والذي نفس محمد بيده إنني لانا هو
الحمد لله رب العالمين
وقد وجدت البشارات به صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة وهي أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر.
ونحن نورد ههنا شيئا مما وجد في كتبهم التي يعترفون بصحتها، ويتدينون بتلاوتها، مما جمعه العلماء قديما وحديثا ممن آمن منهم، واطلع على ذلك من كتبهم التي بأيديهم،
1-ففي السفر الاول من التوراة التي بأيديهم في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام ما مضمونه وتعريبه: إن الله أوحى إلى إبراهيم عليه السلام، بعدما سلمه من نار النمروذ:
أن قم فاسلك الارض مشارقها ومغاربها لولدك، فلما قص ذلك على سارة طمعت أن يكون ذلك لولدها منه، وحرصت على إبعاد هاجر وولدها، حتى ذهب بهما الخليل إلى برية الحجاز وجبال فاران، وظن إبراهيم عليه السلام أن هذه البشارة تكون لولده إسحاق.
، حتى أوحى الله إليه ما مضمونه:
أما ولدك فإنه يرزق ذريةعظيمة، وأما ولدك إسماعيل فإني باركته وعظمته، وكثرت ذريته، وجعلت من ذريته ماذ ماذ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وجعلت في ذريته اثنا عشر إماما، وتكون له أمة عظيمة،
وكذلك بشرت هاجر
حين وضعها الخليل عند البيت فعطشت وحزنت على ولدها، وجاء الملك فأنبع زمزم، وأمرها بالاحتفاظ بهذا الولد، فإنه سيولد له منه عظيم، له ذرية عدد نجوم السماء.ومعلوم أنه لم يولد من ذرية إسماعيل، بل من ذرية آدم، أعظم قدرا ولا أوسع جاها، ولا أعلى منزلة، ولا أجل منصبا، من محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي استولت دولة أمته على المشارق والمغارب، وحكموا على سائر الامم.
وهكذا في قصة إسماعيل من السفر الاول:
أن ولد إسماعيل تكون يده على كل الامم، وكل الامم تحت يده وبجميع مساكن إخوته يسكن، وهذا لم يكن لاحد يصدق على الطائفة إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم
وأيضا في السفر الرابع في قصة موسى
أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام: أن قل لبني إسرائيل: سأقيم لهم نبيا من أقاربهم مثلك يا موسى، وأجعل وحيى بفيه وإياه تسمعون.
وفي السفر الخامس
وهو سفر الميعاد - أن موسى عليه السلام خطب بني إسرائيل في آخر عمره - وذلك في السنة التاسعة والثلاثين من سني التيه - وذكرهم بأيام الله وأياديه عليهم، وإحسانه إليهم، وقال لهم فيما قال:
واعملوا أن الله سيبعث لكم نبيا من أقاربكم مثل ما أرسلني
إليكم، يأمركم بالمعروف، وينهاكم عن المنكر، ويحل لكم الطيبات، ويحرم عليكم الخبائث، فمن عصاه فله الخزى في الدنيا، والعذاب في الآخرة
وأيضا في آخر السفر الخامس وهو آخر التوراة التي بأيديهم:
جاء الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران: وظهر من ربوات قدسه، عن يمينه نور، وعن شماله نار، عليه تجتمع الشعوب.
أي جاء أمر الله وشرعه من طور سيناء - وهو الجبل الذي كلم الله موسى عليه السلام عنده - وأشرق من ساعير وهي جبال بيت المقدس - المحلة التي كان بها عيسى بن مريم عليه السلام - واستعلن أي ظهر وعلا أمره من جبال فاران، وهي جبال الحجاز بلا خلاف، ولم يكن ذلك إلا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم
فذكر تعالى هذه الاماكن الثلاثة على الترتيب الوقوعي، ذكر محلة موسى، ثم عيسى، ثم بلد محمد صلى الله عليه وسلم، ولما أقسم تعالى بهذه الاماكن الثلاثة ذكر الفاضل أولا، ثم الافضل منه، ثم الافضل منه، على قاعدة القسم فقال تعالى:
(والتين والزيتون)
والمراد بها محلة بيت المقدس حيث كان عيسى عليه السلام
(وطور سينين) وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى
(وهذا البلد الامين ]
وهو البلد الذي ابتعث منه محمدا صلى الله عليه وسلم
قاله غير واحد من المفسرين في تفسير هذه الآيات الكريمات.
وفي زبور داود عليه السلام صفة هذه الامة بالجهاد والعبادة،
وفيه مثل ضربه لمحمد صلى الله عليه وسلم، بأنه ختام القبة المبنية، كما ورد به الحديث في الصحيحين
" مثلي ومثل الانبياء قبلي كمثل رجل بنى دارا فأكملها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يطيفون بها
ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة ؟ "
ومصداق ذلك أيضا في قوله تعالى * (ولكن رسول الله وخاتم النبيين)
وفي الزبور صفة محمد صلى الله عليه وسلم
بأنه ستنبسط نبوته ودعوته وتنفذ كلمته من البحر إلى البحر، وتأتيه الملوك من سائر الاقطار طائعين بالقرابين والهدايا، وأنه يخلص المضطر، ويكشف الضر عن الامم، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له، ويصلي عليه في كل
وقت، ويبارك الله عليه في كل يوم، ويدوم ذكره إلى الابد. وهذا إنما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم *
وفي صحف شعيا
في كلام طويل فيه معاتبة لبني إسرائيل، وفيه فإني أبعث إليكم وإلى الامم نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ القلب ولا سخاب في الاسواق، أسدده لكل جميل، وأهب له كل خلق كريم، ثم أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى في ضميره، والحكمة معقوله، والوفاء طبيعته، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى ملته، والاسلام دينه، والقرآن كتابه، أحمد اسمه، أهدي به من الضلالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين القلوب المختلفة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، قرابينهم دماؤهم، أنا جيلهم في صدورهم، رهبانا بالليل، ليوثا بالنهار
(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)
وفي الفصل الخامس من كلام شعيا:
يدوس الامم كدوس البيادر، وينزل البلاء بمشركي العرب، وينهزمون قدامه.
