العراق يواجه الجفاف مجددا.. هل الحل تقنين الماء؟
حذرت الحكومة من تداعيات صيف جاف على مياه الشرب والزراعة (رويترز)
مروان الجبوري-بغداد
يبدو أن أزمة المياه ستبقى خطرا داهما يهدد العراقيين بالجفاف والعطش رغم كل محاولات التدارك والإنقاذ، فقد حذر وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي من أن منسوب المياه في سد الموصل يعاني انخفاضا حادا، وطالب المواطنين بالحفاظ على ما هو متاح من المياه وتقليل الاستهلاك بقدر الإمكان.
ويعاني العراق منذ سنوات من انخفاض معدلات المياه المتدفقة من الجارتين تركيا وإيران، وهو ما انعكس سلبا على مناسيب نهري دجلة والفرات، وتزامن ذلك مع صيف جاف حذرت الحكومة من تداعياته على مياه الشرب والزراعة.
شح المياه
وحسب مستشار وزارة الموارد المائية ظافر عبد الله فإن العراق يمر بسنة مائية شحيحة، قلت فيها الإيرادات المائية عن معدلاتها العامة، بحيث أصبحت لا تلبي حاجات الاستهلاك الطبيعي.
ويضيف عبد الله للجزيرة نت أن الحكومة كثفت من مفاوضاتها مع الجانب التركي من أجل زيادة الإطلاقات المائية في نهر دجلة.
وأدت هذه المباحثات إلى موافقة أنقرة على المطلب العراقي بتأجيل العمل على اكتمال سد أليسو إلى يونيو/حزيران بدلا من موعده السابق في مارس/آذار المنصرم.
وفضلا عن ذلك فقد تم الاتفاق مع الحكومة التركية قبل نحو أسبوعين على زيادة منسوب نهر دجلة من 60 إلى 90 مترا مكعبا، عبر زيادة الإطلاقات المائية.
ويؤكد عبد الله أن الوزارة اتخذت عددا من التدبيرات الاحتياطية لمواجهة خطر الجفاف، منها تشكيل خلية أزمة برئاسة الوزير اتخذت عددا من الإجراءات. من بينها القيام بعمليات كري للأنهار وزيادة الإطلاقات المائية من سدود حديثة والهندية والكوفة، وإطفاء مضخات الكهرباء والديزل، وإعطاء الأولوية لمحطات الإسالة في عدد من المحافظات الجنوبية.أوراق ضغط
وتقول مصادر في الحكومة التركية إن سد أليسو جنوبي الأناضول سيمتلك طاقة تخزين هائلة تقدر سعتها بـ 10.4 مليارات متر مكعب، وهو ما سيؤثر مباشرة على الإطلاقات المائية لنهر دجلة.
ويرى محمد الصيهود عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار في البرلمان العراقي أن الحكومة هي التي تتحمل أزمة المياه هذه، بسبب إخفاق سياستها في التعامل مع دول المنابع تركيا وإيران.
ويشير إلى أن عدم وجود خزانات مياه داخلية وعدم استغلال المياه الجوفية وقلة السدود قد أسهمت في تفاقم الأزمة، وتناقص استحقاقات العراق من مياه النهرين التي تصل إلى 75%، على حد قوله.
وتعاني الزراعة في العراق -وفقا لمختصين- من الاعتماد على الأساليب التقليدية، وهو ما يسهم في تناقص مستوى الأنهار، بسبب قيام الفلاحين بسحب كميات كبيرة من المياه بالمضخات "الري السيحي"، وهو ما يؤدي إلى زيادة في الاستهلاك بدلا من الاعتماد على التنقيط ووسائل الري الحديثة الأخرى.
ويقول الصيهود للجزيرة نت إن على الحكومة العراقية استخدام أوراق ضغط على دول المنابع لغرض الحصول على كامل استحقاقات البلاد المائية، وذلك عن طريق التلويح بخفض التبادل التجاري مع أنقرة، الذي يصل إلى أكثر من عشرين مليار دولار سنويا.
وبالإضافة إلى ذلك فإن على الحكومة التحرك لبناء سدود جديدة لاستيعاب المياه التي تذهب هدرا إلى الخليج دون الاستفادة منها بشيء، وفق ما يرى النائب.
ويعتبر الصيهود أن المفاوضات بين بغداد وأنقرة ليست بذات قيمة كبيرة، لأنها يجب أن ترتقي لتتم مع المسؤول الأول عن ملف المياه في تركيا، وهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وليس بين وزارتي الموارد المائية، حسب ما يرى.
انخفاض مستمر
ويحذر خبراء منذ سنوات من تفاقم أزمة الجفاف في العراق، والتي أدت إلى انخفاض واضح في مياه دجلة والفرات، أدى إلى انحسارهما بشكل شبه كامل، كما حصل في فبراير/شباط الماضي بعدد من مدن وقرى محافظة ميسان جنوبي البلاد.
ويقول ليث شبر رئيس المركز الإنمائي للطاقة والمياه في العراق إن من المحتمل أن ينخفض منسوب نهر دجلة إلى 50% عن وضعه الحالي، إذا لم تتدخل الحكومة لوضع حد لذلك.
ويضيف أن الحكومة كانت منشغلة بالحرب على الإرهاب، وهو ما أدى إلى حصول عجز في الميزانية أخر الاهتمام بهذا الملف، وآن الأوان لوضع حد لهذا الخطر الداهم، على حد تعبيره.
لكنه يعتبر أن الحكومة وحدها لا تستطيع حلحلة الأزمة، لأن أزمة المياه عالمية، وكان من المفترض وجود خطة إستراتيجية للتعامل مع هذا الوضع، وتجهيز البدائل وتحذير المواطنين منذ وقت مبكر.
ولا تقتصر المسؤولية عن شحة المياه على الجانب التركي، فإيران تسهم أيضا في انحسار المياه بسبب إغلاق عشرات الروافد المتدفقة إلى العراق.
ويعتبر شبر ذلك جزءا من غياب الإرادة السياسية من قبل حكومات تحتفظ بعلاقات وثيقة مع طهران منذ عام 2003، وهو ما أدى إلى "إدارة سيئة للمفاوضات مع الجانب الإيراني".
ويصف الخبير المائي التفاوض مع طهران حول ملف المياه بغير الموضوعي وسط غياب "قرار وطني مائي"، وهو ما جعلها تبدو وكأنها مفاوضات من طرف واحد، على حد وصفه.