فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
ولا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ
فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
صوت الرعاة و من لم يمشِ يندثر
• * *
ليس في الغابات راعٍ
لا ولا فيها القطيعْ
فالشتا يمشي و لكن
لا يُجاريهِ الربيعْ
خُلقَ الناس عبيداً
للذي يأْبى الخضوعْ
فإذا ما هبَّ يوماً
سائراً سار الجميعْ
* * *
أعطني النايَ و غنِّ
فالغنا يرعى العقولْ
وأنينُ الناي أبقى
من مجيدٍ و ذليلْ
* * *
و ما الحياةُ سوى نومٍ تراوده
أحلامُ من بمرادِ النفس يأتمرُ
و السرُّ في النفس حزن النفس يسترهُ
فإِن تولىَّ فبالأفراحِ يستترُ
و السرُّ في العيشِ رغدُ العيشِ يحجبهُ
فإِن أُزيل توَّلى حجبهُ الكدرُ
فإن ترفعتَ عن رغدٍ وعن كدرِ
جاورتَ ظلَّ الذي حارت بهِ الفكرُ
* * *
ليس في الغابات حزنٌ
لا و لا فيها الهمومْ
فإذا هبّ نسيمٌ
لم تجىءْ معه السمومْ
ليس حزن النفس الاَّ
ظلُّ وهمٍ لا يدومْ
و غيوم النفس تبدو
من ثناياها النجومْ
* * *
أعطني الناي و غنِّ
فالغنا يمحو المحنْ
و أنين الناي يبقى
بعد أن يفنى الزمنْ
* * *
و قلَّ في الأرض مَن يرضى الحياة كما
تأتيهِ عفواً و لم يحكم بهِ الضجرُ
لذاك قد حوَّلوا نهر الحياة الى
أكواب وهمٍ اذا طافوا بها خدروا
فالناس إن شربوا سُرَّوا كأنهمُ
رهنُ الهوى وعَلىَ التخدير قد فُطروا
فذا يُعربدُ إن صلَّى و ذاك إذا
أثرى و ذلك بالأحلام يختمرُ
فالأرض خمارةٌ و الدهر صاحبها
و ليس يرضى بها غير الألى سكروا
فإن رأَيت أخا صحوٍ فقلْ عجباً
هل استظلَّ بغيم ممطرٍ قمرُ
* * *
ليس في الغابات سكرٌ
من خيال أو مدام
فالسواقي ليس فيها
غير إكسير الغمامْ
إنما التخدير ُ ثديٌ
و حليبٌ للانامْ
فإذا شاخوا و ماتوا
.بلغوا سن الفطامْ
* * *
أعطني النايَ و غنِّ
فالغنا خير الشرابْ
و أنين الناي يبقى
بعد أن تفنى الهضاب
* * *
و الدينُ في الناسِ حقلٌ ليس يزرعهُ
غيرُ الألى لهمُ في زرعهِ وطرُ
من آملٍ بنعيمِ الخلدِ مبتشرٍ
و من جهولٍ يخافُ النارَ تستعرُ
فالقومُ لولا عقابُ البعثِ ما عبدوا
رباًّ و لولا الثوابُ المرتجى كفروا
كأنما الدينُ ضربٌ من تجارتهمْ
إِن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا
* * *
ليس في الغابات دينٌ
لا ولا الكفر القبيحْ
فاذا البلبل غنى
لم يقلْ هذا الصحيحْ
إنَّ دين الناس يأْتي
مثل ظلٍّ و يروحْ
* * *
أعطني الناي و غنِّ
فالغنا خيرُ الصلاة
و أنينُ الناي يبقى
.بعد أن تفنى الحياةْ
* * *
و العدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا
بهِ و يستضحكُ الاموات لو نظروا
فالسجنُ و الموتُ للجانين إن صغروا
و المجدُ و الفخرُ و الإثراءُ إن كبروا
فسارقُ الزهر مذمومٌ و محتقرٌ
و سارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطرُ
و قاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ
و قاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ
* * *
ليس في الغابات عدلٌ
لا و لا فيها العقابْ
