نوري السعيد
لايمكن ان يختلف اثنان من العراقيين وخاصة ممن عاشوا تلك الحقبه التاريخيه المهمه من تاريخ العراق وهي ان الحكم الملكي استلم العراق من الامبراطوريه العثمانيه وهو بصوره مأساويه لما كان يعاني من نقص في كل شيء حيث تغيب عنه ابسط المستلزمات الازمه للعيش فلا مياه صالحه للشرب ولا شبكة تصريف صحي ولاشبكة طرق ومواصلات تذكر ولايعرف العراقيون ماهية الكهرباء ولا المحركات وكان العراق يعاني من ضغط كبير بسبب الحرب العالميه الاولى التي عانت منها الدوله العثمانيه والولايات الملحقه بها ومنها العراق بولاياته الثلاث ..
لقد استلم الملك فيصل الاول العراق ولم يجد حتى مكانا يتوج فيه ولا خزينه يعتمد عليها ولاكادر يساعده في العمل والاميه تصل الى 97,5 % من الشعب ولاتوجد خطة اسكان بمعنى الاسكان او اي بنى تحتيه يتمكن العراق من البدء منها لتعزيز نموه وتقدمه , وفي هذه الحاله الصعبه كان نوري باشا السعيد هو الرجل المعول عليه للنهوض بالبلد ! هذا الرجل الذي ترك الجيش العثماني والتحق بالثوره العربيه مع الشريف حسين وتحمل مسؤولية اعمار العراق وكان على قدر كبير من هذه المسؤوليه فعلا ..
لم يكن نوري السعيد بالشخص العادي بل كان ذا عقليه سياسيه كبيره وكان مهابا من جميع السياسين في الداخل والخارج وكان يسمى من قبل خصومه بالداهيه والثعلب وقد ترأس العديد من الوزارات العراقيه وكان من اوائل الداعين الى الحداثه والتحديث وكان له الدور الرائد في وضع العراق في مصاف الدول الناميه وفي مقدمتها وكان جيران العراق ينظرون الى العراق وكأنه نوري باشا والعكس صحيح ,, لم نكن ندرك هذه الحقائق عندما كنا ننجرف مع سيل القوميه والشعارات حتى كنا نردد اللعنات الى من كان يبني العراق وكنا نركض مع المعاول التي كانت تريد هدم العراق ولاندري ولكن بعد ان نضجنا سياسيا عرفنا ماهية هذا الرجل!! لقد تمكن هذا الرجل من ان يخفض نسبة الاميه من 97,5 % الى 60% وازداد عدد المدارس اضعافا مضاعفه بعد ان كانت 3 مدارس اعداديه واكثر من عشرة مدرسه ابتدائيه ولم تكن زراعته تكفي قوت ابنائه حتى بات العراق من اكبر المصدرين للحبوب في المنطقه وحدثني الاخ صبيح الشبيبي عندما كان في زياره الى بغداد من الولايات المتحده الامريكيه هذه الحادثه عن وزير الزراعه في العهد الملكي فيقول ( كنا نناقش الميزانيه السنويه وانتهينا منها دون ان يخصص اي مبلغ لمشروع المسيب الكبير وكانت هذه المره الثالثه التي يؤجل فيها التخصيص للمشرع الحيوي وانزعج وزير الزراعه وهدد بالاستقاله وهنا تدخل الباشا قائلا اصبر علي اسبوعان فقط حتى اعود من زيارتي الى انكلترا واقتنع الوزير وعند عودة الباشا اعطى وزير الزراعه صكا بمبلغ مليون باون استرليني للمباشره بالمشروع قرضا بدون فائده من الحكومه البريطانيه ) هكذا كان رجال العراق يعملون والمشروع لايزال ينتج وهو من اكبر المشاريع الزراعيه في الفرات الاوسط ..
كان المرحوم نوري باشا يرى ان توطيد العلاقه بين العراق وبريطانيا هي السبيل الامثل لتقدم العراق وحمايته واقتباس اسلوب الحكم والحياة مع الاخذ بنظر الاعتبار الخصوصيه العراقيه وقد تعرض بسبب ذلك الى الكثير من خصومه السياسين في الداخل والخارج ووصل الامر الى التشكيك في وطنيته عندما طالب باعلان الحرب على المانيا والوقوف مع بريطانيا في الحرب العالميه الثانيه وتعرض الى انقلاب عسكري قام به الضباط الاربعه في ما سمي بثوره مايس (حركة رشيد عالي الكيلاني ) ولو نفذ ماكانوا يطالبونه به لكان العراق اليوم ضياعا موزعه بين الحلفاء ,
نوري باشا هو المهندس الحقيقي لمجلس الاعمار والذي تمكن من تخصيص 70% من ميزانية العراق لهذا المجلس وكان يأمل منه الكثير وقد جنى البعض اليسير من منجزات المجلس مثل (اسكان غربي بغداد , اسكان شرقي بغداد . الالف دار في التل محمد , دور الضباط في الرصافه والوجبه الاولى في اليرموك, بناية وزراة التخطيط لم تنجز في وقته , وبعض المصانع وتحديث الجيش والشرطه) ..
كان رحمه الله وخاصة في سنينه الاخيره على خلاف شديد مع بريطانيا وخاصة في موضوع النفط وفلسطين وكان ينوي اعطاء امتيازات نفطيه كبيره الى الشركات الامريكيه وباتفاقات مشابه للسعوديه 50% مناصفه وهذا كان يؤثر بشكل كبير ومباشر على الاقتصاد البريطاني المنهك بعد الحرب .
الايستحق هذا الرجل منا كل الاحترام والتقدير وان يكون له تمثال في وسط بغداد وهو عنوان النزاهه والاخلاص والمسؤوليه ؟ الا يستحق منا ان نعيد النظر بهؤلاء الرجال المخلصين , لقد مات وهو لايملك سوى دار سكن في كرادة مريم على نهر دجله وليست بافضل من دار اي تاجر بسيط في بغداد . لقد كافئنا الرجل بان قتلناه ومثلنا في جثته وسحلناه في شوارع بغداد التي عبدها وزينها وانشأها اهكذا يكافىء المخلصون ؟؟ الرحمه لكل العائله المالكه التي ضحت بارواحها من اجل العراق والتي عرفت كيف تختار المخلصين لهذا البلد والرحمه الى نوري باشا السعيد والى كل عراقي قدم للعراق مايستطيع
عبد الكريم الحسيني