعد، وإلى كلّ فضيلة دنو، تتأرج المكارم من أعطافه ويقطر المجد من أطرافه، وترى أخبار السماح عنه، وعن أبنائه وأسلافه، فطوبى لمن سعى في ولائه، والويل لمن رغب في خلافه، إذا اقتسمت غنائم المجد والمعالي كان له صفاياها، وإذا امتطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها، يباري الغيث جوداً وعطية، ويجاري الليث نجدة وحمية، ويبذ السير سيرة رضية(35).
    هذه بعض الكلمات التي أدلى بها كبار المؤلّفين، وهي تمثّل إعجابهم بمواهب الإمام وعبقرياته وما اتّصف به من النزعات الشريفة التي تحكي صفات آبائه الذين رفعوا مشعل الهداية في الأرض.
    علومه ومعارفه
    أمّا سعة علوم الإمام ومعارفه فإنّها مذهلة للفكر، فهو - بحقّ - معجزة الإسلام الكبرى لقد خاض مختلف العلوم والفنون، وهو في سنّه المبكر وسأله العلماء والفقهاء، والفلاسفة والمتكلّمون، وعلماء الحديث عن أدقّ المسائل وأعمقها فأجابهم عنها، وقد ذهلوا من ذلك وتحيّروا، وآمن بعضهم بإمامته، ومن الطبيعي أنّه لا تعليل لهذه الظاهرة المحيّرة سوى القول بالإمامة، وهو ما تذهب إليه الشيعة من أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قد منحهم الله العلم والحكمة وفصل الخطاب، كما منح أولي العزم من أنبيائه ورسله.
    ونعرض - بإيجاز - إلى بعض ما أثر عنه من العلوم، وروائع الحكم والآداب وفيما يلي ذلك:
    الحديث:
    روى الإمام محمد الجواد (عليه السلام) طائفة من الأحاديث بسنده عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما روى كذلك عن جدّه الإمام أمير المؤمنين، وعن جدّه الإمام الصادق (عليه السلام)، وعن أبيه الإمام الرضا (عليه السلام) وفيما يلي ذلك:
    رواياته عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
    أمّا ما رواه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمجموعة من الأخبار، وهذه بعضها:
    1 - روى (عليه السلام) بسنده أنّ رســـول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إنّ فاطــمة أحـــصنت فـــرجها فحرّمها الله وذرّيتها على النار)(1).
    2 - روى (عليه السلام) بسنده عن جدّه الإمام أمير المؤمنين أنّه قال: بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى اليمن فقال لي: وهو يوصيني: (يا علي ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، يا علي عليك بالدلجة(2) فإنّ الأرض تطوى بالليل ولا تطوى بالنهار، يا علي أغد بسم الله، فإنّ الله بارك لأمّتي في بكورها..)(3).
    3 - روى (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من عتب على الزمان طالت معتبته)(4).
    4 - روى (عليه السلام) بسنده أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (المرء مخبوء تحت لسانه..)(5).
    ما يرويه عن الإمام أمير المؤمنين:
    وروى عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) طائفة من الأخبار وكان من بينهما ما يلي:
    قال (عليه السلام): قام إلى أمير المؤمنين رجل بالبصرة، فقال: أخبرنا عن الإخوان؟ فقال: الإخوان صنفان: إخوان الثقة، وإخوان المكاشرة فأمّا إخوان الثقة فهم كالكفّ، والجناح والأهل، والمال، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك، وصاف من صافه، وعاد من عاداه واكتم سرّه، وأعنه، واظهر منه الحسن، واعلم أيّها السائل أنّهم أعزّ من الكبريت الأحمر، وأمّا إخوان المكاشرة فإنّك تصيب منهم لذّتك، فلا تقطعن ذلك منهم، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه، وحلاوة اللسان(6).
    لقد درس الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسية المجتمع، ووقف على دخائل النفوس وميولها واتّجاهاتها، وأعطى صوراً حيّة عن جميع المناحي الاجتماعية، والتي منها الصداقة بين الناس، فقد حلّلها تحليلاً واقعياً بما لا يختلف على امتداد التاريخ وفي مختلف العصور.
    رواياته عن الإمام الصادق:
    وروى عن الإمام الصادق حديثاً جاء فيه أنّ رجلاً سأل أباه عن مسائل فكان ممّا أجابه به، أن قال: قل لهم: هل كان فيما أظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من علم الله اختلاف؟ فإن قالوا: لا فقل لهم: فمن حكم بحكم فيه اختلاف فهل خالف رسول الله؟ فيقولون: نعم، فإن قالوا: لا فقد نقضوا أوّل كلامهم، فقل لهم: ما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم، فإن قالوا: مَن الراسخون في العلم؟ فقل: مَن لا يختلف في عمله، فإن قالوا: مَن ذاك؟ فقل: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صاحب ذاك.. إلى أن قال: وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يستخلف أحداً فقد ضيّع مَن في أصلاب الرجال ممّن يكون بعده، قال: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلى لو وجدوا له مفسّراً، قال: وما فسّره رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: بلى قد فسّره لرجل واحد، وفسّر للأمّة شأن ذلك الرجل، وهو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، إلى أن قال: والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شيء واحد، فمن حكم بحكم ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عزّ وجل، ومن حكم بحكم فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت..(7).
    وقد عرض هذا الحديث لموضوع الخلافة، وحفل بأوثق الأدّلة العقلية على إمامة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وبطلان ما يذهب إليه المنكرون لإمامته.
    روايته عن أبيه:
    روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: حدّثني أبو جعفر الثاني (عليه السلام) قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: دخل عمرو ابن عبيد على أبي عبد الله (عليه السلام) فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية (الذِينَ يجتنُبِونَ كَبَائرَ الإثْمِ والفَواحِشِ) ثمّ أمسك.
    قال له أبو عبد الله: ما أسكتك؟
    قال عمرو: أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله عز وجل.
    قال أبو عبد الله: نعم يا عمرو، أكبر الكبائر الإشراك بالله، يقول الله: (مَن يُشرِكْ باللهِ فقد حرَّم الله عليهِ الجنَّة) وبعده اليأس من روح الله لأنّ الله عز وجل يقول: (لاَ ييأسُ مِن رَوْح اللهِ إلاَّ القومُ الكافرون) ثمّ الأمن من مكر الله لأنّ الله عز وجل يقول: (فلا يَأمنُ مكر الله إلاّ القوم الخاسرون) ومنها عقوق الوالدين لأنّ الله سبحانه جعل العاق جبّاراً شقياً، وقتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ لأن الله عز وجل يقول: (فجزاؤُهُ جهنَّم خالداً فيها) وقذف المحصنة لأن الله عز وجل يقول: (لُعنُوا فِي الدنيا والآخرةِ ولهم عذابٌ عظيمٌ) وأكل مال اليتيم لأنّ الله عز وجل يقول: (إنما يأكلون في بطُونِهِم ناراً وسيصلون سعيراً) والفرار من الزحف لأنّ الله عز وجل يقول: (ومَن يُولِّهم يومئذٍ دبُرهُ إلاَّ متحرِّفاً لقتالٍ أو متحيزاً إلى فئةٍ فقد باء بغضَبٍ من الله ومأواهُ جهنَّمُ وبئس المصير) وأكل الربا لأنّ الله عز وجل يقول: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقومُ الذي يتخبطُهُ الشيطانُ من المسِّ) والسحر لأن الله عز وجل يقول: (ولقد علموا لمن اشتراه مالهُ في الآخرة من خلاقٍ) والزنا لأنّ الله عز وجل يقول: (ومن يفعل ذلك يلق آثاماً * يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً) واليمين الغموس الفاجرة لأنّ الله عز وجل يقول: (الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) والغلول لأنّ الله عز وجل يقول: (ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة) ومنع الزكاة المفروضة لأنّ الله عز وجل يقول: (فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) وشهادة الزور، وكتمان الشهادة لأنّ الله عز وجل يقول: (ومن يكتُمها فإنَّه آثم قلبُهُ) وشرب الخمر لأنّ الله عز وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان، وترك الصلاة متعمّداً أو شيئاً مما فرض الله عز وجل لأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: من ترك الصلاة متعمداً أو شيئاً ممّا فرض الله عزّ وجلّ لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من ترك الصلاة متعمّداً فقد برئ من ذمّة الله وذمّة رسوله، ونقض العهد، وقطيعة الرحم لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: (لهُمُ اللعنَةُ ولهُمْ سُوءُ الدار) قال: فخرج عمرو له صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال: برأيه ونازعكم في الفضل والعلم..(8).
    وحذّر هذا الحديث الشريف من اقتراف الجرائم التي تمسخ ضمير الإنسان، وتهدّد الحياة الاجتماعية بالخطر، وتقف عائقاً في طريق حضارة الإنسان وتقدّمه.
    التوحيد:
    وأثيرت - في عصر الإمام الجواد - كثير من الشكوك والأوهام حول قضايا التوحيد أثارها من لا حريجة له في الدين من الحاقدين على الإسلام لزعزعة العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين، وتشكيكهم في مبادئ دينهم العظيم.. وقد أجاب الإمام الجواد (عليه السلام) عن كثير من تلك الشبه، وفنّدها كان من بينها:
    1 - وفد على الإمام أبي جعفر (عليه السلام) بعض المتضلّعين في علم الفلسفة والكلام فقدّم له السؤال التالي:
    (أخبرني عن الربّ تبارك وتعالى، له أسماء وصفات في كتابه؟ فأسماؤه وصفاته هي هو).
    وحلّل الإمام (عليه السلام) سؤاله إلى وجهين، كما حلّل الوجه الثاني منهما إلى وجهين، وقد صحّح بعض تلك الوجوه، وأبطل البعض الآخر منها لأنّها تتنافى مع واقع التوحيد قال (عليه السلام):
    (إنّ لهذا الكلام وجهين: إن كنت تقول: هو هي، أي إنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك.
    وإن كنت تقول: لم تزل هذه الصفات والأسماء (فإن لم تزل) يحتمل معنيين: فإن قلت: لم تزل عنده في علمه، وهو مستحقّها فنعم وإن كنت تقول: لم يزل تصويرها: وهجاؤها، وتقطيع حروفها، فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره، بل كان الله، ولا خلق، ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه، ويعبدونه، وهي ذكره، وكان الله ولا ذكر، والذكور بالذكر هو الله القديم، الذي لم يزل والأسماء والصفات مخلوقات المعاني، والمعنى بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف، إنّما يختلف ويأتلف المتجزي، فلا يقال: الله مؤتلف، ولا الله كثير، ولا قليل، ولكنّه القديم في ذاته لأنّ ما سوى الواحد متجزئ والله واحد لا يتجزّى، ولا متوهّم بالقلّة والكثرة وكلّ متجزّي متوهّم بالقلّة والكثرة فهو مخلوق دالّ على خالق له، فقولك: إنّ الله قدير خبرت انّه لا يعجزه شيء، فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه، وكذلك قولك: عالم إنّما نفيت بالكلمة الجهل، وجعلت الجهل سواه. فإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصور والهجاء، ولا ينقطع ولا يزال من لم يزل عالماً).
