قصة قصيرة الأعلم فالأعلم
كانت السماء سوداء ، ملبدة بالغيوم ، يظهر على محياها أمر غريب ، وغسان ذلك الفتى الطموح يطل من النافذة على فناء دار جاره العجوز . يرقب حركاته . بل لا يكتفي بالمراقبة العابرة ، فهو يتابعه حتى خارج داره ، انه مولع بالمراقبة والتقصي ، مع سبق الاصرار والترقب . بالرغم من سيل النصائح بترك هذا الامر من اهله واصدقائه .
يستيقظ العجوز من نومه مذعورا ، مثل طير تحاصره الشباك ، يهم للخروج ، يقدم قدما ويؤخر اخرى . وغسان يراقبه بدقة متناهية ،
ياإلهي ! ماهذا الذي يجري؟؟ كل يوم يؤدي الحركة نفسها . مثل مهرج في سيرك يتدرب لتقديم عروضه في المساء أمام النظارة .
يخرج العجوز من داره ، متجها الى مشفى الامراض العقلية في نهاية الشارع الذي يقع بيته فيه ، ثم يخرج ليجلس في الحديقة العامة ، وبعدها يعود الى البيت حاملا معه اوهامه وبعضا من معلومات عن المرضى النفسيين .
خرج غسان من بيته مسرعا ، اقترب من العجوز وألقى التحية عليه وجلس جانبه . نهضا سوية . سحب العجوز الفتى من يده اليمنى . تكلما عن الرحلة اليومية المملة التي يقوم بها العجوز كل يوم . تحدث العجوز باخر النظريات العلمية في الطب النفسي . لقد احس غسان انه بئر من المعرفة والثقافة لا ينضب . وانه عثر على كنز لا يعوض . لذا قرر ان يزوره في اليوم الثاني مبكرا . . .
طرق الباب صباحا . لم يجبه احد . . . طرقها مرة ثانية وثالثة . أجال بنظره في الجانب الايمن من سياج الحديقة الخارجية فوجد مظروفا . . . فتحه بعناية فائقة واذا بورقة مكتوب فيها : "" لا تفوت الفرصة ، خذ حكمتي بقناعة ، رأس الاعلم لا يباع ويشترى . . . الأعلم فالأعلم . . . "" .
حسن هاشم