فاذا الصفصاف ألقى
ظله فوق الترابْ
لا يقول السروُ هذي
بدعةٌ ضد الكتابْ
انَّ عدلَ الناسِ ثلجُ
إنْ رأتهُ الشمس ذابْ
* * *
أعطني الناي و غنِ
فالغنا عدلُ القلوبْ
و أنين الناي يبقى
بعد أن تفنى الذنوبْ
* * *
و الحقُّ للعزمِ و ألارواح ان قويتْ
سادتْ و إن ضعفتْ حلت بها الغِيرُ
ففي العرينة ريحٌ ليس يقربهُ
بنو الثعالبِ غابَ الأسدُ أم حضروا
و في الزرازير جُبن و هي طائرة
و في البزاةِ شموخٌ و هي تحتضر
و العزمُ في الروحِ حقٌ ليس ينكره
عزمُ السواعد شاءَ الناسُ أم نكروا
فإن رأيتَ ضعيفاً سائداً فعلى
قوم إذا ما رأَوا أشباههم نفروا
* * *
ليس في الغابات عزمٌ
لا و لا فيها الضعيفْ
فاذا ما الأُسدُ صاحت
لم تقلْ هذا المخيفْ
انَّ عزم الناس ظلٌّ
في فضا الفكر يطوفْ
و حقوق الناس تبلى
مثل اوراق الخريفْ
* * *
أعطني الناي و غنِّ
فالغنا عزمُ النفوسْ
و أنينُ الناي يبقى
بعد أن تفنى الشموسْ
* * *
و العلمُ في الناسِ سُـبْـلٌ بانَ أوَّلها
امَّا أواخرها فالدهرُ و القدرُ
و أفضلُ العلم حلمٌ إن ظفرتَ بهِ
و سرتَ ما بين أبناء الكرى سخروا
فان رأيتَ أخا الأحلام منفرداً
عن قومهِ و هو منبوذٌ و محتقرُ
فهو النبيُّ و بُردُ الغَدّ يحجبهُ
عن أُمةٍ برداءِ الأمسِ تأتزرُ
و هو الغريبُ عن الدنيا وساكنِها
و هو المهاجرُ لامَ الناس أو عذروا
و هو الشديد و إن أبدى ملاينةً
و هو البعيدُ تدانى الناس أم هجروا
* * *
ليس في الغابات علمٌ
لا و لا فيها الجهولْ
فاذا الأغصانُ مالتْ
لم تقلْ هذا الجليلْ
انّ علمَ الناس طرَّا
كضبابٍ في الحقولْ
فاذا الشمس أطلتْ
من ورا آلأفقِ يزولْ
* * *
أعطني النايَ وغنِّ
فالغنا خير العلومْ
و أنينُ الناي يبقى
بعد أن تطفى النجومْ
* * *
و الحُرُّ في الأرض يبني من منازعهِ
سجناً لهُ و هو لا يدري فيؤتسرُ
فان تحرَّر من أبناءِ بجدتهِ
يظلُّ عبداً لمن يهوى و يفتكرُ
فهو الأريب و لكن في تصلبهِ
حتى و للحقِّ بُطلٌ بل هو البطرُ
و هو الطليقُ و لكن في تسرُّعهِ
حتى الى أوجِ مجدٍ خالدٍ صِغرُ
* * *
ليس في الغابات حرٌّ
لا ولا العبد الدميمْ
انما الأمجادُ سخفٌ
و فقاقيعٌ تعومْ
فاذا ما اللوز ألقى
زهره فوق الهشيمْ
لم يقلْ هذا حقيرٌ
وأنا المولى الكريمْ
* * *
أعطني الناي و غني
فالغنا مجدٌ أثيلْ
و أنين الناي ابقى
من زنيمٍ و جليلْ
* * *
و اللطفُ في الناسِ أصداف و إن نعمتْ
أضلاعها لم تكن في جوفها الدررُ
فمن خبيثٍ له نفسان واحدةٌ
من العجين و أُخرى دونها الحجرُ
و من خفيفٍ و من مستأنث خنثِ
تكادُ تُدمي ثنايا ثوبهِ الإبرُ
و اللطفُ للنذلِ درعٌ يستجيرُ بهِ
ان راعهُ وجلٌ او هالهُ الخطرُ
فان لقيتَ قوياًّ ليناً فبهِ
لأَعينٍ فقدتْ أبصارها البصرُ
* * *
ليس في الغابِ لطيفٌ
لينهُ لين الجبانْ
فغصونُ البان تعلو
في جوار السنديانْ
و اذا الطاووسُ أُعطي
حلةً كالارجوانْ
فهوَ لا يدري أحسنٌ
فيهِ ام فيهِ افتتان
* * *
أعطني الناي و غنِّ
فالغنا لطفُ الوديعْ
وأنين الناي ابقى
من ضعيفٍ و ضليعْ
* * *
والظرفُ في الناس تمويهٌ وأبغضهُ
