القطلب… شجرة “صاحبة مزاج” تعيش وسط “العمالقة”
يواصل رئيس “نادي طرقات لبنان للإجر (القدم) المخفية” المتخصص في علم الانتروبولوجيا شمعون مونس دراسة وتصنيف أهم الأشجار البرية في لبنان، بعد سنوات من استكشاف الطرق القديمة التي كانت ممرا للأجداد قبل أن تكون ثمة وسائل نقل حديثة، وأعاد إليها – من خلال النادي – بعضا من حياة متصلة بنوستالجيا الماضي، خصوصا وأنها كانت تفضي إلى معصرة عنب أو زيت، وجسور قديمة وحتى معابد ترقى إلى آلاف السنين. وما زال مونس يتابع إلى الآن شجرة “القطلب” وتحديد خارطة تواجدها في مختلف المناطق اللبنانية، فضلا عن أشجار منسية وتمثل بعضا من معالم طبيعة لبنان، إلا أن شجرة “القطلب” استوقفته لما تتمتع به من خصائص جمالية وبيئية. وبالعفل، إذا ما نظرنا إلى هذه الشجرة الرائعة، فنجدها غريبة و”صاحبة مزاج”، أو هكذا تبدو شجرة “القطلب” في ما بقي من أحراج لبنان، لا تنمو وتكبر بعزلة، أو حتى مع رفيقات من بني جنسها، غالباً ما تنشد بيئتها الخاصة وسط أشجار السنديان والعرعر والملول “العملاقة”، في سلوك “اجتماعي نباتي” غريب، يستدعي دراسة جيناتها وحتى طبائعها، إلا إذا كان ثمة تفسير آخر يمكن ان يمهد لمعرفة نفورها من الوحدة ومؤاثرتها العيش متخفية بين أشجار لا تشبهها. شجرة مثمرة وشجرة “القطلب” وإن كانت حرجية صلبة، إلا أنها تنتمي لفصيلة الاشجار المثمرة، وليس ثمة من يعلم لماذا لم يتم تدجينها والاستفادة من انتاجها، لكن – وحسب بعض اهالي المتن الاعلى، فإن “ثمارها صغيرة وغير مربحة زراعياً، مثلها مثل أشجار الزعرور والميس ونبتة العليق”. وإذا ما تتبعنا توزعها الجغرافي في لبنان، فإن “شجرة (القطلب) باتت على شفا الانقراض، على ما أكد مونس لـ “greenarea”، وأشار إلى مقاربة ميدانية لاشجار القطلب بين ما كانت عليه قبل عشر سنوات وما هي عليه اليوم، اذ لاحظ أن “القطلب تراجع الى اكثر من 60 بالمئة ولم لم يعد موجودا في مناطق حرجية عدة من لبنان”. في المتن الاعلى، ولا سيما في المنطقة الممتدة من صليما الى ارصون ثمة عدد قليل من اشجار القطلب، وتعرِّف عنها المهندسة الزراعية جنان أبو سعيد بأنها “أشجار متوسطية رائعة الجمال دائمة الخضرة قد يصل ارتفاعها إلى 12 مترا وتتواجد مع أشجار السنديان والبلوط”. وتضيف: “أوراقها قاسية متوسطة الحجم تشبه ورقة الكاوتشوك لكنها أقل ثخانة وحجما، لونها أخضر جميل جدا كشجرة تزينينة تتناوب عليها كافة الألوان، ففي بداية الربيع تكون خضراء زاهية تكتسي بعناقيد زهرية تتحول إلى اللون الأبيض الوردي ثم تعود خضراء ومن ثم تصبح صفراء بفعل ألوان الثمار كون الشجرة تثمر بغزارة فيطغى لون الثمار وتكون صفراء لتصبح حمراء قرمزية ثم تميل إلى اللون الأحمر قبل تساقط الأوراق”. وقالت أبو سعيد المتخصصة ايضا في مجال هندسة الجنائن: “ان جذع هذه الشجرة لونه أحمر داكن وقاس جداً يمكن استخدامه في مجال الديكورات، وان كنا لا نحبذ قطع الاشجار، لكن من الممكن استخدامها كنوع من أشجار الزينة”، لافتة إلى أن “الموطن الاصلي للقطلب هو المناطق المعتدلة الدافئة من البحر الأبيض المتوسط وغرب أوروبا وأميركا الشمالية”، مؤكدة أن “في الأصل موطنها منطقة البحر الأبيض المتوسط من لبنان الى سوريا واليونان وتركيا”. مهددة بالانقراض أما شمعون مونس فيؤكد أن “القطلب موجود في كل المناطق اللبنانية المعتدلة الارتفاع ما بين 400 والف متر وقد نجدها احيانا