دعوات استخدام التكنولوجيا في كرة القدم كانت وما زالت حتى الآن تواجَه بالكثير من الآراء المختلفة سواء الإيجابية أو السلبية، وانقسام جمهور مشاهدي اللعبة لفريقين رئيسين، فريق رافض لها لتأثيرها في قتل اللعبة بحسب وجهة نظره، والفريق الآخر يريد أن يطبق العدالة على أرض الملعب ليأخذ كل منافس حقه وبالقانون.
والآن مع قُرب انطلاق كأس العالم روسيا 2018، فقد تمّ التأكيد رسميًا بأن هذه التقنية بالإضافة لتقنية خط المرمى GLT ستكونان متواجدتين رسميًا من أجل مساعدة الحكام في الفصل في اللقطات المثيرة للجدل، والتي لا يمكن الحُكم عليها بالعين المجردة.
وبعد سنوات من الدعوات لتطبيق تقنية الفيديو في كرة القدم من أجل مساعدة الحكام، شهدنا أول مشاركة كبيرة لهذه التفنية في كأس القارات العام الماضي، ويتمّ استخدامها الآن بشكل رسمي في الدوري الألماني “البوندسليجا” والدوري الإيطالي”سيريا A”.
وقد تمّ استخدامها لأول مرة في إنجلترا في نوفمبر من العام 2017 في المباراة الودية بين المنتخب الإنجليزي والمنتخب الألماني، وأُدخلت للمرة الأولى في منافسات الأندية في الثامن من يناير الماضي في المباراة بين برايتون أند هوف ألبيون وكريستال بالاسفي كأس الاتحاد الإنجليزي.
وبعيداً عن الحديث الكلاسيكي والجدل الدائر حول قرارات التحكيم في المباريات، فقد أدّى النظام الجديد إلى المزيد من النقاش والجدل حول القرارات التي يتخذها حكام المباريات بشكل أكبر مما كان متوقعًا، وبشكل عام كانت هناك لحظات جيدة وسيئة بالنسبة للــ VAR كما أصبح معروفًا، ومن المؤكد أن تظل نقطة الحديث الأبرز خلال الفترة القادمة مع تطبيقها في أهم بطولة عالمية للمنتخبات روسيا 2018.
ولكن ما هو VAR بالضبط؟ وما الهدف من تصميمه؟ وما هي آلية عمله؟ كل هذه الاسئلة وغيرها ستجدها في السطور التالية التي تبين التغيير الكبير القادم في طريقة إدارة مباريات كرة القدم.
ماهو VAR؟ وكم عدد فريق VAR؟!
VAR هو اختصار لـ”حكم الفيديو المساعد Video Assistant Referee” وفي الواقع هو عبارة عن فريق يتألف من ثلاثة أشخاص يعملون معًا لمراجعة بعض القرارات التي يتخذها حكم الساحة الرئيسي من خلال مشاهدة مقاطع الفيديو المُعادة للحوادث ذات الصلة.
حكام تقنية VAR الثلاثة، مصدر الصورة موقع فيفا
يتألف هذا الفريق من ثلاثة أشخاص هم: حكم مساعد الفيديو نفسه (الذي سيكون إما حكمًا حاليًا أو سابقًا) ومساعده ومشغّل إعادة التشغيل، ومنطقتهم الرئيسية تقع في غرفة عمليات الفيديو في غرفة في ملعب كرة القدم، غالبًا يكون بالأعلى منعزلين عن ضجيج الجماهير في الملعب.
ما الذي يمكنهم رؤيته؟
سيكون لديهم الوصول إلى كل زاوية الكاميرات، بالإضافة إلى كاميرات تقنية خط المرمى GLT، والأهم من ذلك أنهم لن يروا إعادة اللقطات التي يراها المشاهدون خلف شاشات التلفزيون، سيظلون غير متأثرين بأي شيء خارجي وتركيزهم سيكون فقط على زوايا الكاميرات تلك.
متى يشارك VAR؟
هذا هو السؤال الأهم والأساسي، وإجابته هي: فقط عندما يرصدون خطأ واضحاً لا غُبار عليه، وإذا فعلوا ذلك فيجب عليهم إبلاغ الحكم الرئيسي بتلك اللقطة، وإذا لم يفعلوا ذلك فسيظلون خارج النطاق، ويُسمح بقرار الحكم الرئيسي بدون أي تدخل منهم.
من يقرر متى يتدخل فريق VAR؟
لا يمكن للحكم أن يقول “
أنا غير متأكد، ساعدوني“. إذا كان في محل شك عند لقطة ما، عليه اتخاذ القرار أولًا ومن ثم عليه طلب مساعدة فريق VAR.
