لا أذكر شيئا سوى انني كنت أسير بشارع طويل تتصاعد منه رائحة العفن، وفي كل عشرة أمتار يتحزب نوع من البشر لا يشبه غيره. لكل حزب منهم لون ورائحة (نتنة) تختلف عما سواها حتى استوقفني منظر لا يشبه بقية المناظر.
سأتبرع للفقراء بإرادتي
كانت مجموعة من المتسولين يضطجعون على (مصاطب) من الاسمنت وقد أخذ الجوع منهم ما أخذ بدا لي انهم موتى.. اخذتني قدماي حتى وقفت بينهم وإذا برائحة تزكم الأنوف تشبه رائحة الجثث المتعفنة منذ أيام، اقتربت من أحدهم لأكتشف ان كان لا يزال يتنفس.. دنوت من وجهه أكثر.. فتح عينيه بالكاد وتمتم بصوت بالكاد فهمته.
– جائع، أريد طعاما..
فتشت في حقيبتي وإذا بصوت من جانبه
– ألديك طعام لي؟ سأموت جوعا…
ثم تعالت الأصوات من كل جهة:
– وأنا ايضا جائع،
– أعطني القليل مما تحمل،
– هل تحمل المزيد؟
أرعبني الموقف فقذفت إليهم ما أحمل من طعام وتراجعت خطواتي لا شعوريا الى الوراء حيث حافة الرصيف فصدمت كرسيا يجلس عليه رجل عظيم الجثة، أشعث الشعر، نظيف الملابس.. أمام مجموعة المتسولين وكان يعد رزمة من النقود فانتبه إلى متسائلا مع ابتسامة ماكرة:
هل يمكن للمتسولين استغلالي؟
– هل بإمكانك ان تتبرع لهؤلاء المساكين؟ انهم مرضى وبعضهم سيموت اذا لم نجري له عملية جراحية
تبدو رجلا صالحا تبرع بما تستطيع وسيكون في ميزان أعمالك.
كانت افكاري تتضارب في رأسي
فتارة أفكر ان أساعد هؤلاء المعدمين لعلهم يحصلوا على فرصة لحياة جديدة،
وأخرى ان امتنع خوف ان يكون هذا الرجل محتالا وهذا ما يبدو عليه بالفعل
لكن ما الحيلة وانا أشعر أنني سقطت في فخ لن أخرج منه كما أنا.
نفضت جيوبي ومحفظتي بحجره..
ولمحت في الجانب الآخر من الشارع أشخاصا يتحركون بسرعة أو هكذا يبدو عليهم يحملون أعضاء بشرية لا زالت تقطر دما..
جريت هاربا من المكان بكل ما اوتيت من قوة.
شعرت بأقدامي تتثاقل شيئا فشيئا وأصوات وصور الجياع ورائحة الجيف تطارد مخيلتي وانا اصرخ بداخلي:
حتى المتسولون يريدون استغلالي؟
حتى هؤلاء الذين على حافة الهلاك؟
يا إلهي الى أين أذهب؟
الى أين أذهب؟
أرشدني الى اين؟