عدي بن حاتم الطائي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

عن عدي بن حاتم.قال: أتينا عمر ابن الخطاب في وفد فجعل يدعو رجلا رجلا يسميهم
فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين ؟
قال: بلى، أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ نكروا
فقال عدي: لا أبالي إذا

وأما عدي بن حاتم فكان يقول،
ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني، أما أنا فكنت أمرءا شريفا وكنت نصرانيا وكنت أسير في قومي بالمرباع (أي آخذ ربع الغنائم، لاني سيدهم )
وكنت في نفسي على دين، وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته،
فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لابلي:

لا أبالك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني
فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل، ثم إنه أتاني ذات غداة
فقال: يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن.فإني قد رأيت رايات، فسألت عنها فقالوا:
هذه جيوش محمد.
قال: قلت.فقرب إلي أجمالي فقربها، فاحتملت بأهلي وولدي، ثم قلت:
ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام، فسلكت الحوشية (جبل للضباب قرب صرية، من أرض نجد، بينها وبين الشام.)
وخلفت بنتا (بنت حاتم هي سفانة) لحاتم في الحاضر،

فلما قدمت الشام أقمت بها، وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيبت ابنة حاتم فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طئ وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام.قال
فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس بها
فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه وكانت امرأة جزلة.
فقالت:

يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد: فامنن علي من الله عليك.
قال: ومن وافدك ؟

قالت: عدي بن حاتم، قال: الفار من الله ورسوله:
قالت: ثم مضى وتركني حتى إذا كان الغد مر بي فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالامس،
قالت حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست فأشار إلي رجل خلفه أن قومي فكلميه.
قالت: فقمت إليه

فقلت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك.
فقال صلى الله عليه وسلم
قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك كم يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني،
فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن كلميه
فقيل لي: علي بن أبي طالب
قالت: فقمت حتى قدم من بلي أو قضاعة
قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام، فجئت فقلت يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ.
قالت: فكساني وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام.
قال عدي:

فوالله إني لقاعد في أهلي، فنظرت إلى ظعينة تصوب إلى قومنا قال: فقلت: ابنة حاتم قال فإذا هي هي فلما وقفت علي استحلت (أي جرت بالكلام.)
تقول: القاطع الظالم، احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك عورتك ؟
قال قلت:
أي أخية لا تقولي إلا خيرأ فوالله ما لي من عذر، لقد صنعت ما ذكرت قال: ثم نزلت فأقامت عندي فقلت لها: وكانت امرأة حازمة ماذا ترين في أمر هذا الرجل

، قالت أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فلن تزل في عز اليمن وأنت أنت.
قال: قلت والله إن هذا الرأي

قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه.
فقال: من الرجل ؟

فقلت عدي بن حاتم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانطلق بي إلى بيته فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها
قال: قلت في نفسي والله ما هذا بملك.
قال: ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها إلي فقال
" اجلس على هذه "
قال قلت: بل أنت فاجلس عليها.قال
" بل أنت "
فجلست وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالارض
قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك، ثم قال
" إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيا (من الركوسية وهم قوم دينهم بين دين النصارى والصابئين ) "
قال قلت: بلى ! قال:
" أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع "
قال: قلت: بلى ! قال " فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك "
قال قلت: أجل ! والله. قال: وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم قال

" لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه إنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ".
قال: فأسلمت، قال: فكان عدي يقول: مضت اثنتان وبقيت الثالثة، والله لتكونن وقد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت، ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى هذا البيت، وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه


-فقال الامام أحمد: عن عدي بن حاتم. قال:
جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عقرباء (وهي اسم مدينة الجولان وهي كورة بدمشق) فأخذوا عمتي وناسا فلما أتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فصفوا له.
قالت: يا رسول الله بان الوافد وانقطع الولد، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة فمن علي من الله عليك.
فقال: ومن وافدك ؟ قالت: عدي بن حاتم، قال: الذي فر من الله ورسوله ؟ قالت: فمن علي فلما رجع ورجل إلى جنبه - ترى أنه علي - قال سليه حملانا، قال فسألته فأمر لها عدي: فأتتني فقالت لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها وقالت إيته راغبا أو راهبا فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه.
-قال: فأتيته فإذا عنده امرأة وصبيان أو صبي، فذكر قربهم منه، فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر.
فقال له: يا عدي بن حاتم ما أفرك ؟ أفرك أن يقال لا إله إلا الله فهل من إله إلا الله، ما أفرك ؟ أفرك أن يقال الله أكبر فهل شئ هو أكبر من الله عز وجل، فأسلمت فرأيت وجهه استبشر، وقال: إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى.
قال: ثم سألوه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فلكم أيها الناس أن ترضخوا من الفضل ارتضخ أمرؤ بصاع، ببعض صاع، بقبضة، ببعض قبضة. و قال: بتمرة، بشق تمرة - وإن أحدكم لاقى الله فقائل، ما أقول ألم أجعلك سميعا بصيرا ألم أجعل لك مالا وولدا فماذا قدمت: فينظر من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يجد شيئا، فما يتقي النار إلا بوجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فان لم تجدوه فبكلمة لينة، إني لا أخشى عليكم الفاقة لينصرنكم الله وليعطينكم - أو ليفتحن عليكم - حتى تسير الظعينة بين الحيرة ويثرب، إن أكثر ما يخاف السرق على ظعينتها
-وقال الامام أحمد. عن رجل.قال قلت لعدي بن حاتم:

