قلعة كركوك التاريخية
قلعة كركوك تقع في مركز مدينة كركوك في العراق تقوم مدينة كركوك القديمة (القلعة) فوق مستوطن أثري قديم ورد اسمه في الألواح المستخرجة منه وعددها 51 لوحاً يعود تاريخها إلى منتصف القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وقد تم العثور عليها في سفح القلعة صدفة عام 1923. وتقول المصادر أن البابليين سموها (أرابخا) وسمى الآشوريون المستوطن القريب منها (أرافا) والتي حرفت في التاريخ القريب إلى (عرفه).
تم إنشاء كركوك من قبل الملك الأشوري آشور ناصربال الثاني (884 ـ 858 ق.م) قبل سبعة وعشرين قرناً. بعد أن تمرد عليه قائد الماذيين اَرياق، واستولى على (كريامي / باجرمي) الواقعة بين الزاب الصغير وشهرزور. حيث قام بعزله وعين (كرمي) بدلاً منه ،بعد أن أمره ببناء قلعة حصينة في (كورا باجرمي) في منطقة كركوك الحالية.حيث جاء بألف من أتباعه ،وأسكنهم فيها. وذلك أصبحت القلعة حصناً دفاعياً أمام هجوم الأعداء.بعد عدة قرون دخل الإسكندر المقدوني كركوك بعد أن انتصر على الملك الفارسي داريوس الثالث في معركة أربيلو عام 331 ق.م. وقد مكث الإسكندر عدة أيام في كركوك، زار خلالها قلعة كركوك قبل أن يعود إلى بابل ليتوفى فيها عام 323 ق.م.
بعد وفاة الإسكندر ،اقتسم قادته مملكته فكانت كركوك من نصيب القائد(سلوقس) الذي أسس فيما بعد الدولة السلوقية 311 ـ 1319 ق.م. وتؤكد المصادر التاريخية أن القائد المذكور أقام على أنقاض المباني المهدمة قلعة حصينة مسورة بسور منيع عليه 72 برجاً، وشيد لها بابين أطلق على الأول اسم باب (باب الملك)، وعلى الثاني اسم (باب طوطي) وهو اسم حاكم القلعة آنذاك.كما قام بتقسيم القلعة إلى 72 زقاقاً. وقام كذلك بإسكان بعض العشائر حول سور المدينة فصارت تعرف المدينة منذ ذلك الحين باسم (كرخ سلوقس) أي (مدينة سلوقس).وتعتبر هذه التسمية منحوتة من التسمية الآرامية (كرخاد – بيت سلوخ بعد وفاة سلوقس، انتقلت القلعة وما حولها إلى خلفائه حتى انتزعها منهم البارشبول (256 ق.م).وفي عصر البارثين كثرت الفتن، والاضطرابات الداخلية فساءت الأوضاع واندلعت الحروب بينهم وبين الرومان مما أضعف دولتهم فاستغل الساسانيون ضعف البارثين فهجموا عليهم ،واسقطوا حكمهم. في حدود سنة 227 ق.م ولم يتم خلاص أهالي (كرخيني) إلا على يد الجيوش الإسلامية التي قضت على الدولة الساسانية. وقد عاشت المدينة فترة من الرخاء والاستقرار حتى فترة اكتساح المغول بلاد المسلمين فدخلت كركوك تحت حكم التتار.
اسم كركوك في جغرافية بطليموس هو (كركورا)، وهو (كونكون) في خارطة الطرق الرومانية. ومن المثير للانتباه هو عدم ورود اسم كركوك في الكتب التي تتحدث عن الغزوات، والفتوحات الإسلامية. يكتفي ياقوت الحموي في معجمه بالحديث عنها بقوله (إنها ـ أي قلعة كركوك ـ قلعة في وطأ من الأرض حسنة، حصينة بين داقوقا وأربل. رأيتها، وهي على تل عال، ولها ربض صغير.) كما ورد ذكرها في كتاب (الكامل) لابن الأثير باسم (بلد كرخيني). ولعل أقدم ذكر لاسم كركوك هو ماورد في كتاب (ظفرنامة ـ كتاب النصر) لعلي اليزدي، وهو من أهل القرن التاسع الهجري، في أنها تقع قرب طاووق (داقوق).
