بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام،مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة الإسلامية، والموضوع اليوم المصائب.
العبرة أن تكشف حكمة المصيبة:
أيها الإخوة، ليست العبرة أن تعلم أن هناك مصيبة، ولكن العبرة أن تكتشف حكمة المصيبة، لأن إدراك الحدث شيء سهل جداً، لكن أن تدرك الحكمة من هذا الحدث هنا البطولة، فالمصائب موجودة، هناك فقر، وقهر، وفقد حرية، ومرض، ومصائب لا تعد ولا تحصى، وهذا شيء واقع، وهو قدرنا في الحياة الدنيا، ولكن لما ؟

إن إنسانا يركب مركبة فيها ضوء أحمر تألق في لوحة البيانات، المشكلة ليس أنه تألق أو لم يتألق، لقد تألق ورآه راكب المركبة رأي العين، لكن المشكلة لماذا تألق ؟ فلو توهم راكب المركبة أو قائدها أن هذا التألق تزييني لاحترق المحرك، أما إذا فهم التألق تألقا تحذيريا أوقف المركبة، وأضاف الزيت، وسلم المحرك، وتابع الرحلة، وحقق الهدف.
إذاً: المشكلة ليست في أنه تألق أو لم يتألق، المشكلة أنه تألق، لكن لمَ تألق ؟ السؤال الأكبر: لمَ كانت المصائب ؟ لذلك قيل: من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر.
دائماً وأبداً حينما يأتي الشيء على خلاف ما ترجو توقف وابحث ودقق وتأمل واتهم نفسك.
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ، إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
[ مسلم عن أبي ذر]

إياك أن تحابي نفسك، كن مع نفسك شديداً، كن مع نفسك واقعياً، الله عز وجل غني عن تعذيبنا، قال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ (147) ﴾
( سورة النساء)
لا بد من حكمة بالغة من شدة ساقها الله للإنسان، فلذلك المصائب لها حِكم بليغة، عرفها من عرفها، وما أقلَّهم، وجهِلها مَن جهلها، وما أكثرهم.
لكن للتوضيح، هذه المركبة السيارة لماذا صنعت ؟ صنعت من أجل أن تسير، فعلة صنعها السير، ولماذا كان فيها المكبح، والمكبح نظرياً يتناقض مع علة صنعها، صنعت كي تسير، والمكبح يوقفها، تفسير ذلك أن المكبح وإن كان يتناقض مع علة صنعها إلا أنه ضمان لسلامتها، فبين أن تفهم المكبح أنه يتناقض مع علة صنع السيارة، وبين أن تفهم المكبح أنه ضمان لسلامتها.

الآن مع الآيات:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) ﴾
( سورة الأنعام)
إذا كنا مقطوعي الصلة بالله، فتأتي المصيبة من أجل أن تدفعنا إلى باب الله من أجل أن تسوقك إلى الإقبال على الله، من أجل أن تمرغ جبهتك في أعتاب الله، من أجل أن تذوق طعم القرب، إذاً: المصائب لها حكم جليلة.
آية ثانية:
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) ﴾
( سورة الأعراف)
المصيبة رسالة ربّانية:
المصيبة رسالة، نحن الآن عندنا مصطلح جديد، يقال: هذا العرض العسكري رسالة إلى دول الجوار، الله عز وجل له رسالات كثيرة، من هذه الرسالات قوله تعالى:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) ﴾
( سورة القصص)

لولا أن الله يسوق لعباده هذه المصائب لكان الله ملوماً يوم القيامة من قِبَل الناس.
للتقريب: لو أن ابناً في الصف الخامس طلب من والده ألاّ يدرس، قال له: لك ذلك يا بني، فترك الدراسة، نام إلى الظهر، استمتع بالحياة استمتاعا تميز به عن كل مَن حوله، لما أصبح شاباً التفت حواليه، فإذا به بلا عمل، ولا شهادة، ولا زواج، ولا بيت، وغالب أوقاته يتسكع في الطرقات، فنقم على والده، وقال له: يا أبت، يوم قلت لك: أحب ألا أدرس لمَ لمْ تصفعني ؟ لمَ لمْ تشدد عليّ ؟ لمَ لمْ تردعني ؟ لماذا تساهلت معي ؟
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) ﴾
( سورة القصص)

