الأديان في واسطالحلقة الرابعة من كتاب واسط بين الماضي والحاضر للمؤلف السيد عبد المنعم تقي الطباطبائي
اسست واسط من قبل والي الـــــعراقين الحجاج بن يوسف الثقفي وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان الخليفة الاموي لتكون مقــــر الحكم العربي الاسلامي ومنطلق توسعه في فتوحاته نحو المشرق وهذا يـحتم ان يكون الدين السائد في المدينة هو .
الاسلام :- فالمسلمون هم قوام المجتمع الاساسي في مدينة واسط وبما انه قد ذكرنا ان هذا المجتمع قد اختير بشـــــكل دقيق فكــان من القبائل العربية الشامية المسلمة طيلة فترة الحكم الاموي وانــهم بلا شك كانو مـــــن ( السنة ) المشايعين لبني امية واتبعو في احكامهم وقضائهم مـــنهج المذاهب السـنية التي كانت شائعة في زمانهم وبعد ان انتقل الحكم الى العباسيين نجد ما يشير الــــى الوجود العلوي وكذلك وجود انصار العباسيين ولهذا كانت هناك نقابة العباسيــين ونقابة العلويين الا اننا لا يمكن ان نؤكد وجود المذهب الجعفري في مدينة واسط حـــــتى فــــي زمن الحكم البويهي المعروف بأيمانهم في الامامة لال البيت واتباعهم لــــمذهبهم لان الخلافة في زمنهم لم تتغير اتجاهاتها وابقوا على الخلافة العباسية السنـــــية المذهب وذلك لمصلحتهم السياسية لا لايمانهم بها واتباعهم مذهبها . بقيت الحـــياة الدينية فـــي مدينة واسط على حالها وشكلها مع تغير الاتجاه فـــــي النضرة الـــــى نوع الحكم مع تغير القادة المسيطرين على تسيير الخلافة بحسب اهوائهم ورغباتهم .
النصارى :- لقد عاش في واسط الـــــــى جنب المسلمين النصارى الذين جاءوا الى واسط من المدن والقرى المحيطة بهـــــا ( سنذكر في فصل لاحق الاديرة التي كانت منتشرة في واسط ) فقد انتشرت المسيحية فــــــي منطقت كسكــــر منذ القرن الاول الميلادي وكانت لهم ( اسقفية ) احتفضت باهميتها طيلة الـــعصر العباسي فقدذكرت المصادر التأريخية انه فـــي حالة وفاة ( الجاثليق ) ببغداد كانــــت القوانين الكنسية تنص على ان اسقف واســــــط هـــــو الذي يتولـى نضارة الكرسي الى حين انتخاب جاثليق جديد وكان هو الذي يستدعي المطارنة مـــــن المدن الاخرى لعقد المجلس . وهذا دليل على ان درجة الكنيسة الواسطية عالية فـــي سلم التدرج الكنسي مما يدل على الوجود الكبير للمسيحية والمسيحيين في مدينة واسط . ومع وجود المسيحية في واسط بهذا الشكل فقد وجدت الاديرة الكثيرة المنشرة في مدينة واسط واهمــــها
ديرها المعروف بـ ( دير واسط ) وقد قصـــــده الشاعر ابو جعفر محمد بن حازم بن عمرو الباهلي وقال فيه :
بعمر كسكر طاب الهـوى والـــطرب واليادكـــارات والادوار و النـــخــب
وفتية بــذلوا للكـــــــأس انفسهـــــم وأوجبوا لرضـــيع الكـــأس ما يجب
وأنفقوا في سبيل القصف ما وجدوا وأنهبوا مالهم فـــيها ومـــا أكتسبوا
فلم نزل في رياض الــــعمر نعمرها قصفا وتغمرنا اللـــــــذات و الطرب
والزهر يضحــــك والانــــوار باكية والناي يسعد والاوتـــار تصطـــخب
والكأس فـــــي فلــك اللـــذات دائرة تجري ونحـــن لها في دورها قطب
وقد تردد ذكر هذا الدير في حوادث ثورة الزنج(1) .
كانت علاقة النصارى بمسلمي واسط علاقة جيدة وحسنة وهناك اشارات وردت في كتب التاريخ تقول بمشاركة المسلمـــين للنصارى فــــــــي تشييع جنائزهم وحضور افراحهم وتقديم التهاني لهم فــي اعيادهم وبشكل متبادل مما يدل على حسن اندماج المجتمع الواسطي وتطوره .
