الموصل لؤلؤة العراق
تاريخها ومساهماتها في الحضارة الإسلامية
تقع مدينة الموصل على الضفة الغربية لنهر دجلة، مقابل مدينة نينوى القديمة، عاصمة ديار الربيع التي تشكل الجزء الشرقي من إقليم الجزيرة في العراق. وتتخذ الموصل اسمها من حقيقة أن عددا من روافد نهر دجلة تجتمع لتشكل جدولا واحدا. تقع المدينة بالقرب من نهر دجلة على جزء من الهضبة الغربية يبرز في اتجاه السهل الغريني للنهر. وتوجد بجانب أسوار المدينة المقالع حيث يوجد الجص المستخدم في البنايات.
بعد استيلاء عتبة بن فرقد على مدينة نينوى عام 641 في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، عبر العرب نهر دجلة واستسلمت حامية القلعة على الضفة الغربية بعد تقديم الوعد بدفع الجزية. وتولي حاكم المدينة الجديد هرثم البكري إسكان العرب في بيوت خاصة بهم وجعل الموصل مدينة معسكر وشيد فيها مسجدا. وتولى مسؤول الشرطة ابن تاليد بناء الطرق وشيد سورا حول المدينة. ووفقا للجغرافيين ابن الفقيه وياقوت فقد نظم الخليفة الأموي مروان الثاني إدارة المدينة وشيد طرقا وأسوارا وجسرا قائما على الزوارق على نهر دجلة. كما ينسب إليه تأسيس مسجد وأصبحت الموصل في عهده عاصمة إقليم الجزيرة.
الشكل 1- خريطة العراق مؤشر فيها موقع مدينة الموصل في المناطق الشمالية.
خضعت الموصل في السنوات 1095-1096 إلى حكم السلاجقة. وكان ذلك حدثا مهما وأغرب مصادفة في التاريخ. إذ في السنة نفسها (1095) على بعد آلاف الأميال عن الموصل أطلق البابا اوربان الثاني الحملات الصليبية. كان الحدث مصادفة عجيبة إذ أنه، كما سنوضح لاحقا في الجزء الأخير من هذا المقال، لعبت الموصل بخاصة والسلالات السلجوقية التي حكمتها الدور الأكثر حسما من جانب المسلمين ضد الحملات الصليبية في العقود اللاحقة (1096-1144). ومثل مدينة القاهرة في السنوات 1260-1291 ، ساعدت الموصل في تنظيم مقاومة الأقاليم الإسلامية في الشرق الأوسط. ومن الغريب أن الموصل سقطت في أيدي السلاجقة في الوقت المناسب لكي تؤدي دورا حاسما سنصفه لاحقا. ومن المثير للدهشة كذلك أن القاهرة سقطت في أيدي المماليك عام 1250 في الوقت نفسه بالضبط عندما أوشك المغول وحلفاؤهم المسيحيون في السنوات 1250-1260 أن يدمروا المدن والمناطق التي استولوا عليها. كانت المدينتان الموصل والقاهرة في مركزين استراتيجيين مكنا من أداء دوريهما، وهو أمر رائع خصوصا عندما نعلم أن السلاجقة تولوا القتال كله تقريبا ضد الحملات الصليبية في الحملة الأولى (1096-1144) وحارب المماليك المغول في السنوات 1258-1260. ولولا وجود السلاجقة والمماليك لسارت الأمور على نحو مختلف تماما ولتغير مسار التاريخ في المنطقة على نحو عميق.ـ
2- الموصل في السجلات التاريخية: روائع المدينة وتجارتها وصناعتها
الشكل 2: لوحة صدر القرآن الكريم يعود تاريخها إلى عام 710 هجرية
