القصيدة (هل كان حباً)
الشاعر: السياب
هل تُسمّينَ الذي ألقى هياما ؟
أَمْ جنوناً بالأماني ؟ أم غراما ؟
ما يكون الحبُّ ؟ نَوْحاً وابتساما ؟
أم خُفوقَ الأضلعِ الحَرّى ، إذا حانَ التلاقي
بين عينينا ، فأطرقتُ ، فراراً باشتياقي
عن سماءٍ ليس تسقيني ، إذا ما ؟
جئتُها مستسقياً ، إلاّ أواما
* * *
العيون الحور ، لو أصبحنَ ظلاً في شرابي
جفّتِ الأقداحُ في أيدي صحابي
دون أن يَحْضَينَ حتى بالحبابِ
هيئي ، يا كأسُ ، من حافاتك السكرى ، مكانا
تتلاقى فيه ، يوماً ، شفتانا
في خفوقٍ والتهابِ
وابتعادٍ شاعَ في آفاقهِ ظلُّ اقترابِ
* * *
كم تَمَنَّى قلبيَ المكلومُ لو لم تستجيبي
من بعيدٍ للهوى ، أو من قريبِ
آهِ لو لم تعرفي ، قبل التلاقي ، من حبيبِ!
أيُّ ثغرٍ مَسَّ هاتيك الشفاها
ساكباً شكواهُ آهاً … ثم آها ؟
غير أنّي جاهلٌ معنى سؤالي عن هواها ؛
أهو شيءٌ من هواها … يا هواها ؟
* * *
أَحْسدُ الضوءَ الطروبا
مُوشكاً ، مما يلاقي ، أن يذوبا
في رباطٍ أوسع الشَّعرَ التثاما ،
السماء البكرُ من ألوانه آناً ، وآنا
لا يُنيلُ الطرفَ إلاّ أرجوانا
ليتَ قلبي لمحةٌ من ذلك الضوء السجينِ ؛
أهو حبٌّ كلُّ هذا ؟! خبّريني
رائعة قصائد السياب
القصيدة (غريب على الخليج)
لريح تلهث بالهجيرة، كالجثام، على الأصيل
و على القلوع تظل تطوى أو تنشر للرحيل
زحم الخليج بهن مكتدحون جوابو بحار
.من كل حاف نصف عاري
و على الرمال ، على الخليج
جلس الغريب، يسرح البصر المحير في الخليج
: و يهد أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج
أعلى من العباب يهدر رغوه و من الضجيج"
، صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى : عراق
.كالمد يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي : عراق
و الموج يعول بي : عراق ، عراق ، ليس سوى عراق
البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون
و البحر دونك يا عراق
.. بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانه
هي دورة الأفلاك في عمري، تكور لي زمانه
.في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدت مكانه
هي وجه أمي في الظلام
، وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام
و هي النخيل أخاف منه إذا ادلهم مع الغروب
فاكتظ بالأشباح تخطف كل طفل لا يؤوب
،من الدروب وهي المفلية العجوز وما توشوش عن (حزام)
وكيف شق القبر عنه أمام عفراء الجميلة
.فاحتازها .. إلا جديله
زهراء أنت .. أتذكرين
تنورنا الوهاج تزحمه أكف المصطلين ؟
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟
ووراء باب كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال
.كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال
أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟
سعداء كنا قانعين
. بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء
،حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه
.كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه
أفليس ذاك سوى هباء ؟
حلم ودورة أسطوانه ؟
ان كان هذا كل ما يبقى فأين هو العزاء ؟
،أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه
يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء
.و الليل أطبق ، فلتشعا في دجاه فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء
الملتقى بك و العراق على يدي .. هو اللقاء
شوق يخض دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه .. كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولاده
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
.حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحس أن على الوساده
ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيبات خطاي و المدن الغريبة
،غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه ،
فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار
.فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار
ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب
،تحت الشموس الأجنبيه
متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديه
صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب
،بين العيون الأجنبيه
بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيه)
و الموت أهون من (خطيه)
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبيه
قطرات ماء ..معدنيه
،فلتنطفئ ، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود
.بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود
ليت السفائن لا تقاظي راكبيها من سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار
ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكن و استزيد ،
ما زلت أنقض ، يا نقود ، بكن من مدد اغترابي
ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي
في الضفة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود
متى أعود ، متى أعود ؟
أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟
سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب
،كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب
و أزيح بالثوباء بقيا من نعاسي كالحجاب
:من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين
.عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشك في يقين
ويضئ لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي-
ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب
لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟
اليوم _ و اندفق السرور علي يفجأني- أعود
واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق
وهل يعود
من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدخر النقود
و أنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود
به الكرام ، على الطعام ؟
لتبكين على العراق
فما لديك سوى الدموع
.وسوى انتظارك ، دون جدوى ، للرياح وللقلوع
القصيدة (مولد المختار)
السياب
"بعد طواف السياب الخصب في ميادين الفكر والأدب، اكتشف من جديد روعة الإسلام، وقيم عمود الخليل. وقد تجلى هذا في عدد من أخريات قصائده التي لم تنشر كلها. وكان السياب قد ألقى هذه القصيدة بمناسبة المولد النبوي عام 1961 في أحد مساجد العراق".
