إكرام الضيف.. فطرة العرب
المصدر:دبي - سعيد الوشاحي
الكرم سمة متجذرة في المجتمع الإماراتي
الكرم سمة العرب المتوارثة منذ القدم، وفيه ضربت الأمثلة وقيلت الأشعار، فالتاريخ حافل بمواقف راسخة، عكست في مضامينها ارتباط القدامى بهذه الصفة واعتبارها أحد أهم مبادئ الحياة، ولا يمكن التخلي عنها حتى وإن كلفهم ذلك نفيس أموالهم وأملاكهم، فاستقبال الضيف وإكرامه بسخاء، فطرة جبل عليها العرب عموماً والبدو على وجه الخصوص.
في المجتمع الإماراتي تحديداً، أدرك الناس عادات جميلة لاستقبال الضيف بحفاوة واحترام، لا زالت ماثلة إلى اليوم، وإن أتت رفاهية الحياة على بعض تفاصيل المشهد نسبياً، إلا أن الجوهر العربي والقناعة التقليدية والعادات والتقاليد لا زالت كما هي، فإلى الآن تتواصل ملحمة الإيثار والعطاء في كل بيت، وإن اختلفت التفاصيل من منطقة لأخرى.
ترحيب واستقبال
في الماضي، كان يطلق على الضيف الذي يأتي من خارج «الفريج» أو المنطقة «الخاطر» للشخص أو «الخطار» للمجموعة، حيث يتم استقبالهم عند مدخل «الفريج»، في حين يترجل الضيوف عن دوابهم قبيل دخولهم المنطقة، تقديراً لأهالي الحي الذي يقصدونه، فيجدون الترحيب الحار والاستقبال اللائق من كل الأشخاص الذين يصادفونهم، فيما يقدم أهل الحي على ربط الراحلة والدواب وتقديم الأعلاف لها، ومن ثم اصطحاب الضيوف إلى بيت الشخص الذي يقصدونه، أو بيت الأكبر مكانة في «الفريج»، ذلك حسب ما أوضح عبيد الكتبي، أحد المهتمين بالسنع والتراث الإماراتي.
القهوة والعلوم
وقال إن الضيافة تبدأ بتقديم «الفوالة» والقهوة للضيف، وسابقاً إذا جاء الضيف قاصداً أهل البيت لحاجة ما، تراه يمسك بفنجان القهوة، ولا يشربه إلا بعد أن يقول حاجته وتُلبى له، وإن لم يتم تلبية ما جاء من أجله، ربما يمتنع عن شرب القهوة، وذلك قليل ما يحدث في المجتمعات العربية والبدوية، فغالباً ما ينتهي المطلب الذي جاء من أجله الضيف بكلمة «تم» أو «ياك ما طلبت» من قبل المضيف، ثم يشرب قهوته، ويتحدثون في التفاصيل بعد أخذ «العلوم»، والتي تبدأ بسؤال المضيف للضيف بجملة «يحي علومك» أو «شي علوم»، فيجيب الضيف: «تسلم تدوم» أو «ما شي إلا علوم الخير»، ويتبع ذلك بجملة «إلا كان من
التفرغ للمضيف
صوبك»، فيجيب المضيف «ما شي إلا علوم الخير».
تكاتف الجيران
وأشار عبيد الكتبي إلى أن قنوات التواصل والاتصال المتاحة حالياً، لم تكن متوفرة في الماضي، لذلك كان الضيف يأتي بصورة مفاجئة في أحيان كثيرة، وحين يتم استقباله، يتكاتف أفراد الأسرة والجيران و«الفريج» لإكرام الضيف، إذ يسارع البعض في ذبح المواشي للقيام بالواجب تجاه القادم، وتتولى النساء مهمة طبخ الوليمة، وفي بعض الأحيان يتولى الرجال ذلك، ويحرص المضيف أثناء تقديم الوليمة للضيف على أن تضم رأس الذبيحة، وذلك ليشعر الضيف بمكانته وحفاوة استقباله، حيث يبادر الضيف بفتح الرأس أثناء تناول الطعام، وإذا لم يقدم يعتبر المضيف ذلك إنقاصاً من شأنه، لافتاً إلى أن هذه التفاصيل تختلف من مكان إلى آخر.
وأضاف إن الجيران كانوا يلازمون جارهم لمساعدته على إكرام ضيفه، وبعد الانتهاء من تناول الوليمة، يبدأ الجيران بتوجيه الدعوات للضيف لتناول الوجبات التالية في بيوت مختلفة، إذا كان الضيف سيمكث بضعة أيام، أما إذا أراد العودة سريعاً فيحرص الجيران على دعوته لتناول «الفوالة» في بيوتهم، ويصرون على ذلك، وإذا لم يسعفه الوقت لتلبية دعوات الآخرين، فربما يحمل معه «ذبيحة» يهديها له أحد الجيران.
أوضح عبيد الكتبي أن إكرام الضيف عادة متأصلة في المجتمع الإماراتي، تغيرت بعض ملامحها تأثراً بتطور أنماط الحياة وتغيرها، إذ بات متعارفاً أن يُخطر الضيف مضيفه بقصده في يوم معلوم، ليتفرغ المضيف ويستعد لاستقباله وإكرامه، وعلى الرغم من هيمنة سلوكيات الحداثة على المجتمع نسبياً، إلا أن حالة الكرم والحفاوة بالضيف لازالت تتشبث بصورها التقليدية.