( الاضطراب و المهجع )



نقطعة تعريف:
اسكن مع امي و ابي في احدى الدول الاوربية
ليس لدي اخوة او اخوات
ابلغ من العمر 18 عاماً
البعض يراني شخصية مستفزة بسبب ما احمله من برود
اعاني من مشاكل نفسية في بعض الاحيان و لا احد يعلم بذلك ...
الى ان اتى ذلك اليوم الذي أصبحت فيه حالتي أسوء من ذي قبل بكثير بتُ لا أتذكرُ شيئاً لاأخرج الى شوارع مدينتي كأبناء جيلي و امتنعت عن الخروج من غرفتي
أكرهُ ألتجمعات البشرية وضجتهم في ألشوارع يصرخون كـ النساء أخرجُ فقط عندما تسكن العتمة الطرقات
لايوجود أحداً في شوارع ألمدينةَ سوى ألثملين والكلاب وصوت العاصفة
كأنه صوت قلبي الغاضب..
ألمدينة خالية من اصوات البشر
أتمشى وأتجول في شوارعها حتى حلول أذان ألفجر فأعود إلئ عالمي ومسكني حين ادخل غرفتي
استمع الئ موسيقاي ألحزينة في بعض الاوقات لايوجد لدي أصدقاء سوى قريني السيء واحياناً اقضي الليل برفقته
عندما يحل النهار البائس تأتي معهُ العزلة ، الصداع ، الضجة ، وأنعدام الحياة
مضرب عن الطعام و الشراب على الرغم من الجوع المستمر
اصبحت نحيلاً بشكل ملحوظ و رفيقي فقط فنجان القهوة
حتى تلك الليلة ...
خرجت من غرفتي في ألنهار اتجهت نحو الباب الخارجي مددت يدي أردتُ فتحها لكنني ترددت
كنت في هذهِ اللحظة جائع كثيراً سمعت من دآخل غرفتي صوت يردد لا تفتح الباب أرجوك لا أريد رؤية ألنور في ألخارج
انتابني الفزع و شل حركتي ذلك الصوت..!
سألته بتردد من أنت..؟
قال لي أنا أنت وأنت أنا
قلت:كيف وملامح الخوف لا زالت تعتلي ملامحي ..؟
قال لي:أنا اسكن هذهِ الغرفة و شريكك في كل شيء منذ ثماني عشرة عاماً ..!!
ارعبني ما سمعت ..
قال لي لا ترتعب ياصديقي أنا قرينك السيء ، و بعد نقاش غريب أصبحنا أصدقاء ..
عندما اراه يبقى صامتاً و انا كذلك و ان تكلم لا يتكلم كثيراً ..
عندما حل الليل ذهب ، لكن هذه المرة اختفى لا أعلم إلى أين .!
خرجت من غرفتي شربتُ كاساً من ألماء و أكلت القليل من التمر و رغيفاً من الخبز و من ثم عدت
كان في احدى زوايا الغرفة غطاء محمل بالغبار فسحبتهُ ورأيتُ مرآة نضرتُ اليها فرأيتُ وجهاً خلفي قلت :من أنت ..؟
قال : الم تعرفني ..؟ انا صديقك
قلت لهُ : هل هذا أنت ..؟
قال نعم ، نظرت إلى نفسي تقربت نحو ألمرآة امعنت النظر اكثر إلى عيناي محمرتان و تمتد تحتها هالاتٌ سوداء بسبب قلة ألنوم
أسناني صفراء و رائحة فمي كريهة من فرط التدخين
بنيتي هزيلة للغاية يجتاحها النحول و التعب اصابني الذهول اهذآ أنا ..؟
لا .. مستحيل انه ليس أنا شكله قبيح جداً ..!
بكيت بهستيريا .. ضربت المرآة و حطمتها بيدي حتى بدأت تنزف دماً فاسداً يميل الى اللون الاسود..
خرجت من غرفتي باكياً و يدي تنزف , شاهدت رجلا قادم نحوي مفزوع من الصوت نظر ألي و قد اعتلت الدهشة ملامحه اسمعه يردد ما بك..؟ ماذا اصاب يدك دعني القي نظرة
قمت بدفعه من دون ادراك مني حتى انتابته علامات الخوف و التعجب و تفاجئ اكثر عندما سألته من انت..؟
هرع الى الطابق العلوي مفزوعاً في منتصف الليل
عندما عاد كانت ترافقه امرأة مسرعة نحوي و هي متوترة سألتني ما بك.؟ ماذا اصابك..؟
لاحظت اصابتي ثم همت بالبكاء حاولت الاقتراب لتضمني اليها .. فـصرخت من أنتما أبتعدا عني..!
ذهبتُ مسرعاً إلى غرفتي اقفلت الباب علي وهم يطلبون مني فتحها و يدعيان بأنهما والداي.!
ينادون و يطلبون مني الخروج دون جدوى ..!
صرخت بأني لا اعرفهم ولا أتذكر شيئاً مما يقولون..
ثم رأيت قريني السيء الذي كان مختفياً منذ فترة ..
سألته من هذان كبيرا ألسن..؟؟
كانت اجابته لا أعرف .!
اسمع المرأة المسكينة تبكي خارجاً تناديني و تقص لي ذكريات غريبة..!
استغربت عندما سمعتها تقول يا بني ..انا والدتك الم تذكرني..؟
حملتك , سهرت لأجلك , أطعمتك , علمتك , و اعتنيت بك الا تراودك احدى هذه الذكريات..؟
و هنا قد شعرت حقأً انها فقدت ابنها.
فقلت لها : يا سيدتي صدقيني لا اتذكر شيئاً مما تقولين..!
الى هنا انتهى الكلام و عم الصمت المكان..
بقيت في غرفتي لمدة يومين متتاليين ولا زالا من يدعيان انهما والداي خلف الباب.
حل الليل و بدأ الصداع بتآكل رأسي حتى بت اصرخ كـالاطفال و هممت بتحطيم كل شيء حولي..
كسرالرجل الباب فجأة و دخل ليرى الغرفة مظلمة , مبعثرة كـالسجن تماماً
و لم اذكر ما حدث بعدها..!
حل الصباح..اتى ذلك الرجل مجدداً يطلب مني تغيير ملابسي للذهاب معهم..
اكتفيت بالسكوت ثم رأيت قريني السيء سألته عن رأيه لم يرفض و شجعني على ذلك
قلت له : اشعر بالخوف ,اجابني كن مطمئن انا معك.
وأفقت على الذهاب معهم و اتجهنا الى مشفى للامراض النفسية... و من هنا بدأ كل شيء
وصلنا و كان هناك حراس عند مدخل المشفى
دخلنا مباشرة و اتجهنا الى غرفة الطبيب المقصود
كان هناك سكرتير في الخارج , سألني عن اسمي عندما اردنا الدخول و انا صامت و خائف جداً و لم ازيح النظرعنه
فأعطاه من معي اسمي الثلاثي و طلب منا الانتظار قليلاً
بينما كنا ننتظرخرجَ من غرفة الطبيب رجلاً كبيراً في ألسن شكلهُ مخيف جداً
ينطق بأسماء غريبة نظر الي و بدأ يردد تلك الاسماء الغريبة مجدداً
حينها انطفئت اضواء المشفى و اصبحت مخيفة و تعالى صراخ المرضى اكثر فأكثر كـصراخ الاموات في المقابر ليلاً
عاد النور مجدداً و هدأت اصواتهم حتى عم السكون الم












عندما اتى دوري دخلنا الى غرفة ألطبيب القينا التحية و كان شكله غير مطمئن و يدل على الخبث ورالكراهية
سأل من فيكم يعاني من مشكلة ..؟
اجبت : انا
قال لي ما أسمك ..؟
بقيت صامتاً كالعادة
ثم سألني من جديد من هؤلاء اللذان معك..؟
قلت له لا أعلم .!
طلب الطبيب منهما الخروج لنبقى على انفراد..
بعدها سألني ألكثير من الاسئلة ،
هل أنت واقع في ألحب ؟
هل أنت في مشكلة ؟
هل والدك أو والدتك يضربوك ؟
هل تحتاج الئ مساعدة تكلم .؟
هل أنت حزين على فقدان شيئاً ما .؟
كل هذهِ ألاسئلة لم يكن لي رد عليها سوى اني اعيش معهما ولا اعرف شيء اخر عنهما.!
نادى المساعدين وقال خذوهُ الئ ألمهجع وبدأ ألجحيم هنا !
خرجت من ألغرفة مرعوباً و المساعدان يمسكان يداي بقوة
رأيت من كانا معي يبكيان بحرقة استنجدت بهما لأتخلص من هذا المأزق لكن دون جدوى .!
ضحك ألمرضئ كثيراً و كأنهم يعلمون اني لن ارى النور مجدداً..
ذهب أبي مسرعاً إلى ألطبيب متسائلاً أين ذهبتم بولدي ..؟
اجاب : أبنك في حالة (نيكتوفيليا) أنهُ مريض نفسياً ، فقد ذاكرته و يبدوا انه في حالة أكتئاب شديد دعهُ هنا ليتعالج .!
دخلت إلئ ألمهجع وبرفقتي الحراس حتى وصلنا الى غرفة مليئة برسوم غريبة على جدرانها و يتخللها نور قليل عن طريق نافذة واحدة فقط .!
يوجد في ألغرفة سريران ، تسائلتمن تعيس الحظ الذي يشاركني هذا المكان .؟
جلست على احد الاسرة بعدها انفتح الباب و دخل رجل مسن بدا عليه الخوف مني ثم قال أبتعد أنهُ سريري ، فأبتعدت وذهبت إلى السرير الاخر
جلسنا طويلاً و بدا على وجهه تساؤلات كثيرة مثلي تماماً..
مرت ساعات طويلة يسودها الصمت حتى حل الليل
فجأة بدؤوا ألمرضى بالصراخ و البكاء مجدداً
أصبح رأسي يؤلمني كثيراً وضعت يداي على أذناي وبدأ الرجل الذي يشاركني الغرفة بالصراخ مثلهم حتى ابتعوا حراس المهجع عن المكان خوفاً منا و استمروا المرضى على هذا الحال حتى طلوع الصباح .!
اتى الطبيب لاحقاً ليكشف عن احوال المرضى ثم أمر الحراس بأخراجنا لنتناول الطعام
عند انتهائنا من الافطار اصطحبونا الى حديقة ألمشفى كانت هناك لوحات خشبية يرسم عليها المضطربين اشياء غريبة بعيدة عن الواقع
مرت الايام و استمر الحال على ما هو عليه
في احدى الليالي طلبوا الحراس منا الخروج ليحلقوا رؤوسنا و كان بعض المرضى رافضين ذلك و بدؤوا بالصراخ دوم ان يهتم احد بذلك .
فجأة شخصاً ما قاوم فأنهال عليه الحراس بالضرب و صرخ
طلباً للمساعدة فهاجموهم المرضى و قتلوا احدهم و عمت الفوضى ارجاء المكان حتى سمعنا صوت الرصاص و هربنا خائفين الى المهجع
وفي اليوم التالي كان العقاب حرماننا من الطعام لمدة يومين و في الثالث احضروه للمهجع يبدو ان العقاب لا زال مستمراً بتناولنا الطعام في الداخل ..!
اصبح الجميع يأكل بشراهة و كأننا لم نأكل من قبل ..
عندما انتهينا اتى لزيارتي من يدعيان انهما والداي فذهبت أليهما في حديقة المشفى ارتميت بأحضانهما بلهفة و كأني افتقد شيئاً اعجز عن تذكره
و هما كذلك اتيا مسرعان وقاما بضمي وتقبيلي و تمنيت حينها ان يتوقف الوقت بنا هكذا ..
ثم اتم بعدها الطبيب ليفاجئنا بأنهما لا يستطيعان زيارتي بحجة ان حالتي يرثى لها و علي أن ابقى لمدة اطول هنا للعلاج بعيداً عنهما ..!
لم يكن لدينا خيار اخر سوى الموافقة لأشفى و اتخلص من هذا المكان..
بعد انتهاء الزيارة اتى حارس المهجع و اخذني الى غرفتي و اذا بالرجل الذي يشاركني المكان يهاجمني فجأة و يصرخ ان هذه الغرفة لي و عليك ان تخرج من هنا فوراً بعدما اشتد صراخه و هجومه علي انقذني من يده الحراس و اخذوه خارجاً..
رأيت رسومه التي تملأ الجدران و كانت مخيفة و تثير الفضول حينها تذكرت حينها كان كلما يراها يبكي و يردد : هذا هو .. هذا هو..
تسائلت في داخلي من يكون ..؟
اجابني فجأة قريني السيء وقال لي : هذا سيدنا انهُ سيدي ..
و شغلني التفكير بالرسوم و ما قاله قريني حتى غفوت ولو استيقظ الا صباحاً
كان رأسي يؤلمني كثيراً .. جسدي يرتعش بدأت بالصراخ على الحراس لمناداة الطبيب و بعد فترة طويلة اتى مسرعاً كشف عني ثم أعطاني حقنة هدأت من روعي و لم اشعر بشيء بعدها ...
استيقظت عصراً بعد نوم عميق اثر حقنة المهدئ ثم اخرجونا للتنزه لحديقة المشفى نظرت الى عالمنا الخاص نحن المرضى النفسيين
عالم يملأه ألهدوء و بريء جداً
لا نؤذي أحد ، لا نخون بعضنا ،لا نتكلم كثيراً جلست وحيداً اتأمل ألسماء وبرفقتي قريني السيء
قال لي : أنا أسف سوف أذهب وداعاً ...
