حكومة الاغلبية بين عصا المالكي وجزرة الكتل السياسية
منذ الساعات الاولى لتشكيل الحكومة العراقية بعد مخاض عسير استمر اكثر من 8 اشهر لا تزال مرارة الاحباط الذي عاشه الشعب العراقي في تلك الفترة شاخصة في حلقومه كالموس الذي لا يستطيع بلعه او لفظه !!
منذ ان اتضحت صورتها بكابينتها التي وصلت 42 حقيبة , لم يزول ذاك التشآئم من خلجات افكاري وانا اتأمل مستقبل هذا البلد المنهك من كثرما نهشت من جسده مخالب الصديق والعدو ,, القريب والبعيد .
ليصل الحال به ان لا تتورع ايدي ابنائه من الاشتراك في عمليه نهبه التي اصبحت عالمية بل كونية , منذ اللحظات الاولى التي سمعنا بها مصطلحات الشراكة والمشاركة والمحاصصة والتوازن ...... الخ
كانت تلك الحكومة هي الصورة الاقبح لمشهد توزيع الكيكة العراقية الذي تحول سريعا الى عراك حامي الوطيس وتدافع وفق منطق صراع الغاب والبقاء للاقوى و الى مشهد اشترك فيه الجميع كل يسعى لينال ما يمكنه ان يحوشه بذراعيه الطويلتين , محاولا ان يدفع بقية الايدي بعيدا عن طبق الكيكة , ليكون هو ايضا صاحب الحظ الاوفر في الكرّة القادمة !!
هكذا كان المشهد بالرغم من الرتوشات وعمليات تحسينه وتجميله!!
في هذا الواقع الباعث على التشاؤم المستمر
حملتنا تصريحات خجولة بصوت خافت من قائمة دولة القانون بدت وكأنها للاستهلاك الاعلامي الداخلي عن حكومة اغلبية سياسية , على ولادة بصيص امل في كومة الركام من التشآئم المتحطم على قارعة طريق الامل .
كنا نعلم بان الوقت لم يحن بعد لانطلاق اول حكومة اغلبية سياسية , تسعى لتطبيق برنامجها السياسي والاقتصادي والخدمي والتنموي بعيدا عن عراقيل المحاصصة المقيتة التي اصابت جميع مفاصل الدولة بالشلل الكلي , وتكون مسؤولة امام الشعب عن نجاحه او فشله ليقول الشعب كلمته الفصل في الجولة القادمة .
لكننا تأملنا خير بمثل هذه الرؤيا , والتغريد خارج سرب تلك الوحوش المنقضة على فريستها , وكأنها دعوة لتلك الضواري الفتاكة بأخذ نفس من اجل ان يُفسح المجال لحوار اعادة تقسيمها بشكل عادل , او ان تتمكن بعض الصغار والضعاف من ان تنال شيء من الكيكة ريثما تعاود تلك الوحوش عدم الاكتراث بتلك الدعوة وهذا الصوت النشاز المنادي .
فنحن نعلم علم اليقين ان الحديث عن مبدأ العدالة والمساواة مع تلك الوحوش لا يجدي نفعا !!
كانت بارقة امل بان تؤسس هذه الدعوات وهذا الحديث عن حكومة الاغلبية السياسية لواقع مختلف عن الواقع المحاصصة الذي لم نجني منه طول ما يقارب 10 سنين سوى التشرذم المجتمع , ومزيد من المآسي للشعب على جميع الاصعة , الامنية والاقتصادية والخدمية ...
لم يصل هذا الحديث الى مستوى الصرخة في وجه تلك الوحوش الضواري , حتى بدت وكأنها ليست إستراتيجية للحل تنطلق منها دولة القانون - التي تفردت بهذا الرؤيا – في جميع تعاملاتها مع سائر الكتل الاخرى المتفقة جميعا على بقاء هذا الوضع على ما هو عليه بل ربما الجميع يسعى لتأصيله وتجذيره في جميع مفاصل الدولة .
بدت هذه التصريحات الخجولة الخافته وكأنها تكتيك مؤقت تستخدمه من اجل كبح شراهة شركائها قليلا .
ربما كانت الاسلوب الانجع في حلحلة الكثير من الازمات السياسية حتى اكثرها حدة كمثل ازمة سحب الثقة , التي سرعان ما تراجعت جميع الكتل السياسية الى مواقعها ( الهجومية ) بمجرد الحديث عن السعي لتشكيل حكومة اغلبية سياسية .
لكن ان يصل الحال بالكتل البرلمانية والسياسية لعرقلة جميع المساعي الرامية لاعادة بناء العراق وبناه التحتية التي اعادتها الحروب المتهورة للنظام البعثي طيلة 35 عام الى العصور الحجرية .حتى اصبحت الدولة بجميع مفاصلها ومؤسساتها غير قادرة على تقديم ابسط خدمة للمواطن .
تلك البنى غير الموجودة بل التي تقاس بدرجات كبيرة في المحور السالب مقارنة بإحداثيات ما يعيشه العالم اليوم , حتى قدر خبراء الاقتصاد ان عملية اعادة تأهيلها تحتاج في اقل تقدير اكثر من 500 مليار دولار , في الوقت الذي لم تبلغ ميزانية العراق الاستثمارية سوى بضع مليارات في احسن صورها لم تتجاوز 37% من ميزانية العراق السنوية .
تذهب حصة الاسد منها للهدر غير المسؤل وجيوب الفاسدين في ضل النظام المحاصصاتي الذي اختارته وتمسكت به الكتل السياسية .
ونحن نعيش مماطلة البرلمان والكتل السياسية في اقرار هذا القانون قبل ان تخضعه للمساومات والصفقات المشبوهة , عاودت دولة القانون ملوحة بعصا حكومة الاغلبية , وإنها ستسعى باتجاه حكومة الاغلبية اذا استمر البرلمان في المماطلة اسبوع بعد اسبوع دون اقراره , عسى ان يبادرها بالجزرة ليثنيها عن مساعيها بهذا الاتجاه او عن ذاك الحديث - لأنه لا وجود لمساعي حقيقية - .
نحن نعلم ان امكانية تشكيل حكومة اغلبية في الوقت الراهن لا تعدو كونها ضرب من الخيال , لا سيما عمر الحكومة في عامه الاخير , وقد لا تكون هناك جزرة , وإن كانت فهي من اجل الكف عن حديث الاغلبية وفتح هذا الباب , لما لفتحة اثآر قد تنسحب للدورة القادمة وقد تكون هي المعول الذي سيهدم مشروعهم مستقبلا .
لحد الان لم يرتق الحديث عن حكومة الاغلبية السياسية الى الاستراتيجية الثابته والممنهجة التي ينبغي على دولة القانون بناء جميع سياساتها انطلاقا منها , ولا تزال ففي دائرة التكتيك وسياسة العصا والجزرة المتبادلة بينها وبين البرلمان والكتل الاخرى
وعلى دولة القانون ان تنتقل اذا كانت جادة في حديثها هذا الى السعي الحقيقي لتشكيل حكومة اغلبية سواء في هذه الدورة او الدورة القادمة , وتعلن بصراحة فعلية وعملية عن رفضها لسياسات المحاصصة والشراكة والمشاركة , وإنها لا تقبل الا ان تكون حاكمة و تكون مسؤولة عن نجاح الحكومة وفشلها , او تكون في المعارضة تراقب الحكومة وتحاسبها .
عليها حين الحديث عن حكومة اغلبية ان تعلن ذلك صريحا و واضحا بأنها لا تعود لمنطق المحاصصات مرة اخرى بأي صورة كانت تلك المحاصصة .