    (وألمّ كلام الإمام بجوهر التوحيد فأبطل أن تكون أيّة صفة من صفاته تعالى مستلزمة للعدد والكثرة وذلك ما يترتّب عليها من الآثار الفاسدة المستحيلة بالنسبة له تعالى، فلا حدوث في صفاته، ولا تجزّئ في ذاته فصفاته عين ذاته، كما دلّل على ذلك في علم الكلام.. أمّا تحليل هذه الفقرات من كلامه فإنّه يستدعي بحوثاً مطوّلة، وقد آثرنا الإيجاز فيها.
    وبهر السائل من إحاطة الإمام بهذه البحوث المعقّدة وراح يسأله قائلاً:
    (كيف سمّي ربّنا سميعاً..).
    فأجابه الإمام جواباً رائعاً دفع به الشبهة قائلاً:
    (إنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالاسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سمّيناه بصيراً لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون وشخص وغير ذلك، ولم نصفه بنظر لحظ العين، وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة، وأحقر من ذلك.. وموضع الشقّ منها، والعقل والشهوة، والسفاد والحدب على نسلها، وإفهام بعضها عن بعض، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال، والمفاوز والأودية والقفار، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، وإنّما الكيفيّة للمخلوق المكيّف. وكذلك سمّي ربّنا قويّاً لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق ولو كان قوّته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصاً كان غير قديم، وما كان غير قديم كان عاجزاً فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ، ولا ندّ، ولا كيف، ولا نهاية، ولا إخطار محرم على القلوب أن تمثّله، وعلى الأوهام أن تحدّه وعلى الضمائر أن تكيّفه جلّ عن أدات خلقه وسمات بريّته، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً..)(9).
    إنّ صفات الله تعالى الإيجابية السلبية وليست على غرار الصفات التي يتّصف بها الممكن الذي يفتقر في وجوده إلى علّة تفيض عليه الوجود، كما يفتقر عدمه إلى علّة بالإضافة إلى أنّ صفات الممكن مثل البصر والسمع إنّما تقوم بجوارح الإنسان ويستحيل عليه ذلك تعالى إذ ليست له جوارح ولا أبعاض.
    إنّ من صفات الله تعالى أنه (لطيف) وذلك لعلمه بالأشياء اللطيفة كالبعوضة وما هو أصغر وأدقّ منها، وقد ألهمها الله هداها فهي تسير سيراً عجيباً في منتهى الروعة والدقّة، تحافظ على حياتها وعلى نوعيّتها، وتحدب على نسلها فترعاه وتعاهده بالطعام. إنّ هذه الحركات من الحيوانات الصغيرة لتنادي بوجود خالقها العظيم الذي ألهمها هداها.
    إنّ من صفات الله تعالى أنّه (قويّ) ولكن ليست هذه القوّة كالقوة التي يتّصف بها الإنسان، وهي قوّة البطش والانتقام فإنّ هذه الصفة قابلة للزيادة والنقصان والتغيير ويستحيل أن يتّصف بذلك الله تعالى عن مشابهة مخلوقاته.
    إنّ صفات الله تعالى وذاته لا تتحمّلها، الأوهام ولا العقول والأفكار لأنّها إنّما تتصوّر الممكنات الخاضعة لهذا اللون من التصوّر ويمتنع عليه تعالى ذلك كما دلّل عليه في البحوث الفلسفية والكلامية.
    وعلى أي حال فقد أثبت الإمام في هذه البحوث أنّه من عمالقة الفلسفة والكلام في الإسلام وإنّا نسأل في أيّة مدرسة درس الإمام علم الفلسفة والكلام حتى صار من أقطاب هذا الفنّ وأجاب بهذه الأجوبة الدقيقة التي يعجز عن الإتيان بمثلها كبار الفلاسفة والعلماء، إنّه لا تعليل لذلك سوى ما تقول به الشيعة إنّ الله تعالى منحه العلم والفضل وآتاه الحكم صبياً.
    2 - سأل محمد بن عيسى الإمام أبا جعفر (عليه السلام) عن التوحيد قائلاً: إنّي أتوهّم شيئاً، فأجابه الإمام:
    (نعم غير معقول، ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه لا يشبهه شيء، ولا تدركه الأوهام، وهو خلاف ما يتصوّر في الأوهام إنّما يتصوّر شيء غير معقول ولا محدود..)(10).
    إنّ وهم الإنسان إنّما يتعلّق بالأمور الخاضعة للوهم والتصوّر أمّا الأمور التي لا تخضع لذلك فإنّه من المستحيل أن يتعلّق بها الوهم والخيال حسب ما قرّر في علم الفلسفة، فالله تعالى في ذاته وصفاته لا يصل له الوهم ولا الخيال لأنّهما إنّما يدركان الأمور الممكنة دون واجب الوجود.
    3 - روى الحسين بن سعيد قال: سئل أبو جعفر الثاني (عليه السلام) يجوز أن يقال لله إنّه شي؟ فقال (عليه السلام):
    (نعم يخرجه من الحدّين: حدّ التعطيل وحدّ التشبيه..)(11).
    إنّ الشيئية التي تطلق على الممكنات لا تطلق عليه تعالى إلاّ بشرط تجريده من حدّ التعطيل، وحدّ التشبيه الذين هما من أبرز صفات الممكن.
    4 - سأل أبو هاشم الجعفري عن قوله تعالى: (لاَ تُدرِكُهُ الأبصارَ وهُوَ يُدرِكُ الأبصارَ)، فقال (عليه السلام):
    (يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها، ولم تدركها ببصرك، فأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟..)(12).
    إنّ ذات الله تعالى لا تدركها أوهام القلوب على مدى ما تحمله من سعة الخيال فضلاً عن إدراكها بالعين الباصرة فإنّ كلاً منهما محدود بحسب الزمان والمكان وذات الله تعالى لا يجري عليها الزمان والمكان فإنّه تعالى هو الذي خلقهما.
    وعلى أي حال فإنّ العقول في جميع تصوّراتها محدودة لا يمكن أن تكتشف الأمور التي لا تخضع للحدّ زماناً ومكاناً، يقول الشافعي: (إنّ للعقل حدّاً ينتهي إليه كما أن للبصر حدّاً ينتهي إليه).
    5 - سأل أبو هاشم الجعفري الإمام أبا جعفر الجواد قال: ما معنى الواحد؟ فأجابه (عليه السلام):
    (الذي اجتمعت الألسن عليه بالتوحيد كما قال الله عز وجل: (ولَئنِ سألْتَهُم مَن خَلَقَ السماواتِ والأرضَ ليقُولُنَّ اللهُ..)(13).
    وبهذا ينتهي بنا الحديث عن البحوث الرائعة التي أدلى بها الإمام (عليه السلام) عن التوحيد، وهي تكشف عن مدى ثرواته العلمية الهائلة.
    مسائل فقهية:
    وتشكّل الأحاديث التي تُروى عن الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) مصدراً خصباً لاستنباط الأحكام الشرعية لدى فقهاء الشيعة الإمامية؛ لأنّها من السنة التي فسّرت - عندهم - بقول المعصوم وفعله وتقريره، وقد أثرت عنه طائفة كبيرة من الأخبار دوّنت في موسوعات الفقه والحديث وقد شملت معظم أبواب الفقه نذكر بعضها:
    الصلاة:
    أمّا بحوث الصلاة وفروعها فهي من أوسع أبواب الفقه، وكان من بين تلك الفروع التي عرض لها الإمام أبو جعفر (عليه السلام) ما يلي:
    1 - روى الصدوق بسنده عن يحيى بن عـــمران قال: كتبت إلى أبي جعـــفر الثـــاني (عليه السلام) في السنجاب(14)، والفنك(15) والخزّ(16) وقلت: جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقيّة في ذلك، فكتب بخطّه إليّ صلِّ فيها(17).
    واستدلّ الفقهاء بهذا الخبر ونحوه ممّا ورد في هذا الموضوع على جواز الصلاة في جلود هذه الحيوانات، وهناك روايات أخرى دالّة على المنع من الصلاة فيها، ولسنا بصدد النظر في ترجيح إحدى الطائفتين من هذه الأخبار على الأخرى فإنّ ذلك من شأن الكتب الفقهيّة الاستدلالية وليس هذا الكتاب منها.
    2 - روى قاسم الصيقل قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأُصلّي فيها، فكتب إليّ اتّخذ ثوباً لصلاتك، فكتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا فصعب عليّ ذلك، فصرت أعملها من جلود الوحشية الذكية فكتب إليّ: كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله فإن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس(18).
    3 - واستدلّ الفقهاء على جواز الصلاة بالنعل الطاهرة الذكية بما رواه عليّ بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) صلى حين زالت الشمس يوم التروية ستّ ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما(19) وروى عبد الله بن رزين أنّه رأى أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يصلي في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند بيت فاطمة (عليه السلام) يخلع نعليه، ويصلي وإنّه رآه في ذلك الموضع الذي كان.
    4 - واستند الفقهاء على جواز مناجاة الله في أثناء الصلاة برواية محمد بن عليّ بن الحسين عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي يناجي به ربه عز وجلّ(20).
    هذه بعض الأخبار التي أثرت عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في الصلاة.
    الزكاة:
    وردت عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) عدّة أخبار في فروع الزكاة كان من بينها ما يلي: استدلّ الفقهاء على جواز إخراج القيمة دون العين فيما تجب فيه الزكاة بما روي عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) فقد روى محمد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير، وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى أن لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجابه: أيّما تيسّر يخرج(21).
    الخمس:
    وتلتزم الشيعة الإمامية بلزوم الخمس ووجوبه الذي هو من أهمّ الضرائب الإسلامية التي فرضها الله على المسلمين لازدهار اقتصادهم، ومعالجة الفقر والبؤس، ونصف من الخمس المسمّى بحقّ الإمام ينفق على إقامة معالم الشريعة الإسلامية وازدهار الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام، وهو يجب في مواضع - ذكرها الفقهاء - منها ما يفضل عن مؤنة سنة الإنسان له ولعياله من أرباح التجارات، والصناعات والزراعات ونحوها، وقد استدلّ الفقهاء على ذلك بما أثر عن الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) من الأخبار والتي منها:
    1 - روى عليّ بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): اخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب (عليه السلام) بخطّه: الخمس بعد المؤنة(22).
