أثر الطبيعة في الانسان .

ان الله تعالى خلْق الخلق وركَّب فيهم غريزةَ التطلُّع ، وحبَّ الصعود إلى الآفاق، وإدْراك العلا من الأمور والأشياء، وجعل النَّفس تبغي الكمال .
ولكن لمَّا كان البشر في تنوُّع واختلافٍ في درجات الفَهْم والادْراك والمناصب، جاءت صفة التَّأثير لتقوم بأخْطَر الأدْوار في حياة البشر، وكانت طبيعة التَّأثير أنَّ فردًا ما يؤثِّر وآخر يتأثَّر، وتبعًا لهذه القاعِدة يَمضي البَشَر بِهذه الطَّبيعة، وهي ظاهرةٌ طيِّبة وأمر محمود إن كانت القُدْوة المؤثِّرة حسنة، مع الأخْذ بعين الاعتِبار أنَّه لن يكون هناك أحد امتدادًا لأحد.
إذًا؛ ترك الأثر - إيجابًا وسلْبًا - موجودٌ في جَميع العلاقات الثنائيَّة، فالبيئة مثلاً تؤثِّر في أهلِها، سواءٌ كانت بيئةَ تمدُّن أم بيئة صحراويَّة، فالصَّحراء تؤثِّر في ساكنيها فتمتدُّ إليْهم الخشونة والقوَّة، وكثْرة الصَّمت وطول التأمُّل ، والنَّظر السَّديد، واما التمدن يختلف عن ذلك فهو يتصف اللُّيونة والتَّراخي. اذا كان العلاقة مع الطبيعة لها تأثير على شخصية الانسان .
كذلك العلاقة مع الحيوانات، لها تأثيرًا مباشِرًا، مثلا نجِد راعي الغنَم ً يكتَسِب صفات الغنَم؛ مثل الرِّفْق والحلم والسَّكينة والهدوء؛ وهذا ما جاء في الحديث حيث قال النبي الاعظم صلَّى الله عليْه واله وسلَّم: ((السَّكينة في أهل الغنَم)).
لذلك نجد ان جميع الأنْبياء رعاةً للغَنم؛ كما قال النبي الاعظم صلَّى الله عليْه واله وسلَّم: ((ما بَعَث الله نبيًّا قطُّ إلاَّ راعيَ غنم)). وقال صلَّى الله عليْه واله وسلَّم: ((كُنْتُ أرعى الغَنَمَ على قراريطَ لأهْلِ مكَّة)).
بينماتَجِد رعاة الإِبِل ذوي أصْوات عالية؛ كما في الحديث الشريف: ((الفَخْر والخيلاء في أهْلِ الخيل والإبل، الفدَّادين أهل الوبر)) .والفدَّادين من الفديد، وهو الصَّوت الشديد، وهم الذين تعلو أصواتُهم في إبلهم وخيلهم؛ وهذا ما حدث عند مجيء وفد بني تميم الى النبي صلى الله عليه واله وسلم ونادوا النبي من وراء الحجرات وهو حدث معلوم لدى اهل التفاسير والسير .

فهذا يدل على وجود تأثير حقيقيٍّ ومباشر مع طول الصُّحْبة. وكذلك من المأثور عند العرَب : أنَّ الطعام يؤثِّر في شخصية الانسان ، ففي الحِوار الَّذي دار بين النعمان بن المُنْذر وكسرى، وفيه ان كسرى عاب على النعمان أكْلَهم للَحْم الإبِل، ووصْفه إيَّاه بأنَّه لحم غثٌّ وخسيس، فقال له النعْمان: أيُّها الملك، إنِّي أربأ بكَ عن الزُّور، إنَّ الإبل تتميَّز بالصَّبر والحِلْم وقوَّة التحمُّل، والعرب يعرفون أنَّ المطعوم يعود بطعومِه على الطَّاعم، فهم يَطعمونها ليعود عليْهم بالصَّبر والقوَّة والحلم والتحمُّل .
فلمَّا كان كل ما ذكرناه حقيقة ليس مجازا . كذلك الجدير بالذكر ان الديُّوث اعاذنا الله تعالى واياكم هو نتيجة اكله لحم الخِنْزير ، لذا نجد أكْثر الَّذين يأكلون لَحْم الخِنْزير لا يَجد فيهم الحميَّة والغَيْرة على شرفه وعرضه ، لأنَّ الخنزير الحيوان الوحيد الَّذي لا يَغارُ على أُنْثاه، فوافق الوصْف الموصوف .
كذلك المركوب يؤثِّر في راكبه، فنجد صفات الخيل تتصف بالشُّموخ والأنفة، والاعتزاز والكِبر، والفَخْرالفارس في المِشْية، كلُّ هذه الصِّفات تنتقِل إلى الفارس طوْعًا أو كرْهًا، و ينتقل الأثر من الأعْلى للأقلِّ منه مرتبة، ومن الأعظم للأقلِّ عظمة وبالعكس.