خور دبي في طريقه إلى «اليونسكو»
شهدت منطقة خور دبي الطبيعية والحيّة على الدوام، الكثير من الحركة في دروب مائها، ومنذ قرن ونصف، ولأن الطبيعة تُفسر المنشأ والظواهر الأخرى التي خرجت منها، تصبح الطبيعة موروثاً، ويصبح للتراث نهج وتفسير، وبما أن التفسير يُغْني حياتنا وعواطفنا فيما يخص طبيعتنا الملهمة، فلا بد أن يخرج من المكان قصص وأنشطة وأحداث وحياة بتفاصيلها من المنشأ إلى اللحظة، ليصب كل ذلك في كأس التراث، والنتيجة أنها اليوم أخذت طريقها إلى قائمة التراث العالمي.
موروث
يعدُّ خور دبي بموروثه الثقافي والطبيعي ذا قيمة استثنائية، ويقيناً أن المكان بات لافتاً للقريب والبعيد، بعد أن تم تسجيله في قائمة التراث العالمي، وأصبح يمتلك شهرة عالمية، وذلك لأهميته الجغرافية والاجتماعية المشتركة بين الدول والأجيال الماضية والحاضرة والقادمة، الأمر الذي جعل أهمية بالغة للعناية بهذا المكان بالنسبة للمجتمع الدولي والذي يحظى باهتمام فريد في دبي ودولة الإمارات، لتأخذ منطقة الخور بعد التسجيل أهميتها العالمية أمام إدارتهم، وتحديداً في مركز التراث العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، من خلال لجنة التراث العالمي المكونة من 21 عضواً من أصل 181 دولة، وحسب اتفاقية التراث العالمي الموقعة منذ عام 1972م.
القائمة المؤقتة
منطقة خور دبي من الممتلكات الثقافية التي تعكس ربط الإنسان بالطبيعة، بعد أن أدى هذا المنظر إلى تطور المجتمع الإنساني والتوطين البشري عبر الزمن، لتتوالى عليها القوى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من الخارج والداخل.
وكان كل ذلك ملائماً لمنظمة «اليونسكو» وتطلعاتها في المكان كقيمة عالمية استثنائية للتراث، ليتوافق خور دبي مع تلك القيمة الفائقة كما هي شروط المنظمة، بمعنى أن تتجاوز حدود أهميتها الوطنية ثقافياً، على مستوى الطبيعة، وأن تمضي في أهميتها إلى أجيال حاضرة والأجيال القادمة من البشرية، كي تمتد أهميتها كحارس لتراث المجتمع الإماراتي وبالتالي المجتمعات الدولية بأسرها، فيتم تدرجها إلى الممتلكات في قائمة التراث العالمي.
اللجنة
أما بالنسبة للجنة في قائمة التراث العالمي فإنها عادة ما تضع قائمة تمثيلية وموثوقة، وفقاً لاستراتيجيتها المعروفة التي اعتمدتها، كما أنها تبذل كل الجهود للمحافظة على توازن معقول بين التراث الثقافي والطبيعي في قائمتها... وبما أن خور دبي دخل كموقع طبيعي في القائمة المؤقتة ومنذ عام 2012م، فإن دبي رغم اهتمامها البارز بالخور، قامت أيضاً بتقدم ما لديها من تكملة الشروط من أجل إدراجها في القائمة، رغم أنه لم يتبقَّ سوى القليل لاستكمال المعلومات المطلوبة لتحيلها إلى الهيئات الاستشارية المختصة.
النهر المالح
موقع خور دبي الطبيعي يمثل الموطن بدلالاته البيولوجية في عين المكان، فناهيك عن أنه من المواقع النادرة، يبقى هذا اللسان البحري في مساره كالنهر المالح الذي يقسم المدينة إلى قسمين: ديرة وبردبي، وبالتالي عَبَرَ هذا الخورَ الكثيرُ من البشر بعبراتهم وسفنهم عقوداً طويلة للوصول إلى الضفتين أو الخروج منه... ورغم مياهه الضحلة والدافئة فيما مضى وقبل التوسعة فإنه يحتوي على مجموعة كبيرة ومتنوعة من الحياة البحرية التي كانت تمتد في السابق إلى محمية رأس الخور حيث الحياة البرية، ليظل عنصراً مهماً في تحديد موقع دبي التجاري، كونه الميناء الوحيد للإمارة حينها، ليشكل العصب الاقتصادي للمدينة.
