بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
كلمة طالما اشتاق إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “عليه السلام” منذ ولادته التي حصلت في الكعبة الشريفة لتكون عنوانا للطهارة والعبادة, وليكون محطاً لأنظار البشرية إليه بإجلال واحترام.
كلمة جسد واقعها “عليه السلام” ليكون الركن الأساس لبنيان الإسلام حيث دعا الرسول الأعظم عشيرته الأقربين إلى اعتناقه وليآزروه في محنته كي ينتفض على الشرك وعبدة الأوثان, وليبرز لهم الإسلام بصورته المشرقة ولتذهب الأوثان إلى مأوى سحيق لم يستجب لتلك الدعوة سوى علي عليه السلام فهو الذي تحمل أعباء تلك الرسالة السامية ليكون السهم الصائب في صدور الأعداء ..
وقد تجمعت فيه الخصال الحميدة كلها من الأخوة الصادقة التي قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم :أنت أخي في الدنيا والآخرة(1) .. ومن الكرم العظيم الذي لم تعرف كفه معنى التقتير او البخل وبذلك شهد المسلمون على مرّ العصور.. ومن الأمانة التي تحملها في حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله حتى قال عنه صلى الله عليه وآله: أقضى أمتي علي(2).. فالقضاء أمانة لا يتحملها إلا نبي أو وصي نبي .
ومن الشجاعة التي جسّدها بمعانيها كافة في معاركه الخالدة, فكان الأول في ساحات الوغى حتى خشيّ عليه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من كيد الأعداء وغدرهم لما برز لابن عبد ود العامري الذي يعد بألف فارس، فقال صلى الله عليه وآله وسلم كلمته المشهورة: برز الإيمان كله إلى الشرك كله(3).
وجسّد الزهد والورع حينما كانت حياته مبنية على ذلك فكان من خبر ضرار بن ضمرة الضبابي عند دخوله على معاوية ومسألته عن أمير المؤمنين، قال فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم أي الملسوع ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: (يا دنيا يا دنيا إليك عنّي، أبي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك، هيهات هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلَّقت ثلاثاً لا رجعة لي فيك، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلَّة الزاد وطول الطريق ووحشة السفر).
وفيما كتب (عليه السلام) إلى سهل بن حنيف: (ألا وان لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه ألا إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك فأعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد فو الله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادخرت من غنائمها وفراً ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ولا حزتُ من أرضها شبرا ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة. ولهي في عيني أوهى واهون من عفطة مقرة(4).
كلمة كان يرددها ويلقيها على مسامع المسلمين ليذّكر بالآخرة وان الدنيا مآلها إلى زوال فكان يقول عليه السلام في كتاب له عليه السلام إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافته: (أما بعد فإنما مثل الدنيا مثل الحية لين مسها، قاتل سمها، فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما أيقنت به من فراقها. وكن آنس ما تكون بها، أحذر ما تكون منها. فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى محذورا والى إيناس إزالته عنه إلى إيحاش)(5).
كلمة الموت لم يعبأ بها مادام عليِّ مع الحق والحق مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض(6).. كلمة طالما طرقت مسامع الجميع إلا إنهم اتخذوا زخارف الدنيا فبنوها وعمروها وخربوا آخرتهم فقال له يا أبا ذر ما لنا نكره الموت قال لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب(7).
كلمة آثر الإمام علي عليه السلام يرددها في محافل المسلمين ليؤكد أن الإنسان خلق من تراب ولابد وان يعود إلى تراب كما نص القرآن الكريم على هذه الحقيقة قال تعالى: (َلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ( 5 ) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ( 6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ( 7 ) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ).
ولتتجسد هذه الحقيقة لما قال عليه السلام وهو يقول :
اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك
فقد أعرف أقواما وإن كانوا صعاليك
مساريع إلى الخير وللشر مناديك(8)
كلمة لو يؤثر دنياه على آخرته، ولم يعبأ في يوم ما إلى أن يطمع بها حيث كان يقول لابن عباس: ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت: لا قيمة لها ! قال: والله لهي أحب إليّ من أمرتكم، إلا أقيم حقاً, أو أدفع باطلاً(9).
كلمة مسك الختام كانت في شهادته في بيت الله تعالى بعد البطولات والتضحيات العظام لتنعم حياته من ولادته حتى استشهاده بالاطمئنان والرضا في سبيل ربها لتعود راضية مرضية كلمة الختام هي فزت ورب الكعبة قالها أمير المؤمنين عليه السلام حينما ضربه أشقى الأولين والآخرين ليكون عنوانا خالداً للإيمان والصبر والعفو عند المقدر، والصفح الجميل تلك هي حياة بطل خالد وأخ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام شهيد الخالدين .
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
1-الفصول المهمة – الشيخ علي المالكي الشهير بابن الصباغ –ص37
2 -الغدير –الاميني –ج3 –ص96
3-بحار الأنوار –المجلسي –ج39-ص1-ح1
4-نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –ص505-من كتاب له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف –رقم 45
5-نهج البلاعة –جمعه الشريف الرضي – ومن كتاب له عليه السلام إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته –ص552- رقم الكتاب -68
6 – الخصال – الصدوق –ص541-ح5
7- الاعتقادات الصدوق –ص 66 –باب الاعتقاد في الموت
8 – بحار الأنوار – المجلسي –ج42-ص238 -239
9 -نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –ص92- رقم الخطبة 33-من خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة