وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين

بسم الله
هذة قصة نبى الله اسحاق ماخوذة من الصحاح


1- قد قدمنا أنه ولد ولابيه مائة وعشرين سنة بعد أخيه اسماعيل بأربع عشر سنة.

2-وكان عمر أمه سارة حين بشرت به سبعون سنة. سنة قال الله تعالى (وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى
اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين)

3-وقد ذكره الله تعالى بالثناء عليه في غير ما آية من كتابه العزيز * و في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن ابراهيم ".

4-وذكر أهل الكتاب أن إسحق لما تزوج فولدت غلامين توأمين أولهما سموه عيصو وهو الذي تسميه العرب العيص وهو والد الروم والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه يعقوب وهو اسرائيل الذي ينتسب إليه بنو اسرائيل


5- قالوا وكان إسحق يحب العيصو أكثر من يعقوب لانه بكره وكانت أمهما رفقا تحب يعقوب أكثر لانه الاصغر قالوا فلما كبر إسحق وضعف بصره اشتهى على ابنه العيص طعاما وأمره أن يذهب فيصطاد له صيدا ويطبخه له ليبارك عليه ويدعو له وكان العيص صاحب صيد فذهب يبتغي ذلك فأمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح جديين من خيار غنمه ويصنع منهما طعاما كما اشتهاه أبوه ويأتي إليه به قبل أخيه ليدعو له فقامت فألبسته ثياب أخيه وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين لان العيص كان أشعر الجسد ويعقوب ليس كذلك فلما جاء به وقربه إليه قال من أنت قال ولدك فضمه إليه وجسه وجعل يقول أما الصوت فصوت يعقوب وأما الجس والثياب فالعيص فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدرا وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده وأن يكثر رزقه وولده.


6-فلما خرج من عنده جاء أخوه العيص بما أمره به والده فقربه إليه فقال له ما هذا يا بني قال هذا الطعام الذي اشتهيته فقال أما جئتني به قبل الساعة وأكلت منه ودعوت لك فقال لا والله وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك فوجد في نفسه عليه وجدا كثيرا وذكروا أنه تواعده بالقتل إذا مات أبوهما وسأل أباه فدعا له بدعوة أخرى وأن يجعل لذريته عليظ الارض وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم فلما سمعت أمهما ما يتواعد به العيص أخاه يعقوب أمرت ابنها يعقوب أن يذهب إلى أخيها لابان الذي بأرض حران وأن يكون عنده إلى حين يسكن غضب أخيه عليه وأن يتزوج من بناته.


7-وقالت لزوجها إسحق أن يأمره بذلك ويوصيه ويدعو له ففعل فخرج يعقوب عليه السلام من عندهم من آخر ذلك اليوم (فكان يسري بالليل ويكمن بالنهار ولذلك سمي إسرائيل) فأدركه المساء في موضع فنام فيه أخذ حجرا فوضعه تحت رأسه ونام فرأى في نومه ذلك معراجا منصوبا من السماء إلى الارض وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون والرب تبارك وتعالى يخاطبه ويقول له إني سأبارك عليك وأكثر ذريتك وأجعل لك هذه الارض ولعقبك من بعدك.فلما هب من نومه فرح بما رأى ونذر لله لئن رجع إلى أهله سالما ليبنين في هذا
الموضع معبد الله عزوجل وأن جميع ما يرزقه من شئ يكون لله عشره ثم عمد إلى ذلك الحجر فجعل عليه دهنا يتعرفه به وسمي ذلك الموضع بين إيل أي بيت الله وهو موضع بيت المقدس اليوم الذي بناه يعقوب بعد ذلك كما سيأتي



8- قالوا فلما قدم يعقوب على خاله أرض حران إذا له ابنتان اسم الكبرى ليا واسم الصغرى راحيل وكانت أحسنهما.
وأجملهما [ فطلب يعقوب الصغرى من خاله ] فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين فلما مضت المدة على خاله لا بان صنع طعاما وجمع الناس عليه وزف إليه ليلا ابنته الكبرى ليا وكانت ضعيفة العينين قبيحة المنظر.فلما أصبح يعقوب إذا هي ليا فقال لخاله لم غدرت بي وأنت إنما خطبت إليك راحيل فقال إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى فان احببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وازوجكها فعمل سبع سنين وادخلها عليه مع أختها وكان ذلك سائغا في ملتهم ثم نسخ في شريعة التوراة *
وهذا وحده دليل كاف على وقوع النسخ لان فعل يعقوب عليه السلام دليل على جواز هذا وإباحته لانه معصوم *