ابواب القلعة
للقلعة اربع أبواب اثنان في الجهة الشرقية واثنان في جهة الغربية من القلعة وقد سماها اهل القلعة التركمان بـ
طوب قابو
وهي إحدى البوابات الأربعة الرئيسية الواقعة في الواجهة الغربية لقلعة كركوك وتطل على نهر خاصة صو وهي البوابة الوحيدة المتبقية من البوابات الأربع الرئيسية وهي الوحيدة بقيت محافظة على شكلها الحالي ويعود تاريخ بناءها إلى أكثر من 150 سنة وتتميز بأقواسها المدببة الشكل النصف الدائري وقبوها الشبه بيضوي ومبنية من الجص والحجر وارتفاع البوابة من الداخل 7م طول المدخل 4م وعرضه 3م.
طاش قابو
و تقع أيضا ًفي الجهة الغربية للقلعة وقد اعيد بنائها بعد عام 2003.
يدي قزلر
تقع في الجهة الشرقية بالقرب من جوت قهوة.
حلوجيلر
محلات القلعة
تقسم القلعة إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي
محلة الميدان
تقع في الحزء الشمالي من القلعة.
محلة القلعة
تقع في الوسط القلعة.
محلة الحمام
تقع في جنوب القلعة.
جوامع القلعة
دانيال بيغمبر جامعى (جامع النبي دانيال)
يعتبر أقدم وأشهر جامع ذا منارة شاخصة تعود بتاريخها إلى أواخر العصر المغولي أو بداية العصر التيموري (أي حدود القرن التاسع الهجري ـ الخامس عشر الميلادي)، مئذنة هذا الجامع بنيت من الطابوق وهي بمثابة نقطة استدلال تشاهد من جميع أجزاء القلعة. وفي الجامع أقواس وعقود لا تزال قائمة وجالسة على قاعدة مثمنة بجانبها المنارة، ويحتوي الجامع على مشهدين متجاورين ومصلى تطل على فناء مكشوف، وللجامع قيمة اجتماعية ـ روحية، حيث يحظى بزيارة الناس باستمرار، خاصة أيام السبت، ويعتقد العوام بأن الأنبياء حنين وعزرا ودانيال مدفونون فيه، وبني الجامع على أنقاض أقواس بناية قديمة.
عريان جامعى (جامع العريان)
يقع في منتصف القلعة، يرجع تاريخ إنشائه إلى سنة 1142هـ، كما يستدل من قطعة الحجر المثبتة في مدخله. يتميز هذا الجامع بمحرابه المزيّن بزخارف نباتية وهندسية ملونة بألوان عديدة على شكل أزهار، بعد إزالة قسم من هذه الزخاف تبين أنها مجدّدة، حيث ظهرت تحتها زخارف نباتية، تعلوها كلمات آية قرآنية هي (وكفّلها زكريا كلّما دخل عليها زكريا المحراب) (آل عمران: 37). أما منبر الجامع فقد بني بالجص والحجر وزخرفت جوانبه بزخرفة جصية تمثل أشكالاً هندسية منها نجوم سداسية يحيطها إطار من الرقش (التوريق). يحتوي الجامع على قبتين مختلفتين في الحجم أولو جامع يتألف من أربعة أروقة ترتكز على دعامات تتصل الواحدة بالأخرى بمنافذ معقودة على شكل أقواس أنصاف دائرية. زالت معظم بقايا هذا الجامع ولم يبق منه سوى بعض الأقبية ذات الأقواس المدببة وبقايا المئذنة، كان الاسم القديم لهذا الجامع يحمل اسم الأم مارية.
حسن باكيز جامعى
عبارة عن مرتفع من الانقاض.
قيلجيلر بازاري (قيصرية القلعة)
وهي أقدم سوق في القلعة ويطلق عليه أيضا (قاتما بازاري) يبعد مسافة 25م عن سور القلعة ويعود إلى الفترة عهد السلجوقي، وكان مطموراً تحت أكوام من الأنقاض ومبني بالحجر الأحمر ظاهر للعيان وفيه 17 دكانا متقابلين وبنفس الإبعاد وبذلك يصبح مجموع الدكانين 34 دكاناً يفصل بينهما رواق مستطيل الشكل ويبلغ مساحة السوق 560م، وتؤطر واجهات الدكاكين المبنية بالحجر والجص عقود صغيرة من المرمر وارضيتها مطلية بالجص.
الدور التراثية
في قلعة كركوك العديد من الدور التراثية ذات المواصفات النادرة إن لم تكن فريدة نوعها والتي هي نموذج للعديد من مثيلاتها، فهذه دور تتكون من ثلاث دور متداخلة الأولى ذات أعمدة مرمرية دقيقة ومداخل غرفها ونوافذها مؤطرة بالمرمر والزخارف أما الدار الثانية فتتكون من (مجاز ومضيف ومخبأ وكوشك) أما الدار الثالثة والتي تسمى (بيت العروس) فتتكون من طارمة صغيرة وغرفة مستطيلة الشكل. وهذه الدور تتميز بعقودها وأقبيتها وزخارفها الجصية والهندسية ولكل دار من الدور التراثية في القلعة مميزات خاصة بها تكاد لا تجدها في الدور الأخرى.
گوك كومبت (القبة الزرقاء)
تقع في وسط القلعة وهي مثمنة الشكل من الخارج ومربعة من الداخل ولها طراز معماري متميز مبني من الطابوق والنورة والجص. تزين جدران القبة بزخارف آجرية بنائية وهندسية مطعّمة بالقاشاني الملون. وقد وردت لها عدة تسميات منها: يشيل قنبد ويشيل كومبت وتعني القبة الخضراء. وكوك كنبد وكوك كومبت وتعني القبة الزرقاء. يعتقد سكان القلعة ان القاشاني المستخدم في زخرفتها اخضر اللون، لكن فحص الأجزاء الباقية من القاشاني بيّن بأنه أزرق اللون. تقع هذه القبة على سطح قلعة كركوك، على مسافة قريبة من باب القلعة الشمالي، حيث يمكن الوصول إليها مشياً على الأقدام، ذلك بعد اجتياز باب القلعة بـ (200 متر)، تقريبا يفترق الطريق فتسير في زقاق إلى الجهة اليمنى مقدار ثلاثين مترا تدخل في زقاق صغير ثان على اليمين أيضا، فتشاهد بعد الدخول مسافة (20 مترا) بيتا أمامه رواق على مدخله كتابة بارزة نصها (رأس الحكمة مخافة الله) عام 1280 هجرية). عند الوصول إليه تنظر إلى اليسار تشاهد القبة الخضراء. مبنى القبة قديم، وثمة شاهد على قبر سيّدة مؤرخ بعام 762 هجرية ومنه يتبين ان هذا المبنى يعود إلى عصر نهاية الايلخانيين وبداية الحكم الجلائري. بناء القبة مثمن يبلغ قطره خمسة أمتار، ارتفاعه الكلي عشرة أمتار أما ارتفاع جداره فيبلغ ستة أمتار والمبنى مربع من الداخل ـ كما أسلفنا ـ يتكون من طابقين، الطابع الأرضي مربع من الداخل يحتوي على ثلاث نوافذ للإضاءة ومدخل ـ أما سقفه فيتكون من قبتين شيّدت إحداهما فوق الأخرى، فالقبة الأولى (من الداخل) ثمانية الأركان ترتكز على أربعة أقواس نصف دائرية، أما القبة الثانية فتكوّن ارضية الطابق الثاني. يضم الطابق الأرضي في داخله حفرة مستطيلة الشكل طولها 3.20 متر، عرضها 2.5 متر، أما العمق فيبلغ مترين. كانت القبة تضم رفات قبر السيدة، لكن العوام نهبوه ظناً منهم أنه يضم كنزاً ثميناً من الذهب. الطابق الثاني مربع من الداخل يضم أربعة أقواس مدببة الشكل، فيها زخرفة نباتية عملت من الصبغ القهوائي. حيث ظهرت معالم بسيطة منها. وفي نهاية عقد الأقواس السفلى، ثمة افريز من القاشاني الأزرق يدور حول جسم القبة من الداخل مجتازا من أعلى أقواس النوافذ الأربع، حيث تظهر معالم بسيطة منه للعيان. ثمة أربع نوافذ ذات أقواس نصف دائرية من الخارج ومدببة من الداخل، وتظهر في نهاية الطابق الثاني من الداخل في الأركان مقرنصات كانت ترتكز عليها القبة، ويحتمل أن تكون هذه القبة مدببة في قديم الزمن. أما شكل بناء القبة من الخارج فهو مثمن يرتكز على قاعدة بنيت من الحجر والجص بارتفاع متر ونصف المتر، بني فوق القاعدة صفّ من الطابوق المنجور ارتفاعه 6 سم، يدور حول جسم القبة ويبلغ طوله الكلي نحو عشرين مترا ويعتبر محيط القبة من الخارج، بني فوقه صف من الحجر الأحمر المهندم قياس الواحد منه (5/ 35 * 30 سم)، ويمتاز هذا النوع من الأحجار بأنه مقاوم ضد عوامل الطبيعة (كالأمطار مثلا)، بني فوقه صف من الطابوق المنجور ارتفاعه (5 سم)، يقع فوقه صف آخر من الطابوق بني بوضعية افقية ارتفاعه 28 سم، ثم تبدأ حافات الافريز وعددها 8 وحدات قياس الواحدة 181 * 80 سم، اما طول الزخرفة المعينية الشكل فتبلغ 140 سم، بني فوق زجاجة الوحدة الزخرفية صف من الطابوق المنجور ارتفاعه 28 سم وبوضعية افقية (كاز) تقع فوقه 8 وحدات زخرفية، أي في كل جهة من جهات القبة الثمانية وحدة زخرفية وهي مستطيلة الشكل وتتكون من إطار ذي أشكال معينية، داخله شكل نجمة رباعية الأضلاع. في الجهة الثانية من الشكل المعيني، ثمة أشكال معينية أخرى من القاشاني الأزرق، هناك إطار ثان بعد الإطار الأول تقع داخله زخرفة مكونة من وردة ثمانية الأضلاع معمولة من الطابوق المنجور والمنحوت تمتد هذه الزخرفة إلى ما قبل بداية ارتكاز القبة.
گوك كومبت
مدارس القلعة
كانت في القلعة عدد كبير من المدارس الابتدائية تعود تاريخ بعض منها إلى عهد العثماني وما بعده. وقديماً كانت المساجد الإسلامية تتخذ للتدريس القرآن الكريم واللغة العربية وعلوم الدين إلى جانب بعض العلوم الدنيوية. وتأسست أول مدرسة لتعليم الدين الإسلامي الحنيف في القلعة بجامع الكبير (اولو جامع) وكذلك في مقام النبي الله دانيال () شيد فيه جامع ومدرسة أهلية دينية. وزادت هذه المدارس زيادة محسوسة في عهد التركمان السلاجقة وما بعدها وخاصة في زمن الدولة العثمانية حيث أخذت كركوك موقعها المشرق وأصبحت منبع نور ينير المنطقة باجمعها نشاهد أن مدارس قد أسست في المدينة من قبل الأهالي وبالخاصة أعيان المدينة.