دافعت قلعة قوية وسور مزدوج عن المدينة وكانت أبراج القلعة تطل على ضفة نهر دجلة ونشأت ضاحية كبيرة إلى الجنوب من المدينة. ويقارن الجغرافيون المسلمون مخطط المدينة بغطاء رأس أي مستطيل ممتد. ووصف ابن حوقل الذي زار المدينة عام 968-969 الموصل بأنها بلدة جميلة مع منطقة مجاورة خصبة. وذكر المقدسي بعد بضع سنوات أن المدينة مشيدة على نحو جميل للغاية و مخططها بشكل شبه دائرة. وكان جامعها الذي شيده الخليفة مروان الثاني على ربوة ليس بعيدا عن نهر دجلة وتقود درجات سلم إلى الجامع المحاط برمته برواقات من حجر الرخام وواجهة الجزء المسقف من المسجد بدون أي أبواب. وكانت معظم الأسواق مسقوفة. كما يذكر المقدسي إن المدينة محاطة بخندق عميق وأسوار عالية ذات أبراج المنيعة امتدت إلى النهر و على طول ضفته. وربط طريق عريض المدينة الأعلى بالمدينة السفلى. وامتدت الضواحي أمام الأسوار إلى مسافة بعيدة وضمت الكثير من المساجد الصغيرة والخانات والحمامات. وذاع صيت مستشفى المدينة كما شيدت معظم المنازل في الموصل من الحجر الذي نقل من جبل مقلوب إلى الشرق من المدينة. لقد تطورت الموصل كثيرا في عهد عماد الزنكي (توفي عام 1146) وشيد فيها بنايات رائعة وجددت التحصينات وأحيطت المدينة بالبساتين.ـ
الشكل 3: حصار الموصل (1261-1262) في كتاب جامع التواريخ لرشد الدين الهمداني، لوحة يعود تاريخها إلى عام 1430 في المكتبة الوطنية الفرنسية، قسم المخطوطات، الفرع الشرقي، رقم 1113
استخدم في الموصل نوع مميز من الأسلوب العراقي في البناء بالآجر في أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر. وشيدت بنايات عامة مهمة برعاية الحكام من السلالة الزنكية (1127-1222) وبدر الدين لؤلؤ (حوالي 1222-1259). وبقيت من هذه الحقبة أجزاء من قصر ذي زخارف هندسية كثيرة من الجص وعدة مراقد تشبه فيها الزخارف ذات تصاميم النقش العربي في الكوات غالبا في بغداد المعاصرة إضافة إلى عدة مراقد. كما رعى بدر الدين لؤلؤ مزيني المخطوطات وصناع المشغولات المعدنية. انتقل الكثيرون من الحرفيين بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي من الموصل إلى سورية ومصر في العقود التالية في القرن الثالث عشر. واستعملت المخطوطات حيثما أنتجت المخططات التشكيلية والتقاليد المصورة التي طورت في العراق والموجودة في مخطوطات من القرن الثالث عشر من بغداد والموص. وعرف أيضا الكثير من المشغولات المعدنية المطعمة. ويبدو أن بعض الحرفيين العاملين في حلب ودمشق قد انتقلوا من الموصل وهي حالة تؤكد الصلات الثقافية بين شمال العراق وبين سوريا.ـ
كانت الموصل كذلك مركزا صناعيا عظيما. وتسجل المصادر وجود إنتاج النفط الخام في العراق حيث وجدت حالات ارتشاح النفط على الضفة الشرقية من نهر دجلة على الطريق إلى الموصل. وأشار الرحالة المسلمون إلى إنتاج النفط على نطاق واسع وكان النفط يصدر أيضا وأصبح منتجا مهما في الحياة الاقتصادية الإسلامية قبل عدة قرون من اكتسابه أهميته العالمية الراهنة. وقد استخرج النفط الخام وصفي على نطاق واسع وكانت له استخدامات عسكرية ومنزلية في تلك العصور. أطلق على النفط الخام عادة اسم "النفط الأسود" والنفط المكرر "النفط الأبيض" على الرغم من أن الزيوت الخام عديمة اللون في حالتها الطبيعية. ولدينا عدد من الأوصاف لعملية تصفية النفط في الكتابات العربية كما في كتاب الرازي المعنون كتاب الأسرار. ونعرف من ذلك أن النفط الخام كان يخلط أولا بالطين الأبيض أو كلوريد الأمونيا لتكوين "سائل سميك يشبه العجينة" ثم تجري تصفيته. وكان الرازي يستعمل النفط الأبيض "لتليين" بعض المواد الصلبة من مثل الأحجار الثمينة أو معادن معينة.ـ
