وما يعقلها إلا العالمون ---- وكلمة عن العقل
الحمد لله
نحن نعلم يقيناً أن الله عز وجل حينما يكلم الناس بكلامه إنما يخاطب العقلاء، ويخاطب العلماء، ويخاطب الذين يتفكرون،ولكننا نعلم أن العقل البشري مختلف،

فالعقل عقلان: عقل مسلم وعقل كافر.
هذا العقل الكافر ليس عقلاً، فقد يكون ذكاء ولكن لا يكون عقلاً، لأن العقل في أصل اللغة العربية هو الذي يعقل صاحبه، ويربطه ويقيده أن ينفلت يمينا وشمالا، ولا يمكن للعقل ألا ينفلت يميناً وشمالاً؛ إلا إذا اتَّبع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله علية وسلم

ولذلك حكى الله عز وجل عن الكفار والمشركين حينما يعترفون بحقيقة أمرهم:
أنهم حينما كانوا كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم:
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾(الروم:7).

يعترفون أنهم حينما كانوا عارفين بأمور الدنيا أنهم لم يكونوا عقلاء، ذلك هو قولهم فيما حكاه ربنا عنهم:
﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾(الملك:10).

إذن هناك عقلان: عقل حقيقي وعقل مجازي.

العقل الحقيقي: هو العقل المسلم الذي آمن بالله ورسوله، أما العقل المجازي: فهو عقل الكفار؛ لذلك قال تعالى في القرآن كما سمعتم آنفا عنهم: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.وقال بصورة عامة عن الكفار:
﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾.فإذن هم لهم قلوب، ولكنهم لا يعقلون بها، لا يفهمون بها الحق.

إذا عرفنا هذه الحقيقة وهي حقيقة ما أظن أنه يختلف فيها اثنان، وينتطح فيها عنزان؛ لأنها صريحة في القرآن وفي أحاديث الرسول عليه السلام لكني أريد أن أتوصل من هذه الحقيقة إلى حقيقة أخرى التي هي نقطة البحث في هذه اللحظة مني.إذا كان عقل الكافر ليس عقلا

فعقل المسلم ينقسم أيضا إلى قسمين:

عقل عالم وعقل جاهل.فالعقل المسلم الجاهل لا يمكن أن يكون مساوياً في عقله وفي فهمه لعقل العالم، لا يستويان مثلا أبداً. لذلك قال تعالى:
﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾
إذن: لا يجوز للمسلم الحق، المؤمن بالله ورسوله حقاً أن يحكم عقله، وإنما يخضِع عقله لما قال الله وقال رسول الله ص.

-أُكرِّر ما قلته آنفاً؛ أنا لا أنفى أن العقل له قيمته لما سبق ذكره، لكن ليس للعقل أن يحكم على الكتاب والسنة، وإنما العقل يخضع لحكم الكتاب والسنة وما عليه ألا أن يفهم ما جاء في الكتاب وفي السنة.

من هنا انحرف المعتزلة قديما؛ فأنكروا حقائق شرعية كثيرة، وكثيرة جدا؛ بسبب أنهم سلطوا عقولهم على نصوص الكتاب السنة فحرفوها، وبدلوا فيها وغيروا، وبتعبير علماء السلف: عطلوا نصوص الكتاب والسنة.

هذه النقطة أريد أن ألفت نظركن إليها وهي: أنه ينبغي إخضاع العقل المسلم لنص الكتاب والسنة بعد فهم الكتاب والسنة. . فالحكم هو الله ورسول الله، وليس الحاكم عقل البشر هذه النقاط وهذه الأدلة ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ﴾

العقل الفطري السليم
من أصول الاستدلال عند أهل السنة ومثال ذلك
إثبات الصفات لله عز وجل ومنها صفة العلو
لا خلاف بين المسلمين جميعا أن الله تعالى كان ولا شيء معه لا عرش ولا كرسي ولا سماء ولا أرض ثم خلق الله تعالى الخلق،

فإذا كان كذلك فمما لا شك فيه أن مخلوقاته تعالى إما أن يكون خلقها في ذاته تعالى فهي حالَّة فيه وهو حالّ فيها وهذا كفر لا يقول به مسلم، وإن كان هو لازم مذهب الجهمية وغلاة الصوفية الذين يقول قائلهم:
" كل ما تراه بعينك فهو الله " تعالى عما يقول الظالمون علواًّ كبيراً.

وإذا كان الأمر كذلك فمخلوقاته تعالى بائنة عنه غير مختلطة به. وحينئذ فإما أن يكون الله تعالى فوق مخلوقاته وإما أن تكون مخلوقاته فوقه تعالى وهذا باطل بداهة فلم يبق إلا أن الله تبارك وتعالى فوقها، وهو المطلوب المقطوع ثبوته في الكتاب والسنة وأقوال السلف ومن جاء بعدهم من الأئمة على اختلاف اختصاصاتهم ومذاهبهم

رد شبهات من أنكر النقل وقَدَّس العقل,
وبيان أن العقل الصحيح هو المطَعَّم بالشرع التابع له, وبيان خطورة الخوض في الغيبيات بالعقل

: كثير من الناس اليوم يظنون بسبب ضيق أفقهم العلمي أولاً وأعني بالعلم:
الشرع، وضيق أفقهم العقلي ثانياً أن العلم الشرعي يصطدم مع العلم الجريبي، مثاله: لو سألت الأطباء اليوم: العقل أين مركزه أفي الرأس أم في الصدر؟ لأجابوك في الرأس وسيأتوك بأمثلة تجريبية أنه إذا تعطل الدماغ بمعطل ما انتهى الإنسان لا يعقل صحيح هذا الكلام أو لا؟ إذاً: العقل مركزه الرأس وهذا يخالف القرآن الكريم حيث قال: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ ما قال: أم لهم رؤوس لا يعقلون بها، إذاً: الصواب:
أنا بصفتي مسلم أعتقد بما قال الله -أم لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا- وأكد ذلك عليه السلام بقوله في الحديث:
«إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» بخارى ثم قال تعالى مؤكداً للآية السابقة: ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ﴾
والحمد لله رب العالمين