    2 - روى الشيخ في الصحيح عن عليّ بن مهزيار قال: (كتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة، قال: إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه، وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسأفسّر لك بعضه إن شاء الله: إنّ مواليّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهّرهم وأزكّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا قال تعالى: (خُذْ مِن أموالهم صدَقةً تُطهِّرهمْ وتزكِّيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم والله سميع عليمٌ * ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذُ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم * وقُلِ اعْمَلُوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تَعمَلُونَ)(23).
    ولم أوجب عليهم ذلك، في كلّ عام ولا أوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحوه في تجارة ولا ضيعة إلاّ في ضيعة سافسّر لك أمرها تخفيفاً منّي عن موالي، ومنّاً منّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينوبهم في ذاتهم، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام قال الله تعالى: (واعلمُوا أَنَّما غنمتُم من شيءٍ فأنَّ للهِ خُمُسهُ وللرَّسُولِ ولذي القُربى واليتامَى والمساكينِ وابنِ السبيلِ إن كُنتُمْ آمنتم باللهِ وما أنزلنَا على عبدنا يومَ الفرقانِ يومَ التقى الجمعان والله على كلِّ شيءٍ قديرٍ) فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها. والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من موالي فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلى وكيلي، ومن كان نائياً بعيد الشقّة فليعمد لإيصاله ولو بعد حين، فإنّ نيّة المرء خير من عمله، فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلات في كلّ عام فهو نصف السدس، ممّن كانت ضيعــته تقــوم بمؤنــته، ومن كانت ضيعـــته لا تقـــوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك..)(24).
    ومنيت هذه الصحيحة بكثير من الغموض وعدم وضوح المراد منها وقد ذكرت عليها عدّة إشكالات تصدّى بعض المحقّقين من الفقهاء إلى تفنيدها، وذكر المحقّق الفقيه البحراني ما نصّه: فالحقّ ما ذكره جملة من الأصحاب من أنّ الرواية في غاية الإشكال ونهاية الإعضال(25).
    الحجّ:
    واستند فقهاء الشيعة الإمامية في فتاواهم في بعض فروع الحجّ، ومسائله إلى ما أثر عن الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) فيها، وفيما يلي ذلك:
    1 - استند الفقهاء في استحباب الحجّ للصبي بما رواه محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) عن الصبي متى يحرم به؟ قال: إذا أثغر(26) وقد تعرّض الفقهاء إلى كيفيّة حجّه بالتفصيل.
    2 - وأفتى فقهاء الإمامية بأنّ المخالف إذا حجّ ثمّ استبصر لم يعد حجّه إلاّ أن يخلّ بركن عندنا(27) وقد وردت رواية عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) تقضي بالإعادة فقد روى عليّ بن مهزيار قال: كتب إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفر (عليه السلام): إنّي حججت وأنا مخالف، وكنت صرورة فدخلت متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ، قال: فكتب إليه: أعد حجّك(28) وحمل الشيخ الأمر بإعادة الحجّ على الاستحباب(29).
    3 - واتّفق فقهاء الإمامية بأنّ حجّ التمتّع أفضل أنواع الحجّ لمن أراد أن يحجّ حجاً مندوباً، وقد استندوا في ذلك إلى ما ورد عن الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) وغيره من أئمّة العترة الطاهرة (عليه السلام) فقد روى أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أفضل من المفرد السائق للهدي، وكان يقول: ليس يدخل الحاج بشيء أفضل من المتعة(30).
    4 - من التروك اللازمة في الحجّ التظليل للرجل الصحيح سائراً أمّا المرأة فيجوز لها الظلّ(31) وقد ورد عن الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) في ذلك ما رواه بكر بن صالح قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إنّ عمّتي معي وهي زميلتي ويشتدّ عليها الحرّ إذا أحرمت افترى أن أظلّل عليّ وعليها؟ فكتب (عليه السلام): ظلّل عليها وحدها(32).
    هذه بعض فروع الحجّ التي وردت أحكامها عن الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام).
    النذر:
    وسئل الإمام أبو جعفر الجواد (عليه السلام) عن بعض مسائل النذور وفروعه فأجاب عنها، وكان ممّا سئل عنه.
    1 - سئل الإمام الجواد (عليه السلام) عن الرجل يقول: عليّ مائة بدنة أو ما لا يطيق، فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذلك من خطوات الشيطان(33).
    إنّ القدرة على الامتثال - كما يقول الفقهاء - شرط في صحّة التكليف ويستحيل أن يتعلّق بغير المقدور، فمتعلّق النذر في هذه المسألة لمّا كان غير مقدور ولا يطيقه المكلّف كان النذر باطلاً.
    2 - رفع رجل من بني هاشم رسالة إلى الإمام الجواد (عليه السلام) جاء فيها: (إنّي كنت نذرت نذراً منذ سنين أن أخرج إلى ساحل من سواحل البحر إلى ناحيتنا ممّا يرابط فيه المتطوّعة نحو مرابطتهم بجدّة وغيرها من سواحل البحر، افترى جعلت فداك انّه يلزمني الوفاء به أو لا يلزمني أو افتدي الخروج إلى ذلك بشيء من أبواب البرّ لأصير إليه إن شاء الله؟).
    فأجابه (عليه السلام) برسالة جاء فيها:
    (إن كان سمع منك نذرك أحد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنعته وإلاّ فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البرّ، وفّقنا الله وإيّاك لما يحب ويرضى..)(34).
    ولم ينعقد هذا لنذر لأنّ متعلّقة غير راجح، وقد حثّ الإمام على أن يصرف نفقات مرابطته في وجوه البرّ والتي منها الإحسان إلى الفقراء.
    كفارة مخالفة العهد:
    وأفتى فقهاء الإمامية بأن من حنث ما عاهد عليه الله تجب عليه الكفّارة المخيّرة وهي: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً، وقد استندوا في ذلك إلى ما روي عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) فقد روى أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في رجل عاهد الله عند الحجر أن لا يقرب محرماً أبداً فلمّا رجع عاد إلى المحرم، فقال أبو جعفر (عليه السلام): يعتق أو يصوم أو يتصدّق على ستين مسكيناً وما ترك من الأمر أعظم ويستغفر الله ويتوب إليه(35).
    الوقف:
    سئل الإمام أبو جعفر (عليه السلام) عن بعض مسائل الوقف فأجاب عنها، وعلى ضوء أجوبته أفتى الفقهاء، وكان من بين ما سئل عنه:
    1 - إنه سئل عن الوقف الذي يكون على أسرة وهي منتشرة في أنحاء مختلفة في البلاد فهل يجب على متولّي الوقف أن يوصل إليهم حقّهم من واردات الوقف، فأجاب (عليه السلام) بعدم لزوم ذلك عليه، وإنّ الوارد يختصّ بمن حضر البلد الذي فيه الوقف، وهذا نصّ السؤال والجواب:
    روى عليّ بن محمد بن سليمان النوفلي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أسأله عن أرض وقفها جدّي على المحتاجين من ولد فلان ابن فلان، وهم كثيرون متفرّقون في البلاد، فأجاب: ذكرت الأرض التي وقفها جدّك على فقراء ولد فلان، وهي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف وليس لك أن تتّبع من كان غائباً(36).
    2 - روى عليّ بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إنّ فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس، ويسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض أو تقويمها على نفسه بما اشتراها، أو يدعها موقفة؟ فكتب (عليه السلام): اعلم فلاناً أنّي آمره أن يبيع حقّي من الضيعة، وإيصال ثمن ذلك إليّ، وإنّ ذلك رأي إن شاء الله، أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له(37) وحمل الحرّ العاملي الرواية على عدم قبض الإمام للضيعة كما هو الظاهر منه حتى يصحّ البيع.
    3 - روى عليّ بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) أعلمه أنّ إسحاق بن إبراهيم وقف ضيعته على الحجّ، وأمّ ولده وما فضل عنها للفقراء، وإنّ محمد بن إبراهيم أشهد على نفسه بمال يفرّق في إخواننا، وإنّ في بني هاشم من يعرف حقّه، يقول بقولنا ممّن هو محتاج، فترى أن يصرف ذلك إليهم إذا كان سبيله سبيل الصدقة؟ لأنّ وقف إسحاق إنّما هو صدقة..
    فكتب (عليه السلام) في الجواب: (فهمت رحمك الله ما ذكرت من وصية إسحاق بن إبراهيم (رضي الله عنه)، وما أشهد بذلك محمد بن إبراهيم (رضي الله عنه)، وما استأمرت به من إيصالك بعض ذلك إلى من كان له ميل ومودّة من بني هاشم ممّن هو مستحقّ فقير، فأوصل ذلك إليهم يرحمك الله، فهم إذا صاروا إلى هذه الخطّة أحقّ من غيرهم لمعنى لو فسّرته لك لعلمته إن شاء الله)(38).
    وأدرج الحرّ العاملي هذه الرواية تحت عنوان (جواز إعطاء فقراء بني هاشم من الصدقة سوى الزكاة من الوقف على الفقراء)(39).
    الزواج:
    وأثرت عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في الزواج عدّة أخبار استند إليها الفقهاء في فتواهم، وكان من بينها عدم ولاية العمّ على ابنة أخيه في الزواج فقد روى محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض بني عمّي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): ما تقول في صبية زوجها عمّها، فلمّا كبرت أبت التزويج فكتب (عليه السلام): (لا تكره على ذلك والأمر أمرها)(40).
    الطلاق:
    وسئل الإمام أبو جعفر (عليه السلام) عن الطلاق المخالف لفقه أهل البيت (عليهم السلام) فأجاب (عليه السلام) بعدم صحّته إن كان المطلّق ممّن يدين بالولاء لهم، ويسير على وفق ما أثر عنهم، وإن كان المطلّق لا يرى ذلك فطلاقه صحيح، وهذا نصّ جوابه عن هذا السؤال الذي سأله عنه إبراهيم بن محمد الهمداني: (فهمت ما ذكرت من أمر بنتك وزوجها (إلى أن قال) ومن حنثه بطلاقها غير مرّة فانظر فإن كان ممّن يتولاّنا، ويقول: بقولنا فلا طلاق عليه لأنّه لم يأت أمراً جهله، وإن كان ممّن لا يتولاّنا ولا يقول: بقولنا فاختلعها منه، فإنّه نوى الفراق)(41).