لذلك القاعدة الدقيقة الذهبية: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، فهذه المصائب يسوقها الله عز وجل من أجل التضرع، ومن أجل التذكرة، ومن أجل الرجوع إلى الله.
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (41) ﴾
( سورة الروم)
﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾
( سورة الروم)
الانحلال الأخلاقي نتج عنه الإيدز، والإيدز ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون، فالمصائب مكابح، هناك حِكم جليلة لو كشفت لذاب الإنسان كما تذوب الشمعة حباً لله وتقديراً له، وشكراً على هذه المصائب، وقد سماها العلماء النعم الباطنة، قال تعالى:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20) ﴾
( سورة لقمان)
أنواع المصائب:
أيها الإخوة الكرام، لكن المصائب أنواع، ومن السذاجة البالغة أن تظنها نوعاً واحداً، الأنبياء مبتلون، أشد بلاءً الأنبياء وأنا أشدهم بلاءً ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر إيمانه.
المصائب ما نجا منها الأنبياء، بل هم أشد الناس ابتلاءً، ثم الأمثل فالأمثل.
إذاً: هناك مصائب خاصة بالأنبياء، هناك مصائب خاصة بالمؤمنين، هناك مصائب خاصة بأهل الشرك والفسق والفجور.
1 – مصائب الأنبياء مصائب كشفٍ:
نبدأ بمصائب الأنبياء، مصائب الأنبياء مصائب كشف، هذا النبي الكريم ينطوي على كمال يفوق حد الخيال، هذا الكمال لا يظهر إلا في ظروف صعبة جداً.
إن الإنسان أحياناً يُنال من جانبه، فيتمنى أن يوقع أشد العذاب بمن تطاول عليه، أما أن يأتي سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، وسيد الأنبياء والمرسلين يمشي على قدميه ما يزيد على ثمانين كيلو مترا في أصعب الجبال وعورة ليصل إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الله ليهديهم إلى سواء السبيل، لينفذهم من النار، ليخرجهم من الظلمات على النور فكذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم أن ينالوه بالأذى، هذه مصيبة، لكن هذه المصيبة سوف تعبر بعد قليل عن الكمال الذي ينطوي عليه النبي.

أراد الله أن يمكنه من أن ينتقم فأرسل ملَك الجبال، قال: يا محمد، أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين الجبلين، الآن مُكِّن أن ينتقم منهم، لكنه قال: اللهم اهدِ قومي، قال: قومي، وما تبرأ منهم.
أحيانا يذهب إنسان إلى بلد غربي فيرجع ويقول لك: العرب متخلفون، ويتبرأ منهم نهائياً، لكن النبي قال: اللهم اهد قومي، دعا لهم بالهدى، وما تبرأ منهم، واعتذر عنهم، قال: فإنهم لا يعلمون، ورجا من الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده، هذه مصيبة، لكن أظهرت عظمة هذا النبي ورحمته بالخلق.
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) ﴾
( سورة التوبة)
هذا صنف من المصائب يصيب الأنبياء والمرسلين والصديقين وكبار العلماء والدعاة، يدفع ثمن عقيدتهم.
جاءوا لأحد العلماء بشيخ كي يلقنه الشهادة، قبل أن تنهى حياته، وهو عالم جليل، وشيخ كبير، الذي لقنه الشهادة قال له: أنا أموت من أجل لا إله إلا الله، أما أنت فترتزق بها، وشتان بين من يموت في سبيل الله ومن يرتزق بـ: لا إله إلا الله، لذلك يقول الإمام الشافعي: " لأن أرتزق بالرقص أهون من أن أرتزق بالدين "، والذين يرتزقون بالدين اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً.
مصائب الأنبياء والمرسلين وكبار المؤمنين والعلماء الربانيين مصائب كشف لكمال ينطوون عليه، هذه زمرة.2 – مصائب المؤمنين مصائب دفعٍ ورفعٍ:
المؤمنون، المؤمن إنسان مستقيم، لكنه يكون مقصِّرا أحياناً في أداء واجباته، أو في عباداته، أو يكون مشغولا بالدنيا، أو قد غرق في المباحات أو في التحريش بين المؤمنين، بدافع أو بآخر هذا الإنسان عند الله جيد، وعند الله له مكانة، لكن يمكن أن يعالَج، لذلك مصائب المؤمنين مصائب دفع إلى باب الله.

في المؤمن تقصير وفتور، وخطى بطيئة وتكاسل أحياناً، فالمؤمن إذا أصابه التكاسل، وإذا أصابته الفترة، وإذا أصابه الضعف يأتيه شبح مصيبة يسوقه إلى الله عز وجل، لذلك قال تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ﴾
( سورة البقرة)
مصائب المؤمنين مصائب دفع، هناك بطء، و تقصير وفتور في الهمة، تأتي المصيبة فتدفعه إلى باب الله، وتلجئه إلى باب الله، وتدعوه إلى المبالغة في طاعته لله، وتدعوه إلى إتقان عباداته، وتدعوه إلى قيام الليل، تدعوه على تلاوة القرآن الكريم، إلى المبالغة في غض بصره، فهي مصائب دفعٍ إلى باب الله، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ﴾
( سورة البقرة)
بلوغ المراتب العالية بين الصبر على المصيبة والأعمال الصالحة:
إن المركبة التي تمشي ببطء شديد إلى هدفها لو أنها أسرعت لحققت أهدافاً كبيرة جداً، هذه مصائب بعض المؤمنين.
هناك مصائب أخرى لمؤمن يمشي بسرعة، لكنه اختار من الأعمال الصالحة أقلَّها قيمة، فمَثَلُه كمثَل إنسان يحمل في مركبته بضاعة الطن الواحد أجرته مليار، فحمل نصف طن ومركبته تتحمل ثمانية أطنان، فإذا قبِل الإنسان بمرتبة دنيا فالله عز وجل لمحبته له يسوق له بعض المصائب كي يصبر عليها، فيرفع درجته عند الله.

