معاني سورة الفاتحة للصلاة
يحتاج المصلي أن يوجه ذهنه إلى معاني وحقائق سورة الفاتحة ليتوجه بها إلى الله تعالى، وبعيداً عن التفاسير المعمقة والمطولة لسورة الفاتحة سنعطي بعض الشروحات لمعاني هذه السورة الشريفة لتنفع المصلي، ومن أراد التوسع أكثر فليراجع كتب التفسير المناسبة.
قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) الباء هنا ترك ما قبلها، وقدّره بعض المفسرين بـ(أبتدئ) باسم الله، أو (أستعينُ) أو غيرها، ويحتمل أنه ترك مطلقاً لعمومية اسم الله تعالى وإطلاقة فكل شيء باسم الله من وجودنا ومعارفنا وتوجهنا إلى الله وأفعالنا وصفاتنا كلها ظهرت باسم الله.
(الحمد لله رب العالمين) أي الحمد كله لله أصالة، ومهما كانت هناك صفة جميلة في شيء إنما هي من الله وهو واهبها له، فالحمد كل الحمد لله، وهو رب العالمين إما بمعنى يربي العالمين جميعها بتلك الصفات الحميدة التي فيها، أو أن يكون الرب: بمعنى هو أصل كل خير وجمال.
والعالمين بمعنى جميع الأشياء وهي حية تسبح لله تعالى وتشهد بربوبيته وتتجه نحو يوم الحقيقة الكبرى وهو يوم القيامة أو يوم الدين.
(الرحمن الرحيم) تأكيد للرحمة الإلهية الواسعة المعمقة المؤكدة، ويراد أن يطمئن المصلي لرحمة قبل أن يشهد يوم القيامة يوم الدين، فلا يفزع من ذلك اليوم لأنه يوم الرحمة، حيث يروى أن لله سبحانه مائة جزء من الرحمة ادخر منها تسعة وتسعين جزءاً ليوم القيامة وجزء واحد في الدنيا تتراحم به الناس وترحم الأم طفلها ...
(مالك يوم الدين) الدين هو التوحيد الذي يظهر ذلك اليوم وتحاكم الناس وفقه، ومن المناسب أن يبصر المصلي حاله وما يكون عليه يوم القيامة، وان هذا الموقف بين يدي الله اليوم له موقف بعده يوم القيمة ينتفع بأعماله قبله، فلا شك أننا واردون على الله يوم القيامة وأن هذا العالم موقف.
(إياك نعبد وإياك نستعين) التوجه المباشر إلى الله سبحانه والاستعانة به للنجاة يوم الدين والوصول إلى جناب الرحمة، وهذا التوجه متولد من حقيقة يوم الدين الذي يكون فيه التوجه بشكل كامل إلى الله فيتحول العبد إلى مجرد إشارة، وهذا التوجه هو من نور محمد وآل محمد الذين توجه بهم العبد إلى الله لأنهم نور الإيمان وعين الحياة وسر القوة العقلية (الناطقة).
(اهدنا الصراط المستقيم) المستقيم بمعنى المباشر، فلا تعرف الله بصفة ولا بوهم ولا بطريق غير مباشر بل التوجه إلى الله مباشرة بلا استعانة بالنفس ولا بالذهن وبلا حجاب، وهذا التوجه المباشر –كما قلنا- هو حقيقة نور الولاية ووجه العبد الحقيقي الذي يتوجه به الله بعد زوال أنانياتهم، وباطن هذا التوجه وسره متأتٍ من توجه الله تعالى إلى العبد، لأنه لو لم يتوجه الله إلى العبد لما وُفّق ليتوجه إلى الله تعالى.
(صراط الذين أنعمت عليهم) النعمة الحقيقية هي التوحيد، والذين أنعمت عليهم هم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) لأنهم التوجه الحقيقي إلى الله وهم الصراط المستقيم في كل مخلوق.
(غير المغضوب عليهم) اليهود الذين جعلوا له ابناً وجعلوه مختصاً بقوم دون قوم وتكبروا على الناس باسم الدين وهم يعلمون أنهم منحرفون عن الحق ولكن غضبهم وتكبرهم وتعصبهم هي سماتهم التي أهلكتهم، وأمثالهم الذين يعتقدون أن الخلق انفصل عن الله تعالى وأن يد الله مغلولة عن التأثير وأن التأثير لهم والذين نازعوا أهل البيت مراتبهم التي رتبهم الله فيها.
(ولا الضالين) من أمثال النصارى الذي جزأوا الله سبحانه فجعلوه ثالث ثلاثة وعامتهم الذين ضلوا عن الحق وانخدعوا، وأمثالهم الذين يتخيلون الله سبحانه بصفات المخلوقين، وينحرفون عن الحق بلا قصد وعناد بل للجهل أو التضليل والتهاون، والذين تركوا الأخذ من أهل البيت (عليهم السلام).
والتفاعل مع سورة الفاتحة لا حدود له، وقد يصل إلى مستوى يستمع المصلي جواب الله تعالى عن كل فقرة مما يقرأه من سورة الفاتحة كما في الحديث التالي.
أو لمرتبة من الإنصات يرى وكأنه يسمعها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه –روحي فداه- كأنه هو الذي يقرأها له بدلاً عنه وأنه مجرد مستمع، بل حتى السمع قد يرى أنه يسمع بنور النبي (صلى الله عليه وآله) (إنه هو السميع البصير).
وقد يصل إلى مستوى يسمعها من الله تعالى (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً) (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (إن علينا جمعه وقرآنه).
وفي الحديث الشريف عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (قال رسول الله: قال الله عز وجل: قسمت فاتحه الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال العبد (بسم الله الرحمن الرحيم) قال الله جل جلاله: بدأ عبدي باسمي وحق علي أن أتمم له أموره وأبارك له في أحواله، فإذا قال: (الحمد لله رب العالمين) قال الله جل جلاله: حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي وأن البلايا التي دفعت عنه فبطَولي، أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، فإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله جل جلاله: شهد لي عبدي أني الرحمن الرحيم أُشهِدكم لأوفرنّ من رحمتي حظه ولأُجزلن من عطائي نصيبه، فإذا قال: (مالك يوم الدين) قال الله جل جلاله: أشهدكم كما اعترف أني أنا مالك يوم الدين لأسهّلن يوم الحساب حسابه ولأتجاوزن عن سيئاته فإذا قال: (إياك نعبد) قال الله عز وجل: صدق عبدي: إياي يعبد، أشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي فإذا قال: (وإياك نستعين) قال الله عز وجل: بي استعان عبدي والتجأ إلي، أشهدكم لأعيننه على أمره ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه، فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم) إلى آخر السورة قال الله عز وجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمّل وآمنته مما منه وجل.
ولهذا الحديث معاني كثيرة، ولكننا تركنا الخوض في رغبة في الاختصار الذي أردناه، فمن أراد فليتأمل به.
والمهم أن يحسن العبد الظن بربه ويلتفت إلى نفسه ليرى اللمسات الإلهية فيها ويعلم أنه يتفاعل مع الغيب تفاعلاً تاماً في الصلاة وبالأخص في سورة الفاتحة المباركة.