    الرضاع:
    وإذا توفّرت في الرضاع الشروط المعتبرة التي ذكرها الفقهاء فيترتّب عليه ما يترتّب على النسب من الآثار الوضعيّة، ففي الحديث: (الرضاع لحمة كلحمة النسب) وكان من بين مسائل الرضاع التي عرضت على الإمام أبي جعفر (عليه السلام) وأجاب عنها ما رواه عليّ بن مهزيار قال: سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني (عليه السلام) انّ امرأة أرضعت لي صبياً فهل يحلّ لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي: ما أجود ما سألت من هاهنا يؤتى أن يقول الناس: حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره، فقلت له: الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي، هي ابنة غيرها، فقال: لو كن عشراً متفرّقات ما حلّ لك شيء منهنّ، وكنّ في موضع بناتك(42).
    حلّية زواج الزاني بالمزني بها:
    وسئل الإمام أبو جعفر الجواد (عليه السلام) عن الزاني هل له أن يتزوّج بالمزني بها، فأجاب (عليه السلام) بالجواز بعد استبرائها، وهذا نصّ السؤال مع جوابه روى الحسن بن عليّ بن شعبة عن أبي جعفر محمد بن عليّ الجواد (عليه السلام) أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أيحلّ له أن يتزوّجها؟ فقال: يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه، ثمّ يتزوّج بها إن أراد، فإنّما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراماً ثمّ اشتراها فأكل منها حلالاً(43).
    حرمان ابن الزنا من الميراث:
    من الآثار الخطيرة التي تترتّب على اقتراف جريمة الزنا ان ابن الزنا لا يلحق بأبويه ويحرم من ميراثهما، وقد أثر عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في ذلك ما رواه محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) معي يسأله عن رجل فجر بامرأة، ثم إنّه تزوّجها بعد الحمل فجاءت بولد هو أشبه خـــلق الله به، فكتب بخـــطّه وخاتــمه: الولد لغـــية لا يورث(44).
    الشفعة:
    من البحوث الفقهيّة: الشفعة وقد سئل الإمام أبو جعفر (عليه السلام) عن بعض أحكامها فأجاب عنها، فقد روى الثقة الفقيه عليّ بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) عن رجل طلب شفعة فذهب على أن يحضر المال فلم ينضّ، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها أيبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة؟ قال: إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام فإن أتاه بالمال وإلاّ فليبع، وبطلت شفعته في الأرض وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة، وينصرف وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم فإن وافاه وإلاّ فلا شفعة له(45)، وقد أدرج الشيخ الحرّ هذا الخبر تحت هذا العنوان: (باب أنّ الثمن إذا كان في المصر انتظر به ثلاثة أيام وإن كان في بلد آخر انتظر به قدر الذهاب والعودة وزيادة ثلاثة أيام، فإن زاد بطلت الشفعة).
    الميراث:
    وسئل الإمام أبو جعفر (عليه السلام) عن بعض فروع الميراث فأجاب عنها، ونعرض لبعضها:
    1 - روى محمد بن علي بن الحسن بإسناده عن البزنطي قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): رجل هلك، وترك ابنته وعمّه، فقال: المال للابنة، قال: وقلت له: رجل مات وترك ابنة له وأخاً له، أو قال: ابن أخيه قال: فسكت طويلاً ثمّ قال: المال للابنة(46).
    2 - روى عليّ بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) عن دار كانت لامرأة وكانت لها ابن وابنة فغاب الابن في البحر، وماتت المرأة فادّعت ابنتها أنّ أمّها كانت صيّرت هذه الدار لها وباعت أشقاصاً منها وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا، وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن، وما يتخوّف أن لا يحلّ شراؤها، وليس يعرف للابن خبر، فقال لي: ومنذ كم غاب؟ قلت: منذ سنين كثيـــرة، قال: ينتظر به غيبة عشرة سنين، ثمّ يــشتري(47). فقلت: إذا انـــتظر به غـــيبة عشر سنــين يحــــلّ شراؤها؟ قال: نعم(48).
    وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض المسائل الفقهية التي أدلى بها الإمام الجواد (عليه السلام) حينما سئل عنها وهي تكشف - بوضوح - عن أنّ الإمام (عليه السلام) قد كان المرجع الوحيد الذي يرجع إليه معظم المسلمين في شؤونهم الدينية.
    علل الأحكام:
    وكشف الإمام محمد الجواد (عليه السلام) النقاب عن العلّة في تشريع بعض الأحكام وكان من بينها ما يلي:
    1 - سئل محمد بن سليمان عن العلّة في جعل عدّة المطلّقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، وصارت عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً، فأجابه الإمام (عليه السلام) عن ذلك:
    (أمّا عدّة المطلّقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد، وأمّا عدة المتوفى عنها زوجها فإنّ الله تعالى شرط للنساء شرطاً، وشرط عليهن شرطاً فلم يجابهن فيما شرط لهنّ، ولم يجر فيما اشترط عليهنّ، أما ما شرط لهنّ في الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول الله عز وجل: (للذين يؤلون من نسائهم تربُّصُ أربعة أشهر) فلم يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء لعلمه تبارك اسمه إنّه غاية صبر المرأة عن الرجل، وأمّا ما شرط عليهنّ فإنّه أمرها أن تعتدّ إذا مات زوجها أربعة أشهر وعشراً فأخذ منها له عند موته ما أخذ لها منه في حياته عند الإيلاء، قال الله عزّ وجل: (يَتَرَبَّصنَ بأنفُسِهِنَّ أربعةَ أشهُرٍ وعَشْراً) ولم يذكر العشرة الأيام في العدّة إلاّ مع الأربعة أشهر، وعلم أنّ غاية المرأة الأربعة أشهر في ترك الجماع فمن ثمّ أوجبه عليها ولها..)(49).
    2 - سأل محمد بن سليمان الإمام الجواد عن العلّة فيما إذا قذف الرجل امرأته بجريمة الزنا تكون شهادته أربع شهادات بالله، وإذا قذفها غيره سواءً كان قريباً لها أم بعيد جلد الحدّ أو يقيم البيّنة على ما قال، فأجابه (عليه السلام):
    (قد سئل أبو جعفر - يعني الإمام الباقر (عليه السلام) - عن ذلك فقال: إن الزوج إذا قذف امرأته فقال: رأيت ذلك بعيني كانت شهادته أربع شهادات بالله، وإذا قال: إنّه لم يره. قيل له أقم البيّنة على ما قلت: وإلاّ كان بمنزلة غيره، وذلك أنّ الله تعالى جعل للزوج مدخلاً لا يدخله غيره والد ولا ولد يدخله بالليل والنهار فجاز له أن يقول: رأيت، ولو قال غيره: رأيت قيل له: وما أدخلك المدخل الذي ترى هذا فيه وحدك، أنت متّهم فلابدّ من أن يقيم عليك الحدّ الذي أوجبه الله عليك..)(50).
    هذا بعض ما أثر عنه في بيان علل بعض الأحكام التي شرعها الإسلام.
    التبشير بالإمام المهدي:
    والشيء المحقّق الذي لا يمكن إنكاره، ولا إخفاءه هو ما بشّر به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أمّته بخروج المصلح العظيم الإمام المنتظر الذي يقيم اعوجاج الدين، وتحقّق في ظلال حكمه العدالة الاجتماعية الكبرى فيأمن المظلومون والمضطهدون، ويعمّ الحقّ جميع أنحاء الدنيا، ويقضى على الغبن الاجتماعي، وتزول عن الناس جميع أفانين الظلم والجور، ويكون حكمه الزاهر امتداداً ذاتياً لحكومة النبي (صلى الله عليه وآله) وحكومة الإمام أمير المؤمنين رائد الحقّ والعدل في الأرض.
    إنّ الاعتقاد بضرورة خروج الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) جزء من رسالة الإسلام وعنصر هام من عناصر العقيدة الإسلامية، فإنّ الإسلام بمفهومه الصحيح لابدّ أن يسود الأرض، ولابدّ للمبادئ الوضعيّة من أن تتحطّم لأنّها جرّت المحن والخطوب للإنسان، وأخلدت له المشاكل والمتاعب، ولابدّ أن ينقذ الله عباده من شرورها واستبدادها على يد هذا الإمام العظيم.
    وعلى أي حال فقد تواترت الأخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن الأئمة الطاهرين بحتمية خروج قائم آل محمد (عليه السلام) وكان ممّن بشر به الإمام الجواد (عليه السلام) وفيما يلي بعض ما أثر عنه:
    1 - روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: دخلت على سيدي محمد بن عليّ بن موسى (عليه السلام) وأنا أريد أن اسأله عن القائم هل هو المهدي أو غيره؟ فابتدأني قائلاً:
    (يا أبا القاسم إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمداً بالنبوة وخصّنا بالإمامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وإنّ الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى، إذ ذهب يقتبس ناراً فرجع وهو رسول نبي، وأضاف الإمام الجواد قائلاً: أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج)(51).
    2 - روى عبد العظيم الحسني قال: قلت لمحمد بن علي: إنّي لأرجو أن يكون القائم من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً؟
    فأجابه الإمام الجواد:
    (يا أبا القاسم ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عز وجل، وهاد إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهّر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، هو سميّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيّه، وهو تطوى له الأرض، ويذلّ له كل صعب ويجتمع إليه أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض وذلك قول الله عز وجل: (أينَ ما تكُونُوا يأتِ بكمُ اللهُ جميعاً إنّ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ)(52). فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره)(53).
    لقد أخبر الإمام الجواد عن بعض خصائص الإمام المنتظر من غياب شخصه وحجبه عن الأنظار، كما أخبر عن عدد أصحابه بعد ظهوره وأنّهم كعدد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر فقد استطاع بتلك القلّة المتسلّحة بالإيمان والوعي أن يقضي على معالم الجاهلية، ويدمّر القوى الباغية، ويرفع كلمة الله عالية في الأرض، كذلك وصيّه الأعظم الإمام المنتظر (عليه السلام) فإنّه بأصحابه القلّة المؤمنة سوف يغيّر مجرى الحياة فيبسط العدل السياسي والعدل الاجتماعي في ربوع الأرض ويحقّق للإنسانية أعظم الانتصارات، ويقضي على معالم الجاهلية التي طغت في هذه العصور التي خضع الناس فيها للمادة، ولم يعد للقيم الروحية والمثل الكريمة أي ظلّ في النفوس، أرانا الله الأيام المشرقة من أيام حكمه.
