أبواب بغداد الأربعة.. قلاع محصنة لم تمنع الغزاة على مدى التاريخ
المصدر عراق برس
لا تخلو كتب التاريخ القديم أو المعاصر، التي تتحدث عن بغداد بأسمائها الأربعة دار السلام، بغداد، المدورة، بنت الرشيد؛ من حكاية بواباتها الأربعة التي شيدها أبو جعفر المنصور عام 141 للهجرة، الموافق 758 للميلاد، حيث باتت تلك البوابات الواقعة على أركانها الأربعة، دلالة على مجازر ارتكبها من احتل بغداد على مر السنوات، ومن سوء طالع مدينة المنصور المدورة، أن تكون بوابتها المخصصة لحمايتها وضبط حركة الداخلين إليها، مكان دخول الغزاة، ومرتفعاً مناسباً لنصب مقاصل الإعدام على مر الزمان.
ولم يتبقّ من بوابات بغداد الأربعة المعروفة بأسماء؛ باب السلطان المعظم، وباب كلوذا، وباب الطلسم، وباب خراسان إلا باب خراسان أو باب الشرق، وسمي بذلك لأنه كان مقابلا لطريق “الوسطاني” المؤدي إلى حدود الإمبراطورية الفارسية.
واندثرت الأبواب الثلاثة الأخرى خلال فترات متباعدة، حيث دمر باب السلطان المعظم بغزو المغول لبغداد سنة 1258، للميلاد بعد استعصاء الغزو كسره ومقاومة جنود الخلافة العباسية آنذاك، فرموه بالمنجنيق لستة أيام حتى تحول إلى ركام، ورغم صمود الأبواب الأخرى أمام الغزوات من يد التدمير، إلا أنها سرعان ما انهارت بفعل الغزوات المتعاقبة على بغداد، بدءاً بالغزو البويهي ثم السلجوقي ثم الجلائريين (سلالة مغولية) ومن بعده دولتي الخروف الأبيض والخروف الأسود، ثم الاحتلال الصفوي ومن بعده العثماني ثم البريطاني وأخيرا الأميركي.
لذا نجد كثياًر من الباحثين والمؤرخين العراقيين يستنكر وبشدة، مقولة البغداديين القدماء بالمثل الشعبي (بس الطول مثل باب بغداد)، في إشارة الى الشخص الضخم البنية القليل النفع، ويعتبرون المثل إجحافا لتلك البوابات العملاقة التي مثلت الرجل الحارس للعاصمة أمام الغزوات التي تعرضت لها بغداد على مر القرون الماضية.
وتقع البوابة الأخيرة لبغداد (الوسطاني)، والتي ما زالت صامدة لغاية الآن، رغم إهمال الحكومات العراقية المتعاقبة لها، لأسباب سياسية، كونها مثلت رمز عداء العرب للفرس على مر الزمان، في المنطقة الشرقية للعاصمة على طريق يعرف حاليا باسم محمد القاسم.
“
تشير كتب التاريخ إلى إن الباب كان يغلق وقت الغروب من كل يوم، على عكس الأبواب الأخرى بسبب حساسية المنطقة الأمنية التي يقع بها، ولا يفتح حتى الفجر
“
وتشير كتب التاريخ إلى إن الباب كان يغلق وقت الغروب من كل يوم، على عكس الأبواب الأخرى بسبب حساسية المنطقة الأمنية التي يقع بها، ولا يفتح حتى الفجر أمام العربات التي تجرها الخيول او القوافل التجارية والمسافرين من إيران إلى بلاد الشام آنذاك.
وألحقت بالباب تحصينات عسكرية مهمة لحمايته من اية تهديدات ومخاطر يمكن ان تقترب منه، لذا بني الباب على شكل قلعة محصنة يصعب على الغزاة اختراقها، وبني السور حوله من مادة الطين المخلوطة بالتبن التي صبت في قوالب مستطيلة، وتم تجفيفها بالشمس.
هندسة معمارية فريدة
وتميز الباب بهندسة معمارية متميزة توضح مقدرة المعمار البغدادي وبراعته، ويتكون الباب من برج كبير عال أسطواني الشكل تقريباً وبني كله من الآجر، وعرض الباب فيه نحو ثلاثة أمتار يعلوه عقد مدبب منفرج الزاوية، ارتفاعه أربعة أمتار، ويقوم العقد المدبب فوق دعامتين مندمجتين في الجدار.