9-ووهب لابان لكل واحدة من إبنتيه جارية فوهب لليا جارية إسمها زلفى ووهب لراحيل جارية اسمها بلهى * وجبر الله تعالى ضعف ليا بأن وهب لها أولادا فكان أول من ولدت ليعقوب روبيل ثم شمعون ثم لاوى ثم يهوذا



10-فغارت عند ذلك راحيل وكانت لا تحبل فوهبت ليعقوب جاريتها بلهى فوطئها فحملت وولدت له غلاما سمته دان وحملت وولدت غلاما آخر سمته نيفتالي فعمدت عند ذلك ليا فوهبت جاريتها زلفى من يعقوب عليه السلام فولدت له جاد وأشير غلامين ذكرين ثم حملت أيضا فولدت غلاما خامسا منها وسمته ايساخر * ثم حملت وولدت غلاما سادسا سمته زابلون ثم حملت وولدت بنتا سمتها دينا فصار لها سبعة من يعقوب


11- ثم دعت الله تعالى راحيل وسألته أن يهب لها غلاما من يعقوب فسمع الله ندائها وأجاب دعائها فحملت من نبي الله يعقوب فولدت له غلاما عظيما شريفا حسنا جميلا سمته يوسف كل هذا وهم مقيمون بأرض حران (في الطبري: بأرض بابل) وهو يرعى على خاله غنمه بعد دخوله على البنتين ست سنين أخرى فصار مدة مقامه عشرين سنة
فطلب يعقوب من خاله لابان أن يسرحه ليمر إلى أهله فقال له خاله اني قد بورك لي بسببك فسلني من مالي ما شئت فقال تعطيني كل حمل يولد من غنمك هذه السنة أبقع (: ما فيه بقع بيض وسود) وكل حمل ملمع أبيض بسواد وكل أملح (: ما يخالط بياضه سواد.) ببياض وكل أجلح (ما لا قرن له.) أبيض من المعز فقال نعم فعمد بنوه فابرزوا من غنم أبيهم ما كان على هذه الصفات من التيوس لئلا يولد شئ من الحملان على هذه الصفات وساروا بها مسيرة ثلاثة أيام عن غنم أبيهم


12-قالوا فعمد يعقوب عليه السلام إلى قضبان رطبة بيض من لوز وولب فكان يقشرها بلقا وينصبها في مساقي الغنم من المياه لينظر الغنم إليها فتفزع وتتحرك أولادها في بطونها فتصير ألوان حملانها كذلك وهذا يكون من باب خوارق العادات وينتظم في سلك المعجزات فصار ليعقوب عليه السلام أغنام كثيرة ودواب وعبيد وتغير له وجه خاله وبنيه وكأنهم انحصروا منه.



13-وأوحى الله تعالى إلى يعقوب أن يرجع إلى بلاد أبيه وقومه ووعده بأن يكون معه فعرض ذلك على أهله فأجابوه مبادرين إلى طاعته فتحمل بأهله وماله وسرقت راحيل أصنام أبيها فلما جاوزوا وتحيزوا عن بلادهم لحقهم لابان وقومه فلما اجتمع لابان بيعقوب عاتبه في خروجه بغير علمه وهلا أعلمه فيخرجهم في فرح ومزاهر وطبول وحتى يودع بناته وأولادهن ولم أخذوا أصنامه معهم ولم يكن عند يعقوب علم من أصنامه فأنكر أن يكون أخذوا له أصناما فدخل بيوت بناته وامائهن يفتش فلم يجد شيئا وكانت راحيل قد جعلتهن في بردعة الحمل وهي تحتها فلم تقم وأعتذرت بأنها طامث فلم يقدر عليهن فعند ذلك تواثقوا على رابية هناك يقال لها جلعاد على أنه لا يهبن بناته ولا يتزوج عليهن ولا يجاوز هذه الرابية إلى بلاد الآخر لا لابان ولا يعقوب وعملا طعاما وأكل القوم معهم وتودع كل منهما من الآخر وتفارقوا راجعين إلى بلادهم