الشكل 4: قطعة نقود من عهد بدرالدين لؤلؤ (من البرونز تزن 8,81 غرام) سكت في الموصل في العهد الزنكي (521-648 هجرية / 1127-1250. متاحف هارفرد للفنون، إدارة الفنون الإسلامية والهندية، قسم الفنون الآسيوية والشرق أوسطية.ـ
اشتهرت بخاصة منسوجات الموصل واشتق من اسم المدينة الاسم الانجليزي "موسلين". وقد اشتهرت الموصل دائما بوصفها مركزا لصنع الأقمشة. وقد أشار الجاهز (776-868 هجرية) إلى صنع الستائر والخيوط والأردية المقلمة في الموصل. كما يذكر كتاب لطائف المعارف ستائر الموصل في قائمة طويلة من الانسجة الناعمة. وتشير قصة من قصص ألف ليلة وليلة تدور أحداثها في زمن هارون الرشيد إلى عمامة من قبيل تلك التي يرتديها الوزراء من النوع الموصلي، وتشير القصة كذلك في بغداد إلى إزار (أي عباءة نسائية) من الموصل مصنوعة من الحرير مع حذاء مطرز بالذهب مع حاشية من القصب وحبل متدل غير مربوط. وذكر ماركو بولو ما يلي:ـ
"يوجد بالقرب من هذه المنطقة (الموصل) بلدة أخرى تدعى موس (موش) وماردين وتنتجان كميات ضخمة من القطن الذي يصنعون منه كميات كبيرة من البقرم وقماش آخر."ـ
الشكل 5: مشهد من نسخة عربية من كتاب ماتيريا مديكا لديوسكوريديس يصور ديوسكوريديس وتلميذا يحمل نبتة البيروح ، يوسف الموصلي (الموصل 1228) في مكتبة قصر توبكابي بإسطنبول.ـ
شيدت المستشفيات في كل أرجاء البلاد ويشير إلى المستشفى في الموصل الرحالة الأندلسي ابن جبير، الذي قال إنه أثناء زيارته للموصل عام 1184 علم أن أمير المدينة مجاهد الدين قد شيد مسجدا على ضفة نهر دجلة في مدينة الموصل ومستشفى مقابل المسجد.ـ
ـ3- علماء الموصل
ـ3- 1 الفيلسوف الموصلي
كان العلامة الأول فيلسوفا يدعى بكر بن قاسم أبو ثور الموصلي (في النصف الأول من القرن العاشر). وعرف عنه أنه مؤلف عمل فلسفي بعنوان في النفس (يتناول الروح) بين عامي 900 و950. أرسلت الأطروحة إلى المترجم الشهير والطبيب أبي عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي (33). ويبدو أن المؤلف كان يقطن في منطقة الموصل، وينبغي عدم الخلط بينه وبين فيلسوف آخر من تلك المنطقة يدعى ابن أبي سعيد الموصلي. لا يتناول نص الأطروحة التي تحمل عنوان في النفسالروح بالمعنى الدقيق بل جزءا منها هو النفس النقية أو العقل وفقا لتقليد الفلسفة الإسلامية الكلاسيكية.ـ
أسلوب المؤلف هو تحليل خصائص تعريف العقل لغرض استخراج جوهره. إن العقل يحدث شكلا في بيانات حواسنا وما نعرفه يمكن إما الحصول أو عدم الحصول عليه من الخارج بأنفسنا. ويرى بكر الموصلي أن العقل لا يكتسب المعرفة عن طريق الاتصال بكائن لامثيل له بل بالتأمل في العقل نفسه. ويمكننا حقا ارتكاب الأخطاء (مثلا أن يخدعنا الخيال) ولكن ليس إذا تأملنا على نحو منطقي في المبادئ الأوائل أو التفكير المنطقي لأنه الأساس الذي تعتمد عليه حقيقة كل شيء آخر أو زيفه. إن هذه الأمور الكلية صحيحة وحقيقية في ذاتها وأهدافها وهي غير معادلة للبدن.ـ
الشكل 6: مناجاة علي بن أبي طالب في مخطوط غير مزين يعود تاريخه إلى عام 1200 من العراق وربما من الموصل. الحبر والذهب واللون المائي المعتم على الورق والتجليد من الجلد المغربي. متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك رقم 1995-324. ويزود التشابه في خط العنوان واللفائف المزينة المحيطة مع مخطوطة أخرى مؤرخة وتنسب إلى الموصل أساس نسبة هذه القطعة.