كلمة من القلب إلى القلب: أنت كمؤمن مستقيم غالٍ على الله لك عنده مرتبة، فإما أن تبلغها بصبر على مصيبة، وإما أن تبلغها بعمل صالح، أيهما أهون ؟ لا بد من بلوغها، وسقف المؤمن هنا، هو قبل هنا، إذاً: لا بد من أن نرفع السقف، فإمّا أن أختار بلوغ مرتبة الصلاح بخدمة الخلق، أو بصبر على مصيبة.
أنا أنصح نفسي وأنصحكم جميعاً أن تنطلق لخدمة الحلق حتى يعفيك الله عز وجل من مصيبة تصبر عليها فتبلغ هذه المرتبة، الله عز وجل أعطاك مالاً فلمَ تقصّر في إنفاقه ؟ أعطاك مكانة لمَ تقصر في جعلها موظفة في الخير ؟ أعطاك طلاقة لسان لمَ تميل إلى السكوت، ولا تحب أن تلقي كلمة، ولا تحب أن تعلم العلم ؟ فكل إنسان عنده إمكانيات عالية، وبذل بعضها، فتأتيه مصيبة لرفع السقف حتى يصل إلى أعلى إمكان يمكن أن يصل إليه، مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، مصائب الأنبياء مصائب كشف، والآية الواضحة جداً الخاصة بالمؤمنين:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ﴾
( سورة البقرة)
3 – مصائب المنحرفين مصائب قصمٍ وردعٍ:
أيها الإخوة، أما مصائب المنحرفين الشاردين الكفار المشركين العصاة الفّجار نوع ثالث، هما مصيبتان، إما أنها مصيبة قصم، أو أنها مصيبة ردع، فإذا كان فيه بقية خير تأتيه مصيبة ردع، مصيبة يشيب لهَوْلِها الولدان، مصيبة تَدَع الحليم حيران، قال تعالى:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) ﴾
( سورة البروج)
الله عز وجل عنده أدوية مُرّة.

بالمناسبة، في أيّ مكان في العالم كنتَ فإن الله عنده أدوية لكل مكان، بحسب البيئة والتركيبة، في بلاد فيها حريات لا حدود، لها أموال طائلة، بلاد جميلة، قطعة من الجنة، حريات إلى أعلى درجة، حقوق الإنسان متوافرة بشكل مذهل، قد يأتي مرض عضال يري صاحبه النجوم ظهراً، وفي مكان آخر شدة وسيوف مسلطة فوق الناس، كل بلد له تركيبة معينة، كل بلد له وضع معين، الله عز وجل قادر على أن يسوق عباده إليه في أي مكان.
مرة أَحَبَّ رجلٌ أن يسألني سؤالا محرجا قال: دعْوتك خلال خمس وثلاثين سنة ما ملخصها ؟ يريد كلمة ألخص بها دعوتي خلال خمس وثلاثين سنة، قلت له كلمة واحدة بالتعبير الدارج: إمّا أن تأتي ركضا وإمّا أن يحضرك ركضا، إما أن تأتيه طائعاً مسرعاً أو هو قادر أن يأتي بك طائعاً مسرعاً.
قال لي واحد أحدُهم: حققت أرباحا مذهلة في السبعينيات، وكان الدولار بثلاث ليرات، وضعت في جيبي خمسمئة ألف، وذهبت إلى بلاد جميلة جداً بعيدة، قال: مِن دون زوجتي كي آخذ حريتي، هكذا قال لي بصراحة، وصل إلى هناك فشعر بآلام في ظهره، أجرى فحصا فظهر ورم خبيث في النخاع الشوكي، قطع الرحلة، وعاد إلى الشام، وبدأ من جامع إلى جامع، ومن شيخ إلى شيخ، حتى وصل إلي، الله عز وجل جاء به مسرعاً، لأن الله يحبنا، لأنه خلقنا للجنة، لأنه خلقنا ليسعدنا، لا ينسى من فضله أحدا، وهذا فضلٌُ إلهيّ ساقه إلي.
مصائب الشاردين العصاة الفجار الكفار المشركين مصائب ردع إذا كان فيهم بقية خير، جاء هذا الرجل إلى الشام وأحرى فحوص التشخيص، فتبيّن أن الفحص الأول غير صحيح هناك، فالله عافاه ورده، القصة طويلة، لكن مصائب المنحرفين مصائب ردع أو مصائب قصم تنهيه.والحمد لله رب العالمين