    من واقع الإيمان:
    للإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) بعض النصائح الرفيعة الهادفة إلى الإيمان بالله والثقة به والتوكّل عليه ومن بينها:
    1 - الثقة بالله:
    قال (عليه السلام): (إنّ من وثق بالله أراه السرور، ومن توكّل على الله كفاه الأمور، والثقة بالله حصن لا يتحصّن فيه إلاّ المؤمن، والتوكّل على الله نجاة من كلّ سوء وحرز من كلّ عدو..)(54).
    وحفلت هذه الكلمات الذهبية بأروع ما يحتاج إليه الناس في حياتهم وهو الثقة بالله خالق الكون وواهب الحياة، فمن وثق به أراه السرور، ومن توكّل عليه كفاه الأمور.
    2 - الاستغناء بالله:
    ودعا الإمام الجواد (عليه السلام) إلى الاستغناء بالله تعالى، ورجائه دون غيره، قال (عليه السلام):
    (من استغنى بالله افتقر الناس إليه، ومن اتّقى الله أحبه الناس)(55).
    إنّ من يستغني بالله فقد استغنى عن غيره، ويفتقر إليه الناس لأنّه يكون داعية ومصدر عطاء لهم.
    3 - الانقطاع إلى الله:
    وحثّ الإمام الجواد على الانقطاع إلى الله الذي لا ينقطع فيضه ولا لطفه أمّا من ينقطع إلى غيره فقد باء بالخيبة والخسران قال (عليه السلام):
    (من انقطع إلى غير الله وكّله الله إليه..).
    4 - القصد إلى الله بالقلوب:
    إنّ من واقع الإيمان القصد إلى الله تعالى في أعماق القلوب ودخائل النفوس ومن الطبيعي أنّ ذلك أبلغ بكثير من أتعاب الجوارح ومعاناتها بالأعمال وقد أعلن (عليه السلام) ذلك بقوله: (القصد إلى الله تعالى بأعماق القلوب أبلغ من أتعاب الجوارح..)(56).
    مكارم الأخلاق:
    ودعا الإمام الجواد (عليه السلام) إلى الاتصاف بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات وكان ممّا أوصى به:
    1 - قال (عليه السلام): (من حسن خُلق الرجل كفّ أذاه، ومن كرمه برّه لمن يهواه، ومن صبره قلّة شكواه، ومن نصحه نهيه عمّا لا يرضاه، ومن رفق الرجل بأخيه ترك توبيخه بحضرة من يكره، ومن صدق صحبته إسقاطه المؤنة، ومن علامة محبّته كثرة الموافقة وقلّة المخالفة..)(57).
    ووضع (عليه السلام) بهذه الكلمات الرائعة الأسس لحسن الأخلاق ومكارم الأعمال، والدعوة إلى قيام الصداقة والصحبة على واقع من الفكر والمرونة.
    2 - قال (عليه السلام): (حسب المرء من كمال المروءة أن لا يلقى أحداً بما يكره.. ومن عقله إنصافه قبول الحقّ إذا بان له..).
    قضاء حوائج الناس:
    وكان ممّا دعا إليه الإمام الجواد (عليه السلام) السعي والمبادرة في قضاء حوائج الناس وذلك لما لها من الآثار التي تترتّب عليها والتي منها دوام النعم قال (عليه السلام):
    (إنّ لله عباداً يخصّهم بدوام النعم فلا تزال فيهم ما بذلوا لها، فإذا منعوها نزعها عنهم، وحوّلها إلى غيرهم..)(58).
    وأكّد (عليه السلام) ذلك في حديث آخر له قال:
    (ما عظمت نِعم الله على أحد إلاّ عظمت إليه حوائج الناس، فمن لم يحتمل تلك المؤنة عرّض تلك النعمة للزوال..)(59).
    من آداب السلوك:
    ووضع الإمام الجواد البرامج الصحيحة لحسن السلوك وآدابه بين الناس وكان من بين ما دعا له:
    1 - قال (عليه السلام): (ثلاث خصـــال تجـــلب فيهــن المودّة: الإنصـــاف في المعاشـــرة، والمواســاة في الشدّة، والانطواء على قلب سليم..)(60).
    2 - قال (عليه السلام): (ثلاثة من كنّ فيه لم يندم: ترك العجلة، والمشورة، والتوكّل على الله تعالى عند العزيمة، ومن نصح أخاه سرّاً فقد زانه، ومن نصحه علانية فَقَدَ شأنه..)(61).
    3 - قال (عليه السلام): (عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه، وعنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه، والشكر زينة الرواية، وخفض الجناح زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل، والجمال في اللسان، والكمال في العقل..)(62).
    وحفلت هذه الكلمات بأصول الحكمة وقواعد الأخلاق والآداب، ولو لم تكن له إلاّ هذه الكلمات لكانت كافية في التدليل على إمامته إذ كيف يستطيع شاب في مقتبل العمر أن يدلي بهذه الحكم الخالدة التي يعجز عن الإتيان بمثلها كبار العلماء.
    الدعوة إلى فعل المعروف:
    ودعا الإمام الجواد (عليه السلام) إلى اصطناع المعروف قال (عليه السلام): (أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه؛ لأنّ لهم أجره وفخره وذكره، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنّه يبتدأ فيه بنفسه)(63).
    من مواعظه:
    وأثرت عن الإمام الجواد (عليه السلام) بعض المواعظ ومنها ما يلي:
    1 - قال (عليه السلام): تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال على الله هلكة، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله (فَلا يَأْمَنُ مَكرَ اللهِ إلاَّ القَومُ الخاسِرُونَ)(64).
    2 - قال له رجل: أوصني، فأوصاه (عليه السلام) بهذه الوصية القيّمة:
    (توسّد الصبر، واعتنق الفقر، وارفض الشهوات، وخالف الهوى، واعلم انّك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف تكون..)(65).
    3 - كتب الإمام الجواد (عليه السلام) إلى بعض أوليائه هذه الرسالة الموجزة وهي حافلة بالوعظ والإرشاد وقد جاء فيها:
    (أمّا هـــذه الدنيا فإنّا فيهـــا معـــترفون، ولــــكن من كان هواه هوى صاحبه ودان بدينه فهو معه حــيث كان(66) والآخرة هي دار القرار..)(67).
    هذه بعض مواعظه الحافلة بالدعوة إلى العمل بما يقرّب الإنسان من ربّه، ويبعده عن عقابه، وفيها التحذير من اتّباع النزعات الشريرة القائمة في نفس الإنسان، وهي تدفعه إلى الهلكة والمخاطر، والانجراف في ميادين الرذائل والجرائم.
    لقد عنى الإمام محمد الجواد (صلى الله عليه وآله) في وعظ الناس وإرشادهم كما عنى آباؤه بذلك، فقد كانت هذه الظاهرة من ألمع ما نقرأه في سيرتهم وحياتهم.
    رسائله:
    وتبادل الإمام الجواد (عليه السلام) مع جماعة من القائلين بإمامته جملة من الرسائل تناولت مختلف القضايا ومن بين تلك الرسائل:
    1 - بعث الإمام الجواد (عليه السلام) رسالة إلى رجل من أهل الحيرة جاء فيها بعد البسملة:
    (الحمد لله الذي انتجب من خلقه، واختار من عباده، واصطفى من النبيّين محمداً (صلى الله عليه وآله) فبعثه بشيراً ونذيراً ودليلاً على سبيله الذي من سلكه لحق، ومن تقدّمه مرق، ومن عدل عنه محق، وصلى الله على محمد وآله.
    أما بعد: فإني أوصي أهل الإجابة بتقوى الله الذي جعل لمن اتّقاه المخرج من مكروهه، إن الله عزّ وجل أوجب لوليّه ما أوجبه لنفسه ونبيّه في محكم كتابه بلسان عربي مبين.. وقد بلغني عن أقوام انتحلوا المودّة ونحلوا بدين الله، ودين ملائكته شكوا في النعمة، وحملوا أوزارهم وأوزار المقتدين بهم، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وما ورثوه من أسلاف صالحين، أبصروا فلزموا، ولم يؤثروا دنيا حقيرة على آخرة مؤبّدة، فأين يذهب المبطلون؟ سوف يأتي عليهم يوم يضمحل عنهم فيه الباطل، وتنقطع أسباب الخدائع، وذلك يوم الحسرة إذ القلوب لدى الحناجر(68) والحمد لله الذي يفعل ما يشاء وهو العليم الخبير..)(69).
    ولم تشر المصادر التي بأيدينا إلى أسماء هؤلاء الأشخاص الذين انحرفوا عن الحقّ، وضلوا عن الطريق، ولم نعلم الأسباب التي دعتهم إلى رفضهم لمبدأ أهل البيت (عليهم السلام) وانتحال دين آخر.
    2 - وردت على الإمام أبي جعفر (عليه السلام) رسالة رواها بكر بن صالح قال: كتب صهر لي إلى أبي جعفر الثاني رسالة جاء فيها: (إنّ أبي ناصب خبيث الرأي، وقد لقيت منه شدّة وجهداً، فرأيك جعلت فداك في الدعاء لي، وما ترى جعلت فداك، أفترى أن أكاشفه أم أداريه؟).
    فأجابه الإمام (عليه السلام) بعد البسملة:
    (قد فهمت كتابك، وما ذكرت من أمر أبيك، ولست أدع الدعاء لك إن شاء الله، والمداراة خير لك من المكاشفة، ومع العسر يسراً، فاصبر إنّ العاقبة للمتّقين، ثبّتك الله على ولاية من تولّيت، نحن وأنتم وديعة الله التي لا تضيع ودايعه..)(70).
    ودلّت هذه الرسالة على لزوم البرّ بالأب، وإن كان ناصبياً مبغضاً لأهل البيت (عليهم السلام) وأمرت الولد بالصبر على ما يلقاه من أبيه من جهد وعناء، وبهذه الأخلاق الرفيعة كان الأئّمة يوصون أتباعهم بالتحلّي بها ليكونوا قدوة إلى الناس.
    3 - كان إبراهيم بن محمد وكيل الإمام الجواد (عليه السلام) بهمدان لتعليم الناس معالم دينهم، وقبض الحقوق الشرعية منهم، وإرسالها للإمام (عليه السلام) وكان قد بعث ما قبضه للإمام (عليه السلام) فأرسل (عليه السلام) له هذه الرسالة:
    (قد وصل الحساب تقبّل الله منك، ورضي عنهم، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة، وقد بعثت لك من الدنانير بكذا، ومن الكسوة بكذا، فبارك الله فيك، وفي جميع نِعم الله إليك، وقد كتبت إلى النصر أمرته أن ينتهي عنك، وعن التعرّض لك، ولخلافك، وأعلمته بوضعك عــندي وكتـــبت إلى أيّوب أمـــرته بذلك أيـــضاً، وكتبت إلى موالي بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك، والمصير إلى أمرك، وأن لا وكيل سواك..)(71).