على ارتفاع 1300″، ولاحظ مونس أن “هذه الشجرة مهددة بالانقراض من القطع والرعي الجائر”، لافتا الى أن “شجرة القطلب لا تنبت وتنمو الا وسط اشجار السنديان والبلوط والشعشوع والعرعر ونادرا ما نجدها منفردة”. وقال: “ان ضامني قطع الاحراج لا يميزون بينها وبين اشجار السنديان ويتم قطعها طمعا بالحصول على كميات أكبر من الحطب والفحم”، لافتاً إلى أن “المشكلة ليست في تشذيب الشجرة والحصول على اغصان منها فهي قادرة على تجديد اغصانها ومعاودة النمو”، ولكنه لاحظ أن “اعتماد المنشار الآلي هو السبب الرئيسي في القضاء على القطلب بسبب اجتثاث جذعها الرئيسي ما يتسبب بحرق الجذع ما يحول دون قدرة الشجرة على النمو من جديد”. واشار الى ان “ثمة مساحات شاسعة من الاحراج اختفت خلال السنوات العشر الماضية وفقدنا أنواعا كثيرة من الاشجار والنباتات”، واضاف: “ما نزال كناد في طور إعداد دراسة موثقة عما تواجه شجرة القطلب من مخاطر تتهدد بيئتها الطبيعية من قطع جائر وتمدد عمراني وحرائق وكسارات ومرامل”، وتوقف عند عامل مهم ايضاً لجهة “اصطياد الطيور التي تتغذى على ثمارها وهي من الطيور المقيمة واهمها الشحرور والهدهد وانواع كثيرة من العصافير والسمن وبعض الطيور المهاجرة، وهي تلعب دورا اساسياً في نقل البذور والمساهمة في انباتها في الاحراج”. واضاف: “خلال جولاتنا الاستكشافية لطبيعة لبنان وجباله مع فرق من الهواة ومحترفي التسلق تكون ثمار القطلب زادنا وتمدنا ثمارها بالنشاط والقوة فضلاً عن أن طعمها مزيج بين الكيوي والكرز والمندرين وبذورها صغيرة جدا”. وعن أهمية القطلب، يرى مونس أن “هناك خاصية مهمة لهذه الشجرة، فثمارها تنضج مع بداية الخريف وتظل تثمر افواجا عدة وصولا الى فصل الشتاء، ولذلك هي مصدر غذاء مهم للانسان والطيور”. القطلب وقطاع النحل رئيس “جمعية مربي النحل في المتن الأعلى” عبدالناصر المصري، أشار الى أن “شجرة القطلب تبدأ مرحلة الازهار باكرا، وتحديدا في شهر أيار”، وقال: “يظن كثيرون أن النحل لا يستفيد من ازهارها لجني العسل كونها تزهر قبل فترة جني العسل، وهذا صحيح في حدود معينة، لكن أهمية هذه الشجرة بالنسبة لقطاع تربية النحل انها ترفد القفران بالغذاء الضروري خلال تحضير النحل للقفران، أي مع بداية اعداد العاملات وتساهم في تربية افواج كبيرة من العاملات”، ورأى المصري أن “وجود القطلب يمثل ضرورة بيئية على مستوى دورة النبات ونحن كنحالين ندرك أهمية هذا التوازن البيئي، فنحن بيئيون قبل ان نكون مربي نحل”، وشكا من “مشكلة الحرائق التي تقضي على القطلب والاشجار والنباتات العاسلة”. فوائده الطبية وتحدث الخبير في النباتات الطبية طارق ابو الحسن عن الفوائد الصحية لشجرة القطلب، لافتاً بداية إلى أنه “لا يمكن استخدامها كبديل عن الادوية في مجال الاستطباب، ولكن يمكن الاستفادة من ثمارها كمتمم غذائي في معالجة الاكزيما المرتبطة بالنقرس والروماتيزم وآلام الروماتيزم والمفاصل خصوصا في المفاصل الكبيرة كالركبة والمرفقين وآلام الظهر ومشاكل البول المتقدمة المتعلقة بالمثانة والبروستات”. لافتا إلى “اهمية اوراقها ايضا التي تحتوي على (جليكوزيد اربوتين) وهي مادة لها فاعلية في إزالة البقع الداكنة”، مضيفا الى أن “الأوراق تحتوي أيضا على احماض نباتية أساسية في تأهيل البشرة، فضلا عن عناصر قابضة تفيد في شد البشرة ومواد أخرى مضادة للأكسدة كما أنها مفيدة لالتهابات المجاري البولية”