المواقع الأثرية في واسط.. كنوز تدل على أصالة أرضها



الآثار شهود لكل العصور، وارض الرافدين غنية بتلك الشهود التي مابرحت إلا وتلاقفتها ايادي المخربين الذين لم يكتفوا بسرقة المباني واحراقها بل ذهبوا الى سرقة حضارة العراق التي تتمثل باثارها، وتشير الكتب التاريخية الى ان اسم واسط يدل على ارض مفعمة بالاثار والتراث والفن ولكن لم تسلم من يد العابثين حتى نالت حصتها من التخريب في الممتلكات الاثارية المنتشرة في العديد من المواقع الاثارية عن طريق النبش والتنقيب العشوائي من قبل هؤلاء المخربين الذين اتفق القول عليهم انهم ليسوا من العراق لان العراقي بطبيعة حاله لا يمكن ان يسرق حضارة بلده. ومن هنا انبثقت جمعية أفياء لحماية البيئة والتراث في محافظة واسط احدى مؤسسات المجتمع المدني العراقي، وكانت مهمتها الاساسية الحفاظ على هذه الموروثات الحضارية وفتح ابوابها لكل مواطن حريص يريد أن يعيد أية قطعة آثارية كانت قد خرجت من مكانها بقصد أو بغير قصد، وتأسست هذه الجمعية في نيسان العام 2004 ومن ثم اصبحت عضواً مؤسساً في المنتدى البيئي الاقليمي ومقره دمشق، لتعمل على كيفية الحفاظ على الارث الحضاري للعراق من خلال البحث عن الاثار المهربة والمسروقة واعادتها الى المتاحف العراقية.
يقول رئيس الجمعية ميثم مرتضى : قررنا تأسيس هذه الجمعية في محافظة واسط لمعرفتنا بتاريخ هذه المدينة وما تمتلك من مواقع اثارية مهمة، فهي تعد من المدن الاسلامية الكبرى بوصفها مربط خيل الفتوحات الاسلامية بحكم موقعها الجغرافي بين مدن عصرها البصرة والكوفة، واوضح انه بالرغم من القيمة التاريخية التي تمتلكها محافظة واسط متمثلة باثارها الواقعة على جانبي نهر دجلة القديم والذي يعرف بنهر الدجيلة (25 كم) الى الجنوب الشرقي من مدينة الكوت، بقيت هذه المنطقة الاثارية مهملة من قبل دوائر الاثار في العراق، والعديد من ساكني مدينة الكوت يسمعون بهذه المنطقة ولم يتسن لهم زيارتها. وبين أن المخلفات الآثارية المتنوعة التي عثر عليها من عمارة وفخار ودمى وصناعات متنوعة تشير الى التطور الفكري والاقتصادي والاهتمام الفني، فقد وجدت بكميات كبيرة أواني فخارية مزججة وغير مزججة بأشكال وزخارف متنوعة ومصنوعة من طينة وردية اللون ناعمة ومزخرفة بأشكال هندسية باللون الأحمر، إضافة الى فخاريات مختومة وهذه الفخاريات ودمى مصنوعة من الطين على هيئة فرسان وعازفين وراقصات وآلات طرب وغيرها. وأشار مرتضى الى قيام الجمعية في العام 2005 بتسليم (275) قطعة اثارية الى المتحف الوطني، وباشرت بالتنسيق مع هيئة الاثار الوطنية العراقية بحملة وطنية للتسليم الطوعي للاثار ومازالت الحملة مستمرة حتى الان، وتابع اذا كانت مدينة واسط التاريخية المشيدة سنة (83) هجرية تعد احد اهم المواقع الاثارية في المحافظة فهناك ايضا تل الولاية جنوب ناحية الاحرار وموقع النجمي في النعمانية وتل العكر في بدرة وتلول سماكة وكماز في العزيزية اضافة الى ضريح الشاعر الكبير ابو الطيب المتنبي شمال مدينة النعمانية والذي يعد في الوقت الحاضر احد اهم المواقع الاثارية في المحافظة، منوها الى ان معظم هذه المواقع تفتقر الى الحماية والحراسة الكافية لها، الامر الذي جعلها تكون عرضة للسرقة والعبث. وبين ان جهودنا انصبت في التحرك على المواطنين ممن يسكنون قرب المواقع الاثارية في المحافظة التي شهدت عمليات تخريب وتجريف ونبش عشوائي لمنعهم من العبث بهذه المواقع والبحث عن امكانية استعادة القطع الاثارية المسروقة منها.