كم من الوقت يتعين على الــ VAR الإبلاغ عن واقعة ورصدها؟
إذا حدث تدخل عنيف من لاعب ما بشكل خفي وخبيث على اللاعب الخصم، يخبر فريق VAR الحكم بأن هنالك لقطة يتم التحقق منها ويطلب منه مواصلة اللعب حتى خروج الكرة، وإذا خرجت الكرة يتم إخبار الحكم الرئيسي عن تلك الواقعة، وعلى ضوئها يقوم الحكم باتخاذ القرار المناسب تجاه اللاعب المخطئ.
أحد الاستثناءات هو السلوك العنيف، إذا حدث أثناء توقف في اللعبة، يتم إعطاء المسؤولين مرحلتين من اللعب للعودة إليه، حيث أن التحقق أحيانًا قد يستغرق وقتًا أطول قليلاً.
ما هي الحالات التي يمكن أن يتدخل فيها VAR؟
يتم الرجوع للاحتكام بواسطة VAR في أربعة أنواع من القرارات هي:
تحديد تسجيل هدف صحيح/ أم لا:
يستغرق الأمر من 30 إلى 40 ثانية في المتوسط لمراجعة الأحداث حتى يكون هناك وقت هنا أثناء إيقاف اللعبة، سينظر فريق VAR في جميع الجوانب التي أدت إلى تسجيل الهدف قد يكون تم تفويته، بما في ذلك التسلل وأية مخالفات من قبل الفريق المهاجم في بناء اللعب والخروج بالكرة قبل تسجيل الهدف.
البطاقات الحمراء المباشرة:
سوف يتدخل VAR فقط إذا اعتقد أن الحكم قد أخطأ في استخدام البطاقة الحمراء المباشرة، وليس البطاقة الصفراء. هناك ثلاث حالات يمكن فيها لـ VAR نصح الحكم بإصدار تحذير:
- إذا تبين عند مراجعة اللقطة أن هناك تمثيل من اللاعب.
- إذا تبين عند مراجعة هدف تم احتسابه، أن اللاعب تعامل مع الكرة عن عمد لإحراز الهدف بيده مثلًا.
- في حالة استبعاد اللاعب بالبطاقة الحمراء المباشرة، إذا ثبت أنه تم استفزازه لارتكاب المخالفة التي خرج بسببها بالكرت الأحمر المباشر. يمكن للاعب الذي بدأ الحادث (المستفِز) أن يحصل على تحذير نهائي بالكرت الأصفر.
ضربات الجزاء:
هل ضربة الجزاء صحيحة أم لا؟ هل المخالفة داخل أو خارج الصندوق؟ هل كان هنالك خطأ من قبل المهاجم؟ هل المدافع اعترض المهاجم فعلًا؟ أم أن المهاجم يُمثل “الغطس”؟ مثل هذه الأسئلة يمكن أن يشارك VAR أيضًا في تحديدها بالإضافة للّمس المزدوج ولقطات ما قبل اعتراض المدافع للمهاجم، وأيضًا اللقطات المشتبه فيها بين حارس المرمى والمهاجم.
الخطأ في تحديد اللاعب المعاقب:
يمكن لفريق الــVAR التدخل لإخبار حكم الساحة الرئيسي هوية اللاعب الذي ارتكب المخالفة بالضبط، حتى لا تتم معاقبة لاعب بريء.
كيف نعرف أن هنالك حالة يتم الاحتكام لها بتقنية VAR؟
هنالك ثلاث طرق يمكن للاعبين والجماهير داخل الملعب والمشجعين خلف شاشات التلفزيون معرفة بأن هذه اللقطة يتم الاحتكام لها بواسطة تقنية VAR. وهذه الحالات هي:
الحالة الأولى: عن طريق سماعات الرأس
حكم الساحة الرئيسي في نقاش مع حكام فريق VAR
إذا رأيت حكم الساحة الرئيسي يضع إصبعه على سماعة أذنه اليمنى بعد لقطة مثيرة، مثلًا تسجيل هدف مشكوك في صحته، فاعلم أن هنالك تواصلًا بينه وبين فريق VAR يجري حاليًا. ففي هذه الحالة تتم مناقشة اللقطة، إذا اقتنع الحكم بأن قراره متطابق مع فريق VAR، في هذه الحالة سيسمح بمواصلة اللعب ويصبح قراره نهائياً.
الحالة الثانية: الإشارة بشكل مستطيل في الهواء
حكم الساحة الرئيسي يرسم مستطيل في الهواء “شاشة تلفزيون”
يمكن للحكم الرئيسي أو فريق VAR أن يقرر ما إذا كان من الضروري تحليل الحادث. إذا كان القرار واضحاً وكان اللاعب قد سجل هدفاً من موقع التسلل على سبيل المثال، فإن فريق VAR سيُعلم الحكم بأنه حدث خطأ لا يتطلب المزيد من المراجعة، بعد ذلك يقوم الحكم برسم إشارة “صندوق مستطيل يعني شاشة تلفزيونية” في الهواء وتغيير القرار الأصلي.