3-2- عالم الفلكي القابسي
هو علي ابن العمراني (توفي عام 955)، الذي ولد وعاش في الموصل، كان عالما في الرياضيات والفلك والهندسة وتولى تدريس القابسي. وكان مؤلف شرح كتاب الجبر والمقابلة لأبي كامل.
عبدالعزيز بن عثمان بن علي القابسي (القرن العاشر) تلميذ مشهور للعمراني وعرف في اللغة اللاتينية باسم الكابيتيوس. من مؤلفاته رسالة في أنواع الأعداد محفوظة في إسطنبول (المخطوط رقم 4832/17) بينما بقية مؤلفاته هي في علم الفلك ودراسات النجوم. ويمكن تضمين رسالة في الأبعاد والأجرام في المؤلفات الأخيرة التي استشهد بها البيروني مرارا في كتابهشرح كتاب الفصول للفرغاني. ومن مؤلفات القابسي الأخرى في الفلك شكوك في الماجسطي (الماجسطي: موسوعة فلكية ورياضية ألفها عالم الفلك اليوناني بطليموس حوالي عام العام 140 للميلاد-المورد الكبير). ويبدو أن محتويات هذا النص قد فقدت إلى الأبد حيث لم يصلنا أي مخطوط للكتاب حتى الآن إلا أنه كتب من منظور النقد ضد علم الفلك البطليموسي الذي بدأ يتطور قبل ذلك بقرن من الزمن. كما ألف القابسي أطروحة في تحديد أحجام وأبعاد الكواكب وبقي في شكل مخطوط في دبلن (مكتبة تشيستر بيتي، المخطوطة رقم 5254) ومخطوطة أخرى بعنوان حل الزيجات (أي الجداول الفلكية) (44).ـ
ـ3-3 عمار بن علي الكحال (عالم العيون) البارع
ألف الأطباء الناطقون بالعربية عددا من الأطروحات في العين في أوقات مختلفة. ونشر كتاب بعنوان داخل العين عام 850 وتلاه كتاب حنين بن إسحاق عشر أطروحات في العين، الكتاب التدريسي النظامي الأول في طب العيون. وبعد أطروحة حنين ضمن المؤلفون الطبيون المسلمون اللاحقون أقساما في طب العيون. كما بدأت تزدهر مؤلفات منفصلة في تشريح العين والمعالجة الطبية والجراحية لأمراض العين. وقد تمكن ظافر وفائي من جمع 39 كتابا من هذا القبيل متخصصة في طب العيون كتبها 25 مؤلفا في الفترة بين القرن التاسع والقرن الرابع عشر. ويصف كيسي وود الأدوات المتخصصة الكثيرة التي استعملها الجراحون المسلمون ومنها الآلة التي سبقت آلة الحقن والإبرة المجوفة أو الكانولا لاستخراج السوائل المسببة لإعتام عدسة العين. وقد تولى المسلمون دورا جوهريا في طب العين العملي في هذه المسألة. وذكروا أنه بسبب تدفق موائع إلى العين وتجمعها في المنطقة الخالية بين البؤبؤ وبين العدسة فإنها تشوش قوة البصر وبتنظيف هذه المنطقة الخالية يمكن استرجاع الرؤية.ـ
الشكل 7أ – ب: صورتان من المخطوط المصور الذي يحمل عنوان كتاب الدرياق من مدرسة الموصل في منتصف القرن الثالث عشر، فيينا، المكتبة الوطنية، المخطوط رقم 10: (أ) محكمة سلجوقية و (ب) مشهد يضم حيوانات. الأطروحة هي معجم يعنى بالسير وتتناول العقاقير المضادة للسموم في العصور القديمة والسمة التي توحد الكتاب بوصفه مجموعة سير هي مساهمة الأطباء في تطوير الترياق وتلي وصفة الطبيب سيرة حياته.ـ