ظرفُ الأولى في فنون الاقتدا مهروا
من مُعجبٍ بأمورٍ وهو يجهلها
و ليس فيها له نفعٌ ولا ضررُ
و من عتيٍّ يرى في نفسهِ ملكاً
في صوتها نغمٌ في لفظها سُوَرُ
و من شموخٍ غدت مرآتهُ فلكاً
و ظلهُ قمراً يزهو و يزدهرُ
* * *
ليس في الغابِ ظريف
ظرفهُ ضعف الضئيلْ
فالصَّبا و هي...عليل
ما بها سقمُ العليلْ
انّ في الانهار طعماً
مثل طعم السلسبيلْ
و بها هولٌ و عزمٌ
يجرفُ الصلدَ الثقيلْ
* * *
أعطني الناي و غنِّ
فالغنا ظرفُ الظريفْ
وأنين الناي ابقى
من رقيق وكثيفْ
* * *
و الحبُّ في الناس أشكالٌ و أكثرها
كالعشب في الحقل لا زهرٌ ولا ثمرُ
و أكثرُ الحبِّ مثلُ الراح أيسرهُ
يُرضي و أكثرهُ للمدمنِ الخطرُ
و الحبُّ ان قادتِ الاجسامُ موكبهُ
الى فراش من اللذّات ينتحرُ
كأنهُ ملكٌ في الأسر معتقلٌ
يأبى الحياة و أعوان له غدروا
* * *
ليس في الغاب خليعٌ
يدَّعي نُبلَ الغرامْ
فاذا الثيران خارتْ
لم تقلْ هذا الهيامْ
إنَّ حبَّ الناس داءٌ
بين حلمٍ و عظامْ
فاذا ولَّى شبابٌ
يختفي ذاك السقامْ
* * *
أعطني النايَ و غنِّ
فالغنا حبٌّ صحيحْ
وأنينُ الناي ابقى
من جميل ومليحْ
* * *
وإن لقيتَ محباً هائماً كلفاً
في جوعهِ شبعٌ في وِردهِ الصدرُ
و الناسُ قالوا هوَ المجنونُ ماذا عسى
يبغي من الحبِّ او يرجو فيصطبرُ
أَفي هوى تلك يستدمي محاجرهُ
و ليس في تلك ما يحلو و يعتبرُ
فقلْ همُ البهمُ ماتوا قبل ما وُلدوا
أنَّى دروا كنهَ من يحيي و ما اختبروا
* * *
ليس في الغابات عذلٌ
لا و لا فيها الرقيبْ
فاذا الغزلانُ جُنّتْ
اذ ترى وجه المغيبْ
لا يقولُ النسرُ واهاً
إن ذا شيءٌ عجيبْ
إنما العاقل يدعى
عندنا الأمر الغريبْ
* * *
أعطني الناي و غنِّ
فالغنا خيرُ الجنون
و أنين الناي ابقى
من حصيفٍ و رصينْ
* * *
و قل نسينا فخارَ الفاتحينَ و ما
ننسى المجانين حتى يغمر الغمرُ
قد كان في قلب ذى القرنين مجزرةٌ
و في حشاشةِ قيسِ هيكلٌ وقرُ
ففي انتصارات هذا غلبةٌ خفيتْ
و في انكساراتِ هذا الفوزُ و الظفرُ
و الحبُّ في الروح لا في الجسم نعرفهُ
كالخمرِ للوحي لا للسكرِ ينعصرُ
* * *
ليس في الغابات ذِكْرٌ
غير ذكر العاشقينْ
فالأُلى سادوا ومادوا
و طغوا في العالمين
أصبحوا مثل حروفٍ
في أسامي المجرمينْ
فالهوى الفضّاح يدعى
عندنا الفتح المبينْ
* * *
أعطني الناي و غنّ
و انس ظلم الأقوياء
إنما...الزنبق كأسٌ
للندى لا للدماء
* * *
و ما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ
يُرجى فإن صارَ جسماً ملهُ البشرُ
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً
حتى اذا جاءَهُ يبطي و يعتكرُ
لم يسعد الناسُ الا في تشوُّقهمْ
الى المنيع فان صاروا بهِ فتروا
فإن لقيتَ سعيداً و هو منصرفٌ
عن المنيع فقل في خُلقهِ العبرُ
* * *
ليس في الغاب رجاءٌ
لا و لا فيه المللْ
كيف يرجو الغاب جزءا
وعلى الكل اشتملْ
* * *
وغايةُ الروح طيَّ الروح قد خفيتْ
فلا المظاهرُ تبديها و لا الصوَرُ
فذا يقول هي الأرواح إن بلغتْ
حدَّ الكمال تلاشت و انقضى الخبرُ
