قال تعالى : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [البقرة: 117]
كلمة «بَدِيعُ» من «بدع»، والإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء منه، وفي الآية بمعنى إيجاد الشيء من غير مادة سابقة (1).
والسّؤال الذي يطرح في هذا المجال يدور حول إمكان إيجاد الشيء من العدم، فكيف يمكن للعدم ـ وهو نقيض الوجود ـ أن يكون منشأ للوجود؟ وهذه هي الشبهة التي يوردها الماديون في مسألة «الإبداع» ليستنتجوا منها أن المادة الأصلية للعالم أزلية أبدية، ولا يطرأ عليها وجود وعدم إطلاقاً.
الجواب
في المرحلة الاُولى ، يوجّه نفس هذا الإِعتراض إلى الماديين فهؤلاء يعتقدون أن مادة هذا العالم قديمة أزلية، ولم ينقص منها شيء حتى الآن، والذي نراه يتغير هو «الصورة» وحدها، لا أصل المادة. ونحن بدورنا نسأل: كيف وجدت الصورة الحالية للمادة ولم تكن موجودة من قبل؟ هل وجدت من العدم؟ إذا كان كذلك، فكيف يمكن للعدم أن يكون منشأ للوجود؟ (تأمل بدقّة).
على سبيل المثال ، يقول الماديون في لوحة زيتية مرسومة على ورقة أنّ زيوت التلوين كانت موجودة، ونحن نسأل : كيف وجدت هذه «الصورة» التي لم تكن موجودة من قبل؟
كل جواب يقدمونه بشأن إيجاد «الصورة» من «العدم» نقدمه نحن أيضاً بشأن إيجاده «المادة».
وفي المرحلة الثانية ، ينبغي التأكيد على أن خطأ الماديين ناتج عن كلمة «من». هؤلاء تصوروا قولنا: (أن العالم وجد من العدم) شبيه بقولنا (أن المنضدة وجدت من الخشب) حيث لابدّ من وجود الخشب أوّلا لكي توجد المنضدة. بينما جملة «وجود العالم من العدم» لا تعني ذلك. بل تعني «أن العالم لم يكن موجوداً ثم وجد». وهل في هذه العبارة تضاد أو تناقض؟!
وبالتعبير الفلسفي : كل موجود ممكن (الذي لا يملك الوجود ذاتياً) له جانبان: ماهية ووجود، «الماهية» هي «المعنى الإِعتباري
الذي يتساوى في نسبته للعدم والوجود. بعبارة اُخرى، الماهية هي المقدار المشترك الذي نفهمه من ملاحظة وجود شيء وعدمه. فهذه الشجرة لم تكن موجودة سابقاً وهي موجودة الآن، والشخص الفلاني لم يكن موجوداً سابقاً وهو الآن موجود، وما أسندنا إليه الحالتين (الوجود والعدم) هي «الماهية».
من هنا يكون معنى قولنا (إن الله أوجد العالم من العدم) هو أنه سبحان نقل الماهية من حالة العدم إلى حالة الوجود، وبعبارة اُخرى وضع لباس «الوجود» على جسد «الماهية»(2).
_____________________
1. المفردات ،للراغب ،مادة((بدع))
2. راجع لمزيد من التوضيح كتاب : خالق العالم