دموع اليتامى في دُجـى اللـيل تقطـرُ ونوحُ الثكالى عاصف فيه يصـفرُ
و أغـفى على الآهـات طـفـل مُيتَّمٌ تـقطّـر فيـه الحقـدَ أمِّ وتـبذرُ
إذا جُنَّ ليلٌ فـي الصحـارى و لألأتْ نجـومٌ ، وقد يخـضلّ ليلٌ و يقمرُ
ففي كل قلب من دُجى اللـيل سـُدْفةٌ و في كل عـقل ظلمةٌ ليس تسـفُر
وقامت من الأنصاب في البيت عصبةٌ كدَوْحٍ من الصوّان بالشـرّ يثـمرُ
و أجرى على النهرين أقـيالُ فـارسٍ دماً يعربياً واسـتباحـوا ودمّـروا
و في الشام يطغى في حمى الروم تابعٌ ويعدو على الأحرار كسرى وقيصرُ
وأشرقتَ فاهتزتْ نواويس في الدُّجى وأوشك موتى أن يـهبّـوا ويُنْشـَروا
نبيَّ الهدى ، يا نفـحـةَ الله للـورى ويا خيـرَ ما جـاد الزمـان المُقتّـِرُ
إذا ما افتخرنا كـنتَ للفـخـر أولاً و إن جاءنا نصـرٌ فذكـراك تنصـرُ
ولولاك ما اندكَّتْ عروش، ولا هوى صليبٌ علـى كفَّـيـه كـنا نُسـمَّرُ
وكم سار في شرقٍ من الغرب جحفلٌ بقرآنك الهادي، و في الغرب عسكروا
و يا مولدَ المخـتار، مـيـلادُ أمـةٍ وميعادُ بـعـث، أنت فيـهـا مُقـدَّرُ
إلا قبسةٌ مـما تنفّسـتَ في الدُّجـى فنحـيـا، وينهّـد الظلام المسـوّرُ
ألا تُفْجرُ البركان فـي مُقـْفراتـنـا فيستبسل الأحـرارُ أيـان يُفْجَـرُ؟!
تلبَّدَ وجهُ اللـيل تُخفـيـهِ غيـمـةٌ من الوحـل والقار المُدّمّـى تزمجرُ
و مالت على الأفق الضرير مـنـائرُ وخرّت قبابٌ، وانهـوى، ثمَّ منـبرُ
كأنْ لمْ يَضيء بالنور ميلادُ أحـمـد و لم تنطـفئ للفـرس نار ومسـعرُ
ولم يدحر الجيشَ الصـليبيّ صـامدٌ ولا راعـت الغـازيـنَ " اللهُ أكبرُ "
رمتْ رأسَها أفعى من الفرس تغتذي بأشـلاء من أبـقاه قيـسٌ ومنـذرُ
شـعوبيةٌ رقـطـاءَ بالـديـن تارة وبالعدل أخرى تحتمي وهي منـكرُ
و ما الدين إلا العُرْبُ، إن ذلّ منـهمُ عزيزٌ، تهـاوى وهـو دامٍ مُعـَـفَّرُ
هـي الراية الحمراء من عهد قُرمُطٍ وهيهات يحظى بالذي شـاء أحمـرُ
إذا خـبَّؤوها فهـي للشـرِّ مـْكمنٌ وإن نشـروها فهي للعار مظـهـرُ
و لاحت من الكيد اليهوديّ غيـمـةٌ على أفقنا المنـكوب بالويل تُـنـذرُ
تبدَّى لظـاها فهـو نورٌ ورحـمـةٌ وسـحرٌ لمن بالمال يُشرى ويؤجَـرُ
تذكرتُ –والميـلادُ حالٍ بـنـوره- شـعاعاً من المعـراج ذكراه مطهرُ
سما من مطاوي نومه يقصد السـما نبـيٌّ تلـقـّاه البـراق المطـهـَّرُ
أتى صخرةٌ بيضاءَ يندى بياضُـها كمـا لاح في الظلـمـاء نجمٌ منوّرُ
فيا صخرةَ المعراج قد سُدَّ بالدّجـى وبالإثم مـنـا فـيكِ شـقٌّ ومَـعْبَرُ
فما عاد بين الله والنـاس منـفـذٌ كـأنْ حلَّ بالأرض العذابُ المسعّـَرُ
وعـاث بـبـيت الله فَدْمٌ مشـرَّدٌ كأنَّ فلسـطـين المدمـاة خيـبـرُ
كأن لمْ يسـرْ طـه إليـها ولادحا أبو حسنٍ من بابـها فهي تصـفـرُ
وما زال في وهرانَ والأرض حولها علوجٌ أباحوا واسـتباحوا ودمـّروا
إذا جنّ ليـلٌ سـاءلتْ كـلُّ أيَّـمٍ كواكبَـه عن بعـلـها: أين يُقْـبَرُ؟
جهادٌ عـلى اسـم الله يَلْظـى أوارُه فيكوي جـبينَ الظـلم مما يسـعـّرُ
نبيَّ الهدى،، عذراً إذا الشعر خانني ولكنـه قلبـي بـما فيـه يقـطـرُ
نبيَّ الهدى،، كن لي لدى الله شافعاً فإني ، ككل الناس، عـانٍ محـيـَّرُ
تمرَّسْتُ بالآثامِ حتـى تـهدَّمـتْ ضلوعـي، وحتـى جنَّتي ليس تثمرُ
ولكنّ من ينجدْه طـه فـقد نجـا ومن يهـدِه –والله - هيـهات يخسرُ