الحالة الثالثة: مراجعة ميدانية
الحكم جيانلوكا روتشي مستعيناً بتقنية (VAR) خلال مباراة كرة القدم الإيطالية في دوري الدرجة الأولى الإيطالي
في هذه الحالة ينصح فريق VAR حكم الساحة الرئيسي بإلقاء نظرة وإعادة مشاهدة اللقطات موضوع الجدل على شاشة يتم وضعها على جانب الملعب، وأيضًا سيقوم الحكم بعد المراجعة الميدانية برسم إشارة “شاشة تلفزيونية” في الهواء قبل اتخاذ القرار النهائي وإعادة النظر في قراره الأول.
كم المدة الزمنية التي يمكن أن تأخذها قرارات VAR؟!
في المتوسط، ابتداء من وقت توقفت اللعبة حتى إعادة تشغيل اللقطة سيستغرق حوالي دقيقتين ونصف.
هل يمكن للحكم تغيير قراره بناء على مراجعة ميدانية أو مكالمة من فريق VAR؟
نعم! لحكم الساحة الرئيسي كامل الحرية في تغيير أو البقاء على القرار الذي اتخذه حتى بعد مكالمة أو مراجعة ميدانية، فالقرار النهائي يقع على عاتق الحكم الميداني ولا أحد سواه.
هل يجب على الحكم تغيير قراره في حالة الطعن على قراره؟
لا! إذا راجع الحكم قراره سواء ميدانيًا أو عبر المكالمة الهاتفية وكان مقتنعًا بقراره، فلن يكون مجبرًا على تغيير قراره ويمكنه الالتزام به.
هل يمكن للمديرين الفنيين أو اللاعبين الاستئناف من أجل مراجعة لقطة ما؟
لا!
ماذا لو حاول المدير الفني الضغط على الحكم لتغيير قراره؟
ستكون هناك عقوبة على مرحلتين للمدربين الذين يحاولون التاثير على الحكم عند المراجعة الميدانية. إذا اقترب المدرب من الحكم أثناء المراجعة الميدانية بدافع الفضول فإن المرحلة الأولى هي تحذيره شفويًا، لكن إذا قام بالتعدي على المنطقة التي يبلغ طولها ثلاثة أمتار حول الشاشة ومحاولة التأثير بشكل واضح على القرار، عندها يتم طرده وإرساله بشكل مباشر إلى المدرجات كمرحلة ثانية.
ماذا عن اللاعبين ولاعبي الاحتياط؟
هم أيضا غير مرحب بهم في تلك المنطقة التي يبلغ طولها ثلاثة أمتار. فأية محاولة لاختلاس النظر أو أية محاولة للتأثير على القرار تعني بطاقة صفراء.
هل الحكم وحده الذي سيشاهد لقطات الإعادة؟
لن يتمكن المشجعون في الملعب من رؤية عرض صور الإعادة، لكن المشجعين خلف شاشات التلفزيون في المنزل سيشاهدون زوايا الكاميرا نفسها مثل الحكام، لذا يجب أن يكونوا على الأقل قادرين على الحصول على فكرة عن الطريقة التي يتم بها اتخاذ القرار.
إلى أي مدى يمكن أن تنجح تقنية VAR؟
الاتحاد الدولي للعبة FIFA ورئيسها جيالينو إنفانتينو أصروا على أن النظام – رغم أنه غير كامل – كان ناجحًا بشكل عام، ويقولون إنه خلال مباريات كأس القارات الصيف الماضي، تم اتخاذ ستة قرارات “لتغيير قواعد اللعبة” بمساعدة VAR بالإضافة إلى 29 “حادث كبير” آخر.
موقفهم، كما قال إنفانتينو، هو أن كأس القارات كانت ستكون بطولة مختلفة وأقل عدالة بدون هذه التقنية، لكن بعض اللاعبين والمدربين لم يكونوا معجبين بدرجة كبيرة بهذه التقنية. كانت الشكوى الشائعة هو الوقت المستغرق في مراجعة القرارات والطريقة التي تسبب الارتباك وتوقف اللعب.
ففي الدوري الألماني، انتقد المشجعون طول الفترة الزمنية التي يستغرقها اتخاذ بعض القرارات باستخدام VAR، مع مطالبة 47% من لاعبي الدوري بإلغائها في استطلاع أجرته مجلة كيكر الرياضية.
وبما أن بطولة كاس العالم ستكون محط أنظار ثلث سكان العالم تقريبًا، فمن المتوقع أن تشهد هذه التقنية تطورًا كبيرًا مع الدورات والمحاضرات التي دأب الاتحاد الدولي على إلقائها على حكامه للوصول لأمثل استخدام لها، لتكون التقنية قد دخلت من الباب الكبير في تغيير الكثير من القواعد التي كان يخشاها الكثير من متابعي كرة القدم. ولكن بما أن التقنية طوّرت الكثير من مناحي الحياة الأخرى، فإن دخولها ملاعب كرة القدم لمزيد من التطوير والإجادة هو المتوقع ولو طال الزمن.