تولى عمار بن علي (القرن الحادي عشر، واسمه اللاتيني كناموصلي) من مدينة الموصل تطوير عملية سحب الماء الأزرق. وكما توصف هذه العملية في كتابه بعنوان المنتخب في علم العين وعلاجها ومداواتها بالأدوية والحديد تجرى العملية بإدخال إبرة من خلال الغشاء المتصلب واستخراج العدسة بالسحب. وتتجنب هذه العملية إحداث شق في الخزانة الأمامية من العين وفقد رطوبة العين في الماء الأزرق وعودة المادة الممتصة إلى العين.ـ
يشير لوكليرك أن أطروحة عمار بن علي بعنوان المنتخب في علم العين موجودة في مكتبة الاسكوريال في مدريد (كاسيري كتالوغ, المخطوطة رقم 880). الأطروحة مقسمة إلى قسمين: يتناول القسم الأول علاجات أمراض العين بينما يكرس القسم الثاني إلى العمليات الجراحية. ويحتوي العلاج على أوصاف واضحة كثيرة للأمراض والعلاجات مرتبة على نحو منطقي. القسم الجراحي ذو أهمية كبيرة ويصف على سبيل المثال ست عمليات لمعالجة الماء الأزرق عن طريق السحب. وقد ترجم ناثان ها- ميتي، الذي برز في روما في النصف الثاني من القرن الثالث عشر، أطروحة عمار على نحو جيد إلى العبرية، بينما ظهرت نسخة ألمانية عام 1905. وقد ترجمت النسخة الألمانية مؤخرا إلى اللغة الانجليزية مؤخرا وتولى وفائي تحريرها عام 1993.ـ
تولى طلبة الجراحة الدراسة في المستشفيات وإلى جانب ذلك كانوا يعاينون في مجموعات صغيرة الجراحين أثناء إجراء العمليات وأثناء جولاتهم على المرضى. وقد ذكر عمار بن علي أن اثنين أو ثلاثة من طلبته كانوا يرافقونه أثناء إجرائه العمليات. وتبدو هذه الأقوال حديثة وبالنظر إلى الافتقار إلى الطرق الحديثة في التشخيص تعد طرق التدريس المتبعة سليمة حقا. وفي زمن الخلافة في بغداد أوكل الإشراف على مدرسي طلبة الطب والصيدلة إلى مسؤول يدعى المحتسب أو المفتش العام. وكان من واجباته إدارة شكل من قسم أبو قراط يؤديه الطلبة الذين يلتحقون بمهنة الطب أو الجراحة.ـ
ـ3-4 محمد بن عبدالباقي الموصلي
ثمة تساؤل إن كان اسم العالم التالي هو أبو بكر محمد بن عبدالباقي البغدادي أو الموصلي، إلا أن المؤلف الذي يحمل عنوان الرسالة المهذبية في الحساب الهوائي، الموجود في إسطنبول (أيا صوفيا، المخطوط رقم 2738) يدعوه ابن الباقي الموصلي. ولد ابن الباقي الموصلي الفرادي عام 1050 وتوفي عام 1141. عرف باسم قاضي المارستان واسم أبو بكر المارستاني. كان قاضيا وعالما في الرياضيات والفلك وحسن الاطلاع في حسابات الإرث.ـ