كأنما هي...أثمار إذا نضجتْ
و مرَّتِ الريح يوماً عافها الشجرُ
و ذا يقول هي الأجسام ان هجعت
لم يبقَ في الروح تهويمٌ و لا سمرُ
كأنما هي ظلٌّ في الغدير إذا
تعكر الماءُ ولّت ومَّحى الاثرُ
ضلَّ الجميع فلا الذرَّاتُ في جسدٍ
تُثوى و لا هي في الارواح تحتضرُ
فما طوتْ شمألٌ أذيال عاقلةٍ
إلا ومرَّ بها الشرقي فتنتشرُ
* * *
لم أجدْ في الغاب فرقاً
بين نفس و جسدْ
فالهوا ماءٌ تهادى
و الندى ماءٌ ركدْ
و الشذا زهرٌ تمادى
.و الثرى زهرٌ .جمدْ
و ظلالُ الحورِ حورٌ
ظنَّ ليلاً فرقدْ
* * *
أعطني النايَ و غنِّ
فالغنا جسمٌ وروح
وأنينُ الناي ابقى
من غبوق وصبوحْ
* * *
و الجسمُ للروح رحمٌ تستكنُّ بهِ
حتى البلوغِ فتستعلى و ينغمرُ
فهي الجنينُ وما يوم الحمام سوى
عهدِ المخاض فلا سقطٌ و لا عسرُ
لكن في الناس أشباحاً يلازمها
عقمُ القسيِّ التي ما شدَّها وترُ
فهي الدخيلةُ والأرواح ما وُلدت
من القفيل و لم يحبل بها المدرُ
و كم عَلَى الارض من نبتٍ بلا أَرجٍ
و كم علا الأفقَ غيمٌ ما به مطرُ
* * *
ليس في الغاب عقيمٌ
لا و لا فيها الدخيلْ
إنَّ في التمر نواةً
حفظت سر النخيلْ
و بقرص الشهد رمزٌ
عن فقير و حقولْ
انما العاقرُ لفظ
صيغ من معنى الخمولْ
* * *
أعطني الناي و غنِّ
فالغنا جسمٌ يسيلْ
و أنينُ الناي أبقى
. من مسوخ و نغولْ
* * *
و الموتُ في الأرض لابن الارض خاتمةٌ
و للأثيريّ فهو البدءُ و الظفرُ
فمن يعانق في أحلامهِ سحراً
يبقى و من نامَ كل الليل يندثرُ
و من يلازمْ ترباً حالَ يقظتهِ
يعانقُ التربَ حتى تخمد الزهرُ
فالموتُ كالبحر , مَنْ خفّت عناصره
يجتازه , و أخو الاثقال ينحدرُ
* * *
ليس في الغابات موتٌ
لا و لا فيها القبورْ
فاذا نيسان ولىَّ
لم يمتْ معهُ السرورْ
إنَّ هولَ الموت وهمٌ
ينثني طيَّ الصدورْ
فالذي عاش ربيعاً
كالذي عاش الدهورْ
* * *
أعطني الناي وغنِّ
فالغنا سرُّ الخلود
و أنين الناي يبقى
.بعد أن يفنى الوجود
* * *
أعطني الناي وغنِّ
وانسَ ما قلتُ و قلتَ
انما النطقُ هباءٌ
فأفدني ما فعلتَ
هل تخذتَ الغاب مثلي
منزلاً دون القصورْ
فتتبعتَ السواقي
و تسلقتَ الصخورْ
هل تحممتَ بعطرٍ
و تنشفت .بنورْ
و شربت الفجر خمراً
في كؤُوس من أثيرْ
هل جلست العصر مثلي
.بين جفنات العنبْ
و العناقيد تدلتْ
كثريات الذهبْ
فهي للصادي عيونٌ
و لمن جاع الطعامْ
وهي شهدٌ و هي عطرٌ
و لمن شاءَ المدامْ
هل فرشتَ العشب ليلاً
و تلحفتَ الفضا
زاهداً في ما سيأْتي
ناسياً ما قد مضى
و سكوت الليل بحرٌ
موجهُ في مسمعكْ
وبصدر الليل قلبٌ
خافقٌ في مضجعكْ
ا
أعطني الناي و غنِّ
و انسَ داًْ و دواء
إنما...الناس سطورٌ
كتبت...لكن بماء
ليت شعري أي نفعٍ
في اجتماع وزحامْ
و جدالٍ و ضجيجٍ
واحتجاجٍ وخصامْ
كلها أنفاق خُلدٍ
و خيوط العنكبوتْ
فالذي يحيا بعجزٍ
فهو في بطءٍ يموتْ
* * *
العيشُ في الغاب و الأيام لو نُظمت
في قبضتي لغدت في الغاب تنتثرٌ
لكن هو الدهرُ في نفسي له أَربٌ
فكلما رمتُ غاباً قامَ يعتذرُ
و للتقادير سبلٌ لا تغيرها
و الناس في عجزهم عن قصدهم قصروا