وفي الفصل السادس والعشرين منه:
ليفرح أرض البادية العطشى، ويعطي أحمد محاسن لبنان، ويرون جلال الله بمهجته
وفي صحف إلياس عليه السلام:
أنه خرج مع جماعة من أصحابه سائحا، فلما رأى العرب بأرض الحجاز قال لمن معه: انظروا إلى هؤلاء فإنهم هم الذين يملكون حصونكم العظيمة، فقالوا: يا نبي الله فما الذي يكون معبودهم ؟ فقال: يعظمون رب العزة فوق كل رابية عالية.
ومن صحف حزقيل:
إن عبدي خيرتي أنزل عليه وحيي، يظهر في الامم عدلي، اخترته واصطفيته لنفسي، وأرسلته إلى الامم بأحكام صادقة.
ومن كتاب النبوات:
أن نبيا من الانبياء مر بالمدينة فأضافه بنو قريظة والنضير، فلما رآهم بكى، فقالوا له: ما الذي يبكيك يا نبي الله ؟ فقال: نبي يبعثه الله من الحرة، يخرب دياركم ويسبي حريمكم
قال: فأراد اليهود قتله فهرب منهم.
ومن كلام حزقيل عليه السلام:
يقول الله: من قبل أن صورتك في الاحشاء قدستك وجعلتك نبيا، وأرسلتك إلى سائر الامم.
وفي صحف شعيا أيضا، مثل مضروب لمكة شرفها الله:
افرحي يا عاقر بهذا الولد الذي يهبه لك ربك، فإن ببركته تتسع لك الاماكن، وتثبت أوتادك في الارض وتعلو أبواب مساكنك، ويأتيك ملوك الارض عن يمينك وشمالك بالهدايا والتقادم، وولدك هذا يرث جميع الامم، ويملك سائر المدن والاقاليم، ولا تخافي ولا تحزني فما بقي يلحقك ضيم من عدو أبدا، وجميع أيام ترملك تنسيها.
وهذا كله إنما حصل على يدي محمد صلى الله عليه وسلم.وإنما المراد بهذه العاقر مكة، ثم صارت كما ذكر في هذا الكلام لا محالة.
ومن أراد من أهل الكتاب أن يصرف هذا ويتأوله على بيت المقدس وهذا لا يناسبه من كل وجه والله أعلم
وفي صحف أرميا:
كوكب ظهر من الجنوب، أشعته؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟، سهامه خوارق، دكت له الجبال.
وهذا المراد به محمد صلى الله عليه وسلم
وفي الانجيل يقول عيسى عليه السلام:
إني مرتق إلى جنات العلى، ومرسل إليكم الفار قليط روح الحق يعلمكم كل شئ، ولم يقل شيئا للقاء نفسه.
والمراد بالفار قليط محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهذا كما تقدم عن عيسى أنه قال
(ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)
وهذا باب متسع، ولو تقصينا جميع ما ذكره الناس لطال هذا الفصل جدا، وقد أشرنا إلى نبذ من ذلك يهتدي بها من نور الله بصيرته وهداه إلى صراطه المستقيم، وأكثر هذه النصوص يعلمها كثير من علمائهم وأحبارهم، وهم مع ذلك يتكاتمونها ويخفونها.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي،
عن الغليان بن عاصم قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ شخص ببصره إلى رجل فدعاه، فأقبل رجل من اليهود مجتمع عليه قميص وسراويل ونعلان، فجعل يقول: يا رسول الله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
أتشهد أني رسول الله ؟
فجعل لا يقول شيئا إلا قال: يا رسول الله، فيقول: أتشهد أني رسول الله ؟ فيأبى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أتقرأ التوراة ؟ قال: نعم، قال: والانجيل ؟ قال: نعم، والفرقان ورب محمد لو شئت لقرأته،
قال: فأنشدك بالذي أنزل التوراة والانجيل وأنشأ خلقه بها، تجدني فيهما ؟
قال: نجد مثل نعتك، يخرج من مخرجك، كنا نرجو أن يكون فينا، فلما خرجت رأينا أنك هو، فلما نظرنا إذا أنت لست به،
قال: من أين ؟
قال: نجد من أمتك سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، وإنما أنتم قليل، قال: فهلل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر، وهلل وكبر، ثم قال:
والذي نفس محمد بيده إنني لانا هو، وإن من أمتي لاكثر من سبعين ألفا وسبعين وسبعين (رواه البيهقي في الدلائل).
والحمد لله رب العالمين