حث الطلاب على الجمع بين علم التفسير والحديث والفقه
العلوم الشرعية التي تُدرس لذاتها ثلاثة:
التفسير، والحديث، والفقه، ولا يستغني أيُّ طالب علم عن الجمع بينها، فبعضها يكمل بعضًا، ولا يكون العالم كاملا إلا بها، ومن قصَّر في شيء منها فقد فاته من العلم الكثير؛ لأنها أصل العلم، فهي علم الغاية، وما عداها علم آلة (وسيلة) تُدرس للتمكن من علم الغاية؛ كالنحو، وعلوم الحديث، وأصول الفقه، أو علوم متممة؛ كالقراءات، والتاريخ، وعلم الأدب.
وأما علم التوحيد والعقيدة؛ فهو من أهم العلوم الشرعية، وهو في الحقيقة يدخل في علم التفسير والحديث، فإنه لا يؤخذ إلا من الكتاب والسنة الصحيحة، وقد أفرده العلماء بالتصنيف لأهميته، كما أفردوا علم المواريث لأهميته، مع كونه داخلاً في علم الفقه.
وإن في علم التفسير التبيان لكل شيء والهدى والرحمة، وبه الخشوع وكل خير، وفي علم الحديث دراية ورواية التحقيق ومعرفة الراجح من المرجوح ومراتب المعلومات من يقين وغلبة ظن، وبه الاتباع وحسن الهدي ونبذ البدع، وفي علم الفقه معرفة الحلال الحرام، والحكم على جميع أعمال المكلفين بالأحكام الشرعية، وبه نفع الناس بالفتوى لهم والحكم بينهم وحل مشاكلهم وإصلاح ذات بينهم بالعدل، والقيام بأمور دينهم ودنياهم.
وإن الناظر في تراجم أكابر علماء السلف والخلف الراسخين في العلم، يجدهم جامعين بين هذه العلوم الثلاثة، فالخلفاء الراشدون وابن مسعود وأبيُّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وابن عباس وأبو موسى الأشعري وأم المؤمنين عائشة وغيرهم من علماء الصحابة رضي الله عنهم - كانوا علماء بتفسير كتاب الله، وعلماء بالحديث النبوي، وعلماء بالفقه.
ومشاهير علماء التابعين وتابعيهم كذلك كانوا يتكلمون في التفسير والفقه، ويحفظون الأحاديث ويرْوونها، ويتكلمون في فقهها؛ مثل: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبر وسعيد بن جبير وطاوس والشعبي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة والزهري ومحمد بن علي بن الحسين، ثم محمد بن إسحاق ومكحول الشامي والأوزاعي وابن المبارك وابن جريج وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة ومالك والليث بن سعد وهشيم بن بشير، ثم الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور والإمام البخاري وأبو داود، ثم إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري الذي كان إمامًا راسخًا مصنفًا في التفسير والفقه والحديث.
وبعد القرون الثلاثة المفضَّلة قلَّ من يجمع بين هذه العلوم الثلاثة، ويصنِّف فيها جميعًا، وكثر التخصص في واحد من هذه العلوم الثلاثة مع عدم التوسع في العلمين الآخرين، ونجد بعض العلماء كان يتوسع في علمين منها دون الثالث؛ كالتوسع في الفقه والحديث دون التفسير؛ مثل: الحافظ ابن عبد البر والعلامة ابن حزم والعلامة النووي، أو التوسع في التفسير والفقه دون الحديث؛ كالماوردي والقرطبي وابن عرفة وأبي السعود والسعدي وابن عاشور، أو التوسع في التفسير والحديث دون الفقه؛ مثل: أبي حيان والقاسمي.
ومع هذا فإن الناظر في كتب تراجم العلماء يجد في جميع الطبقات علماء راسخين جامعين بين التفسير والحديث والفقه، متوسعين في كل علم منها، وإن كان يغلب على بعضهم بعضها، وهم معدودون من أعلم علماء الأمة، ومن أكابر محققيها؛ مثل: ابن المنذر والطحاوي والقفال الشاشي وأبي عمرو الداني وأبي يعلى الفراء وأبي الوليد الباجي والقشيري والبغوي وابن العربي المالكي والقاضي عياض وابن عطية وابن الجوزي وابن الأثير والرافعي وابن الصلاح والعز بن عبدالسلام والمحب الطبري والمجد ابن تيمية، وحفيده شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وصدر الشريعة الحنفي والحافظ ابن كثير والكرماني والبُلقيني والحافظ العراقي والسيوطي وزكريا الأنصاري وابن الأمير الصنعاني والعلامة الشوكاني، ومن المتأخرين العلامة محمد الأمين الشنقيطي والعلامة عبدالعزيز بن باز والعلامة محمد بن صالح العثيمين، رحمهم الله جميعًا، ونفعنا بعلومهم.
فهؤلاء بعض العلماء الأعلام رحمهم الله تعالى الذين نص المؤرخون في تراجمهم أنهم جمعوا بين العلوم الثلاثة: التفسير والحديث والفقه، ونسأل الله أن يهدينا إلى ما هداهم إليه من الجمع بين هذه العلوم الثلاثة التي هي أصل العلم.