نأت حكومة أمريكا بنفسها عن الفلم السينمائي المسيء لرسول المسلمين، وتذرعت بحرية الرأي، ولاتكترث أمريكا أصلاً لسب الرسول، بل لا تزعجها افتراءات شركات الافلام ودور النشر والإعلام الصهيونية على المسيح بن مريم، إذ اتهموه بالشذوذ الجنسي ومصاحبة العاهرات وغير ذلك من التهم الشنيعة، وهو في اعتقادهم ليس مجرد نبي بل ابن الله، تعالى الله عما يصفون.
أمريكا تتظاهر بالاستياء من غضب بعض المسلمين، الذين تظاهروا أمام سفاراتها وقتلوا بعض دبلوماسيها، لأن حكومة أمريكا ومنذ اكثر من نصف قرن تقترف من الإساءات بحق الإسلام والمسلمين ما هو أشد إيلاماً وضرراً في نظرها من سب الرسول الأعظم، من دون أن يثير ذلك ردود فعل مناسبة من العرب والمسلمين.
امريكا ربما حائرة في فهم سلوك بعض العرب الغيورين على نبيهم لكنهم لا يقيمون وزناً لمسؤوليتها عن تأسيس الكيان الصهيوني الغاصب ومشاركتها في كل جرائمه، السابقة والحاضرة والمستقبلية.
لعل حكام أمريكا وصناع القرار فيها مندهشون من المسلمين، الذين تداعوا لنصرة نبيهم، واستهدفوا بغضبهم بعثاتها الدبلوماسية، وهم لم يحركوا ساكناً ولو للاحتجاج السلمي على تهويد حلفائها الصهاينة للقدس الشريف وتدنيسهم حرمة المسجد الأقصى، ومنعهم المسلمين من التعبد فيه.
لو هب المسلمون أو الكثير منهم للتعبير عن سخطهم على خضوع بعض حكوماتهم لمشيئة أمريكا، وتحالفها الاستراتيجي والامني معها والسماح لها بإنشاء قواعد عسكرية على أراضيهم وتقديم التسهيلات لقواتها، وعبروا عن ذلك بالوسائل السلمية الممكنة فقط، ولفترة زمنية مناسبة لتوقعت وتفهمت أمريكا احتجاجات المسلمين على سب نبيهم الكريم.
أمريكا تفرض الحصار والمقاطعة الاقتصادية على دول اسلامية وعربية، ويعاونها في ذلك العرب والمسلمون، لكن العرب والمسلمين لا يجرؤون على المساس بمصالحها في المنطقة أو مقاطعة شركاتها وبضائعها، ومادامت سياساتها ومصالحها مصانة من قبل العرب والمسلمين لا تكترث أمريكا لسخط متظاهرين.
هي ليست أول مرة يعبر فيها الأمريكان عن ازدرائهم للإسلام ورموزه، ومن قبل أحرقوا القرآن الكريم مرات وانتهكوا حرمة المساجد وقتلوا المصلين العزل، ودافعوا عن المسيئين للرسول في أمريكا وغيرها، وفي كل مرة لم تتلبد اجواء العلاقات الحميمة بين امريكا ومعظم المسلمين بالغيوم بل لم تعكرها سحابة صيف، لذا لا تعير امريكا أهمية لسخط بعض المسلمين لأنها تعرف جيداً بأنهم غداً سينسون أو ينشغلون بتدبير لقمة العيش وبالتوجس خيفة من بعضهم البعض وبالحقد الطائفي والعرقي والفئوي والمناطقي بينهم.