تطلّ علينا في مثل هذه الأيّام ذكرى رمضانيّة تعدّ إحدى مقدّمات ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، ففي يوم الخامس عشر من شهر رمضان المبارك أرسل الإمامُ الحسين(سلام الله عليه) سفيره وثقته وابن عمّه مسلم بن عقيل(عليه السلام) الى الكوفة، لأنّه يتّصف بالحكمة والشجاعة والإخلاص مندوباً عنه ليُهيّئ له الأجواء، وينقل له واقع الأحداث؛ ليستطيع أن يقرّر الموقف المناسب.
فبعد أن تتابعت كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، وهي تحثّه على المسير والقدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويِّين وعُنفهم، وكانت بعض تلك الرسائل تحمِّلُه المسؤوليّة أمام الله والأمّة إن تأخّر عن إجابتهم.
رأى الإمام قبل كلّ شيء أن يختارَ لِلُقيَاهُم سفيراً له، يُعرِّفه باتّجاهاتهم وَصِدقِ نِيَّاتِهم، فإن رأى منهم نيَّةً صادقة، وعزيمةً مُصمَّمة، فيأخذ البيعة منهم، ثم يتوجّه إليهم بعد ذلك وقد اختار (عليه السلام) لسفارتِه ثقتَه وكبيرَ أهلِ بيتِه مسلم بن عقيل، فاستجاب له عن رِضىً ورغبة، وَزوَّدَهُ برسالة قال فيها:
(مِن الحُسينِ بن عَلي إِلى مَن بلغهُ كتابي هذا مِن أوليائِه وَشيعَتِه في الكوفة:
سلامٌ عليكم، أمّا بعد: فَقَد أتَتْني كُتُبكُم، وفهمتُ ما ذكرتُم مِن مَحبَّتِكم لِقُدومِي عَليكم، وأنا بَاعثٌ إِليكم بِأخي وابنِ عَمِّي وثِقتي من أهلي مسلم بن عقيل، لِيعلمَ لِي كُنْهَ أمْرِكُم، ويكتبَ إِليَّ بما يَتبَيَّن له من اجتماعِكُم، فإن كان أمرُكم على ما أتَتْني بِه كُتُبُكم، وأخبَرَتني به رُسُلُكم، أسرعتُ القُدومَ إليكُم إِن شَاء اللهُ، وَالسَّلام).
وتَسلَّم مسلمُ الرسالة، وغادر مكّة ليلة النصف من رمضان، فَصلَّى في مسجد الرسول(صلّى الله عليه وآله)، وَطَاف بِضريحِه، وَودَّع أهله وأصحابه، وكان ذلك هو الوداعُ الأخير لهم، واتَّجهَ صَوبَ العِراق، واستأجر دَليلين من قَيس يَدُلاَّنَه عَلى الطريق.