14- فلما اقترب يعقوب من أرض ساعير تلقته الملائكة يبشرونه بالقدوم وبعث يعقوب البرد إلى أخيه العيصو يترفق له ويتواضع له فرجعت البرد وأخبرت يعقوب بأن العيص قد ركب إليك في أربعمائة راجل فخشي يعقوب من ذلك ودعا الله عزوجل وصلى الله وتضرع إليه وتمسكن لديه وناشده عهده ووعده الذي وعده به وسأله أن يكف عنه شر أخيه العيص وأعد لاخيه هدية عظيمة وهي مائتا شاة وعشرون تيسا ومائتا نعجة وعشرون كبشا وثلاثون لقحة وأربعون بقرة وعشرة من الثيران وعشرون أتانا وعشرة من الحمر وأمر عبيده أن يسوقوا كلا من هذه الاصناف وحده وليكن بين كل قطيع وقطيع مسافة فإذا لقيهم العيص فقال للاول لمن أنت ولمن هذه معك فليقل لعبدك يعقوب أهداها لسيدي العيص وليقل الذي بعده كذلك وكذا الذي بعده ويقول كل منهم
وهو جائي بعدنا وتأخر يعقوب بزوجتيه وأمتيه وبنيه الاحد عشر بعد الكل بليلتين وجعل يسير فيهما ليلا ويكمن نهارا فلما كان وقت الفجر من الليلة الثانية تبدا له ملك من الملائكة في صورة رجل فظنه يعقوب رجلا من الناس فأتاه يعقوب ليصارعه ويغالبه فظهر عليه يعقوب فيما يرى إلا أن الملك أصاب وركه فعرج يعقوب فلما أضاء الفجر قال له الملك ما اسمك قال يعقوب قال لا ينبغي أن تدعى بعد اليوم إلا اسرائيل فقال له يعقوب ومن أنت وما أسمك فذهب عنه فعلم أنه ملك من الملائكة



15-وأصبح يعقوب وهو يعرج من رجله فلذلك لا يأكل بنو اسرائيل عرق النساء ورفع يعقوب عينيه فإذا أخوه عيصو قد أقبل في أربعمائة رجل فتقدم أمام أهله فلما رأى أخاه العيص سجد له سبع مرات وكانت هذه تحيتهم في ذلك الزمان وكان مشروعا لهم كما سجدت الملائكة لآدم تحية له وكما سجد أخوه يوسف وأبواه له كما سيأتي


فلما رآه العيص تقدم إليه وأحتضنه وقبله وبكى ورفع العيص عينيه ونظر إلى النساء والصبيان فقال من أين لك هؤلاء فقال هؤلاء الذين وهب الله لعبدك فدنت الامتان وبنوهما فسجدوا له ودنت ليا وبنوها فسجدوا له ودنت راحيل وابنها يوسف فخرا سجدا له وعرض عليه أن يقبل هديته وألح عليه فقبلها ورجع العيص فتقدم أمامه ولحقه يعقوب بأهله وما معه من الانعام والمواشي والعبيد قاصدين جبال ساعير فلما مر بساحور ابتنى له بيتا ولدوا به ظلالا ثم مر على أورشليم قرية شخيم فنزل قبل القرية واشترى مزرعة شخيم بن جمور بمائة نعجة فضرب هنالك فسطاطه وابتنى ثم مذبحا فسماه إيل إله اسرائيل وأمر الله ببنائه ليستعلن له فيه * وهو بيت المقدس اليوم الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام وهو مكان الصخرة التي أعلمها بوضع الدهن عليها قبل ذلك كما ذكرنا أولا.




16-وذكر أهل الكتاب هنا قصة دينا بنت يعقوب بنت ليا وما كان من أمرها مع شخيم بن جمور الذي قهرها على نفسها وأدخلها منزله ثم خطبها عن أبيها وأخوتها فقال إخوتها إلا أن تختتنوا كلكم فنصاهركم وتصاهرونا فإنا لا نصاهر قوما غلفا فأجابوهم إلى ذلك واختتنوا كلهم فلما كان اليوم الثالث واشتد وجعهم من ألم الختان مال عليهم بنو يعقوب فقتلوهم عن آخرهم وقتلوا شخيما وأباه جمور لقبيح ما صنعوا إليهم مضافا إلى كفرهم وما كانوا يعبدونه من أصنامهم فلهذ قتلهم بنو يعقوب وأخذوا أموالهم غنيمة.
ثم حملت راحيل فولدت غلاما وهو بنيامين إلا أنها جهدت في طلقها به جهدا شديدا وماتت عقيبه فدفنها يعقوب في أفراث وهي بيت لحم وصنع يعقوب على قبرها حجرا وهي الحجارة المعروفة بقبر راحيل إلى اليوم



17- وكان أولاد يعقوب الذكور اثنى عشر رجلا فمن ليا روبيل وشمعون ولاوى ويهوذا وايساخر وزايلون ومن راحيل يوسف وبنيامين ومن أمة راحيل دان ونفتالي ومن أمة ليا حاد واشير عليهم السلام وجاء يعقوب إلى أبيه إسحاق فأقام عنده بقرية حبرون التي في أرض كنعان حيث كان يسكن ابراهيم ثم مرض اسحاق ومات عن مائة وثمانين سنة ودفنه ابناه العيص ويعقوب مع أبيه ابراهيم الخليل في المغارة التي اشتراها كما قدمنا.
لقد كان فى قصصهم عبرة لاولى الالباب

واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين