ريتشل، المرأة المضطربة، مدمنة الشراب، التي أصبحت بعد إدمانها سمينة، بشعة، هكذا كانت تشعر أو هكذا أشعرها زوجها السابق توم، بل أوهمها أن ذاكرتها لا تصلح لشيء، فهي تنسى دائمًا ما يحدث لها بعد جرعات مضاعفة من الشراب، هي التي كانت تحيا حياة طيبة كهذا تخالها لوهلة مع توم، لكن فشلها في إنجاب طفل أنهك روحها المتعبة جراء إدمانها للشراب كوسيلة للنسيان، وربما للهروب من واقع بائس، لكنها تظل شخصية قريبة من روح القارئ، شخصية يتمنى القارئ لو بإمكانه أن يخفف عنها عبء ما تمر به من أوقات عصيبة.
بينما زوجها المدعو توم يخونها أثناء زواجهما مع امرأة أخرى، فيتزوجها وينجب منها طفلة، هذه المرأة هي آنّا التي يغبطها القارئ في البدء على حياتها الطيبة مع توم، بل تغبط هي نفسها على حياة ما كانت ستحلم بها في ظل زوج يحبها، هي زوجة وأم سعيدة، ولا تكاد الابتسامة تفارق محياها. ولم يكن ينكّد عليها حياتها سوى ريتشل الزوجة السابقة لزوجها الذي وقعت في غرامه حين كان مرتبطًا بزوجته وكان هذا الشعور يعجبها، شعور خطف زوج امرأة أخرى كان يبهجها ويرضي غرورها، ربما من هنا تكون شخصية لا يرتاح لها القارئ، هذا القارئ نفسه الذي سيشفق عليها في نهاية الرواية، نهاية تليق بامرأة على شاكلتها!
ريتشل التي رغم اضطرابها ترى كل شيء، ترى تفاصيل حياة غيرها في البلدة التي عاشتها مع زوجها السابق، كان قلبها معلقًا حيث تركت بيتها وزوجها، حيث أجبرت على اقتلاع جذورها لكن قلبها ظل عصّيًا وكذلك ذاكرتها، هذه المرأة التي ظلت كل يوم تستقل القطار الذي يمر على بلدتها، على بيتها، وبيت الجيران، التي تكون أشبه بمتلصصة مثابرة تمارس فعلها يوميًا في مقعدها من القطار دون كلل وبعزم مدهش رغم ما يخلّفه فعلها هذا من مرارات كثيفة في روحها المعذبة التي تجتر الذكريات حين يعبر القطار طريق بيتها السابق مع زوجها كما لو أنه بعجلاته يمر عليها هي لا بيتها!
حين كانت في تلكم اللحظات نفسها تحدق بفضول إلى بيت تشغله امرأة شابة مع زوجها الوسيم وكان هذا التلصص الخفي يبهجها، يريحها نفسيًا، يجعلها تستعيد حياتها المسلوبة، حتى أنها اخترعت أسماء لهما، كانت تدعوهما جيس وجيسون، وكانت تغبطهما، تغبط جيس على حياتها اللذيذة في ظل زوجها المحب، لكن ثقبًا حادًا كان يخترقها كلما عبر القطار منزلها السابق، حيث سُرقت حياتها وانهارت، هذه المراقبة المضنية، اللاواعية، التي تخفي خلفها مشاعر مضطربة جعلها تكتشف جريمة بشعة، جريمة غريبة، لم تكن متوقعة مطلقًا، جريمة استهدفت المرأة التي كانت تغبطها بشدة على حياتها ميغان مع زوجها سكوت اللذين أطلقت عليهما جيس وجيسون، تنقلب حياتهما حين تختفي زوجته جيس، أو ميغان من حديقة المنزل، تختفي من المشهد كليًا، من مشهد القطار حيث كانت ريتشل تتلصص عليهما.