و من أهم المدارس التي شيدت في القلعة في العهد العثماني الأخير هي:
مدرسة الشاه غازي
أسسها المتصرف غازي شاه سوار سنة 1067هـ / 1657 م في جامع الكبير (اولوجامع) في القلعة.
مدرسة الميدان
أسسها المتصرف حسن باشا فرارى في جامع حسن باكيز ثم رممت سنة 1205هـ ـ 1790م من قبل الحاج محمود آل زاده وقد انتقلت هذه العائلة التركمانية التي عرفت بالثراء وعمل الخيرات إلى بغداد وهم من العوائل التركمانية المعروفة في بغداد اليوم.
وكانت هناك مدارس أهلية خاصة أسست في القلعة من قبل الأهالي خاصة أعيان المنطقة منها:
مدرسة حاج سليمان أغا
موقعها في محلة حمام واسم المعلم وكان السيد ملا محمد أفندي وعدد التلاميذ (12) تلميذ.
مدرسة آل زاده
موقعها في محلة ميدان وكان اسم المعلم السيد خضر افندي وعدد التلاميذ (11) تلميذ. جاءت ذلك في سلنامة المعارف العمومية لوزارة المعارف العثمانية لسنة 1903. ص 682 وفي عهد الحكومة العراقية تأسست في قلعة كركوك الأثرية عدد من المدارس النظامية وبإشراف وزارة المعارف العراقية.
مقبرة القلعة
هناك مقبرة بجانب جامع ومرقد النبي دانيال دفن فيها عدد من القادة العثمانيين ووجهاء القلعة منهم : المرحوم مير الاي (الجنرال) مصطفى نافذ بك بن احمدوكان قائد الفوج/48 ضمن منطقة قلعه ديزه. نقل إلى كركوك وتوفى فيها عام 1897م ودفن في مقبرة جامع النبي دانيال. المرحوم الفريق الحاج محمد لطفي باشا بن شيخ عبد الله توفى عام 1906م ودفن في مقبرة جامع النبي دانيال في القلعة وهو أحد قادة الجيش العثماني. المرحوم الخطيب عمر ناجي بك وهو شخصية معروفة بخطبه الحماسية وبإشعاره العاطفية الوطنية واشتهر بالوطنية وكذلك بحبه للحرية. ولد عام 1880م وهو من أصدقاء المقربين للقائد مصطفى كمال باشا كانوا في الكلية الحربية معاً وفي الحرب العالمية الأولى تطوع للاشتغال في منطقة إيران وبعدها جاء إلى كركوك واصيب بمرض التيفوئيد وعلى أثره دخل مستشفى كركوك وتوفى فيها عام 1916م ودفن في مقبرة جامع النبي دانيال في القلعة. وهو ناطق باسم حزب الاتحاد والترقي التركي. ثلاثة من قادة الأتراك ذو رتب عالية استشهدوا في كركوك خلال حرب العالمية الأولى وهم ضمن صفوف الجيش العثماني ودفنوا في مقبرة جامع النبي دانيال.
إضافة إلى عوائل تركمانية عريقة في القلعة منهم: المرحوم حسن أفندي زادة والمعروف بلقب حسني اشغل منصب متسلم كركوك (وكيل متصرف) في عهد العثماني توفي عام 1869م ودفن في مقبرة النبي دانيال وله جناح خاص باسم عائلة الحسني، وهو جد الشهيدين عطا وإحسان أولاد خيرالله أفندي. مقبرة لعائلة كليدار في مرقد وجامع النبي دانيال منهم (الشيخ صالح عبد القادر واولاوده (شيخ سعيد وشيخ محمد). مقبرة عائلة الملا عباس وأولاده حيث كان امام في جامع النبي دانيال قديماً.