الروح والإحساس
في جميع الثقافات يحترم الإنسان ما لديه من ممتلكات، ليدرسها، ثم ليوثقها إن كانت مستحقة، فبعد دراسة هذا التراث سواء أكان طبيعياً أم مادياً، يتم تقييمه ضمن السياق الثقافي، من نوع وشكل وتصميم واستعمال ووظيفة ولغة ومكان ونظام وأبعاد تاريخية أو فنية أو اجتماعية أو علمية... وحتى الروح والإحساس.
وبمناسبة الروح والإحساس بالمكان فإن التعامل مع هذه الخاصية يكون ضمن مؤشرات خاصة، من ضمنها التقاليد المستمرة في تواصلها الثقافي الدؤوب، كما لدى بعض المجتمعات المحافظة في العالم، لتبقى شروط السلامة مع حجم المكان تعبيراً عن القيمة العالمية للممتلكات المقترحة والمرشحة وبأشكالها المقترحة، فما إن يتم الاعتراف من المنظمة فإنه يأخذ شكله المستدام بيئياً وثقافياً.
ملاحظات
أكثر من ثماني سنوات وبلدية دبي تقوم بدورها، في تقديم الملف المقترح لليونسكو، وكان على الملف ملاحظات عدة تم تعديلها ويتم تقديم خور دبي إلى التسجيل، وبالطبع حين نقول: خور دبي فنعني بالخور الأصل، ضمن الحدود كما في الخريطة التي تم تحديدها، فكان من الملاحظات التي وضعتها لجنة اليونسكو، هو تصغير منطقة الخور ليتم تسجيله، فلا تهم اللجنة المناطق المطورة في البناء والمشاريع العمرانية، بقدر القيمة الاستثنائية للمكان نفسه. ونعني بالقيمة الاستثنائية في خور دبي الرئة المائية، التي لا تزال حية في نشاطها ومستمرة في حركة السفن والاقتصاد منذ 150 عاماً.
أما الملاحظة الثانية فكانت عن المباني التاريخية بين ضفتي الخور، مثل السوق الكبير في ديرة الذي يمارس النشاط نفسه منذ قرن ونصف، في أن يتم إظهار القيمة الاستثنائية للسوق في الملف، لتقوم دبي بترميم المباني في المنطقة، مع استمرار الأنشطة التجارية فيها، فكم من خيران أخرى كثيرة في العالم كانت نشطة، قد تم دفنها بسبب حركة العمران، ليأخذ الملف طريقه بعد مواجهة الملاحظات، ويتم ترشيح خور دبي في قائمة «اليونسكو» على أساس أن يصنف منطقة ثقافية وتراثية تعمل على احتواء الظواهر الحية ذات الجمال المختلف في سحره، أو حتى تلك التقاليد الحية أو الأفكار أو المعتقدات أو الأعمال الفنية والأدبية ذات الأهمية العالية والمؤثرة، أو تلك التضاريس المنسية والتي تمتاز بميزات بيولوجية أو فيزيوجغرافيا... إلى المناطق النادرة بمياهها الشديدة العذوبة، مروراً بالأنظمة الساحلية والبحرية ومجتمعات النباتات والحيوانات... وكل المناطق البيئية التي تساهم في تنمية النظم والمياه وحركة البشر لتحفظها المنظمة حفظاً وعلماً، كما هو خور دبي، الموئل القديم للكثير من البشر بين العبور والوجود كمستقر وملجأ.
أعداد وأرقام للسفن والبضائع في خور دبي منذ عام 1822م
تتزايد أهمية الخور منذ الربع الأول من القرن التاسع عشر وبالتحديد منذ عام 1822م أي حين وصل عدد السفن إلى التسعين سفينة رغم ضحالة الخور، وكانت قيمة العوائد السنوية للبضائع المحملة على ظهر السفن التجارية من عشرين ألفاً إلى ثلاثين ألف دولار، ففي تلك السنة تزايدت أعداد السفن الراسية في مرورها عاماً بعد عام مروراً بالخور وبين ضفتيه، ليصل إلى 150 سفينة في عام 1864م، و405 سفن عام 1908م وترتفع قيمة البضاعة إلى 51400 دولار، وهكذا ليصل الرقم في عام 1950 إلى 6450 سفينة، وقبل التسجيل في اليونسكو بعام، أي في عام 2011م، وصلت أعداد السفن إلى 25600 سفينة.