3- اليهود :- سكن اليهود مدينـة واسط منذ تأسيسها لمزاولة الاعمال التي تحتاجها المدينة وخاصة في شؤون الحـسبة والصيرفــــة فقد كان لليهــود خبرات فــــي هذا المجال واستمر وجودهم في المدينة علــــــى عــــهدها العباسـي وقد ذكر ان عددهم في واسط سنـــــــة 561 هـ - 569 هـ/ 1165 م – 1173 م كـــــان يقدر بحوالي عشرة الاف يهودي ************************************************** ** 1- قائد ثورة الزنج وأسمه ( بهبوذ ) وأصله فارسي مـــــن قرية ( ورزبين ) في بلاد فارس وقد تسمى بعلي بن محمد وزعم انه عربي . ثم ادعى لنفسه النسب العلوي وقدم العراق , ثم رحل الى البحرين عام 249 هـ -863 م حيث دعا الناس الـــى طاعتـــه فاتبعه اناس وقاومه اخرون مــما جرّ الى فتنة بين الطرفين فغادرها الـــــــى البــــــصرة عام 254 هـ- 868 م وكانت مسرح لفتن مستمرة وخصومات بين قبيلتي البلالية والسعـدية فحـاول ان يستغل الخلاف الناشب بينهما فأحس به عامل البصرة فهرب هو واتباعه فقبض عليهم والــــي الــــبطيحة وارسلهم الى واسط ليسجنوا فيها . ولكن علي بن محمد استطاع ان يهرب الـى بغداد واخذ يتحـــــدث عن رؤية ايات تدل على امامته ثم خبر عزل والي البصرة وانطلاق المسجونين من سجونهــم هناك فعاد الى البصرة ليقود الزنج في ثورة عارمة ( ثورة الزنج وقائدها علي بن محمد – تأليف احمد علبي )
وقد ذكر السيوطي ان صاحب الزنج كان يصعد على المنبر ويسب عثمان وعلي ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة وكان يــــنادي على المرأة العلوية في عسكره بدرهمين وثلاث وكان عند الواحد مــــن الزنج العشر مــــن العلويات يطأهن ويستخدمهن ( تأريخ الخــــــلفاء للسيوطي ص 364 ) وقد احاطت بثورة الزنج اراء كثيرة وتحليلات عديدة لافكرها ومعتقداتها واهدفها وهل هي ثورة فساد ام ثورة اصلاح لقهر واضطهاد لعهد تدهور الحكم فيه وانحطت قيم الخلافة .
وكانوا يتمتعون بالحرية والتـــسامح الديــــــني الذي الفـــــته واسط وكان لهم مزار يزعمون انه قـــــــبر ( عزرة بن هارون بن عمران ) يزوره المسلمون واليهود في المناسبات الدينية المختلفة .
4- الصابئة :- مــــن الطوائف الدينية الاخرى في واسط كانـــــت الصـــــــابئة وهي الطائفة التي سكنت منطقة واسط وتشير بعض المصــــادر ان هـــــذه المنطقة كانت سكنى هذه الطائفة الرئيس وقد سكنتها قــــــبل الفتح الاسلامي فــــــقد ذكرت بعض المصادر ان وفدا من صابئة واسط قابل الــقائد العربي الفاتح وعرض علــيه امرهم فأقرهم القائد على دينهم فأكسبهم ذلك التســـامح الديني فعاملهم كأصحاب كــــــتاب وبقوا بين الـــــمسلمين يؤدون الجزية واستــــمر وجودهم فـــــــي عــــصور واسط المختلفــــة يعملون في مهنهم ويؤدون طقوسهم بحرية.
بهذه التركيبة الدينية الــمختلفة اندمج المــــجتمع الواسطي بطبقاته المختلفة الغنية والفقيرة ليكتبوا تأريخهــــم وينتجوا ذلك التراث الرائع في العلم والادب والفن الذي طرزته منمنات الواســطي بألابداع الفني والعبقرية في مجال العلم والادب والاسهام الكبير فـــــي رفد الحضـــارة العربية الاسلامية بما يبعث فيها الحياة والاستمرار في العطاء لتبـــــقى خالدة على مر العصور تروي حكاية المدينة التي اسهمت في كتابة التاريخ الخالد .
