TODAY - 17 August, 2010
سياسة... ورئاسة
غسان الكاتب
عندما اعتلى الزعيم الشاب نيك كليغ رئاسة حزب الديمقراطيين الاحرار عام 2007 ، وهو في الاربعين من عمره بعد معركة حامية مع منافسه كريس هون، لم يكن احد يتوقع ان يحقق القادم الجديد تغييرا جذريا في مسار الحزب والشعب البريطاني وفي نتائج الانتخابات التشريعية. حتى ان الصحافة البريطانية وصفت حظوظ المتنافسين الكبار كالمعتاد متناسية الآخرين امثال كليغ بل ووصفته بالحالم والمتفائل خصوصا بعدما اعلن انه سيتفوق على حزب المحافظين المعارض وسيقهر حزب العمال الحاكم، وجاء هذا الوصف مع الاداء الجيد الذي ابداه في المناظرات التلفزيونية، وبالرغم من ان الديمقراطيين الاحرار تحت قيادته حققوا تقدما في استطلاعات الرأي التي تلت تلك المناظرات، في حينها، مع منافسيه زعيم حزب العمال براون وزعيم حزب المحافظين كاميرون، والتي سبقت العملية الانتخابية بفترة وجيزة.
وبعد اعلان نتائج الانتخابات البريطانية الاخيرة، وكما هو معتاد في النظام السياسي البرلماني العريق ان يقوم التنافس بين الحزبين الرئيسين (العمال والمحافظين) حيث يذهب الفائز منهما الى تشكيل الحكومة ويصطف الآخر بصورة اوتوماتيكية في الجانب المعارض داخل البناء الكلاسيكي والضيق لمجلس العموم، الا انها ظهرت هذه المرة بشكل مختلف عما كانت عليه في السابق، حيث تعرض ذلك النظام الذي كان قائما منذ زمن طويل الى تغيير وهزة عنيفة حولته الى نظام الاحزاب الثلاثة واجبرت ساسة بريطانيا الجدد على تبني مشروع حكومة ائتلافية في برلمان معلق، ضمت المحافظين والديمقراطيين الاحرار بدلا من حكومة الحزب الواحد الذي كان يمثله دائما نواب حزب الاكثرية النيابية.
وفي الوقت الذي اعلن كاميرون زعيم حزب المحافظين انه يرغب في التوصل الى اتفاق كبير ومفتوح وشامل لتقاسم السلطة مع الديمقراطيين الاحرار (الليبراليين) الذين جاؤوا في المرتبة الثالثة في تسلسل النتائج حيث حصل حزبه على 306 مقاعد من اصل 650 (مجموع مقاعد مجلس العموم)، فيما لم يحصل حزب العمال الحاكم سوى على 258 مقعدا وحصل حزب الديمقراطيين الاحرار على 57 مقعدا. اعلن في المقابل زعيم حزب العمال رئيس الوزراء السابق براون رغبته بالتحالف مع كليغ الاقرب الى العمال من حيث المبادئ والرؤى، الا انه رأى في منح الحزبين الآخرين الفرصة والوقت الذي يلزمهما لاجراء محادثات بشأن اتفاق محتمل لتولي الحكم سويا، حتى لا يتم خرق ممارسة دستورية اصيلة في بريطانيا تقوم على تولي القائمة الفائزة مهمة تشكيل الحكومة (وهو من بقايا نظام الحزبين)، وفي حال فشلها خلال مدة معينة لا تتجاوز الثلاثين يوما يصار الى تكليف من يستطيع تشكيل النصاب والائتلاف اللازم، وتلك كانت فرصة براون اذا ما فشل كاميرون.
لكن كليغ لم يمنح براون الفرصة ولم يدعها تمر بسهولة... نعم ببساطة ودهاء وذكاء فعلها وتحالف في فترة لم تتجاوز الثلاثة ايام مع المحافظين وادى ذلك الى استقالة رئيس الوزراء براون بعد اعلان عقد التحالف التأريخي المثير بين الاحرار الذين يمثلون يسار الوسط وبين المحافظين الذين يمثلون يمين الوسط، ومن نتائج هذا التحالف الخارق للعادات ما مثله على المستوى العام في انقاذ البلاد من دوامة تأخر تشكيل الحكومة وعدم الاستقرار واحتمالات اعادة الانتخابات.
اما على المستوى الخاص فقد حظي نيك كليغ بمنصب نائب لرئيس الحكومة بعد موافقة الملكة، بالاضافة الى حصول حزبه (الصغير في نتائجه) على خمسة مناصب وزارية نال منها كريس هون منصب وزارة الطاقة والتغير المناخي. نعم هذه هي السياسة وتلك هي الرئاسة، خصوصا عندما يذهب المرشح كليغ الى مراكز الاقتراع بعد اغلاقها ليشكر طوابير الناخبين الذين لم يتسن لهم الانتخاب سواء كانوا من مؤيديه او من مؤيدي خصومه ومنافسيه.
هذه المبادرات والخطوات السياسية الواثقة في تشكيل الحكومة بفترة قياسية لن يرى كليغ نتائجها الا بعد خمس سنوات اي في الانتخابات المقبلة حيث ستتحول الى اصوات لصالحه وصالح حزبه في صناديق الاقتراع... وليتعلم سياسيونا من تجارب الآخرين بل ليقرؤوها فقط ليعلموا ان السياسة تنتزع فيها ومنها الرئاسة.