خاطرة كتبتها في اول ايام غربتي قبل 15 عاما
مواطن مغترب
*********************************
ترددت وانا اخطو اولى خطواتي في شارع الغربة ........
شعرت انني عار من كل شئ ..
مع الاحساس الذي يولده هذا الشعور السَّيِّئ ........
تولّدَ لدي هذا الشعور لأني لم أكُن اعرف لغة القوم .......
ولا اعرف عاداتهم
ولا اعرف اي عمل يمكنني من العيش عيشة الكفاف
على الاقل ........ مع الاحتفاظ بالكرامة ..... لانها هي الوحيدة المتبقية
لو انني لم اهرب ؟ لو انني لم اغرب روحي ؟
فالغربة غربة الروح وليس غربة المكان ؟
جلست على مسطبة رطبة في منتزه عام
يكاد يبدو مقفرا بسبب برودة الجو .....
وانا اراقب العمارت السكنية التي تتلألأ انوارها ......
لا بد ان هناك اناس في هذه البيوت ..... ينعمون بالحياة والدفء .... دفء العائلة دفء الانتماء ...... وابقى انا في برد المكان ورطوبة الحنان ..... وضباب الزمان
فكرت في المستقبل .... لاول مرة افكر فيه ..... هل كان كل همي ان اهرب ؟ هل كان كل همي ان اجتاز الحدود .... في رحلة الى المجهول ؟
هل شدني المجهول الضبابي ........ وجعلني لا افكر الا في اجتياز الواقع ... الخط الفاصل بين الضياع والضياع ...
كنت ضائعا في بلدي ... مطاردا من قبل ( غربان الظلام ) لاني لم اكمم فمي ... لاني لم ارض ان اعطيهم ضميري ووجداني يتحكمو فيه ..... والثمن ادفعه انا ايضا ..... من كرامتي ..... من انسانيتي .... من انتمائي .... لأرضي التي لم تعد تسعني .... لأهلي الذين هدَ الظُلم والجوع كيانهم ..... حتى ما عاد من بريق في عيونهم .... ليس سوى .... نظرة الألم والحرمان ..... مسحة الذل والاهانة ....
ما اصعب ان تمتهن كرامة شعب بأكمله ؟ .........
هربت لاني لم اعد استطيع التطلع في عيونهم وانا لا ارى الا هذه النظرات المستسلمة ...... يجب ان اعترف لنفسي على الاقل ..... لم اهرب من الاعتقال .... وربما الموت .... هربت من عيونهم .....
نعم هذا هو السبب الذي ادركته الان فقط .... او لاقل كنت اعرفه لكني اتجاهله ..... لكنني الان امام
الحقيقة وجها لوجه
آهـ .........
كم هو وقع الحقيقة موجع .... حينها أحسستُ برغبة أنْ أبكي
وأنا أردد أغنية كاظم الساهر
( وجعي يمتد كسرب حمام من ........ الغربة الى الصين )
وهنا ؟ .... ماذا انا فاعل ؟ ....
أنا غريب .....َ!!
كم هو مؤلم ؟ ...... الشعور بغربتك عن المكان والزمان والإنسان ......... كم تمنيت لحظتها أنْ أعود .... نعم أعود .... أعود لحضن العراق وليكُنْ ما يكون ......
لأموت وعلى الأقل يحتضنني تراب ....
منه خُلقت وإليه أعود .....
في هذه الساعة فقط .... نعم سأعترف .....
في هذه الساعة فقط .....عرفت ما هو الوطن ....
الوطن هو الأم ..... هو الأب .... هو الأخ والأخت .....
هو الحبيب .... هو الجنـــة .....
حتى الموت في حضنه ميزة .... وإنسانية
الوطن هو .... الذي يعطي ولا يأخذ .....
الوطن هو ................. البيت ..... لكن أنى الرجوع اليه .... وأين طريقه ؟
ما بين الضياع ...... والضياع .....
غفوت رغم البرد ..... وكلما ذكرت العراق سرّتْ في جسدي حرارة تقيني الموت تجمدا ...........
غفوت وفي أذني تتردد كلمات لاغنية ثمانينية جميلة ...... عندما كان الوطن ...أجمل ما يكون .........
تقول كلماتها : دكيت بابك يا وطن وانا الغريب ببابك ..... بس كلبي يسمع دكتك ....
أرضى يذلني ترابك ..... يذلني ترابك ..... يذلني ترابك ......