وفي كل جانب من جانبي العقد هناك أسد صغير منحوت من قطع الآجر بشكل بارز، وأشكال هندسية مترابطة بارزة قوامها شريطان، كل منهما مقسوم الى قسمين يتقاطعان ويكونان شكلاً سداسياً منتظم الأضلاع، وفيها عناصر زخرفية هندسية ونباتية منها أغصان نباتية وفروع نباتية ذات أوراق بشكل أنصاف المراوح النخيلية، ثلاثية الفصوص وتؤلف زخارف التوريق العربي المعروفة بالأرابسك.
أما الأشكال الهندسية المنتظمة، فيوجد داخل كل واحد منها زهرة الروزيت، وقوام الأشكال الهندسية الخطوط المتداخلة والمتقاطعة، وتشكل أطيافاً نجمية ذات اثني عشر رأساً ونجوماً صغيرة ذات أربعة رؤوس، تحصر في داخلها نجوماً ذات ثمانية رؤوس، إلى جانب ذلك توجد زخارف دقيقة في داخل النجوم والأشكال الهندسية، ويعلو البرج في الباب الوسطاني نص مكتوب بخط الثلث، وقد زال معظمه وما بقي منه إلا عبارة: (ما زالت دعوته الهادية للدين قواماً وللإسلام نظاماً ودولته القاهرة سكينة للأمة وعصاماً ومنزلته للسلام).
فيما وجدت كتابة أخرى قديمة محفورة على جانب السور القريب من بغداد، يعتقد أنها أضيفت في وقت لاحق جاء فيها: (هنا بغداد هنا دار السلام وعز الإسلام ومنبع العروبة أيها الداخل بخير أقبل ويا باغي الشر أدبر).
“
يمتاز الباب الوسطاني بصلابته وبجمال زخارفه العربية الإسلامية، وقد حاول كثيرون من الذين غزوا بغداد أن يدخلوها من خلاله فلم يفلحوا، ومنهم هولاكو
“
ويمتاز الباب الوسطاني بصلابته وبجمال زخارفه العربية الإسلامية، وقد حاول كثيرون من الذين غزوا بغداد أن يدخلوها من خلاله فلم يفلحوا، ومنهم هولاكو الذي حاصر بغداد وحاول اقتحام هذا الباب مراتٍ عدة فلم يفلح، وكان آخرهم الشاه الإيراني نادر شاه الذي وقف عاجزاً عن اختراق هذا الباب – الحصن، ويعتقد الكثير من المؤرخين أن تصميم هذا الباب وموقعه جعلاه أكثر أبواب بغداد حصانة وقدرة على الدفاع، فهو يمثل تطويرا لفكرة البرج الأسطواني المقبب، الذي يرقى إلى قبته بسلالم ليشرف منها على الفضاء المجاور، إلا أن المعماري زاد عليه أن جعل مدخله الداخلي يتعامد بزاوية قائمة مع المدخل الخارجي.
ومصمم هذا الباب راعى أسلوب المداخل المدورة التي عرفتها “بغداد المدورة” وزاد من حصانته بأن قدم للباب من الداخل بقنطرة عالية مكشوفة، كما أحاطه ببرج ومساحة مائية واسعة مما زاد من هذه الحصانة، إذ لم يكن ممكنا الوصول إلى السور إلا بعد اجتياز قنطرتين على التعاقب حيث يطوق السور خندق مائي عرضه ستة أمتار.
متحفٌ للأسلحة القديمة
خشية من اندثار هذا الباب الوحيد المتبقي من سور بغداد، قامت وزارة السياحة العراقية بالعام 1988 إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين، بصيانته وترميمه ثم اتخذت منه متحفاً للأسلحة القديمة، وكانت في هذا المتحف نماذج كثيرة من الأسلحة القديمة أبرزها المدافع والمنجنيق وقنابل قديمة، وأسلحة وسيوف مختلفة تعود للعصر العباسي الأول والثاني وحتى حقبة العهد العثماني في العراق، ويوجد أقدم مدفع عراقي يتوسط الباب حاليا كتب عليه انه مصنوع في العام 1806 ميلادية وطوله 223 سنتم، وقطر فوهته 22 سنتم، محمول على عجلة خشبية متينة وحفر عليه رسم الهلال في إشارة إلى شعار الإمبراطورية العثمانية.انتهى