    وأعربت هذه الرسالة عن مزيد ثقة الإمام (عليه السلام) بوكيله إبراهيم، ودعمه الكامل له فقد اتّصل بالمناوئين له وأمرهم بطاعته، والمصير إلى أمره، وتقوية مركزه.. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض رسائله.
    التوبة:
    وفتح الله باب التوبة لعباده، ودعاهم إلى طهارة نفوسهم، وإنقاذهم ممّا اقترفوه من عظيم الجرائم والذنوب، وقد روى أحمد بن عيسى في نوادره عن أبيه أنّ رجلاً أربى دهراً(72)، فخرج قاصداً أبا جعفر الجواد (عليه السلام)، وعرض عليه ما ارتكبه من عظيم الإثم فقال (عليه السلام) له:
    (مخرجك من كتاب الله، يقول الله: (فَمَن جَاءَهُ مَوْعظَةٌ من ربِّه فانتهى فَلَهُ مَا سَلَفَ) والموعظة هي التوبة، فجهله بتحريمه، ثمّ معرفته به، فما مضى فحلال وما بقي فليستحفظ..)(73).
    أمّا الأموال الربوية التي أخذها - بغير حقّ - فيجب عليه أن يردّها إلى أربابها ولا تبرأ ذمّته منها بالتوبة والرواية ناظرة إلى الحكم التكليفي.
    من وحي الله لبعض أنبيائه:
    وروى الإمام الجواد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) أنّ الله تعالى: (أوحى إلى بعض الأنبياء أمّا زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة، وأمّا انقطاعتك إليّ فيعزّزك بي، ولكن هل عاديت لي عدوّاً، وواليت لي وليّاً؟..)(74).
    ما يحتاج إليه المؤمن:
    وتحدّث الإمام الجواد (عليه السلام)، عمّا يحتاج إليه المؤمن في هذه الحياة بقوله: (المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممّن ينصحه)(75).
    روائع الحكم والآداب:
    للإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) مجموعة من الكلمات الذهبية التي تُعدّ من مناجم التراث الإسلامي ومن أروع الثروات الفكرية في الإسلام، وقد حفلت بأصول الحكمة، وقواعد الأخلاق وخلاصة التجارب، وفيما يلي بعضها:
    1 - قال (عليه السلام): (لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنَ عليكم الأمل فتقسوا قلوبكم، وارحموا ضعفاءكم، واطلبوا الرحمة من الله بالرحمة منكم..).
    وحفل هذا الحديث بأمور بالغة الأهمّية، وقد جاء فيه:
    أ - النهي عن العجلة والتسرّع في الأمور قبل أن يتبيّن حالها، وذلك لما تجرّ من الندامة والخسران.
    ب - النهي عن طول الأمل لأنّه ممّا يوجب قسوة القلب، والبعد عن الله.
    ج - الحثّ على رحمة الضعفاء، والإحسان إلى المحرومين، فإنّ ذلك مفتاح لطلب الرحمة من الله.
    2 - قال (عليه السلام): (ثلاثة يبلغن بالعبد رضوان الله تعالى: كثرة الاستغفار، ولين الجانب، وكثرة الصدقة، وثلاث من كنّ فيه لم يندم: ترك العجلة، والمشورة، والتوكّل على الله عند العزم..).
    وحفل هذا الحديث بالدعوة لما يقرّب الإنسان من ربّه، فقد حثّ على كثرة الاستغفار، ولين الجانب، وكثرة الصدقة، وهذه الخصال يحبّها الله، ويبلغ بها العبد رضوانه تعالى كما حفل الحديث بما يسعد به الإنسان في هذه الحياة، فقد دعاه إلى الاتّصاف بهذه الخصال الثلاث وهي:
    أ - ترك العجلة، فإنّ العجلة تسبّب للإنسان كثيراً من المشاكل والخطوب وقد قيل:
    قد يدرك المتأنّي بعض حاجته***وقد يكون مع المستعجل الزلل
    ب - المشورة في الأمور، وعدم الاستبداد فيها، فإنّ الإنسان كثير ما يخطئ.
    ج - التوكّل على الله تعالى عند العزم على ما يريد أن يفعله الإنسان، والابتعاد عن التردّد الذي يسبّب القلق النفسي، والاضطراب في الشخصيّة.
    3 - قال (عليه السلام): (كيف يضيع من الله كافله، وكيف ينجو من الله طالبه؟..).
    وفي هذا الحديث الشريف دعوة إلى الاتصال بالله، والوثوق بقدرته تعالى فإنّ من المستحيل أن يضيع من يكفله الله، كما إنّ من المستحيل أن ينجو من كان الله يطلبه.
    4 - قال (عليه السلام): (يوم العدل على الظالم أشبه من يوم الجور على المظلوم..).
    وحذّر الإمام (عليه السلام) من الظلم والاعتداء على الناس، فإنّ الله تعالى لابدّ أن ينتقم من الظالم إن عاجلاً أو آجلاً، وإنّ يوم العدل والقصاص الذي يمرّ عليه يكون شبيهاً في شدّته وقسوته باليوم الذي كان على المظلوم.
    5 - قال (عليه السلام): (ما هدم الدين مثل البدع، ولا أزال الوقار مثل الطمع، وبالراعي تصلح الرعية، وبالدعاء تصرف البلية..).
    وصوّرت هذه الكلمات بعض الجوانب الدينية، والاجتماعية والسياسية، وهي:
    أ - البدع التي تلصق بالدين فإنّها تشوّه واقعه، وتلحق به الخسائر لأرصدته الروحية والفكرية.
    ب - الأطماع التي تقضي على أصالة الشخص، وتجرّه إلى ميادين سحيقة من مجاهل هذه الحياة.
    ج - صلاح الراعي ممّا يوجب صلاح الشعب، وتطوّره، وتنميته الفكرية والاجتماعية.
    د - الدعاء إلى الله فإنّه من موجبات صرف البلاء ودفع القضاء.
    6 - قال (عليه السلام): (اعلموا أنّ التقوى عزّ، وإنّ العلم كنز، وإنّ الصمت نور).
    ولاشك في هذه الحقائق التي أدلى بها الإمام العظيم (عليه السلام) فإنّ تقوى الله عز وشرف للإنسان، كما أن العلم من أعظم الكنوز وأثمنها في هذه الحياة، أمّا الصمت فإنه نور لأنّه يعود على صاحبه بأفضل النتائج ويجنّبه كثيراً من المشاكل والخطوب.
    7 - قال (عليه السلام): (ما استوى رجلان في حسب ودين إلاّ كان أفضلهما عند الله أدبهما.. إلى أن قال: بقراءته القرآن كما أنزل، ودعائه الله من حيث لا يلحن، فإنّ الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله.).
    وأشادت هذه الكلمات بالآداب وجعلتها من مميّزات الشخص، ومن موجبات القرب إلى الله تعالى، كما جعلت من صميم الآداب قراءة القرآن الكريم بعيداً عن اللحن، الذي يوجب كثيراً تشويه المعنى وتحريفه كما شجب الإمام (عليه السلام) اللحن وإنّ الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله تعالى.
    8 - قال (عليه السلام): (من شتم أجيب، ومن تهوّر أصيب..).
    ما أروع هذه الكلمة التي حكت الواقع الاجتماعي، فإنّ من يتعرّض للناس بالسباب والشتم فإنه - حتماً - يُجاب بالمثل، كما أنّ المتهوّر يُصاب من جرّاء تهوّره بالهلاك والدماء.
    9 - قال (عليه السلام): (العلماء غرباء لكثرة الجهّال بينهم..).
    العلماء غرباء في المجتمع الذي يسوده الجهل فإنّ بضاعتهم لا يقيّم لها الجهّال وزناً بل ويزدرون بها، وأي غربة للعالم أعظم من هذه الغربة.
    10 - قال (عليه السلام): (من طلب البقاء فليُعدّ للمصائب قلباً صبوراً).
    إنّ من أراد البقاء وطول الحياة فليتسلّح بالصبر، ولا يجزع من المصائب والأحداث التي تمرّ به فإنّ الجزع يقضي على الإنسان، ويعرّضه للفناء والأسقام.
    11 - قال (عليه السلام): (من عمل بغير علم كان ما أفسد أكثر ممّا أصلح).
    إنّ العمل بغير هدى وبغير علم لا يوصل إلى نتيجة صحيحة، ويكون مدعاة إلى الخطأ وعدم إصابة الواقع، ففي الحقيقة إنّ ما يفسده أكثر ممّا يصلحه.
    12 - قال (عليه السلام): (من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنّة).
    إنّ من يستفيد أخاً في الله فقد ظفر بأفضل النعم وذلك لما يستفيد منه من التوجيه نحو الخير والبعد عن الشرّ، وكلّ ما يزيّنه، ويبلغ به رضوان الله.
    13 - قال (عليه السلام): (من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه).
    إنّ إطاعة الهوى والانقياد للشهوات تحقّق للعدو أعظم أمانيه، فإن أطاع إبليس فقد تحقّق ما يبتغيه من حيلولة العبد عن ربّه، وإن كان غيره فإنّ إطاعة الهوى ممّا تسقط الشخص اجتماعياً، وهذا أعظم سرور الأعداء.
    14 - قال (عليه السلام): (راكب الشهوات لا تقال عثرته..).
    إنّ من انقاد لشهواته صار أسيراً لها فإنّه لا تقال له عثرة، ولا يمنح العذر في ذلك.
    15 - قال (عليه السلام): (عزّ المؤمن غناه عن الناس..).
    إنّ أهم ما يعتزّ به المؤمن إذا أغناه الله عن الناس، ولم تكن له أيّة مصلحة عندهم، فإنّه يكون حرّاً بذلك قد ملك عزّه وشرفه.
    16 - قال (عليه السلام): (لا يكن ولي الله في العلانية عدواً له في السرِّ).
    إنّ الذي يتولى الله ويؤمن به إنّما يكون صادقاً فيما إذا خاف الله في علانيّته وسرّه، أمّا إذا تولاّه أمام الناس، وعصاه سرّاً فإنّه لم يكن في إيمانه صادقاً وإنّما كان كاذباً ومنافقاً.
    17 - قال (عليه السلام): (اصبر على ما تكره فيما يلزمك الحقّ، واصطبر عمّا لا تحب فيما يدعوك إلى الهوى..).
    أمر (عليه السلام) الناس بالانقياد للحقّ وإن كان مخالفاً للرغبات والميول كما أمر بمجانبة الهوى والابتعاد عنه.