ألف بوصفه عالم رياضيات تعليقا على كتاب أقليديس بعنوان العناصر، الذي توجد منه مخطوطات بترجمات إلى اللغة اللاتينية الوسطى تحت عناوين مختلفة في كيمبرج وباريس وكراكاو في بولندا. ويحمل مخطوط كيمبرج عن الأرقام و الخطوط في مجموعة الترجمات باللاتينية الوسطى لجيرار كريمونا. كما ألف ابن الباقي جداول الجيب المحلول الدقيق،ويوجد حاليا في القاهرة (المخطوط 280/1). كما أنه ألف كتاب رسالة في تقريب أصول الحساب والجبر والمقابلة، ويوجد حاليا في دمشق (المكتبة الوطنية، المخطوط 6000). كما أن مؤلفه في القياسات كتاب المساحة يحمل أيضا عنوان الطبقات في شرح المساحة، ويوجد في إسطنبول (مخطوط الفاتح 3439/17) تحت العنوان الثاني ويوجد في سنت بطرسبورغ (المخطوط 143) تحت العنوان الأول.ـ
ـ3-5 المؤرخ ابن الأثير
ينتمي ابن الأثير (المتوفى عام 1233) في الموصل إلى اسرة من الأشقاء المتعلمين. لم يرتحل إلا لغرض الحج وللقيام بزيارات قصيرة في أنحاء العراق وسورية. وهذا أمر مفهوم بسبب الافتقار إلى الأمن في ذلك الوقت إذ كانت التهديدات الصليبية قوية بعد أن دمر المغول الشرق الإسلامي بقيادة جنكيز خان (1219-1221) وكانوا على وشك تدمير المزيد من الأقاليم الإسلامية بقيادة هولاكو (في العقد السادس من القرن الثالث عشر). ابن الأثير هو مؤلف كتاب الكامل في التاريخ ،وهو تاريخ عام للعالم الإسلامي حتى عام 1231 في اربعة عشر مجلدا. وقد تولى المستشرق الدانماركي سي جي تورنبيرغ تحرير هذا الكتاب وهو, بحسب دنلوب، مصدر موثوق وجدير بالقراءة. وقد تولى دراسته كثيرا علماء التاريخ الإسلامي في الغرب بمن فيهم أماري، الذي كتب مؤلفه الممتاز عن صقلية الإسلامية واعتمد إلى حد كبير على ابن الأثير. كما اعتمد الانجليزي سير ويليم موير، الذي تولى منصب حاكم الإقليم الشمالي الغربي في الهند، كتاب ابن الأثير دليلا رئيسيا بعد الطبري. ويصف العلامة الفرنسي فانان كتاب ابن الأثير في دراسته عن المغرب وصقلية وإسبانيا. يصف الكتاب بين عدة أمور استيلاء الصليبيين على أنطاكية عام 1098 في حملة صليبية يراها المؤلف جزءا من هجوم ثلاثي الأطراف شنه العالم المسيحي ضد العالم الإسلامي: في إسبانيا وصقلية والأراضي المقدسة.ـ
يتضمن المقال مقتطفات مما كتبه ابن الأثير عن واحد من الشخصيات العظيمة في التاريخ الإسلامي الذي لم يتزعموا المقاومة الإسلامية ضد الصليبيين في أصعب الأوقات فحسب بل شرعوا كذلك في توحيد عالم إسلامي متباين ومتقاتل إلى وحدة قوية. كان هذا هو أتابيغ (حاكم) الموصل عماد زنكي. ويبلغنا ابن الأثير أولا عن صعوده في مرحلة مهمة في التاريخ الإسلامي عام 1127.ـ
ـ3-6 علماء آخرون
أبو شجاع محمد بن علي بن شطيب ابن الدهان فخر الدين البغدادي الذي برز في الموصل وأماكن أخرى وتوفي في الحلة عام 1194 في طريق عودته من مكة إلى دمشق. كان فقيها شافعيا وعالما في الحساب واحتساب أنصبة الإرث والفلك. وأكمل في 1167- 1168 كتاب تقويم النظر في المسائل الخلافية وهو مقسم إلى عشرة حقول وطرح لكل مسألة آراء المذاهب السنية والمبادئ المتضمنة وملاحظات إضافية. وتسبق هذه الجداول مقدمة تتناول النحو والمنطق. ولم يزل كتابتقويم النظر في المسائل الخلافية غير منشور.ـ