مراحل ترشيح خور دبي إلى لائحة التراث العالمي
تم إعداد ملف الترشيح منذ يناير إلى سبتمبر في عام 2012م، وقد استمرت شهوراً للتأكد من استيفائه لمتطلبات اليونسكو، حتى تم تقديمه بشكل رسمي وكان ذلك بين شهر أكتوبر في عام 2012م إلى شهر يناير 2013م، حيث شمل على مجلداتٍ ثلاثة وهي مجلد ملف الترشيح، ومجلد ثانٍ يحتوي على خطة إدارة الموقع، إضافة إلى مجلد يشمل الملحقات، وهكذا حتى تم الطلب من «الإيكوموس» أنفسهم لمراجعة الملف بين فبراير ومارس عام 2013م لمنطقة الترشيح.
المردود المعنوي والمادي لخور دبي على الإمارات
مع النمو المطرد لمدينة دبي من خلال هذا الخور العريق يصبح لهذا التسجيل أهميته؛ سواء من حيث المردود الكبير الذي سيحدثه لدولة الإمارات العربية المتحدة بصفة عامة وإمارة دبي بصفة خاصة، ليتمثل هذا المردود أو العائد في ناحيتين: المادية والمعنوية، فهو من ناحية ينمي اقتصاد الوطن بتعزيز السياحة الثقافية، ومن ناحية أخرى الحفاظ على الموروث الثقافي والهوية الوطنية واضعاً دبي على خارطة الثقافة العالمية، وتساهم بالتالي في رفع مكانة الدولة فيما يخص التنافسية الدولية، خاصة فيما يتعلق بالموروث الثقافي والهوية الوطنية.
شروط التسجيل لإدراج الموقع
لإدراج التراث الطبيعي أو المادي في قائمة التراث العالمي (اليونسكو) ثمة معايير عالية الاستثنائية تختارها المنظمة، بدءاً من السلامة التي تعني بها اللجنة: قياس مدى احتفاظ الموروث الثقافي بكامل أجزائه، مروراً بالأصالة، أي: القيمة الأصلية للموقع التي تتوافق مع الشكل والتصميم ومواد البناء، وهذا بلا شك يعني اتحاد وانسجام تقاليد المكان بالإنسان مع اللغة والروح والإحساس، وانتهاءً بشرط الحماية التي تأتي من الجهود المحلية التي ضحّت وبذلت لحماية الموقع المرشح.
وبعد هذه المعايير تقوم اللجنة بمراجعتها وبانتظام شديد، وقد اختارت العديد من المواقع، منها ما اختيرت لمعيار واحد، ومنها أكثر، لتبقى القيمة لا في أعدادها بل في قيمتها العالية، من المبادئ التوجيهية التشغيلية لتنفيذ اتفاقية التراث العالمي التي تُعد، ليعكس ما تم اختياره لتطويره كمفهوم للتراث.
أما عن منطقة خور دبي التي تُعد للمنظمة من المواقع الطبيعية كالغابات أو سلاسل الجبال، أو حتى المختلطة منها... والتي بلغت في أعدادها حتى عام 2013م 981 موقعاً موزعاً بين 160 دولة، يبقى خور دبي في موقعه متفرداً في حيويته وأصالته وروحه النابعة من حركة العبرات والقوارب القديمة التي تعبر الخور ذهاباً وإياباً محملة بالبضائع والناس، مقارنة مع كثير من الخيران في العالم التي كانت سبباً في بناء المدن حولها... ليتم ترشيح خور دبي بناءً على المعايير الثقافية التي تتجلى في المنطقة الممتدة بين الضفتين ومدى التأثيرات المتبادلة ثقافياً، ونعني هنا بالثقافة المعمارية ونمطها المستخدم بكثافة في تلك البراجيل الهوائية، والمساكنة بهدف استعمالها كتهوية في ظروف مناخية قاسية حول خور دبي.
أما المعيار الثقافي الآخر فهو المشهد الطبيعي الذي كان السبب في أن يصبح الخور القلب النابض لدبي طوال قرن ونصف القرن، واعتماد هذا الماء حيوياً أدى إلى تجارة وغوص ولؤلؤ... ساعدت على ديمومته.
10
عشرة معايير يجب توفرها بالموقع الطبيعي المهم لإدراجه في قائمة التراث العالمي (اليونسكو). لكن يقبل في حال توفر معيار واحد، إذا كان استثنائياً، وهذا طبعاً بجانب الالتزام بالاتفاقية والمبادئ.
3
تنشر منظمة اليونسكو الثقافة على نطاق واسع، انطلاقاً من إيمانها بأهمية ثلاثية: العدالة والحرية والسلام، في حياة الإنسانية، إذ تبقى من الأمور التي لا غنى عنها لكرامة الإنسان.
1963
بني نفق الشندغة أسفل الخور في هذا العام ليواكب سرعة الحركة، نظراً للنمو البشري والتجاري، إضافة إلى بناء جسر القرهود فوق الخور عام 1975م.