ألطقوس الرمضآنيه الجميله في بغداد
ترتبط ذاكرة العراقيين وعلى وجه الخصوص، أحياء بغداد الشعبية، بطقوس رمضانية تمتد عميقاً في وجدانهم، حتى أعتبرها المؤرخون موروثا شعبياً يحرص السكان على تناقله بين الأجيال، فلا يكاد يمر هذا الشهر إلا وترافقه، أهازيج الأطفال، وطبلة المسحراتي، وطعم الزلابية، إلا إن واقع الاحتلال الأمريكي وما فرضه من واقع أمني سيئ وخصوصاً بين عامي 2006 و 2008 جعل الكثير من هذه المظاهر تنحسر لفترة، لتعود مجدداً لعمقها وأصالتها في الموروث الشعبي العراقي.
استقبال رمضان
يستعد البغداديون لهذا الشهر ،الفضيل، حيث يبتاعون لوازم المائدة الرمضانية، من الأسواق العراقية، وخصوصاً سوق ،الشورجة، ويتم التحضير للأطباق العراقية المشهورة، والتي يستهل بها على مائدة الأفطار، كالشوربة، ثم تأتي الأطباق الرئيسية التي يتصدرها البرياني والثريد والسمك المسقوف والمحاشي (الدولمة) والكبة بأنواعها، وكذلك المشروبات الرمضانية ،كالقمر الدين، والتمر الهندي، والليمون الأسود (النومي)، وتنار ،المنائر، بالقناديل أيام زمان، التي استعيض عنها بالمصابيح الكهربائية اليوم، بينما تقوم المساجد بالتكبير والتهليل إيذاناً بثبوت رمضان، ويتبادل العراقيون التهاني المعروفة بينهم: (كل عام وأنتم بخير ويعيده عليكم بالصحة والعافية).
المسحراتي
وتعد من المهن القديمة التي ظهرت في العصر العباسي، وهي متوارثة داخل العائلة الواحدة، ويدور هؤلاء في المحلات والأزقة وهم يضربون على (الدمامات) الطبول في وقت السحور لإيقاظ النائمين لغرض السحور، وهم يرددون مع دقات الطبول بأعلى صوتهم: (اصح يا صايم .. وحد الدايم) و(أهلاً يا رمضان يا شهر الغفران)، وعادة ما تكون شخصيته محببة لاسيما عند الأطفال الذين ينتظرونه لتناول سحورهم، ويشكوا (المسحاراتية) من سوء الأوضاع الأمنية، وخصوصاً في السنوات الماضية، والتي منعت كثيرين منهم من ممارسة مهنتهم، إضافة لضعف المردود المادي.
لعبة المحيبس
وتعد هذه اللعبة الأكثر شهرة وحضوراً في الموروث الشعبي العراقي، في ليالي رمضان، ولقد وضع قوانينها (لطيف أبو شوارب) في الفضل، و (صبحي الشيخلي) في باب الشيخ، وفي الكرخ (فلاح النعيمي)، وغيرهم في الكاظمية ، و(أبو سيفين)، والذين اشتهروا في عموم بغداد بمعرفتهم باليد التي تضم الخاتم ودون خطأ، وتمارس هذه اللعبة في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ مئات السنين وتضم فريقين يمثلان حارتين مختلفتين، يصل عددهم أحياناً إلى ألف لا عب في الفرق الكبيرة وتكون اللعبة عادة من جولة أو جولات عدة وعلى الفريق الفائز تحقيق الحد الأعلى من النقاط (21 نقطة) وتمتد مدة اللعبة إلى ساعات أحياناً ويخبئ أحد الفريقين الخاتم بين أيدي لاعبيه ويجتهد لعدم الكشف عنه من قبل الخصم مسجلين النقاط تلو النقاط وهكذا. تجري القرعة للاستحواذ على الخاتم مقابل نقطتين للفريق الآخر ويعتمد الفريق عادة على كشاف الخاتم بالدرجة الأساس وبالتالي على حامل الخاتم بالدرجة الثانية، ومن طقوس هذه اللعبة أن يتناول الفريقان والجمهور بعض الحلويات العراقية المعروفة بالزلابية والبقلاوة في نهاية اللعبة ويتحمل الفريق الخاسر أثمان الزلابية في الأحياء الشعبية.
الأناشيد والمقامات العراقية
ومن الطقوس الرمضانية الأخرى، هي تلك الجلسات في المقاهي البغدادية حيث تقرأ وتغنى أنواع المقامات العراقية مثل مقام ،الرست، و،المحداوي، و،الحجاز، والتي كانت تقرأ ترحيبا وتهليلا بليالي رمضان، إلا أجمل تلك الأغاني والأناشيد هي تلك التي يرددها الأطفال في أحياء بغداد في ليلة الرابع عشر والخامس عشر من رمضان حيث يخرج الفتية على اشكال مواكب يحملون اكياساً ويرددون اغنية كلماتها اشبه بالدعاء يطرقون الابواب وهم يرددون أهزوجتهم:
ماجينا يا ماجينا حلي الكيس وانطينا
انطونا الله ينطيكم بيت مكة يوديكم
واذا طال عليهم الوقوف ولم يخرج اليهم صاحب الدار يصرخون بأعلى أصواتهم:
يا أهل السطوح تنطونا لو نروح
فيخرج اصحاب الدور ويعطونهم ما لديهم من حلويات وفلوس وفواكة وكليجة، وبعض هؤلاء لا يعطيهم شيئاً وانما يسكب الماء عليهم من فوق السطح، فيهرع الاطفال هاربين وهم يرددون:
جبوا علينه الماي .. يابيت الفكر
ومن تلك التقاليد الجميلة والتي كان يمارسها الأطفال العراقيون، وهي انتظارهم على سطوح المنازل، وبمجرد سماعهم له فأنهم يقيمون الدنيا بصيامهم تضامناً مع اطفال المحلة:
ياصايمين افطرواكشفوا الانجانه واكلوا
التحضيرات للعيد
يتأهب الناس للعيد فيعدون حلوى (الكليجة) التي تصنع من الدقيق والتمر أو الجوز والفستق، ويتبادل الجيران أطباق (الكليجة) تماماً كما يتبادلون أطباق الإفطار في رمضان، وتنشغل النساء وتهيئة ملابس العيد، في اليوم الأخير من شهر رمضان يقف المسلمون فوق السطوح وعلى احواض المنائر لمراقبة هلال شهر شوال. وعند رؤيته يودعون شهر رمضان قائلين.. (الوداع يا شهر رمضان.. الوداع يا شهر الطاعة والغفران).
وفي ليلة العيد يتناول من كان صائماً أكلاً خفيفاً قبل النوم ويسمونه (سحور اليتيمة). وتوزع صدقة على الفقراء، وهي أما أن تكون نقوداً، أو حنطة أو أقمشة أو غيرها من كل فرد من أفراد العائلة حتى لو كان جنيناً في بطن أمه، وتسمى هذه الصدقة بـ (الفطرة).
الخاتمة
هذه بعض من تلك الطقوس الجميلة والتي امتازت بها البيئة البغدادية العراقية منذ عشرات السنين، والتي لا زالت على الرغم من تغيرات العصر وظروف الاحتلال الأمريكي تحتل في نفوسهم ميزة خاصة تربطهم بتلك الموروثات الشعبية والتي تناقلها أهالي بغداد جيل بعد جيل حتى تصل ليومنا الحاضر.