العلماء يستخدمون تقنية كريسبر لتحويل الميكروبات إلى أجهزة تسجيل دقيقة.
إن أكثر ما تشتهر به تقنية كريسبر هو كونها تشكِّل الأساس لأداة قوية للتحرير الجيني. ولكنها أولاً وقبل كل شيء، تمثل دفاعًا تستخدمه البكتيريا ضد الفيروسات. استلهامًا من هذا النظام الطبيعي الدقيق، ابتكر الباحثون في الآونة الأخيرة تطبيقًا علميًّا آخر لهذه التقنية، وهو "مسجل أشرطة" دقيق يوثِّق الإشارات البيولوجية على خيوط من الحمض النووي الخاص بنوع من البكتيريا.
ويعتقد الباحثون أن هذا المسجّل الميكروبي يمكن أن يُستخدم في وقت لاحق في استشعار مواطن الخلل في الوظائف الجسدية مثل الهضم، أو لقياس مستويات الملوِّثات في المحيطات، أو لرصد تغيُّرات العناصر المغذّية في التربة. وهو يعمل إلى حدٍّ كبير مثل نظام كريسبر الطبيعي في أنواع عديدة من البكتيريا والكائنات وحيدة الخلية الأخرى، فيما عدا الإشارات التي يلتقطها.
تقنية كريسبر عبارة عن تسلسل للحمض النووي، يصنع ويحافظ على سجل جيني للفيروسات التي تصادفها البكتيريا، فيأمرها بقتل تلك التي تحاول إعادة إصابة البكتيريا أو نسلها بالعدوى. وفي حين يتذكر نظام كريسبر الطبيعي الحمض النووي الفيروسي، فإن التطبيق الجديد يمكنه تتبُّع مجموعة متنوعة من الإشارات البيوكيميائية. فمثلًا، تستطيع هذه المسجلات البكتيرية رصد وجود سكر الفوكوز في أمعاء الإنسان، وهو ما يشير إلى وجود عدوى.
عندما تستشعر البكتيريا إشارةً محددة، فإنها تخلق العديد من النسخ لما يسمى بـالحمض النووي المُطْلِق، والتي تُسجّل في إحدى نهايتي "شريطها" الجيني. يتابع الشريط التسجيل في غياب الإشارة المعينة، مسجِّلًا "ضوضاء الخلفية" لقِطَع أخرى من الحمض النووي المتناثرة في الخلايا. وتعمل هذه الإشارات الخلفية بمنزلة أختام زمنية على التسجيلات. أورد علماء جامعة كولومبيا النتائج في دراسة نُشرت في ديسمبر الماضي في دورية Science.
يشير الباحثون إلى أنه يمكن نشر بضعة ملايين من البكتيريا المجهزة بنسخ من هذه الأداة في جسم الإنسان أو البيئة، إذ يمكنها عمل التسجيل السلبي إلى أن تُستعاد من عينات البراز أو التربة ويمكن قراءة الأشرطة. وخلافًا لمعظم الأنظمة السابقة للذاكرة البيولوجية، فإن هذا النظام يخضع بالكامل لسيطرة الخلايا البكتيرية.
يقول درو إندي، عالِم البيولوجيا التخليقية في جامعة ستانفورد، والذي لم يكن مشاركًا في الدراسة: "إن الحمض النووي يكتب نفسه استجابةً للتغيرات في البيئة، أما في العمل السابق، فقد كان لديك ما يشبه محركًا للدمى من شأنه أن يُظهِر أن كتابة الحمض النووي أمرٌ ممكن؛ ولكن شخصًا ما كان يحرك الخيوط".
على الرغم من أن هذه التقنية اختُبِرت فقط في المختبر، فقد بيّن الفريق أنها تستطيع أن تسجل باستمرار ثلاث إشارات مختلفة في مجموعة من خلايا بكتيريا الإشريكية القولونية Escherichia coli لمدة ثلاثة أيام متتالية.
تراجعت القدرة على التسجيل بمرور الوقت، ربما يكون السبب في ذلك، وفق قول إندي، أن العمل كمسجل شريط لا يمنح أي مزايا للبقاء على قيد الحياة. ويشير أيضًا إلى أنه يلزم أن تكون الإشارة موجودة لمدة ست ساعات كي تتمكن الأداة من تسجيلها على نحو يُعَوَّل عليه، وهو ما قد يكون وقتًا طويلًا أكثر من اللازم لرصد الإشارات سريعة الزوال. ويأمل هاريس وانج -عالِم البيولوجيا التخليقية بجامعة كولومبيا وكبير الباحثين في الدراسة- تسريعَ ذلك في الدراسات المستقبلية.
للامانة منقول