جدارية تخلد شهداء الدولة العثمانية العلية في الحرب العالمية الاولى
قلعة كركوك في وثيقة عثمانية نادرة
وردت هذه الوثيقة وهي حكم سلطاني في ثنايا أحد أعداد دفاتر المهمة (مهمه دفترلرى)، وهذه الدفاتر هي السجلات التي كانت تدوّن فيها القرارات التي يتخذها “الديوان الهمايوني” الذي كان يعد أرفع مرجع رسمي في الدولة العثماني ويقابل في الوقت الراهن القصر الجمهوري أو البلاط الملكي. وكان يترأسه الصدر الأعظم (رئيس الوزراء)، ويضم في عضويته الوزراء وقاضيا العسكر والدفتردار (المسؤول عن الشؤون المالية) والنيشانجي (حامل ختم السلطان والمسؤول عن وضعه على الأوامر الصادرة باسم السلطان)، ويقترن قراراته بمصادقة السلطان وتصدر على شكل أحكام / فرمانات باسم السلطان وتوجه على شكل رسائل إلى مسؤولي الدولة. وجاءت تسمية هذه السجلات بمهمة دفتري اختصاراً لـ”دفتر الأمور المهمة”. ويحتفظ مركز الأرشيف العثماني في استانبول والتابع إلى رئاسة الوزراء التركية بمعظم هذه الدفاتر التي يصل عددها إلى أكثر من 370 دفتراً فضلا عن عددين محفوظين في أرشيف طوب قابى سرايي في استانبول. والوثيقة التي نحن بصددها وردت ضمن دفتر المهمة المرقم 888 والمحفوظ في أرشيف طوب قابى سرايي.
تحليل الوثيقة / الحكم السلطاني
1. صدر هذا الحكم في عهد السلطان سليمان القانوني وبالتحديد في يوم الجمعة 25 محرم سنة 959هـ 22 كانون الثاني/ يناير 1552م أي بعد مرور 18 سنة على انضواء بغداد تحت الحكم العثماني.
2. وُجّه الحكم على شكل رسالة إلى ناظر الأموال في بغداد جعفر بك الذي كان مسؤولاً عن الأمور المالية لولاية بغداد وخزينة الولاية.
3. كانت كركوك في هذه الفترة مركز لواء يتبع ولاية بغداد تتم إدارته كباقي الألوية العثمانية من قبل أمير سنجق (سنجاق بكى). والمعروف أن أمير السنجق كان يعد أرفع مسؤول إداري وعسكري في اللواء، وقد استمر استخدام هذه التسمية (أمير السنجق) لغاية صدور قانون الولايات العثماني في سنة 1869 حيث استعيض عنها بتسمية (متصرف لواء). وقد ورد اسم أمير السنجق في الحكم بشكل(فروخ). أما توصيفه بـ”قدوة الأمراء الكرام” فهو توصيف عام كان يتصف به أمراء السناجق واستخدم من باب التكريم.
4. عرض الحكم رسالة على شكل تقرير أرسلها أمير سنجق كركوك إلى الديوان السلطاني كشف فيها عن واقع قلعة كركوك وسعيه إلى تطويرها. ويستدل مما ورد في الرسالة:
1. أن قلعة كركوك ثغر حدودي تطل على حدود دولة أجنبية وهي الدولة الصفوية التي كانت في حالة حرب ضد الدولة العثمانية منذ معركة جالديران التي وقعت بين السلطان العثماني سليم الأول وبين الشاه إسماعيل الصفوي وذلك في سنة 1514م.
2. إن القلعة مبنية من التراب (أي الطين) وجدرانها متداعية، وينبغي اخذ الحيطة بشأنها.