العلوم في واسط
لقد ازدهرت العلوم المختلـــــفة فـــي مدينة واسط بشكل ضاهر لكل متتبع . وان هذا الفصل الوجيز من تاريخ واسط القـــديم لا يسعـــــنا المجال فـــــيه للاطالة والتوسع والتفصيل وذكر العلماء الذين ساهموا فــي بــــناء صرحه الشامخ الكبير الذي يضم مختلف العلوم والمعرفة .فـــــقد فاضت كــــتب المؤرخين وكتب الرجال بذكر فضائل علماء واسط ومشاركتهم فــي الحياة العلمية والادبية وفي البناء الحضاري الشامخ للدولة العربية الاسلامية والــــــذي يريد الاطلاع عليه بشكل مفصل فليرجع الى تلك المصادر التي عبقت بذكر مــــا لواسط من علــــوم واداب وما عاش فيها من علماء وادباء ومن اهم ما شاع من العلوم في واسط هي :-
1- العلوم الدينية وتضم :- أ – علم القراءات ب- علم الحديث ج – علوم الفقه
2- علوم اللغة العربية :- أ – علم النحو ب – الشعر ج- تاريخ الادب
3- علم التاريخ 4- علم الجغرافية 5- علوم الطيب والصيدلة 6- علم الفلك والنجوم 7- علم الرياضيات 8- وهناك علوم اخرى ساهم بها الواسطيون كعلم الكيمياء والنبات والحـــــيوان وعلوم التــــاريخ الطبيعي والفيزياء كذلك علوم المجتمع
وعلم النفس كل هذه العلوم وجدت فــــــــي مدينة واسط وان كانت في بعضها بشكل بسيط وان كتب العلماء الكثــــــــيرة وشهرتهم الواسعة قد اثبتت مقدرة هذه المدينة العريقة عــــلى مسايرة التطور العـــلمي والادبي والفني في عصورها المختلفة وان ترفد الحضارة العربية الاسلامية بما انتجته عقول ابنائها في كافة المجالات واخص بالذكر الفن الواسطي حيث سجلت مننمنمات الواسطـــي حضورا فنيـــا رائعا ليومنا هذا .
هذه نبذة وجيزة عـــــن حياة مدينة واسط فـــــــي عصر ازدهارها ورفدها للحضارة العربية الاسلامية والحضارة الانسانية حتــــى حاق بها الفناء عندما هجرها الحبيب دجلة الخير والعطاء فغيرت مجراها مطلع القــــرن الثانــــي عشر الهجري فأصابها حادث الموت والفناء وهجرها اهلها وساكـــــنوها واصبحت خرائب تنعق فيها البوم والغربان ثم جرت عليها عوامل الطبيعة لتـحفر قبرها وتواري عصرها تحت اكداس من التراب فلا يرى منــــــها غير تلال واطلال وبقايا اثار تشير الى الزمن الذي ولى والعصر الذي اندثر ولولا الـــــجهود المضنية الــــتي قامت بها مديرية الاثار العامة وبعثاتها التي بحثت ونقبت فــــي كل من التلال المتناثرة هنا وهناك في ارض واسط وعند عقيق دجيلة الذي كان فـــــــي يوم من الايام مجرى دجلة الخير لما عرفنا لها موقع ولا اهتدينا الى عمارتها .
والشيء العجيب والغريب فـــــي اندثار واسط بهذه السرعة الزمنية المذهلة تجعلنا نتساءل اين رحل سكانها والــى أي جهة هجروهــا وكيف اختفى اثرها ومات ذكرها بعد ذلك الازدهار والتقدم والرقي .
عاشت منطقة واسط حياة التيـــــه والتـــــبعثر وعاش فـي المنطقة اناس لا يعرفون للاستقرار والبناء والسكن شيء بل كانـــــوا بدو رحل ينتقلــــون وراء الماء والكلأ والمراعي يعيشون في الخيام ولا يفكرون في شيء غير الحفاظ على حيواناتهم فهم في حل وترحال يشنون الغارات ويبعثون الـغزوات وقد اهملتهم الحكومات المتعاقبة في العراق وسوف نتحدث عــــــن هذا العصر فـــــي فصل لاحق هو فصل ( الضياع و الشتات ) كما اسميته لانه يمـثل حقيقة حياة منطقة واسط حتــى ظهـــرت معـــالم مدينة صغيرة شمال واسط القديمة تـــــسمى ( الكوت ) لتكون مــحافظة ترث واسط القديمة وتبني مستقبلــــها وتطورها وازدهارها علــــــى شيء من الماضي التليد والحاضر المجيد والمستقبل السعيد0