كانت تظهر عليه علامات الحزن واليأس كأنني خذلته كثيراً ..!
أصبت بالدهشة و الغرابة و اصبح بداخلي الكثير من التساؤلات
عدنا بعدها الى غرفنا و عندما جلست على سريري سمعت صوتاً غريباً ..!!
يقول : مرحباً هل بأمكاننا ان نصبح اصدقاء ..؟
صوته يختلف كثيراً عن صوت قريتي السيء ، أستغربت كثيراً وقلت : من أنت..؟
قال : أنا الذي سوف يشاركك حياتك وغرفتك
صوتهُ بشع و بدا لي انه سيء للغاية ..!
قلت له : لا أريدك ان تكون صديقي ولا اريد منك ان تشاركني بشيء..
قال لي : سوف أعذبك و اجعلك تصل الى اسوأ حالاتك و انت من ستفعل ذلك بنفسك ..!!
لم اكترث لكلامه ... و لكن كان هناك سؤال وضعني في حيرة من امري ..!
هل كان الذي يرافقني في السابق قريني السيء فعلاً ام هذا .....؟؟؟









ادركت بعدها ان كل ما كان يصوره لي عقلي في السابق مجرد مرحلة اضطراب و تهيؤات لا غير !
اما الان حتماً اني اني في جحيم حقيقي ..!
بدأت مرحلة التوتر عندما اصبح يوقضني في منتصف الليل بأستمرار مفزوعاً على اصوات مرعبة و رسوم مخيفة
دماء تلطخ النافذة ، اصرخ مفزوعاً دون ان يعيرني احد اي اهتمام ..!
اراد ان يبين للجميع اني مجنون .. و نجح في ذلك ..!
اصبحت فترة مظلمة في حياتي و لم يضيئها شيء حتى ساعات النهار ...
وصلت لمرحلة منعت من الخروج لخوف المرضى و الحراس من مخالطتي
جروح تملأ جسدي ، و كدمات تغطي ملامح وجهي تجعل الجميع ينفر مني
و بقي الحال هكذا لأيام و ليالي ..
اصرخ و ابكي و انادي من الالم دون جدوى كأنهم اعتادوا على اكون هكذا ..!
فقدت الامل بأستجابتهم لي و افترشت الارض باكياً يملأني اليأس
تمكنت مني مخاوفي و بدأت افهم لماذا رحل قريني السابق مخذولاً ..!
على الرغم من انه كان يرافقني دائما و لم يسيء الي بشيء .. كنت ادعوه بـ قريني السيء ..!
كان يحادثني كثيراً و اتجاهله حتى انه كان يريدني ان ارى نفسي في المرآة لأخراجي من عالم انا من دفنت نفسي فيه لكني انهيت نفسي بالقدوم الى هنا بسبب سوء ظني عندما اسميته قريني السيء ..






بعد كل ما حل بي من سوء و خذلان ذاتي لـذاتي ..!
بدأت ذاكرتي تسعفني بأحداث من الطفولة
ادركت حينها ان من كنت اراهم في طفولتي هما حقاً والداي اللذان اصطحباني الى هنا و الذان اتيا لاحقاً لزيارتي ..!!!
لو كنت اعني لهما شيئاً لما كانا اتيا بي الى هنا ..!
و لم يصل بي الحال الى ما انا عليه الان ..!
هل ما يصيبني الان بأرادتي ام ارادتهما ..؟
كيف استطاعا تركي هنا ..؟
لا بل انا من اوصلت نفسي الى هذا الحال ...
هما نصحاني ، حاولا جاهدين ان يذكراني بأنهما والداي ، اصرا على ذلك حتى جعلتهما يآئسان و اجبرتهما بتصرفاتي على اصطحابي الى هنا ..
فات الاوان ولا جدوى من الندم
مهما فعلت او تذكرت سأبقى في قاعٍ مظلم كان ممكن ان يكون حياة مشرقة
اتكأت على الجدار لعلي اجد شيئاً يأخذني الى النور ، وجدت حبلاً تحت السرير فسحبته ثم وقفت على الكرسي ، لأربط الحبل على نافذة كانت يوماً ما تمدني بالامل و ربطت الطرف الاخر حول عنقي لتكون بداية الخلاص مرة و خسارتي مرة اخرى
في الاولى خسرت لـ ( سوء ظني)-فـأحسنوا الظن بالاخرين-
و في الثانية فقدت كل شيء عندما لم اصدق من هم ( اقرب الناس الي )-و بالوالدين احساناً-.




(الاضطراب و المهجع)