3. نظراً لأهمية القلعة بالنسبة إلى الوجود العثماني في المنطقة طلب أمير السنجق من الديوان الهمايوني العمل على بناء القلعة وليس ترميمها، أو تعديلها. الأمر الذي يدعونا إلى القول انه كان يريد إزالة ما كان قائماً من الأبنية قبل المباشرة بالبناء أو البناء على أنقاض الأبنية القديمة، ونظراً لأن البناء القديم كان مبنياً من الطين فلا يمكن الاكتفاء بإزالة ما كان مبنيا دون الأساس لإعادة البناء بالحجر، فبوشر، وبلا شك، بالبناء بدءاً من الأساس. وهذا يثبت وبشكل قاطع أن العثمانيين أزالوا الأبنية القديمة بما في ذلك جدران القلعة وبنوها وبكل ملحقاتها من جديد. وهذا يعني أن البناء أو الأبنية التي انتقلتنا من العهد العثماني كلها عثمانية بنيت في هذا العهد، أو بالأحرى في بداية العهد العثماني ثم أجريت التعديلات والترميمات اللازمة عليها تباعاً بدليل أن قوات نادر شاه عندما حاولت السيطرة على كركوك في سنة 1743 تصدى المدافعون عن قلعة كركوك لهذه القوات، وتمكنوا من قتل جمع من أفراد هذه القوات وأجبروا الآخرين على التقهقر وترك المدينة الأمر الذي أدى إلى استشاطة نادر شاه غضباً لهذه الهزيمة فجهز جيشه وتوجه بنفسه إلى كركوك وحاصرها ثم دكها بالمدافع واستباح المدينة وأحرق مبانيها واجبر سكانها على الاستسلام. وهذا يعني أن القلعة وجدرانها تعرضت إلى هدم وتخريب من جراء دكها بالمدافع. ولم يكن بوسع الدولة العثمانية تركها على هذا الوضع. ولهذا يمكن القول إنه لم يمر وقت طويل حتى أعيد إعمار القلعة من قبل العثمانيين. ولعلنا سنجد الوثائق التي تكشف عن كيفية إجراء إعادة هذا الإعمار.
4. لم تكن الإمكانات المتوافرة في لواء كركوك كافية لإعادة بناء القلعة في سنة 1552م فأرسل أمير السنجق إلى الديوان الهمايوني يطلب تخصيص المستلزمات اللازمة لها من نقود وبنائين، وبالفعل لم يتأخر الديوان في تلبية الطلب فأرسل حكماً/ فرماناً باسم السلطان إلى ناظر الأموال في بغداد يأمره بتغطية الاحتياجات اللازمة لذلك من خزينة بغداد ومن خزينتها بالذات، وأرسلت نسخة من الحكم إلى أمير سنجق كركوك، فقام بدوره بالاتصال بناظر أموال بغداد لتنفيذ أمر السلطان وإرسال المستلزمات المطلوبة إلى كركوك، إلا أن ناظر الأموال تهاون في تنفيذ الأمر، لسبب لا نعرفه، فكرر أمير سنجق كركوك اتصاله بالناظر ولأربع مرات متتالية. وعلى الرغم من انه وعد بتنفيذ الأمر، إلا انه لم يف بوعده، ولم يتقيد بالأمر السلطاني، فنفد صبر أمير السنجق بعد أن انتظر أربعة أشهر متواصلة، فاضطر إلى مفاتحة الديوان الهمايوني مرة أخرى لإبلاغه بموقف الناظر وطالب بالاستعجال في إعادة بناء القلعة.
وكان الديوان الهمايوني يقر بأهمية قلعة كركوك في المنطقة ويعتبر إعادة بنائها من أهم المهمات، فأصدر باسم السلطان الحكم الذي نحن بصدده، وأرسله إلى ناظر الأموال في بغداد لتنفيذ الأمر معتبرا إياه محل اهتمام السلطان، وأكد عليه إرسال ما يكفي من النقود من خزينة بغداد لتتم المباشرة ببناء قلعة كركوك وإكمالها قبل حين. كما أمر السلطان تزويد أمير سنجق كركوك بما يحتاجه من البنائين والنجارين والمستلزمات الأخرى إلى جانب النقود.
المصدر تجمع الجامعيين العراقيين فرع ايران