حديث بلغني عنك أحب أن أسمعه منك قال: نعم ! لما بلغني خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهت خروجه كراهية شديدة فخرجت حتى وقعت ناحية الروم - وفي رواية حتى قدمت على قيصر - قال: فكرهت مكاني ذلك أشد من كراهتي لخروجه قال قلت: والله لو أتيت هذا الرجل، فإن كان كاذبا لم يضرني وإن كان صادقا علمت، قال: فقدمت فأتيته فلما قدمت قال الناس عدي بن حاتم ؟ فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ثلاثا
قال قلت: إني على دين. قال أنا أعلم بدينك منك
فقلت أنت تعلم بديني مني ؟ قال: نعم ! ألست من الركوسية وأنت تأكل مرباع قومك ؟ قلت: بلى ! قال هذا لا يحل لك في دينك قال: نعم ! فلم يعد أن قالها فتواضعت لها قال: أما أني أعلم الذي يمنعك من الاسلام تقول إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة ؟
قلت: لم أرها وقد سمعت بها قال فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الامر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز، قال قلت: كنوز ابن هرمز ؟ قال: نعم ! كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد.
قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة [ تخرج ] ! من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها.
-وقال عدي بن حاتم. قال:

بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكى إليه الفاقة، وأتاه آخر فشكى إليه قطع السبيل.
قال: يا عدي بن حاتم هل رأيت الحيرة ؟ قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله عز وجل. والذئب على غنمها
قال
قلت في نفسي: فإن ذعار طيئ - الذين سعروا البلاد - ولئن طالت بك حياة ليفتحن كنوز كسرى بن هرمز، قلت: كسرى بن هرمز ؟ قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه ليس بينه وبين ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن شماله قلا يرى إلا جهنم.
قال عدي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا شق تمرة فبكلمة طيبة "

قال عدي: فقد رأيت الظعينة ترتحل من الكوفة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله عز وجل، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة سترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم (

: قال علي بن أبي طالب:

يا سبحان الله ! ما أزهد كثيرا من الناس خير، عجبا لرجل يجيئه أخوه المسلم في الحاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا، فلو كان لا يرجو ثوابا ولا يخشى عقابا لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الاخلاق فإنها تدل على سبيل النجاح، فقام إليه رجل
فقال: فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
نعم ! وما هو خير منه:
لما أتي بسبايا طيئ وقفت جارية حمراء لعساء ذلفاء عيطاء شماء الانف، معتدلة القامة والهامة، درماء الكعبين، خدلة الساقين لفاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين مصقولة المتنين.
قال: فلما رأيتها أعجبت بها وقلت لاطلبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعلها في فيئي فلما تكلمت أنسيت جمالها [ لما رأيت ] من فصاحتها.
فقالت:
يا محمد إن رأيت أن تخلي عنا، ولا تشمت بنا أحياء العرب، فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط،
أنا ابنة حاتم طيئ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الاخلاق والله يحب مكارم الاخلاق.
فقام أبو بردة بن نيار.
فقال: يا رسول الله الله يحب مكارم الاخلاق فقال رسول الله
" والذي نفسي بيده لا يدخل أحد الجنة إلا بحسن الخلق ".


وقد ذكرنا ترجمة حاتم طيئ أيام الجاهلية وما كان يسديه حاتم إلى الناس من المكارم والاحسان إلا أن نفع ذلك في الآخرة معذوق بالايمان وهو ممن لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.


-وقد زعم الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب في ربيع الآخر من سنة تسع إلى بلاد طيئ فجاء معه بسبايا فيهم أخت عدي بن حاتم وجاء معه بسيفين كانا في بيت الصنم يقال لاحدهما الرسوب والآخر المخذم كان الحارث بن أبي سمر قد نذرهما لذلك الصنم.