داود الناصر الموصلي، الذي عاش في القرن الثاني عشر، هو مؤلف كتاب وصفات طبية يحمل عنوان نهاية الإدراك ويوجد في المكتبة الوطنية بباريس (المخطوط رقم 1036). ويذكر هيربيلو أن الكتاب مكرس للملك العادل، شقيق صلاح الدين الأيوبي، ومن هنا جاء العنوان الآخر للأطروحة وهو العادلي. إن المخطوط الباريسي ناقص ويبدأ بالكتاب الثالث ويتألف من 250 صفحة مقسمة إلى 72 جزءا تتناول المراهم والمساحيق والحقن ومواد التبخير والمواد المخدرة والزيوت والعطور كما تشمل حميات المرضى وجرعات الأدوية و تنفذ بعض المستحضرات الطلبة في المتاجر ويعد غيرها في المستشفيات. ويقول المؤلف إنه يمكن استعمال مواد التخدير في إجراء العمليات الجراحية للصغار وكذلك فتح الخراجات واستخراج الحصى.ـ
ولد الهواري (المتوفي في 1214-1215) في الموصل واشتهر في النصف الثاني من القرن الثاني عشر. كان رحالة مسلما زار القدس عام 1173-1174 كما زار أوربا وشهد انفجار بركان اتنا في جنوب إيطاليا. أسره في البحر أسطول كان ينقل الملك الانجليزي ريتشارد إلى حصار عكا ثم فقد جزءا من ملاحظاته. كتب دليلا للحجاج بعنوان كتاب الإرشادات في معرفة الزيارة.ـ
كان بهاء الدين (114-1234) مؤرخا للحملات الصليبية. انضم إلى خدمة صلاح الدين الأيوبي عام 1188 وعين بمنصب قاضي الجيش وبقي عضوا مخلصا لأسرة السلطان حتى توفي صلاح الدين. وعين في عهد خلفاء صلاح الدين بمنصب قاضي حلب وأشهر مؤلفاته النوادر السلطانية. وقدم بهاء الدين أكمل صورة لدينا عن السلطان صلاح الدين الأيوبي كما كان يراه المسلمون ووصفا شيقا للحملة الصليبية الثالثة.ـ
ينتمي كمال الدين بن يونس إلى أسرة مشهورة من علماء الموصل حيث ولد وقد توفي عام 1242. عرف كذلك باسم كمال الدين بن منعة. ذاع صيته في زمنه بعد دراسته الطب في مدرسة والده قبل إكمال دراسته في بغداد. وعندما توفي والده حل محله في التدريس وكان شقيقه كذلك مدرسا في الكلية التي أصبح اسمها الكلية الكمالية تكريما له. ويقول المؤرخ ومدرس الطب عبداللطيف في سيرته الذاتية إن كمال الدين بن يونس كان عالم رياضيات ذا قدرة فائقة. وكان بين طلبته تيودوروس، الذي شرح له الفارابي وابن سينا وبطليموس واقليدس. كان كمال الدين موسوعيا ووضع تعليقات عن ابن سينا والقرآن الكريم وأطروحات متنوعة أخرى في نحو اللغة العربية والمنطق والنجوم. كما أنه عالم مشهور في الرياضيات. ألف في الحساب والجبر والأعداد المربعة والمربعات السحرية والأشكال المسبعة الزوايا وغيرها. ويقول الجغرافي – المؤرخ القزويني أنه عندما قدم الصليبيون بقيادة فريدريك الثاني إلى الشرق بحثوا عن حلول لأسئلة في الطب والفلسفة والرياضيات. وتولى كمال الدين حل سؤالهم الأخير. ومن الأسئلة التي تولى حلها كيفية تكوين مربع معادل لقطعة دائرية. وقد برهن على الحل أحد تلامذته وهو المفضل ابن عمر الأبهري الذي كتب مقالا في هذه المسألة.ـ
