بعد الحرب الثانية بدأ تصنيع العديد من السموم البيئية العضوية, حيث كان هناك ايمان بقوة التكنولوجيا وانخفاض للوعي بان المواد العضوية يمكن تؤدي الى اضرار ومشاكل خطيرة. وحتى في الوقت الراهن فان علومنا ما زالت قاصرة عن معرفة كل اثار المواد العضوية على البيئة. فمعرفة المواد التي تسبب تأثيرات ضارة على الحياة البرية او على البشر عادة ما تكون مستحيلة, لاننا نتعرض لمزيج معقد من الاضطرابات البيئية المختلفة. اذ ان مادتين او اكثر يمكن ان تتزامن معا بحيث اما ان يقوى تأثيرهما او ينخفض. مما يعني ان مزيج مشترك من عدة مواد يمكن ان يحمل قوة تسميم اكبر من تلك التي تحملها كل مادة على حدة, مثل مواد مثبطات اللهب المبرومة (Brominated flame retardant; BFR) ومواد ثنائي الفينيل متعدد الكلور ( Polychlorinated biphenyl; PCB) والتي كانت تستخدم كعوازل كهربائية ومواد مبردة قبل ان يتم حظر استعمالها باتفاقية استكهولم.
صورة: التركيب الكيميائي للـ PCB
وفي بعض الحالات تكون المواد الناتجة عن التحلل اخطر واكثر ضررا مما كانت عليه قبل التحلل. فخلال ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم لاحظ العلماء تأثر بعض الطيور الجارحة ونقص حاد في اعدادها بسبب تعرضها للمبيد الحشري ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان (Dichlorodiphenyltrichloroethane; DDT), والواقع ان السبب يعود الى مادة ثنائي كلورو فينيل ثنائي كلورو الاثلين ( Dichlorodiphenyldichloroethylene; DDE) وهي المادة المنتجة بعد تحلل DDT.
صورة: التركيب الكيميائي للـ DDT
صورة: التركيب الكيميائي للـ DDE
والواقع ان ناقوس الخطر يدق واشارات التحذير تكون واضحة اذا كانت المادة من نوع الغريب الحيوي و الملوث العضوي الثابت والمتراكم الحيوي, فحينها يكون هناك خطر كبير ان المادة تسبب التسمم المزمن. ونظرا لخصائصها المشتركة فقد تم جمعها تحت مسمىً واحد, اذ أُطلق عليها اسم PBT (Persistent, Bioaccumulative, Toxic).
الغريب الحيوي ( Xenobiotic substance)
اغلب السموم البيئية العضوية من نوع الغريب الحيوي, بمعنى انها لم تكن موجودة اساسا في الكائن الحي, وانما تأتي اليه من الخارج. كما ان الغريب الحيوي لا توجد في الطبيعة, وانما اوجدت بفعل الانسان. وبسبب نظام الخلايا المعقد فان تلك المواد الاجنبية لديها امكانبية كبيرة ان تدخل وتعطل وظائف الخلايا.
يتخلص الجسم من الغريب الحيوي عن طريق تعطيله وافرازه بما يسمى باستقلاب الغريب الحيوي, والذي عادة ما يحصل في الكبد., ثم يُطرد خارج الجسم عن طريق التنفس او التعرق او البول او البراز. كما يمكن للكائنات الحية ان تطور اجهزتها الدفاعية لتتحمل سمية المواد الغريبة الحيوية.
الملوثات العضوية الثابتة (Persistent organic pollutants )
هي مواد تتميز بان عمرها طويل وانها صعبة التحلل وكذلك مواد ثابتة, فلا تتحلل بسهولة في الطبية, كما لها امكانات خاصة لتكون ملوثة وسامة, وذلك يعود الى حقيقة ان اثارها على البيئة يمكن ان تبقى لفترة طويلة وكذلك الى كونها قابلة للانتشار بمساحات واسعة قبل ان تتحلل.
ويمكن لهذه المواد ان تتحلل كيميائيا, بالتحلل المائي اذا كانت بالحالة السائلة او بالتفاعل مع ايون الهيدروكسيد اذا كانت غازية; او بالتحلل الضوئي بواسطة الاشعة فوق البنفسجية. كما يمكن ان يتحلل بيولوجيا بالتمثيل الغذائي.
ولا يمكن التخلص من هذه المواد بسهولة, بمعنى ان اثارها وكذلك كميتها تحتاج لوقت طويل حتى تبدأ بالانخفاض. وللعلم فانه كما يعود طول مدة بقاء المادة في الطبيعة الى خصائص تلك المادة فانه ايضا يعود الى وضعية البيئة التي تتواجد فيها تلك المادة. فمثلا ان بعض انواع الديوكسينات (Dioxin) يمكن ان يبقى مئات السنين في اعماق البحار قبل ان يبدأ بالتحلل, بينما لا تطول فترة بقائه في الجو قبل التحلل اكثر من بضعة ايام.
للاطلاع على الجزء السابق, اضغط هنا
نلتقي في الجزء القادم