مدير مفتشية آثار واسط حسنين علي محمد قال : إن محافظة واسط تتميز بكثرة المواقع الاثارية والأماكن التاريخية ضمن حدودها الادارية حيث يربو عدد المواقع الاثارية فيها الى (420) موقعا اثاريا يرجع تاريخها الى عهود حضارية وحقب زمنية متباينة ذلك بدأ بالعصر الحجري الحديث بحدود(8000 - 7500 ) سنة ق.م ومروراً بالادوار والحقب التاريخية المتعاقبة والمعروفة في حضارة وادي الرافدين كالحقبة السومرية والاكدية والبابلية والآشورية والبابلية الحديثة والاخمينية والسلوقية والفرثية والساسانية وأخيرا الحقبة العربية الاسلامية في القرن السابع الميلادي وما بعدها الى نهاية الحقبة العثمانية، مبينا أن بعض هذه المواقع ماثل فوق الارض وبعضها على شكل تلال كبيرة اوصغيرة وبعضها مدفون تحت الارض.واضاف ان أهم المواقع الاثرية في محافظتنا هو تل مريس الذي يقع في شمال قضاء بدره والذي يعود تاريخه الى العصر الحجري الحديث في الألف الثامن قبل الميلاد، وتل الولاية الاثري الذي يقع في ناحية الأحرار جنوب غرب مركز المحافظة والذي يضم بقايا مدينة (لارك) السومرية، وتل العقر الواقع في مركز قضاء بدرة والذي يضم بقايا مدينة الدير السومرية (دور ايلو ) 2400 – 2000 ق.م. وتل البقرات الواقع في ناحية الاحرارالذي يعود تاريخه الى العصر البابلي الحديث وتل ابوغريب وتل سابس وتلول الدير وتلول ضحية وتل بسماية وتلول همنية وغيرها.وزاد علي ان من الآثار الشاخصة الاخرى هي بناية النجمي التي تقع الى الغرب من قضاء النعمانية بمسافة 20 كم في منطقة الجزيرة ويعود تاريخها الى القرن السادس اوالسابع الهجري وهي تتكون من قاعة مربعة الشكل طول ضلعها 12مترا وارتفاعها 15مترا وهي ذات شكل هندسي جميل تضم في داخلها شاهد قبر باسم الشيخ محمد ألبقلي واخر باسم والدته يعودان الى القرن الثامن الهجري أي الرابع عشر الميلادي وكذلك يوجد مسجد يقع في الجهة الشرقية من هذه البناية.
وتحدث استاذ الدراسات الشرقية الدكتور نعيم السعيدي ، قائلاً : إن المواقع الاثارية في اي بلد هي كنوز وتاريخ تدل على عمق الحضارة للبلد المتواجدة فيه لذلك فان حماية هذه الكنوز هي مسؤولية كل وطني يحب ان يدافع عن تاريخ بلده ويحافظ على الموروث الحضاري، مبينا ان واسط، المدينة التاريخية التي بناها الحجاج، تحتوي على الكثير من الكنوز والاثار القيمة وفي مساحات واسعة بعضها مكتشفة والبعض الاخر غير مكتشفة وغير منقبة وهي المساحات الاكبر، فكان لابد للمخربين وضعفاء النفوس ان يأتوا الى هذه المحافظة الامنة لينبشوا وينقبوا عن هذه الكنوز اما للعبث بممتلكات البلاد التاريخية والحضارية او للحصول على المبالغ الطائلة من جراء بيع هذه الاثار، موضحا ان الشواخص التاريخية والمعمارية في واسط قد توضحت للقاصي والداني من خلال قيام المدينة على شاطئ نهر دجلة الغربي وامتلاكها سورا ضخما بسمك اربعة امتار ونصف وارتفاع مترين اضافة الى ابراج وابواب وطرقات وجسور وبيوتات واسواق وخنادق حتى يجذب السائح مسجدها الجامع وقصرها المعروف بالقبة الخضراء الواقع على مساحة (160) الف متر مربع والذي يضم حدائق واحواضا وبرك مياه، وهناك المنارة التي تعد من ابرز المعالم الآثارية في المدينة وترتفع نحو (11) مترا عن الموقع وهي في القسم الشرقي من المدينة وتمثل بقايا بوابة المدرسة الشرابية في واسط.