    18 - قال (عليه السلام): (قد عاداك من ستر عنك الرشد اتباعاً لما يهواه).
    عرض (عليه السلام) بذلك إلى بعض الأذناب والعملاء من أتباع السلطة الذين يحجبون عن المسؤولين ما تحتاج إليه الأمّة من الإصلاح الشامل، ففي الحقيقة هؤلاء هم الأعداء، وإن أظهروا المودّة والإخلاص.
    19 - قال (عليه السلام): (إيّاك ومصاحبة الشرير فإنّه كالسيف المسلول، يحسن منظره، ويقبح أثره..).
    حذّر الإمام (عليه السلام) من مصاحبة الشرير وذلك لما تترتّب على مصاحبته من الآثار السيئة التي منها الوقوع في المهالك، وإنّه مهما حسن سمته فهو كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره.
    20 - قال (عليه السلام): (الحوائج تُطلب بالرجاء، وهي تنزل بالقضاء).
    إنّ حوائج الناس إنّما تُطلب بالرجاء من الله، وهي تنزل بقضائه، ولا دخل في ذلك لسعي الإنسان وإرادته.
    21 - قال (عليه السلام): (العافية أحسن عطاء..).
    إنّ من أفضل نعم الله التي أسبغها على عباده هي الصحّة والعافية، فهي الثروة والغنى، ومن حرم العافية فقد حُرِم كلّ شيء في الحياة.
    22 - قال (عليه السلام): (إذا نزل القضاء ضاق الفضاء..).
    إنّ قضاء الله إذا نزل بالإنسان واختاره تعالى إلى جواره فإنّ الفضاء على سعته يضيق به.
    23 - قال (عليه السلام): (لا تعادي أحداً حتى تعرف الذي بينه وبين الله فإن كان محسناً لم يسلمه إليك، وإنّ كان مسيئاً فعلمك به يكفيكه فلا تعاده).
    وحذّر الإمام (عليه السلام) من العداوة للنّاس، وإنّ المسلم ينبغي أن يغرس في نفسه الحبّ والولاء لأخيه المسلم، وأمر بالفحص عمّن نعاديه فإن كانت علاقته قويّة مع الله تعالى فإنّه لا يسلمه لنا، وإن كان مسيئاً فعلمنا بإسائته يكفينا عن عدوانه.
    24 - قال (عليه السلام): (التحفّظ على قدر الخوف، والطمع على قدر النيل..).
    إنّ الحذر والتحفّظ من أي شيء كان إنّما هو على قدر الخوف منه، فالتحفّظ - مثلاً - من الوقوع في المعاصي إنّما هو على قدر الخوف من الله فإن كان الخوف قوياً فيمتنع الإنسان امتناعاً كلّياً من اقتراف أي ذنب أو مخالفة لله وإن كان ضعيفاً فإنه قد يقع في الإثم والحرام، كما أنّ الطمع في الشيء على قدر النيل منه، فإن كان النيل متوفّراً له كان الطمع قوياً وبالعكس.
    25 - قال (عليه السلام): (كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة..).
    إنّ أعظم دليل على خيانة المرء لنفسه وأمته أن يكون أميناً للخونة ومعيناً لهم.
    26 - قال (عليه السلام): (ما شكر الله أحد على نعمة أنعمها عليه إلاّ استوجب بذلك المزيد قبل أن يظهر على لسانه..).
    إنّ الله تعالى الذي بيده الخير والحرمان قد وعد - وهو لا يخلف الميعاد - من شكره بالمزيد قال تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنّكم) وهو يعطي المزيد فيما إذا نوى العبد الشكر قبل أن يظهره بلسانه.
    27 - قال الإمام (عليه السلام): (من أمل فاجراً كان أدنى عقوبته الحرمان..).
    لا ينبغي لأيّ إنسان يملك وعيه واختياره أن يأمّل غير خالقه، فإذا أمّل فاجراً فأقلّ ما يعاقب به الحرمان وعدم قضاء حاجته.
    28 - قال الإمام (عليه السلام): (موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل، وحياته بالبرّ أكثر من حياته بالعمر..).
    يشير الإمام (عليه السلام) إلى الحياة المعنوية، فمن يقترف الذنوب والجرائم فهو ميّت بين الأحياء ومن يعمل البرّ ويسدي الخير لأمته وبلاده فهو حيّ ومخلّد ذكره وإن مات.
    29 - قال (عليه السلام): (من أخطأ وجوه المطالب خذلته وجوه الحيل).
    يريد الإمام (عليه السلام) إنّ من يخطئ في سلوكه فإنّ وجوه الحيل وطرقه تخذله ولا يصل إلى نتيجة صحيحة.
    30 - قال الإمام (عليه السلام): (من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه).
    إنّ من يستحسن القبيح، أو يدافع عنه فإنّه يتحمّل وزره وإثمه ويكون شريكاً لفاعله.
    31 - قال الإمام (عليه السلام): (من كتم همّه سقم جسده..).
    لا إشكال أنّ كتمان الهمّ، وعدم نشره بين الأهل والإخوان ممّا يوجب تدهوّر الصحّة وإذابة الجسم، وإشاعة السقم فيه.
    32 - قال الإمام (عليه السلام): (أربع خصال تعين المرء على العمل: الصحّة، والغني، والعلم والتوفيق..).
    هذه الأمور الأربعة: التي أدلى بها الإمام (عليه السلام) من المقدّمات التمهيدية لإيجاد فعل الخير وتحقّقه في الخارج.
    33 - قال الإمام (عليه السلام): (العامل بالظلم، والمعين عليه، والراضي به شركاء..).
    إنّ هؤلاء الأصناف الثلاث كلّهم يشتركون في الإثم، والعقاب، فإنّ الظلم الذي هو أبغض شيء إلى الله تعالى يستند إلى بعض هؤلاء بالمباشرة، وإلى البعض الآخر بالرضا.
    34 - قال الإمام (عليه السلام): (الصبر على المصيبة مصيبة للشامت).
    إنّ الصبر على المصيبة وعدم إبداء الجزع عليها تكون من أعظم المصائب على الشامت الذي يريد أن تحرق المصيبة من شمت به.
    35 - قال الإمام (عليه السلام): (لو سكت الجاهل ما اختلف الناس).
    إنّ انطلاق الجاهل في المواضيع التي يجهلها هي التي أوجدت الاختلاف بين الناس.
    36 - قال الإمام (عليه السلام): (مقتل الرجل بين فكّيه).
    إنّ هلاك الإنسان بمنطقه فكثيراً ما يجرّ الكلام الدمار لصاحبه، وقد لاقى أحرار العالم القتل بسبب ما أدلوا به من النقد لحكّام الظلم والجور.
    37 - قال الإمام (عليه السلام): (الناس أشكال، وكلّ يعمل على شاكلته).
    وألمت هذه الكلمة بالواقع الاجتماعي الذي يعيشه الناس، فهم أصناف مختلفة في الميول والاتّجاهات، وكلّ يعمل وفق اتّجاهه الفكري، والعقائدي.
    38 - قال الإمام (عليه السلام): (الناس إخوان فمن كانت اخوّته في غير ذات الله، فإنّها تعود عداوة، وذلك قوله عزّ وجل: (الأخِلاَءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَ الْمُتَّقِينَ).
    إن الصداقة إذا لم تقم على أساس المحبة في الله وقامت على أساس المنافع والمصالح الشخصية فإنها – حتماً – تنقلب إلى العداوة والبغضاء حينما تتأثّر المصالح القائمة بينهما بمؤثرات أخرى.
    39- قال الإمام (عليه السلام): (كفر النعمة داعية للمقت..).
    لا شك أن الكفر بالنعمة وعدم الشكر لها مما يوجب المقت عند الله والناس.
    40- قال الإمام (عليه السلام): (من جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك).
    إن مجازاة المحسن بالشكر وإذاعة فضائله ومعروفه هي في الحقيقة أكثر من عطائه لأنها توجب له الذكر الحسن الذي هو أعظم مكسب للإنسان.
    41- قال الإمام (عليه السلام): (من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه).
    إن موعظة الأخ والصديق إذا كانت سرّاً فإنّها تنمّ عن الإخلاص والصدق في الموعظة وإذا كانت علانية فإنها لا تخلو من التشهير به.
    42 - قال الإمام (عليه السلام): (ما أنعم الله على عبد نعمة يعلم أنّها من الله إلاّ كتب الله على اسمه شكرها له قبل أن يحمده، ولا أذنب العبد ذنباً فعلم أنّ الله يطّلع عليه إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له، إلاّ غفر له قبل أن يستغفر..).
    إنّ الإنسان إذا اتصل بربّه، وارتبط بخالقه فإنه تعالى يكتبه من الشاكرين لنعمته قبل أن يتلفظ العبد بالشكر، كما يغفر له خطيئته قبل أن يستغفر منها.
    43 - قال الإمام (عليه السلام): (الشريف كلّ الشريف من شرّفه علمه، والسؤدد كل السؤدد لمن اتّقى الله ربّه..).
    إنّ الشرف كلّ الشرف إنّما هو بالعلم لا بغيره من الاعتبارات التي يؤول أمرها إلى التراب كما أنّ حقيقة السؤدد إنما هي في تقوى الله وطاعته، واجتناب معاصيه.
    44 - قال (عليه السلام): (من شهد أمراً فكرهه كان كمن غاب عنه، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده..).
    جاء في الحديث: لكلّ امرئ ما نوى) فإذا حضر أمراً وكان كارهاً له وغير راض به فإنّه يكون كمن غاب عنه، ولا يكتب عليه إثمه، إن كان فيه إثم، ومن غاب عن أمر فرضي به يكون كمن شهده فيكتب له خيره أو شرّه.
    45 - قال (عليه السلام): (من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس، فقد عبد إبليس..).
    إنّ من أصغى إلى ناطق وآمن بقوله: واعتقد به، فإن كان ذلك الناطق مبلّغاً عن الله فقد عبد الله،وإن كان الناطق مبلّغاً عن إبليس فقد عبده.
    46 - قال (عليه السلام): (إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له).
    إنّ إذاعة أيّة فكرة سياسية أو اجتماعية قبل أن تستحكم ويتمّ أمرها، فإنّه مفسدة لها، وربما توجب إقبارها قبل أن تظهر إلى حيز الوجود.
    47 - قال (عليه السلام): (نعمة لا تشكر سيئة لا تغفر).
    إنّ عدم شكر النعمة من السيئات التي لا تغفر؛ لأنّ في ذلك تضييعاً للإحسان الذي يجب أن يشكر.
    48 - قال (عليه السلام): (من هجر المداراة قاربه المكروه..).