ولد المفضل ابن عمر الأبهري في أبهر واشتهر في الموصل وأربيل. كان فيلسوفا وعالما في الرياضيات والفلك وعلاوة على مساهمته المذكورة أعلاه ألف دليلا في الفلسفة بعنوان هداية الحكمة المحفوظ في عدة مخطوطات موجودة في الهند وكتاب مقدمة في المنطق وترجم إلى اللغة اللاتينية والانجليزية. كما ألف أطروحة في البوصلة والمعادلات (كتاب المعادلات) وهو زيج (جدول فلكي) وفقا للملاحظات، وكتاب في الفلك (كتاب في علم الهيئة) وأطروحة أخرى هي شكل موجز لكتاب خوشيار وجبر بن أفلان يوجد في مكتبات مختلفة في أرجاء العالم. وأكمل كتابا آخر عن الاسطرلاب بعنوان رسالة في معرفة الاسطرلاب محفوظة في القاهرة وإسطنبول علاوة على أطروحة عن قواعد الإدراك في معرفة الكواكب السماوية (عقائد الإدراك في دراية الأفلاك) (مخطوط أوكسفورد 940/9) والمؤلف الأخير الذي نذكره هنا يتناول العمليات باستخدام الاسطرلاب.ــ
ـ 4 صناع الأدوات الفلكية
اشتهرت الموصل كذلك بالأشغال المعدنية وقد صنعت في القرن الثالث عشر جسم كروي إسلامي في مدرسة الأشغال المعدنية التي ازدهرت في المدينة. تولى صنع هذا الجسم الكروي محمد بن هلال المنجم الموصلي (فلكي الموصل) عام 674 هجرية/1275-76. ويقول اميلي سافاج إنه لا يعرف شيء عن هذا الفلكي سوى أنه صنع هذا الجسم الكروي غير أنه استنادا على اسمه كان فلكيا من الموصل والأرجح أنه تدرب على الصناعة المعدنية في المركز العظيم في المدينة. الجسم الكروي مصنوع من نصفي كرة معدنيين مع 48 كوكبا محفورا وحوالي 1025 نجمة مؤشرة بنقاط فضية مطعمة مع نقوش بالخط الكوفي. يبلغ قطر الجسم الكروي 240 ملم ويشمل الكلمات: شرق وغرب وشمال وجنوب على محيط الأفق. حفظ هذا الجسم الكروي في قاعات الجمعية الآسيوية الملكية في لندن ووضع لها دورن وصفا مفصلا. وقد نقل هذا الجسم الكروي إلى المتحف البريطاني في لندن (رقم الجرد 3-1.1 1971). إن هذا الجسم الكروي نموذج جميل للمصنوعات المعدنية الإسلامية وصنع الآلات وتضاهي المنتجات الأخرى للمدرسة الموصلية.ـ
محمد خوتلوخ الموصلي رجل آخر من الموصل أشتهر بصنع الآلات ووضع في 1241-1242 جدول تشخيص للأمراض كان ضمن مجموعات بوسنو إلا أنه في المتحف البريطاني حاليا (رقم الجرد 1888. 5-26.1). وقد نشر لين بول لوحة لهذا الجسم الكروي في كتابه عن صلاح الدين الأيوبي بعنوان صلاح الدين: السلطان القوي وموحد الإسلام (1898).ـ
المصدر بيت الموصل