    إنّ من لا يداري الناس فقد تعرّض للمكروه والإساءة إلى نفسه.
    49 - قال (عليه السلام): (من انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة، فقد عرّض نفسه للهلكة والعاقبة المتعبة..).
    إنّ من يطمئن إلى شيء ويثق به قبل أن يختبره ويفحصه فإنّه من الطبيعي قد عرّض نفسه إلى الهلكة والخسران.
    50 - قال (عليه السلام): (من لم يعرف الموارد أعيته المصادر..).
    إنّ من جهل موارد الأشياء ومداخلها فقد أعيته المصادر والخروج منها.
    51 - قال (عليه السلام): (لا يغرّك من سخطه الجور..).
    وفي هذا الحديث تحذير من الاتصال بالظالمين الذين إذا سخطوا قابلوا الناس بالاستبداد والجور.
    52 - قال (عليه السلام): (الأيام تهتك الأمر عن الأسرار الكامنة..).
    كلّما تقدّمت الأيام، وكرّت الليالي ستنكشف أسرار الطبيعة، وخفايا الحقائق وما جهله الإنسان في عالم الفضاء ودنيا الكواكب، وغير ذلك من الأسرار المذهلة في هذا الكون.
    53 - قال (عليه السلام): (من عتب من غير ارتياب أعتب من غير استعتاب..).
    إذا كان العتاب من غير ريبة قُبل العتاب، ولا يقابل بالاستعتاب.
    54 - قال (عليه السلام): (أفضل العبادة الإخلاص..).
    الإخلاص جوهر العبادة وروحها فإذا تعرّت عنه فقد فقدت أهمّ عناصرها ومقوّماتها.
    55 - قال (عليه السلام): (الثقة بالله تعالى ثمن لكلّ غال، وسلم إلى كل عال..).
    إنّ الحياة إنما تسمو فيما إذا كانت مشفوعة بالثقة بالله تعالى خالق الكون وواهب الحياة كما أنّ الثقة به تعالى هي السلم الذي يبلغ به الإنسان القمم العالية في دنيا الوجود.
    هذه بعض كلمات الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام)(76) وقد عالج بها مختلف القضايا. وقد عرض فيها لعلم الاجتماع وعلم النفس، ووضع برامج الأدب، وخلاصة التجارب وما ينفع الناس.
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
    1 - نزهة الجليس: ج 2 ص 111، الوافي بالوفيات: ج 4 ص 106 الأئمّة الاثنا عشر: ص 103.
    2 - الدلجة: المسير في الليل.
    3 - مرآة الجنان: ج 2 ص 81، نزهة الجليس: ج 2 ص 111، الوافي بالوفيّات: ج 4 ص 106، الأئمّة الاثنا عشر: ص 103.
    4 - بحار الأنوار: ج 12 ص 101.
    5 - نفس المصدر.
    6 - وسائل الشيعة: ج 8 ص 58.
    7 - وسائل الشيعة: ج 18 ص 131.
    8 - بحار الأنوار: ج 12 ص 128 - 129.
    9 - التوحيد: ص 142 - 143.
    10 - التوحيد: ص 164.
    11 - التوحيد: ص 64.
    12 - التوحيد: 69، نُسِب هذا الحديث إلى الإمام الباقر (عليه السلام) وهو اشتباه.
    13 - التوحيد: ص 44.
    14 - السنجاب: حيوان على حدّ اليربوع أكبر من الفأرة شعره في غاية النعومة يُتّخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعّمون، وهو شديد الختل إن أبصر الإنسان صعد إلى الشجرة العالية، وهو كثير في بلاد الصقالبة وأحسن جلوده الأزرق، جاء ذلك في مجمع البحرين.
    15 - الفنك: دويبة برية يؤخذ منها الفرو، يقال: إنّ فروها أطيب من جميع أنواع الفراء، جاء ذلك في مجمع البحرين.
    16 - الخزّ: دابة من دواب الماء تمشي على أربع تشبه الثعلب، ترعى في البر، وتنزل في البحر، لها وبر يُعمل منه الثياب، تعيش في الماء، جاء ذلك في مجمع البحرين.
    17 - وسائل الشيعة: ج 3 ص 253.
    18 - وسائل الشيعة: ج 3 ص 489.
    19 - وسائل الشيعة: ج 3 ص 303.
    20 - وسائل الشيعة: ج 7 ص 263.
    21 - وسائل الشيعة: ج 6 ص 131.
    22 - وسائل الشيعة: ج 6 ص 348.
    23 - سورة الجمعة: ج 103 - 105.
    24 - وسائل الشيعة: ج 6 ص 350.
    25 - الحدائق الناضرة.
    26 - وسائل الشيعة: ج 8 ص 37.
    27 - اللمعة الدمشقية: ج 2 ص 177.
    28 - وسائل الشيعة: ج 8 ص 43.
    29 - نفس المصدر.
    30 - وسائل الشيعة: ج 8 ص 177.
    31 - اللمعة: ج 2 ص 324.
    32 - وسائل الشيعة: ج 9 ص 153.
    33 - وسائل الشيعة: ج 16 ص 221.
    34 - تهذيب الأحكام: ج 8 ص 311.
    35 - وسائل الشيعة: ج 16: ص 248.
    36 - وسائل الشيعة: ج 13 ص 308.
    37 - وسائل الشيعة: ج 13 ص 304.
    38 - وسائل الشيعة: ج 13 ص 322.
    39 - وسائل الشيعة: ج 9 ص 213.
    40 - وسائل الشيعة: ج 14 ص 207.
    41 - وسائل الشيعة: ج 15 ص 320.
    42 - وسائل الشيعة: ج 14 ص 296.
    43 - وسائل الشيعة: ج 15 ص 476.
    44 - وسائل الشيعة: ج 17 ص 567.
    45 - وسائل الشيعة: ج 17 ص 324.
    46 - وسائل الشيعة: ج 17 ص 446.
    47 - علّق الشيخ الحرّ على ذلك بقوله: أقول: لا يلزم من جواز البيع بعد عشر سنين الحكم بموته لجواز بيع الحاكم مال الغائب مع المصلحة ذكر ذلك جماعة من علمائنا.
    48 - وسائل الشيعة: ج 17 ص 584.
    49 - وسائل الشيعة: ج 15: 452، علل الشرائع: ص 172، المحاسن: ص 303.
    50 - وسائل الشيعة: ج 15 ص 594.
    51 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ج 2 ص 48 - 49، والكفاية والنصوص من مخطوطات مكتبة كاشف الغطاء العامّة.
    52 - سورة البقرة: الآية 148.
    53 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ج 2 ص 49، الكفاية والنصوص.
    54 - الفصول المهمة لابن الصباغ: ص 373.
    55 - جوهرة الكلام: ص 150.
    56 - الدر النظيم، ورقة 223.
    57 - الاتّحاف بحبّ الأشراف: ص 77، الدرّ النظيم: ورقة 223.
    58 - الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: ص 258.
    59 - الفصول المهمة لابن الصبّاغ: ص 258.
    60 - جوهرة الكلام: ص 150.
    61 - الإتّحاف بحبّ الأشراف: ص 78.
    62 - الإتّحاف بحبّ الأشراف.
    63 - الدرّ النظيم.
    64 - تحف العقول: ص 456.
    65 - نفس المصدر.
    66 - في نسخة: فإذا كان ميلك وهواك إليّ وتحبّني كنت معي حيث كنت أنا.
    67 - تحف العقول: ص 456.
    68 - هكذا في الأصل ولعلّ الصحيح بلغت الحناجر.
    69 - الدرّ النظيم: ورقة 322 - 323.
    70 - بحار الأنوار ج12 ص112.
    71 - بحار الأنوار: ج 12 ص 162.
    72 - أربى دهراً: أي كان يتعاطى الربا زمناً.
    73 - وسائل الشيعة: ج 12 ص 433.
    74 - تحف العقول: ص 455 - 456.
    75 - تحف العقول: ص 457.
    76 - المصادر التي اقتبسنا منها هذه الكلمات الذهبية هي: تحف العقول: ص 455 - 457، نزهة الجليس: ج 2 ص 111، مرآة الجنان: ج 2 ص 80، مجموعة ورام: ص 109، أعيان الشيعة: ج 2 - 4 244، وسائل الشيعة، جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام.


  2. #2
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2012
    الدولة: بابل _الحلة
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,707 المواضيع: 284
    التقييم: 329
    مزاجي: ضايج
    المهنة: Mathematics teacher
    آخر نشاط: 9/September/2013
    مقالات المدونة: 1
    شكرا على الطرح

  3. #3
    في ذمة الخلود
    ابو مصطفى
    شكرا لك اخي علي الشمري2 وشكرا لتقيمك

  4. #4
    من أهل الدار
    حيـدرية الهــوى
    تاريخ التسجيل: September-2011
    الدولة: العراق .. بغداد
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 3,498 المواضيع: 489
    صوتيات: 9 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 1408
    مزاجي: عادي
    المهنة: طالبة
    موبايلي: Samsung Galaxy S3
    آخر نشاط: 27/June/2018
    طرح قيم ومبارك
    جزاك الله خيرا اخي الكريم
    وانالك الله زيارته في الدنيا وشفاعته في الاخرة
    تقديري لك

  5. #5
    في ذمة الخلود
    ابو مصطفى
    رضا الله عنك اختي العزيزة
    جزاك الله الف خير ودي وتقديري
    شكرا للتقيم

  6. #6
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: August-2011
    الدولة: بلا ما تعرفون
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 12,046 المواضيع: 1,766
    صوتيات: 9 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 2527
    موبايلي: n96i
    آخر نشاط: 8/December/2012
    السلام عليك يا مولاي يا محمد الجواد

    مأجورين ومثابين

  7. #7
    في ذمة الخلود
    ابو مصطفى
    ​أثابك الله اختي الدمعة الحرة ورزقك زيارة سيدي محمد الجواد عليه السلام

  8. #8
    صديق نشيط
    فاطمية الخطى
    تاريخ التسجيل: October-2012
    الدولة: عراق الأنبياء والأوصياء
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 304 المواضيع: 24
    التقييم: 197
    مزاجي: رضاك يارب
    المهنة: English Teacher
    موبايلي: Samsung GalaxyS2
    آخر نشاط: 8/December/2012
    عظم الله اجوركم وانالكم بكل حرف نورا وثوابا
    موفقين بمحمد وآل محمد

  9. #9
    في ذمة الخلود
    ابو مصطفى
    عظم الله لكي الاجر اختي زهرانية
    ورزقك زيارت باب الحوائج الامام محمد الجواد عليه السلام
    دمت بخير

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال